بعد اسقاط النظام العراقي السابق وتقسيم المناصب السيادية وغير السيادية على اساس قومي وطائفي مقيت، كان للمسيحيين العراقيين الباقين في الوطن حصة شكلية لا بأس بها في الحكومة المركزية، كما كان لهم قبل ذلك تمثيل برلماني وحكومي في اقليم كوردستان منذ بداية التسعينات، طفت على السطح او بالاحرى ظهرت شخصيات وكيانات وجمعيات واحزاب وغيرها من التكتلات بمختلف التسميات للعمل على تحقيق الاهداف القومية!!! ( هدفهم الوحيد كان الاستحواذ على المناصب المخصصة للمسيحيين باسم القومية )، وهذه الاهداف كانت متشابهة احيانا ومتباينة احيانا اخرى حسب الافكار والمبادىء التي يحملها هؤلاء الاشخاص كتنظيمات سياسية. وهذا امر يدعو للتفاؤل بالمستقبل ويشجع المسيحيين العراقيين على البقاء في وطنهم والتمسك بجذورهم بدلا من الاغتراب والاندثار في مشارق الارض ومغاربها، لان وجود مؤسسات واحزاب قومية تخص فئة معينة يدل على وجود اناس مخلصين يحملون الهم القومي ويناضلون في سبيل بقائه وتقدمه ورفاهية ابنائه، ولكن الذي حصل كان عكس ذلك تماما، فهجرة المسيحيين لا زالت مستمرة وبشكل مخيف واذا ما استمرت على هذا النحو فلن يبقى في العراق وجود للمسييحين وان بقي فيكون عددهم قليلا لا يتجاوز بضعة الاف على مدى القرون القادمة.
منح الكوتا للمسيحيين في مجلس النواب واعطائهم منصب وزراي او بضعة مناصب حكومية اخرى لم يثن المسيحيين ( خصوصا مسيحيي محافظات العراق الجنوبية ) عن الهجرة او المحاولة للوصول الى دولة اوروبية، يقيمون فيها بحرية وامان دون حسبان ثواني الحياة المتبقية لانفسهم ولاولادهم، بل بالعكس من ذلك تماما نلاحظ ان هذه المناصب كانت سببا اضافيا للتفكير بتخليص الانفس من الاخطار المحدقة بها، وذلك لفقدان المسيحيين بصورة عامة ثقتهم بالاحزاب والشخصيات التي تمثلهم في البرلمان او في الحكومة، لان هم هؤلاء كان منصبا على الاحتفاظ بالمنصب الكارتوني وجني الامتيازات الملحقة به، منذ عام 2003 ولحد اليوم لم نسمع من نائب برلماني او وزير او اي شخص اخر متعين بمنصب حكومي كبير على اساس قومي وطائفي من المسيحيين في الحكومة الاتحادية يعلن او يصرح، او حتى يهمس بخفاء، ان الذي حصل للمسيحيين في العراق من جرائم قتل وتهجير قسري يعتبر من قبيل الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية، او هو محاولة علنية لافراغ العراق من المكون المسيحيي، بل بالعكس من ذلك تماما كانت تصريحات هؤلاء المخجلة عاملا مشجعا لاستمرار الارهاب ضد المسيحيين دون خوف او تردد.
لو استثنينا بضعة اشخاص نلاحظ ان جميع احزابنا ومؤسساتنا القومية ( تتمثل هذه الاحزاب والمؤسسات ببضعة اشخاص متملقين انتهازيين يتمسكون زمام الامور ويتربعون على السلطة منذ تأسيس الحزب لغاية وفاة القائد الاوحد او زوال الحزب وانهياره ) ما هي الا محلات تجارية ومكاتب سمسرة تتخذ من قضيتنا القومية وسيلة للاعتياش وتسلق المناصب، فنلاحظ الحافي قد اصبح مليونيرا والنصاب المديون لابناء قومه قد اصبح مسؤولا في هذا الحزب او ذاك، وذاك المتملق الذي لم يبق حبلا الا ورقص عليه قد تسنم المنصب الحكومي الفلاني او اصبح ناطقا باسم التكتل الفلاني...... وهكذا يستمر مسلسل الكذب والنفاق والخداع والضحك على الذقون.
لو اجرينا احصاءا شاملا لاحزابنا ومؤسساتنا وجمعياتنا الثقافية والاجتماعية والخيرية واتحاداتنا ومراكزنا القومية، سنكتشف ( ويا ريتنا لم نكتشف ) ان اعدادها كثيرة مقارنة باعدادنا وحجمنا لكن مع ذلك فالامر طبيعي وكل من يعمل لاجل قضية ما يجب ان يشكر على جهوده لا ان يلام، لكن السؤال الذي يبرز امامنا ويحتاج الى الف وقفة ووقفة هو ماذا فعلت هذه المؤسسات والتنظيمات ومعها الاحزاب مجتمعة في سبيل قضيتنا؟ وكيف تعاملت مع الاحداث المؤلمة التي عصفت بالمسيحيين ولا زالت كذلك؟ وللاجابة على هذه الاسئلة لا نحتاج الى التفكير والتحليل لان الجواب معروف ومعلوم لكنه مخجل ومؤلم، حيث ان جل ما قامت هذه التنظيمات هو تعظيم بضعة اشخاص ( ويا ريتهم كانوا يستاهلون هذا التعظيم!!! ) ووضعهم في مناصب واماكن لا يتناسبون معها اطلاقا، حيث ما ان يتسنموا مناصبهم حتى ينسون قضيتهم او بالاحرى ينسون انفسهم!!! فيتكبرون على من صنعهم ويسحقون ابناء شعبهم متى تطلب الامر ذلك ( مصطلح ابناء شعبنا اصبح من الماركات التجارية التي لا يكف سياسيينا المحترمين وزبانيتهم وحواشيهم المرتزقين عن ترديدها في مناسبة وغير مناسبة كوسيلة للتلاعب بالعواطف والمشاعر القومية والدينية وكسب ثقة واصوات المسيحيين لا اكثر ولا اقل، لاننا لحد الان لم نعرف من يقصدون بابناء شعبنا - شعبهم ) حفاظا على مصالح وامتيازات شخصية.
يقولون ان جحا اشترى بعض البضاعة ووضعها في قفة على كتفه وركب حماره قاصدا بيته فقابله صديق وسأله بدهشة: لماذا لا تضع القفة امامك على ظهر الحمار؟ فاجاب جحا بشهامة:- ان حماري كما ترى متوعك بعض الشيء فحملت عنه القفة حتى لا يتعب.
لا اظن ان حكاية جحا هذه بحاجة الى شرح او تفسير او تفصيل فالمعنى واضح، فاغلبية سياسيينا!!! المحترمين وقادة احزابنا الموقرين وغيرهم من المتسلطين على رقابنا لا يختلفون عن جحا بشيء، لكننا رغم ذلك بحاجة الى تذكير بعض الخدم والمرتزقة بان صياحهم ومقالاتهم وكل وعظاتهم لن تنفع في تجميل قباحات اسيادهم، وان الحقائق والنيات الخبيثة وان كانت مخفية فلا بد ان تظهر يوما ما، لذلك ننصح الذين يتملقون لهذا او ذاك او يسايرونه او يجاملونه او يجملونه بالعمليات والمستحضرات التجميلية ان يكفوا عن هذه الاساليب الملتوية والمشينة لتحقيق مآرب شخصية لا تمت بصلة لقضيتنا ويحاولوا ولو لمرة الوقوف بجانب الشعب وقضيته بدل الاصطفاف بجانب المتسلطين وخونة الشعب ومغتالي قضيته.
كوهر يوحنان عوديش
gawher75@yahoo.com