العيش في الجحيم وحلم المسيحيين العراقيين بالجنة
عينكاوا كوم- وكالة أخبار إنتر بريس- ترجمة رشوان الدقاق نشرت وكالة إنتر بريس يوم الإثنين الماضي تقريراً مطولاً بعنوان "العيش في الجحيم وحلم المسيحيين العراقيين بالجنة" تناولت فيه أوضاع مسيحيي العراق الذين فر نحو نصف عددهم بعد الغزو الأمريكي لبلدهم سنة 2003.
ومع أن أعداد ضحايا العنف من المسيحيين العراقيين لم تتجاوز الألف قتيل منذ العام 2003 لحد الآن -وفقاً لأكثر من إحصائية- إلا أن التقرير يبرز العنف "الممنهج" الذي يتعرض له المسيحيين سكان العراق الأصليين لاعتبارهم من قبل بعض المتطرفين "دخلاء جدد" وبأنهم "امتداد للغرب في البلاد الإسلامية".
وينشر "عنكاوا كوم" نص التقرير باللغة العربية بعد ترجمته عن الإنكليزية: العيش في الجحيم وحلم المسيحيين العراقيين بالجنةبعشيقة- العراق، 20 أيار الجاري
يتذكر لويس شابي بحنين فترة سنوات التدريب التسع التي قضاها في روما والرحلة الرائعة خلال طرق أوربا قبل عودته إلى العراق عام 1969. كانت تلكْ هي الأوقات الجيدة، قال ذلك مطران بغداد الكلداني وهو يتنهد من المخبأ الذي اتخذه مكتباً له في قلب العاصمة العراقية.
يقع مكتبه في سرداب كنيسة الوردية للقديسة مريم، وهي كنيسة بسيطة في شرق المدينة، ومع ذلك تحميها اليوم الجدران الكونكريتية العالية والأسلاك الشائكة والجنود الحراس على أهبة الاستعداد بجوار عربة مدرعة عند المدخل.
قال المطران الذي كان مرتدياً رداء الكهنة الأسود وغطاء الرأس الوردي، مشيراً إلى المسيحيين العراقيين، لقد كنا دائماً شعب مسالم دؤوبٌ على العمل وذو سمعة جيدة جداً لمساهماتنا في الثقافة العراقية مع العديد من الكتاب والشعراء والفلاسفة.
وأضاف المطران شابي بحزن، لكن منذ الغزو عام 2003 شدّد المتطرفين على فكرة أننا من الدُخلاء الجُدد وأننا امتداد للغرب في الشرق الأوسط، مؤكداً على حقيقة أنَّ وجود بعض الوزراء المسيحيين خلال سنوات حكم صدام حسين جعل الأمور أكثر سوءاً.
وتساءل، ماذا فعلت أوربا لمساعدتنا؟ وماذا عن روما؟ وأجاب: لا السلطات المدنية ولا الدينية في أوربا حركت إصبعاً واحداً لمساعدتنا في واحدة من أسوأ فترات تاريخنا.
استهداف المسيحيين بعد فناء المندائيين العراقيين كلياً - إذ أن 9 من بين كل 10 أشخاص إما قُتلوا أو هربوا منذ عام 2003 - عانى المجتمع المسيحي المحلي بشكل كبير خلال العقد الماضي، إذ ذكرت تقارير مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين بأن نصف السكان المسيحيين قد غادروا البلاد منذ العام 2003.
ويذهب المجلس الآشوري في أوربا -وهو منظمة غير حكومية مستقلة- أبعد من ذلك مشيراً إلى الدستور العراقي على أنه أحد الجناة في أسباب التهميش الذي تتعرض له الأقليات العراقية.
والإسلام هو دين الدولة والركيزة الأساسية لقوانين البلاد، كما نصت عليه المادة 2.1 من الدستور للعام 2005.
وقال شابي، نحن لسنا عرباً وإنما ساميين، كنا نتحدث اللغة الآرامية في بلاد مابين النهرين منذ زمن حمورابي ونحن أحفاد إبراهيم ونبوخذ نصر، ولكن مستقبلنا الآن لا يذهب أبعد من الغد.
يبعد هذا المخبأ تحت الأرض مسافة 10 دقائق سيراً على الأقدام عن الكنيسة الحديثة "سيدة النجاة" التي أُعيد تجديدها في العام الماضي، ولكن لن ينسى أحد ما حدث فيها قبل أقل من عامين.
يتذكر "أيسر سعيد" الكاهن الحالي للكنيسة ما حدث وقال، لقد كانوا خمسة إرهابيين قفزوا عبر الجدران الكونكريتية ودخلوا الكنيسة وهم يصرخون "ألله أكبر"، وقالوا بأنهم ينتمون إلى دولة العراق الإسلامية -التي هي مجموعة سنيّة ترتبط بتنظيم القاعدة- حدث ذلك في 31 تشرين الأول من عام 2011 حيث كنا حاضرين القداس في ذلك اليوم.
وأضاف الأب سعيد بأن كاهن الكنيسة الذي سبقه، الأب وسيم، كان من بين الشهداء الخمسين الذين قُتلوا في واحدة من أشد الهجمات على المجتمع المسيحي منذ العام 2003. وقال أيضاً، مات البعض نتيجة لإطلاق النار ومات الآخرين بسبب الاختناق. وكان قد اختبأ بعض المُصلين في غرفة ارتداء الملابس الصغيرة التي لا يوجد فيها نوافذ مما سبب في نقص الأوكسجين بسرعة.
مكان في جنة عدن طالب المسيحيون في العراق مباشرة بعد ذلك الهجوم الوحشي بمنطقة للحكم الذاتي لهم في سهول نينوى الواقعة شمال غرب البلاد على حدود منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق.
في هذه السهول، التي يعتبرها الكتاب المقدس جنة عدن، يتجمع السكان المسيحيين. وتُعد هذه المنطقة حالياً من المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد، وهي تعود إلى الموصل مركز محافظة نينوى التي تمثل المعقل السابق القوي للبعثيين والتي تمزقها الاشتباكات الطائفية منذ بدء الاحتجاجات الجماهيرية في شهر كانون الأول من العام الماضي.
و"بعشيقة" التي تبعد مسافة 30 كلم عن الموصل هي واحدة من الأماكن التي يدّعي العديد من المسيحيين بأنها جزء من منطقة الحكم الذاتي التي يُطالبون بها. ومن الكنيسة الأرثوذكسية مارت شموني يؤكد الأب دانيال، البالغ من العمر 23 عاماً، على أهمية وحدة العراقيين، علماً بأنه يعترف بأن الوحدة ليست سهلة المنال.
قال الأب دانيال، هذه هي الفوضى إذ لا تتمكن السلطات في بغداد من حمايتنا، لذلك يستمر شعبنا في الهرب بالآلاف. ولكنه استطرد وقال، لقد استقبلنا في الأشهر القليلة الماضية العديد من العائلات المسيحية القادمة من سوريا طارقةً أبواب الكنائس والأديرة طالبة المساعدة، إذ يأتي الكثير منهم وليس لديهم أي شيء.
ويقول الأب دانيال، على الرغم من قربها من مدينة الموصل المضطربة، تتمتع بعشيقة باستقرار نسبي يُعزيه إلى وجود الجنود الأكراد المنتشرين في المنطقة. وللكثيرين، تُعد بعشيقة مجرد محطة خلال طريقهم إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية حيث الأمان الكامل.
تعتبر مدينة كركوك الواقعة على بُعد 230 كلم شمال غرب بغداد على أنها في مأزق قانوني بين بغداد وحكومة إقليم كردستان.
يستنكر عماد يوخانا ياقو، عضو البرلمان في بغداد عن الحركة الآشورية الديمقراطية، الإبادة الجماعية على أيدي الإسلاميين والنزوح الجماعي المستمر لشعبه منذ العام 2003، وفي الوقت نفسه يدعو لمشروع مُصمم خصيصاً لمجتمعه المتناقص.
قال ياقو من مدينة كركوك لوكالة IPS نحن نخشى من حدوث حرب جديدة في البلاد بين الأكراد والعرب السنّة والشيعة ودعا إلى منطقة حكم ذاتي في سهل نينوى التي ستحمي المجتمع المسيحي وتعمل على أنها منطقة عازلة بين الجانبين المتحاربين.
إن مشروع الحكم الذاتي مثيراً للجدل، إذ يخشى الكثيرون من إمكانية تحوّل هذه المنطقة إلى كيتو (أو حي) يُزاح إليها المسيحيين من جميع أنحاء العراق.
وقال يوسف إيشو الرئيس التنفيذي للحركة المسيحية الآشورية، إن القمعْ الذي نعانيه لا يأتي حصراً من العراقيين العرب وإنما هناك إيران والعربية السعودية والعديد من العملاء الأجانب الذين يُشاركون في التطهير العرقي لشعبنا.
وحذر إيشو من أن تتحول الكيتو في نهاية المطاف إلى حقيقة واقعة إذا ما استمرَّ التدخل الخارجي.