المحرر موضوع: وداعا ميسن الصغير  (زيارة 598 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باسـل شامايا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 619
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
وداعا ميسن الصغير
« في: 16:51 20/08/2013 »
وداعا  ميسن الصغير
                                                                                                                      باسل شامايا
ما أقسى تلك اللحظات التي تفاجئنا برحيل مبكر لزهور يانعة  توها تعطر الأرجاء بعرف عبيرها وتبدأ مشوارها مع حياة الدنيا.. ما أشد الحزن بفقدان أحبة يرحلون قبل أوانهم فتثير برحيلهم الى عالم اللاعودة المفاجئ شجون الأم الحزينة وتوقد بأعماق الأب المفجوع  آلام وهموم الفراق الأبدي ، وفي كل وداع ينتابنا الأسى والحزن على زهرة جديدة  تغادرنا تاركة لنا ذكرى عطرة وألماً يبقى مرافقا لنا بنفوسنا وأعماقنا على مر السنين . فقبل اقل من شهر قرعت أجراس الرحيل لطائر جميل حلقت روحه في سماء الغربة مغادرا دون ان يودع من كانوا يفرشون القلب له مسكنا . لقد قصم القدر اللعين في يوم حالك كئيب ظهر عائلة من عوائلنا القاطنة في بلاد المهجر حينما أودت بحياة غصنها اليانع  ( ميسن ) في حادث مروري خضّبت دماؤه الزكية ذلك المكان الذي توقف فيه قلبه الصغير عن الخفقان  .. شاب طري العود فائض بالحيوية والنشاط ، رحل دون أن  يكمل العشرين من العمر ، فما أقساها من لحظات رهيبة تلك التي خطفته من بين أحضان الحياة الهانئة والمستقبل الواعد الذي كان ينتظره .. شاب أحب أن يكون الى جوار محبيه لكن قدره كان أقوى من ان يحقق أمنيته ، فغرز فيه مخالبه القاسية وأخذه بعيداً الى عالم  مظلم  لا حراك ولا طعم للحياة فيه .. جاء كالبرق الخاطف ليطعن والده في شغاف القلب ويذيقه مرارة فراق ولده البكر ..اما أمه الثكلى التي حملته في أحشائها منذ ان كان نطفة صغيرة فقد شاء قدرها ان تحرم منه ، فراحت تنسج من حزنها معطفها المطرز بالسواد ، وبدلا من أن تتزين بثياب الفرح التي كانت سترتديها في يوم زفافه توشحت به ما تبقى لها من العمر، هكذا غادرهما بلمحة بصر بعد ان كانا يتنفسان عطر السعادة من تلك الابتسامة الرقيقة الخجلة التي كان الراحل العزيز يحاكيهما بها في كل صباح ومساء .. كان لهما كالمرآةً يشاهدان من خلالها جمال الدنيا والمستقبل الآمن السعيد .. آهٍ أيها الراحل الى أبعد ما يتخيله انسان ، ايها المغادر الى العدم ، لقد فوجع غيابك كل من كان يحبك ، فهم كثيرون شاركوا في الحرمان الذي أتى به  ذلك القدر اللعين الذي ساقك الى حتفك . كلنا نعلم ان الناس يعيشون معاً ، يقتسمون الأفراح والمسرات لكنهم يرفضون اقتسام الأحزان والآلام..وقد تفاجأت وأنا أتصفح الفيس بوك كيف ان تلك الحشود الغفيرة اقتسمت الحزن أيضاً مع بيت ملاخا في فاجعتهم الكبيرة برحيل ميسن العزيز وبذلك الموكب الجنائزي الذي شاركوا فيه جنبا الى جنب مع عائلته وأعمامه وجمع من أقربائه وأصدقائه وأبناء جلدته ..  لقد آلمني ان أشاهد والده المفجوع وهو يرقص كالطير المذبوح وعينيه غارقتين بدموع الأسى والحزن .  كنت أتمنى ان اعرف بعض التفاصيل عن العزيز ميسن لكي استرسل بعض الشيء في الكتابة عنه لكن افتقاري اليها جعلني اعتمد على العلاقة الاجتماعية التي تربطني بأبيه وأعمامه ، تلك العلاقة التي حركت في دواخلي أحاسيس الأبوة المفجوعة التي يعيشها الأخ جمال فتناولت قلمي ورحت استرسل بكلماتي المتواضعة مواساتي ورثائي ، هكذا اقتسموا الحزن ايضا  حينما شاطروا عائلة الفقيد الى داره الأبدي وبزفة عرس امتزجت فيها الدموع والرقص وأصوات هلاهل النسوة .. يا لمفاجآت الحياة . عودتنا أن ترينا حلاوتها حينما يهل فجر ولادة الإنسان الذي تجتمع فيه كافة عناصر الغبطة والسعادة ، و ترينا مرارتها التي يجسدها الموت الزؤام الذي يسرق السعادة وكافة مظاهر الفرح لتحل محلها العويل والبكاء والنحيب . ورحل ميسن وتوقف كل شيء بحياته وبات مجرد ذكرى ، ولم يعد اخوته ومحبيه يهنئون بطلعته البهية وبسمته الرقيقة فكانت آخر لحظاته بين عائلته حينما كان ممدودا داخل نعشه وعائلته تستقبل المشيعين الذين كانوا يتدفقون الى حيث يرقد الراحل وسط اجواء مؤطرة بالحزن ، قادمين من مختلف الأحياء والمدن والبقاع لإلقاء النظرة الأخيرة على ذلك الشاب الجميل قبل ان يلتحق بالذين سبقوه الى العلياء . رحلت يا ميسن لكنك ستبقى في دواخل محبيك وستبقى آثارك وذكرياتك وخيالك في كل شبر من أركان المنزل .  لا أستطيع أن أقول لك وداعا لأنك ستبقى حاضرا مع كل من عرفك وعشّبت في عواطفهم وأحاسيسهم ..  وداعا ايها الغائب الحاضر واعلم ان رسمك سيبقى مرافقا لوالديك يواسيهم كلما يستذكون ولادتك وترعرعك بين أحضانهما وكم كان يغمرهما الفرح حينما يشاهدان عودك يخضر وينمو ويمنح لهما الدفء والسعادة . لك مني يا اخي العزيز جمال مواساتي وتعازيي القلبية الصادقة معبرا حزينا على فقدان زهرتكم الجميلة ميسن صبركم الرب على مصابكم الأليم ومنحكم السلوى في الأيام القادمات .