المحرر موضوع: مستقبل الفلسفة بين المراجعة التاريخية والسياجات الدغمائية  (زيارة 733 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامان سوراني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 294
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مستقبل الفلسفة بين المراجعة التاريخية والسياجات الدغمائية

عندما سئل الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون (1859 - 1941) ذات یوم عن أحسن كتاب سيصدر بعد عشر سنوات ، كان جوابه كما ينتظر من فيلسوف، "لو كنت عرفته لكتبته أنا". هذا ما يدفعني أن أقول، لو كنت أعرف مستقبل الفلسفة بالشرق الأوسط لسعيت اليوم في تهیئة الجو لها، لكن هیهات، فمستقبل الفلسفة في هذه البقعة من السكينة المليئة بالحروب والصراعات العقائدية والطائفية والنفسية الدنيئة مرتبط بمستقبل الثقافة والتطورات السياسية  والإقتصادية والإجتماعية.   
بما أن الفلسفة هي الفكر الذي يجلب نفسه الى الوعي و يجعل نفسه موضوعا لنفسه ، بل هي عرض لتطور الفكر كما هو في ذاته لذاته ، دون أية إضافة ، وأن تاريخ الفلسفة مع الجهود التي بذلت آلاف السنين وما أنتج فيها ، هي محصلة كل ما حدث في الماضي ونتيجة ما سبقها إلا أننا نراها كبحث عقلي عن حقائق الموجودات لمعرفة البداية والنهاية والحاجة إليها اليوم أشد من أي وقت آخر. هذه الحاجة مرتبطة طردياً بالأسئلة التي تواجه الفكر والعقل.
يری الفيلسوف الألماني جورج ويلهلم فريدريش هيجل (١٧٧٠-١٨٣١)، أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، أن أساس الحاجة إلى الفلسفة هو حاجة الحداثة إلى الوعي بذاتها وبمظاهر حدتها وبأسسها المعيارية.
 فالفلسفة مدعوة إلى أن تتعقل زمنها Penser son temps وأن تترجم عصرها وزمنها إلى أفكار.
أما المعرفة الفلسفية هي معرفة شمولية تسعى باستمرار لتصور القضايا بكل مظاهرها و أبعادها. في الشرق الأوسط نری بأن التخلف كمشكلة متجذرة یغطي جميع مناحي الحياة والفكر لا يمكن حله من دون السعي الی إيجاد حل قطعي للتزيف الايديولوجي الساعي الی قصر مشاكل التخلف بإستمرار والتردي في بعد واحد.
التفكير الفلسفي لا يعرف مناطق محرمة فهو منفتح علی كل المنافذ والأسئلة و يرفض الإخفاء والتستر و جمود الإجابات أو قمع الأسئلة أو المكابرة المرضية التي تعانیها الثقافة في الشرق الأوسط، تلك الثقافة التي منعت المنطقة من التطور في العلوم والبحوث و جعلتها منطقة فكر ديني ولغوي دفاعي تكراري واجتراري قائم على التلخيصات والتهميشات.
ولم يشذ تلك الثقافة الشمولية عن هذا الإطار طيلة قرون من الزمن بحيث جعلت غياب الحكمة من أبرز سماتها و أدت في النهاية الی سيادة نمط واحد محدد من أنماط التفكير أو شيوع التفكير اللاعقلاني وغياب المنطق وحضور الخرافة  المٶدية الی منع تغلغل التفكير العلمي السليم في أذهان الناس وحياتهم العامة على المستويات والطبقات كافة والمعمِّقة لمشاعر الإستنقاص ونزعات الفرار من الذات.
 إن نشر الفكر الحديث وإشاعة الحداثة الثقافية و وعي حداثي مبني علی أسس فلسفية للإنتقال من فكر التكرار والإجترار والنقل والتذكر والسرد الی فكر التحليل والتعليل والنقد و هجر الدغمائیات والحقائق القبلية الجاهزة والمسلمات الفكرية والثوابت الظلامية‏ ‏يمهد الطريق لتبنؔي التفكير النقدي المعتمد علی المناهج والمفاهيم الحديثة للوصول الی باب توسيع دائرة المفكر فيه لا دائرة المهمش والمنسي والمقموع فقط ، بعد مسح السياجات الدغمائیة التي تحرسها قوی التقليد والمحافظة الواعية بذاتها.
إن توجيه التفكير إلى الماضي و العيش في النهج الأبوي التقليدي القديم لا تفيد في حل قضايا العصر المستجدة. علینا بالدعوة إلى الاهتمام بالحاضر والآني والمتحول أو بما أسماه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926 ـ 1984) أنطولوجيا الحاضر أو الراهن  وهو الذي تتبع في دراسة له حول فلسفة الأنوار (سنة 1983) جذور فكرة ارتباط الفلسفة بالآن، لأنه كان مٶمن بأن العالم الجديد يبنی بالتفكيك و يستمد مشروعیته من ذاته. 
وأن تنازل الإنسان عن أستخدام عقله في بناء المجتمع والدولة و المٶسسات يتحتم علیه العيش في ظل وصاية من يقوم بالأشياء بدله فلا عجب من أن يتحول هذا الإنسان الی شخص تابع، عديم الإرادة والحرية . فالعقل هو مرادف للحرية والإرادة والذي يستخدم عقله صاحب إرادة حرة، أما مهامه فيجب أن يتعدی المهام الكلاسيكية لتكون عالمية و إنسانية و خاصة في المجالات المرتبطة والمختصة بالقيم  والغايات الأخلاقية والمثل والأحلام والأهداف المستقبلية التي يمكن الإجماع علیها ليستطيع المحافظة علی عریته والدفاع عنها وإلا سيكون المآل السقوط في الهاوية كسقوط فلسفات سيئة الحظ التي تبنتها سلطات ارهابية في ظل النظم الأيديولوجية المتحجرة والنظم الطاغية المتخلفة.
وختاما نقول مع المفكر المصري الدکتور فٶاد زكریا (١٩٢٧-٢٠١٠)، الذي كان متحصناً بالعقل النقدي‏ و عاش ومات مناضلاً من أجل سلطة العقل:
«العقول لا تتغير من فراغ، فلا معنى لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس أولاً، ثم بعد ذلك تغيير الظروف والأوضاع، لأن الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة، فالعقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي أو خطة طويلة المدى، العقول لا تبدأ التغير إلا بعد أن تتغير الأوضاع من حولها».
الدکتور سامان سوراني


غير متصل lucian

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3345
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاخ سامان مرحبا

لا تنسى بان الفلسفة كانت ايضا مسؤولة عن عدة جرائم حدثت ضد الانسانية منها مثلا فلسفة كارل ماركس وحتى فلسفة الفليسوف اللذي انت ذكرته وهو هيجل وهناك طبعا امثلة اخرى.




وختاما نقول مع المفكر المصري الدکتور فٶاد زكریا (١٩٢٧-٢٠١٠)، الذي كان متحصناً بالعقل النقدي‏ و عاش ومات مناضلاً من أجل سلطة العقل:
«العقول لا تتغير من فراغ، فلا معنى لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس أولاً، ثم بعد ذلك تغيير الظروف والأوضاع، لأن الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة، فالعقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي أو خطة طويلة المدى، العقول لا تبدأ التغير إلا بعد أن تتغير الأوضاع من حولها».
الدکتور سامان سوراني



هذا يعني بان الواقع يتغير اولا ومن ثم تتغير الناس.

انا سيهمني كيف قام هذا الكاتب بشرح هذه النقطة؟ هل سيتغير الواقع مثلا من تلقاء نفسه؟ من سيغير الواقع؟

انا ارى ان مشكلة الكاتب فؤاد زكريا تكمن في انه عندما كان ينظر الى المجتمع والناس فكان يراهم كمجموعة وكشعب ولم ينظر اليهم كافراد.

الواقع يعبر عن الثقافة السائدة والتي تعبر عن تفكير اغلبية الافراد. ولكن يبقى هناك افراد اخرين يرفضون هذه الثقافة السائدة وهذا الواقع فيحاولون القيام بالتغير. القيام بالتغيير يتطلب جهود كبيرة في اقناع الاخرين كنشر الوعي والقيام بمسيرات الخ.

ولكن هذا بدوره يتطلب امتلاك هكذا افراد للمبادرة الذاتية  وللشجاعة ومساحة في الحرية. هذه الشروط تفتقر اليها مجتمعات الشرق.

وحتى ان نجح افراد في احداث التغيير كما وجدناه مؤخرا فسرعان ما ستجد من سيحاول سرقة هذه الجهود من الفرد ليسميها ثورة شعبية موهيئا الطريق ليعتبر هكذا حزب بانه يعبر عن هكذا ثورة شعبية ليقفل الابواب ضد اي تغير اخر وليقتل طموح الفرد.

فكر في انه لماذا ليس هناك ولا حزب سياسي واحد يسمي التغيرات بانها معبرة عن رغبة الفرد بالتغيير, او رغبة الانسان في التغيير من اجل حقوقه كمواطن وكفرد؟

لماذ نرى كل حزب سياسي يسميها بالثورة الشعبية ؟ الا ترى ان هدفهم هو ان يعتبر كل حزب نفسه معبرا عن هذه الثورة؟

وفي كل الاحوال فان مصطلح "الثورة" و"الثورة الشعبية" هي تبقى من اسخف المصطلحات التي نسمعها.

تحياتي