المحرر موضوع: إذا لـم تـزد عـلـى الـحـيـاة شـيـئـا ً، فـأنـت زائـدٌ عليها  (زيارة 1136 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

د.سامي القس شمعون

  • زائر
إذا لـم تـزد عـلـى الـحـيـاة شـيـئـا ً، فـأنـت زائـدٌ عليها(1)

الشماس سامي القس شمعون
كلية مار نرساي الاشورية في سيدني

متى تصبح مطالعة الكتب عادة مستشرية بيننا، ندمنها الى حد الثمول، ونقع في براثنها الى ما يحمد عقباه،  فهي وسيلتنا الى التعلم والتعليم ولاكتساب صنوف المعرفة، اضافة الى ما تشكله لنا من وسيلة رائجة لقضاء اوقات الفراغ برفقة صديق لا يغدر بصاحبه أبداً، فهو لا يسألك عن سرك، بينما يطلب منك ان تشيع الاسرار التي يخبرك بها عبر صفحاته، وتفشيها بخصوص اوراقه الداخلية. فبمقدار ما تملك من هذه الاسرار، بمقدار ما تتقدم بالحياة بالجاه الطيب المطيب.

قد يغيب عن انظار الكثيرين ان القراءة هي الجزء الاخر من شخصيتنا، فالى جانب مقولة قل لي من هو صديقك اقول لك من انت، تفرض المطالعة جزءها المكمل لشخصية الفرد، فان قلت لي ماذا تقرأ، اقول لك من أنت، وان كنت لا تقرأ فاعذرني لكي اقول لك لا أعرف ما تخفيه انت لانك لن تتعلم بالسرعة الكافية التي تتطلبها عجلة الزمن الذي يشهد تضاعف معلوماته كل اربع سنوات.

من المؤسف ان تكون المطالعة مصادرة بالشمع الاحمر لدى كثيرين، فبينما وقتنا مستباح لأتفه الامور بحوافها السطحية، فاننا لا نجد نصف هذا الوقت الضائع لنثر افكارنا وتوسيع مداركنا للاستفادة من تجارب ناس وحكماء الذين تقدموا عنا في مدرسة الحياة.

هذا الهروب الى الخلف بعيداً عن الحدود الآمنة للثقافة، يقابله خدمة الزامية في محطات التعثر، فعندما تتخلى الثقافة عن اناقتها بيننا، لصالح المغريات الباطلة الاخرى التي يتهافت عليها الناس من دون حساب، تحدث الكارثة التي ما بعدها كارثة وتلوح في الافق الاعراض الجانبية المصاحبة للوعكة الصحية لعدم القراءة. فالجلوس في احضان مجتمع لا يشجع على القراءة ويعتقد ان الانتهاء من الفصول الدراسية للمدارس والجامعات والتخرج من مراحلها، تعني له اعطاء فسحة للاستراحة الدائمة من المطالعة والقراءة، لهو أمر خاطئ مبني على مستقبلنا المجهول، لان الذين يقفون موقف المتفرج من هذه الحالة، هم أنفسهم مباركين لهذا التوجه وبلا انقطاع.

الحضارة، التقدم، تسلق قمم المجتمع واعلاء شأنها، كلها تاتي من القراءة وليس من فراغ باطل، وقيل: ان الاهداف الكبيرة تبدأ بخطوات صغيرة، فليس الامر اعتباطاً ان تهتم الدول بكتب الاطفال ونشراتهم الصغيرة لان الامر يتعلق بمستقبلهم ومستقبل دولهم لتكون القراءة عادة متأصلة لديهم في الحياة، من أجل بناء مجتمع متجذر بالعلم والثقافة، فالمعادلة واضحة جداً ... أعطني طفلاً... أعطيك مستقبلاً.

فلا مجال لمن يحب القراءة لهدر الوقت وان كان بعضه، اقول ذلك واكرر، لا مجال، وما يشدني في المجتمعات الغربية انها تحوِّل وسائل النقل والانتظار الى مكتبات متحركة امام المارة، عليك احترام خصوصيتها من الضوضاء حتى وان كانت صامتة في داخلك، فالكتاب تجده في يد من ينتظر وصول باصه او قطاره، ان تاخر ام  وصل في الموعد، وتجده في خانات الانتظار الطويلة في صالات المستشفيات، لان القراءة هي عماد العقل البشري وسر نجاحه، وهذه العضلة " العقل"، تتطلب تمريناً رياضياً في الصالات "الريا- فكرية" من أجل بناء عضلي منسجم للفكر لدى الانسان، وهكذا سيصبح للمثقف والمفكر رنينه الخاص المميز عند أسماعنا.

توقاً للحرية  وللأمن والأمان، هاجرنا اوطاننا متجثمين مصاعب كبيرة، وهنا، طال الهروب الجماعي من القراءة، معظم شبابنا، الذين أعطوا لانفسهم وقتاً مستقطعاً لاستراحة طويلة، في تقاعد فكري في عز الشباب عن القراءة.

يوم كشرت الامية الثقافية عن انيابها في جسد المجتمع، غزتنا غيوم زائفة تعظ الانسان بخيل المعرفة، كموضة، قد تكون الظروف المحيطة بنا سابقاً سبباً في الوعكة الصحية الطارئة للقراءة والتي ألمت بنا الى حدود هذه الامية، ولكن اليس علينا الشفاء منها بدلا من لعنة الظلام جملة والضوء تفصيلاً؟

قال أحدهم، اذا ما أردنا الهروب من القراءة يوما لكونها مملة، فعلينا الالتجاء الى القراءة!، اي لا مفر من قدرنا في التعلم والتثقف.

 ما احوجنا الى تجويد خط الفكر، وما احوجنا الى مبضع جراح ليجري عمليته الجراحية في جسد الاحتباسات الفكرية وشوارعها المزدحمة بالفراغ.

القراءة كالمطر، اذا وقع نفع، وقد قيل عنها، ما نظر احد الى كتاب الا وخرج بفائدة.

(1)   الاديب العربي الراحل مصطفى صادق الرافعي.


غير متصل جورج ايشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 421
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
شكرًا لك شماسنا العزيز  الموضوع بالفعل يستحق التأمل.
الرب يباركك

هذه صورة لموقف الباص في اليابان.

د.سامي القس شمعون

  • زائر
شكرا شماس جورج على مرورك وعلى الصورة المنشورة المعبرة عما تناولناه

مجتمعاتنا ستتقدم وتتطور وبشكل مضطرد عندما تنفق على الكتب اكثر مما تنفقه على العلكة...

تحياتي وليباركك الرب على الدوام


سامي