المحرر موضوع: الشَّاعر البحريني قاسم حدّاد يستنبتُ نصّه من رحيقِ الحياة  (زيارة 883 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صبري يوسـف

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 96
    • مشاهدة الملف الشخصي
الشَّاعر البحريني قاسم حدّاد
يستنبتُ نصّه من رحيقِ الحياة




حوار صبري يوسف ــــــ ستوكهولم

الشَّاعر قاسم حدَّاد يكتب القصيدة كَمَنْ يتعبّد في محراب الشِّعر. ينقشُ على شهقة الرُّوح بشرى الخلاص، خلاص الرُّوح من منغَّصات هذا الزَّمان، كأنَّه محارة منبعثة من أعماقِ البحار، ومستمدّة من نقاوةِ المطر! يلتقطُ بتلهُّفٍ اشراقةَ القصيدة، كما يتلهَّفُ الطُّفل إلى روعةِ الفراشة وهي تعانقُ بهاء الوردة.
يتميّز الشَّاعر البحريني قاسم حدّاد بلغةٍ بديعة تنضحُ ألقاً وبهجةً وإبداعاً، كأنَّه يستنبتُ نصّه من رحيقِ الحياة، من أحلامٍ مسترخية في رحابِ الطُّفولة البكر، من طموحاتٍ معرَّشةٍ في صفاءِ السَّماء، كأنّه رسالةُ أملٍ تشكَّلَتْ من خلال تشظّياتِ هذا الزَّمن الأحمق، كي يعيدَ للغدِ الآتي ألقه، لهذا أسَّسَ منبراً الكترونيَّاً معتَّقاً بوهجِ الشِّعرِ، أطلق عليه "جهة الشِّعر"، محتضناً "القصيدة" من كلِّ جهات الدُّنيا، كأنَّها ابنته الأزليّة ولا بدَّ من رعايتها، رغم جهامةِ الحياة الَّتي تطوّقها من أغلبِ الجِّهات.
يتوغَّل الشَّاعرُ عميقاً في فضاءاتِ اللُّغة، مغامراً ومجرِّباً بكلِّ ما لديهِ من تهويماتٍ وطاقاتٍ إبداعيّة متخيّلة، مركَّزاً على التَّجريبِ والتَّجديدِ والتّحديثِ، بلغةٍ شفيفة، عميقة، متدفِّقة من جموحات روحه التوّاقة إلى معانقةِ ظلالِ الأحلامِ البعيدة.
أطلَّ الشَّاعر على وجهِ الدُّنيا في البحرين على زقزقاتِ العصافير وأريجِ الزُّهورِ. تضمّخت أجنحته بالشعر منذ يفاعته، فغاصَ في عوالمه إلى أن تقمّصه الشَّعر تماماً وغدا شهقةَ فرحٍ وانبعاثٍ من كيانه المتلاطم ليل نهار. يكتب نصّه كأنّه ناسك ترهْبنَ لإلتقاطِ دُرَرِ الشِّعر من جنونِ الحياةِ ومن روعةِ الحياةِ أيضاً.     
من خلال إهتمامي الكبير وإطلاعي بكلِّ شغفٍ على دواوين الشَّاعر قاسم حدّاد، الَّتي تربو على ثلاثين ديوانٍ، عبر موقعه الشَّخصي وعبر قصائده المنشورة في الصُّحف والمجلات والمواقع الإلكترونيّة، ما وجدتُ نفسي إلا متغلغلاً في ينابيع شعريّة صافية، متعانقاً مع عوالمه وفضاءات نصوصه البديعة فولد هذا الحوار:

1 ـ تكتب الشِّعر كمَن ينقشُ على شهقةِ الرُّوح بشرى الخلاص، كيف تبرعمَ في كينونتكَ جمال كلّ هذا الإبتهال الشِّعري؟!

لا أعرف. إذا لم يشِ النَّص بما يجيب على مثل هذا السُّؤال، فلن يفلح غيره أن يفعل ذلك. الخلاص في النَّص ولا بُشرى خارجه.

2 ـ نصُّ قاسم حدّاد يشبه محارة بديعة منبعثة من أعماق البحر، هل تستمدُّ جموحات يراعكَ من نقاوةِ المطر؟

اللُّؤلؤة في المحارة هي لحظة المرض الكوني الخاطف. والشَّاعر عند كلّ نص هو حالة من ذهول الخلق على شفير من الموت والحياة. قطرة المطر تأتي جديدة في كلِّ مرّة، مثل لؤلؤة تنجو من المرض. غير أن الشَّاعر نادر أن ينجو.

3 ـ كيف تلتقطُ اشراقة القصيدة، هل تهفو إليها مثلما يهفو الطِّفل إلى روعة الفراشة وهي تعانقُ بهاءَ الوردة؟!

لا أعرف. يصعب ادراك هذه الحالات الَّتي لا تتشابه في كلِّ مرَّة. وظنِّي أنَّ الشِّعر لا يأتي أحداً. نحن نذهب إليه مثل أفق .. يظلُّ هناك، نسعى إليه .. نسعى ولا نصل.

4 ـ لغتكَ تنضحُ ألقاً وبهجةً، أراك تتوغَّلُ في حفاوةِ اللُّغة، كأنّكَ بصدد كتابة نصّ شعري مُستنبت من رحيقِ الحياة!

ذهابٌ دائم الى اللُّغة. هذا هو الشِّعر. أحياناً الفشل أكثر جمالاً من النَّجاح حين يتعلَّق الأمر بالشِّعر، حيث الشَّاعر لا يحيا ولا يموت.

5 ـ هناك تجلّيات ورؤية إنسانيّة راقية تزدهي في نصوصك، كيف تمسك بكلِّ هذا البهاء الإنساني عبر نصٍّ شعري؟

لا أعرف، ما إذا كان هذا الَّذي تقول عنه يحدث فعلاً، أم أنّك ترى ما لا يدرك.

6 ـ بماذا تفكِّر وأنتَ غارق في تدفُّقاتكَ، هل تكتب لِذاتِكَ، لآفاقك اللامحدودة، أم أنَّكَ تكتب لتعيد توازنكَ في الحياة؟

لذاتي ربَّما، عن ذاتي نعم، الكتابة هي محاولة الامساك بطرف الرِّيشة في جناح مكسور. الشَّاعر هو كائن مخذول دائماً، والكتابة ضرب من اسعاف النَّفس.

7 ـ كيف ممكن أن نصنع ثقافة شعريّة إبداعيّة راقية، بعيدة عن مقصّات مَن لا يفهمون أعماق أبجديات الإبداع؟!

عندما تقدر على حسم الأمر مبكراً: ماذا تريد من الشِّعر مطلقاً. أين الغاية وأين الوسيلة في حياتك عندما يتعلَّق الأمر بالشِّعر والكتابة. إن كان الشِّعر وسيلة، فاحسب أنّك انتهيت على العتبة الأولى.

8 ـ هل تشعر بين الحين والآخر أنَّ هناك تكلُّسات تخنق حفاوة القصيدة، ويراودك أن تقفز فوق هذه التكلُّسات ولكنَّك تصطدم بجدران سميكة مسلَّطة فوق شهيق الشّعر؟ وهل تواجه هذه التَّكلُّسات وتخلخلها شعرياً، بطريقةٍ أو بأخرى؟!

ليس ثمّة حجاب أو وسائط بيني وبين الشِّعر، وبالتالي فأنا لست بحاجة (أو بالضبط لست معنيَّاً) بما يتكلّس ويصطدم ويسلّط على طاقة الشِّعر الّتي تستعصي.

9 ـ لماذا لا نرى للشِّعر والأدب دوراً تنويريَّاً، يفتح آفاقاً لرؤى رياديّة جديدة لمجتمعاتنا الشَّرقيّة والعربيّة؟

الشِّعر أقل خطابةً وأكثر سبراً في آن. وكلَّما جاء الشِّعر متحرِّراً من هذه المزاعم، تسنَّى له أن يتحقَّق ويحقِّق حلمه الحميم. فتلك أدوار لها من ينهض بها.

10 ـ هناك أشبه ما يكون بإنفصام ما بين ثقافة الدَّولة السَّائدة في الشَّرق، وبين المبدع الحرّ، متى سنجد تناغماً ما بين القائمين على قيادة دفّة الثّقافة والمبدعين الَّذين يغوصون في أعماق البحار والسَّماء بحثاً عن رحيقِ الإبداع؟

أخشى أنّه علينا عدم السَّعى لمثل هذا (التَّناغم) الَّذي تشير إليه. فربَّما ليس متوقِّعاً من الشِّعر أن يتناغم مع تلك الدَّولة وثقافتها.

11 ـ الشِّعر والرَّسم وجهان لعشق واحد هو الإبداع، الشَّاعر يبدع صوره عبر الكلمة والفنّان يبدع عبر اللَّون، فما رأيك في تماهي وتداخل هذين الوجهين في تدفُّقات وهجِ الإبداع؟

منذ أن وعيت (أو ظننت ذلك) كنت أرى إلى الشِّعر والرَّسم سياقاً واحداً نحو أفق أكثر رحابة من التُّخوم. أحببتُ الرّسم مبكراً لكنَّني وجدت نفسي في الشِّعر. فاكتفيت بتلك المحبّة. ليس في الأمر تماهٍ، لكنَّهما يذهبان الى الطَّريق بنفس الوسائل ... تقريباً.

12 ـ ما رأيك بأن يستلهم الشَّاعر نصوصاً شعريّة من وحي الإصغاء إلى موسيقى ومشاهدة لوحات تشكيليّة؟

هذه نعمة لا تكفّ عن منحنا كرمهما كلَّما تسنَّى لنا ذلك.

13 ـ هل الشَّاعر هو حرّ بالمطلق، أم أنّه مقيّد ببعضِ التَّقاليد والأفكار والتَّوجُّهات والآراء السَّائدة في البلاد؟

إذا استطاع أن يكون حرَّاً فعلاً، فسوف لن يرى في تلك الأدوات والآليات سوى أجنحة نحو حرِّيته.


14 ـ في ظلِّ الصِّراعات الَّتي تشهدها السَّاحة العربيّة والشَّرقيّة، انكفأتِ الثَّقافة والشَّعر نحو الصّفوف الخلفيّة، كيف ممكن أن نعيدَ لكلٍّ من الثَّقافة والشِّعر والإبداع دوره الخلاق في المجتمع والحياة؟!

لا يتوقف الإبداع عن العمل، مثل الحياة. غير أنّه يتوجَّب علينا التَّخفُّف من الأعباء الَّتي نتوهَّم مسؤوليّة الشِّعر عنها. العمل في السَّاحات من مهمَّات الآخرين، كثيري المزاعم قليلي المواهب. الشِّعر أجمل من ذلك .. وأجدى.

15 ـ أنتَ من الشُّعراء المتميِّزين والبارزين في نصِّكَ الشِّعري، رغم غزارة انتاجكَ، كيف استطعتَ أن تحافظَ على غزارةِ إنتاجكَ وشموخِ البناء الشِّعري؟

غزارة انتاجي؟  انني بالكاد أتمرَّن على الكتابة والشِّعر، ففي رفوف روحي الكثير الَّذي لم أكتبه بعد. وأخشى أنَّ الوقت لم يعد يسع. فالوقت صار عدوِّي.

16 ـ كيف تكتب القصيدة، هل تضع مخطّطاً وأفكاراً ما لبناء القصيدة، أم أنّها تتبلور أفكارها ثمَّ تلد بعفويّة جامحة؟

ليس ثمَّة مخططات للشعر والكتابة. أكتب مثل طفل يتعلم الكلام. وأهدم مثل عابث.

17 ـ السِّياسة هي جزء من الثَّقافة، ولكن هذه القضيّة في بلادنا الشَّرقيّة والعربيّة معكوسة تماماً، حيث نرى أنَّ الثَّقافة تابعة للسياسة، متى سيفهم السِّياسي الشَّرقي أنَّ لا قيمة لأي بلد في الدُّنيا ما لم يولِّ أهمية كبرى للثقافة؟

لم يحدث أنَّني تصرَّفتُ (أعني: استسلمت لفكرة) بتابعيّة الثَّقافة للسياسة. وكثيراً قلت أنَّ هذا أمر لا ينبغي الغفلة عنه في هذه الغابة العربيّة. فَهِمَ أمْ لم يفهم السِّياسيون، فالثقافة شأنٌ لا ينبغي أن يحلموا بقيادته.

18 ـ عادة المجتمع البشري في حالة تطوُّر وتقدُّم، لكنِّي أرى مجتمعاتنا في حالة تقهقر وتراجع، إلى متى سنغوص في حروب لانهائيّة، ولا ينظر قادة الأوطان إلا سم واحد نحو الأمام، متى سينظرون نظرة بانوراميّة لخير مجتمعاتهم؟

قلت قبل سنوات: أنَّنا لسنا متخلِّفون، لكنَّنا نتخلَّف يوميّاً. والفرق كبير وأخطر بين أن نكون متخلِّفين وأنّنا نتخلّف بشكل بالغ الاستطراد والاصرار. فهذا يجعل المسافة بيننا وبين الحياة في هذا العالم .. هائلة وعسيرة على المعالجة.

19 ـ لماذا الشِّعر العربي في حالة انحسار عالميَّاً، هل توافقني الرَّأي، أنَّ الشَّاعرَ العربي مغضوب عليه من قبل الشَّرق والغرب معاً؟

من قال هذا؟! النَّاس يتخلَّفون وينحسرون، غير أنَّ الشِّعر والإبداع يتفتَّح مثل وردة في الحديقة. ربَّما مغضوب عليه في المجتمع المتخلِّف. تعال أنظر الى العالم كيف يحبون الشُّعراء ويحترمونهم ويصغون إليهم.

20 ـ أصبح مالنا، نفطنا، وشمسنا، بلوةً ونقمةً علينا، حبذا لو كنَّا من أفقر فقراء الكون ولا رأينا هذه الكوارث!

ليس الخلل في الثّروات والطَّبيعة، الخلل في العقل الَّذي يكفُّ عن ذلك ويقصر عنه.

21 ـ فشلَ القادة الرِّجال في قيادة الشَّرق وقيادة الكون، لماذا لا يتركون الفسحة للمرأة كي تقود العالم، لأنَّ المرأة تجنح نحو السَّلام والمحبّة والوئام بين البشر، بينما الرِّجال يجنحون للحروب وقيادة البلاد والعباد إلى بوّابات الجَّحيم؟

لا أنظر الى الأمر بهذه النَّظرة العنصريّة الَّتي لا تختلف عن (عكسها) سوى في النَّوع.

22 ـ أشعر بقرف حقيقي من سياسات هذا الزَّمان، خاصَّة السِّياسات العالميّة، حيث أشعلوا الكون حروباً مدمِّرة للجميع، فلا يوجد أي طرف رابح من كلِّ هذه الحروب طالما هناك قتل ودمار من كلِّ الجِّهات، ما هذا الغباء السِّياسي الكوني؟

لا أعرف.

23 ـ صراع الحضارات، أقبح القباحات، متى سيفهم الشَّرق والغرب أنّ كليهما في مهبِّ الجّنون لو سارا في هذا المسار؟

مَنْ يقول بصراع الحضارات سوى المتعصِّبين في الدِّين والفكر. ثمَّة حوار إنساني عميق الدَّلالات يجري بين البشر والثَّقافات في أرجاء الأرض. وربَّما في هذا يكمن نور الأفق الَّذي نحلم به.

24 ـ فشلت السِّياسات كما أسلفتُ في قيادة الكون والمجتمعات، لماذا لا يجرِّبون الثَّقافة في قيادة الأوطان، خاصَّة في دنيا الشَّرق، لماذا لا يقود المبدع البلاد الَّتي ينتمي إليها، أم أنَّ قيادة البلاد تحتاج إلى لغةِ النَّارِ والفولاذ، والمبدع لا يجيد سوى عبق الأزاهير وبسمة الأطفال واخضرار الحياة؟!

أخشى أنهم لم يفشلوا بعد في مهمَّاتهم. فخرائط الخراب ما تزال تعيث في العالم.

25. نحن أحوج ما نكون لبناء جسر ثقافي وفكري وإبداعي بيننا وبين الغرب، ما رأيك لو نبني هذا الجِّسر الثّقافي عبر التَّرجمة، ويروِّج الجَّميع لثقافة المحبّة والتَّسامح والسَّلام، لخلق حالة وئام وسلام  بين البشر كلَّ البشر؟!

هل بدأتَ ؟!