من موروثنا الشعبي روشما- نيشَن
بدران امرايا
في حياة القرى الناس تعتمد بشكل رئيسي على منتوج الحيوانات في حياتهم اليومية ,إلى جانب المنتوج الزراعي ,والتجارة بشكل محدد, لذلك كان للناس قطعان جرارة من الغنم والماعز
قنيانا أي المقتنيات الخاصة بالإضافة إلى الأبقار والحمير والثيران والبغال والخيول والدواجن ,لذلك كان الواجب يفرض عليهم أن يعملوا شيئا لمعرفة وتمييز أغنامهم أو ماعزهم وغيرها لعدم الاختلاط وصداع الرأس في هذه الناحية .
روشما او نيشن وهو اسم سرياني معناه الرسم أو العلامة أو نيسان المشتقة من
نيشَن, وهي ظاهرة كانت سائدة في بلاد مابين النهرين وتكمن بوضع إشارة تمييزية على اذان أو أنوف أعضاء العائلة الملكية أو وضع أو صنع علامات تمييزية على الرجال والنساء من العبيد والخدم العائدة للملك أو الأشخاص الآخرين , وأيضا على الحيوانات من الأغنام أو الماعز أو الأبقار لمعرفتها من قبل الصاحب, والحيوانات الأخرى فيمكن تتميزها بواسطة الكثير من المميزات الظاهرية الأخرى من اللون والضخامة البدنية وغيرها,أما الأغنام والماعز فإنها غالبا تتشابه في الشكل واللون ويصعب تميزها في القطعان الكبيرة الجرارة , وكان كل بيت له علامة خاصة معروفة عند الآخرين يضع هذه العلامة أو الإشارة على حيواناته العديدة , تختلف عن علامات الآخرين,ولدى رؤية رأس الحيوان كان يعرف عائديته لبيت فلان من الناس,من خلال الإشارة الموجودة عليه.
وكان شعبنا الكلدو اشوري السرياني أصحاب القطعان من الماعز أو الأغنام , يقومون بصنع
روشما أو النيشان بعدة طرق وكان الموضع الغالب هو أذني
اذني - نتياتا الحيوان لطراوته لفعل أي ثقب او نقش عليها فكانت تعتبر لوحات طرية للنقش عليها وحسب الرغبة , أما ببَتر قطعة صغيرة من طرف إحدى أذني اليمنى أو اليسرى على شكل مثلث أو مربع أو دائرة أو تسخين أنبوب معدني ووضعه على الأذن والضغط عليها لعمل ثقب بها ,وكان على الغالب يستعان بواسطة (فشك أو الطلاقة نارية المعدنية ) لعمل الثقب ,أو غمس مفتاح معدني في النار لحد الاحمرار ثم رفعه بواسطة مقبض ووضعه على الأذن والضغط عليه فيطبع على الإذن شكل المفتاح, وعمل إشارات مختلفة .
وعند رؤية طفل أو طفلة فإنها لابد أو تشبه أو تعطي ملامح احد والديها فكان يقال
ايلا روشما دفلان بيتا أي إنها علامة أو تشبه البيت الفلاني.
ولدى شراء أي رأس من الحيوانات كانت توضع هذه الإشارة عليه ,أو الرؤوس المولودة حديثا في الربيع الأول فكانت تخضع لهذه الظاهرة .وأحيانا كانت تسمى بـ درهو
إلى جانب كان الأولاد الوحيدين لوالديهم
اخيدايي , يخيدايي يثقب أو يخرم ثقب في الإذن اليمنى لهم لتمييزهم أو للتبرك وغيرها من المسائل الروحية , فكان عامة الناس يحترمونهم أكثر , وخاصة عند الأعياد والمناسبات الأخرى فكانت حصتهم حصة الأسد من كل المواد .
وكانت العملية تتم من خلال وضع كمية من الملح في آنية ماء ,وخبطها للتعقيم ,ثم وضع الخيط الأسود في الإبرة
مخاطا ,وتبليل الإبرة والخيط بماء الملح ,ثم تأتي السيدة المختصة بهذه الصنعة فإحدى السيدات تمسك الطفل والأخرى بتأني تُمرر الإبرة في عضلة أسفل الإذن , وكانت الطفل يطلق صرخات و كانت ألام تبتعد عن هذا المشهد المحزن أي لا تقاوم أن ترى طفلها الوحيد والمدلل وهو يتألم,وبعد ثقب الأذن ويعقد الخيط في الثقب لكي لا يسد الثقب وكان الطفل يمر بفترة الم ولمدة أسبوع, بعدها كانت تمرر خرزة في الثقب ليكون مميزا عند الناس, وحيانا حتى كان يعفى من الخدمة العسكرية لانه الوحيد.
أما وضع الإناث الفصوص أو الحلقات أو الخرز في آذان ( مَروادي ) أنوف ( قَرفلي ) أو الأرجل ( حجلي ) فكانت لإغراض تجميلية
سقلا , شوبرا بحتة لا غيرها.
وعلى ضوء ما تقدم فان وضع الحلقات أو أي شيء أخر في الآذان عند الرجال كان لغرض معرفة العائلة المالكة , أو لتمييز والولد الوحيد للعائلة أو لمعرفة أو عائديه أو ملكية هذا العبيد . أو لتمييز الحيوانات كما ذكرنا.
أما الآن فان هذه الظاهرة استشرت عند أبناء شعبنا الكلدو آشوري السرياني وخاصة عند الذكور في المهجر,بحجة إنها موضة العصر والحرية الشخصية ,وغيرها من الحجج الواهية وأي موضة هذه !! وعدا الحالات المذكورة أعلاه والتي انقرضت أيضا إلا عند الحيوانات ,وفي رائي الشخصي فان ما يوضع من حلقات أو غيرها على أماكن مختلفة من الجسد , فإنها فارغة من أية معنى أو فائدة تذكر, ولا تمت بأية صلة لا من بعيد أو قريب بتراثنا وأعرافنا وقيمنا وتاريخنا العتيد .
أما ظاهرة
روشما عند الحيوانات فإنها موجودة وتمارس لحد الآن ,ولكن بطرق أكثر حداثة لضرورتها .
شلامي وخوبي وايقاري .تَودي.
Badran_marcus@yahoo.com