المحرر موضوع: الرؤية بالآذان ، والسماع بالعيون  (زيارة 1162 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لطيف نعمان سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 692
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                                                     الرؤية بالآذان ، والسماع بالعيون                   
                                                                                                                           لطيف نعمان سياوش


                                                             (درس في المسرح)
قبل أكثر من عام كلفت من قبل السيد رئيس جمعية الفنون والآداب الكوردية بأختيار نص مسرحي ، وأسند لي مهمة اخراجه ..
أخترت مسرحية (ليلة الخميس) ل كريستوفر مورلي من الادب الامريكي ..
المسرحية تلتقي مع فودفيلات أنطوان تشيخوف من حيث  كونها ذات الفصل الواحد ، وكوميدية الطابع ، وقليلة الشخصيات ..
علّق أحد الاصدقاء المسرحيين على أختياري النص أعلاه معترضا :-
لماذا تختار أعمالا (خفيفة) ؟ ..
سألته  : ماهو الضير ؟ وماذا تريدني أن أختار ؟..
قال : مثلا واحدة من روائع شكسبير ..
ضحكت وقلت له : ياصديقي أنت تعرف ان مسرحيات شكسبير تعد من العيار الثقيل ، وهي تحتاج الى ممثل من العيار  الثقيل .. وعندما أقول ممثل من العيار الثقيل أنت تعي ماذا أقصد ..ان الممثل عندنا يفتقر الى ثقافة الالتزام ، وتفهم مايريده ستانسلافسكي * ..
نحن هنا نجد صعوبة بالغة في جمع خمسة ممثلين لمرتين في الاسبوع لأن كل واحد من هؤلاء سيجد عشرات الاعذار للأذن له بعدم الحضور أو المغادرة .. حتى لو أفلحت في جمعهم فأن ذلك قد لايستغرق بضع دقائق سرعان ما يتشتتوا . كل منهم يتشبث بذريعه.. ولك أن تقيس ..
ان البروفة المسرحية يجب أن تكون يوميا ، وقد تستغرق عدة ساعات في اليوم الواحد ..
قد يصادف  أن يحضر في أكثر من بروفه جميع أو أغلب الممثلين ، لكن بعضهم لايتدرب ، ويحتمل أن يتكرر ذلك أكثر من مرة .. أي لايصار في زج جميعهم بالبروفة لعدم وجودهم في المشاهد المعمول بها ..
فالممثل يجب أن يتحلى بالصبر، والروية ،والتحمل ،والتضحية.. وان بناء الشخصية يحتاج الى جهد كبير ، وعلى الممثل أن يضع مصلحة المسرحية بشكل عام  فوق ألاعتبارات الشخصية التي يمثلها أو يؤديها ..وأتسائل :-
ترى هل يوجد لدينا هكذا ممثل ؟.. وهل يوجد لدينا هكذا أستعداد للتضحية؟..
لم يخطىء من قال (ان المسرح يعد من أصعب الفنون) ..
                                                      ×            ×            ×
كلما زدنا تخلفا ، كلما وجدنا صعوبة بالغة في الايفاء بالتزاماتنا تجاه المسرح .. لأن المسرح حضارة ورقي ..
                                                       ×            ×            ×
الالتزام بالمسرح وتعليماته صعب جدا لمن لاقدرة له على التحرر من الافكارالبالية ، لاسيما   من يحمل الحقد والضغينة بدواخله..
                                                        ×            ×            ×
كنت جنديا ابان الحرب العراقية الايرانية ، وكنت أقوم بواجب الحراسة الليلية ، ولما كانت ساعتان في عمق الليل الشتوي طويلة وثقيلة ، بحثت عن وسيلة أقتل بها وقتي حيث كنت أستصحب معي راديو ترانسستور صغير خلسة ، وأضعه في جيبي وأوصله بسماعة صغيرة الى أذني لكي لايشعر به أحد ..
كنت في الغالب أصغي الى روائع التمثيليات من الادب العالمي من اذاعة صوت العرب من القاهرة ..
كان أداء الممثلين فيها متميزا للحد الذي كنت أشعر بشخوصها كيف تتحرك ، وتتراقص أمامي .. ولعل الفضل كل الفضل يعود الى الاداء الدقيق للمثل وروعته في تقمص الشخصية التي يقوم بتجسيدها ..
كنت وأنا أستمع الى تلك التمثيليات أتذكر كلام صديقي الكاتب المسرحي الراحل محي الدين زنكنه عندما كان يقول  :
(الدعوة الى الرؤية بالآذان) ..
أي اني كنت أشاهد وأرى الشخصيات بأذنيّ .. أراها كيف تتحرك ؟ وماذا ترتدي؟ وأين تذهب ؟.. حتى اني كنت أرى الاماكن التي تتواجد فيها ومناظرها ..

                                                        ×            ×            ×
حضيت بمتابعة عدة مهرجانات مسرحية عالمية في بغداد ، وخلال السنتين الاخيرتين في أربيل أيضا شاهدت خلالها عدة مسرحيات صامتة (بانتوميم) يمثل فيها فنانون كبار ، وحرفيون في أدائهم .. كانوا صامتين لايتكلمون ..لكني كنت أسمعهم بوضوح ، وأتفهم كلامهم ، وحديثهم ، وصراعهم . لأني كنت أسمعهم بعيوني ..
فالممثل الجيد والمبدع  يجعلك أن تشاهده بأذنيك ، حتى اذا لم تره ، سواء كان خلف الكواليس يصدر الاصوات ، أو يمثل في الاذاعة ، وتسمعه بعينيك على خشبة المسرح وإن كان لايتكلم ، ولا تسمع صوته ..
يقول رينيه كلير : (الاعمى يمكنه أن يدرك الا مور الجوهرية في أغلب المسرحيات ، والاطرش يستطيع أن يفهم جوهريات الفيلم السينمائي) ..
            ---------------------------------------------------------------------------------------------
*ستانسلافسكي: قستنطين ستانسلافسكي  هو مفكر ومنضّر ومخرج مسرحي روسي .. يعد شيخ المسرحيين .. له العديد من المؤلفات ، والدراسات ، والكتب ، لعل أهمها كتابه الشهير أعداد الممثل الذي يدرّس في كافة كليات ومعاهد التمثيل في العالم ..
                                                                       

عنكاوا

غير متصل صباح قيا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1900
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

الاخ لطيف سياوش

ذكريات جميلة وممتعة .

دعاك الراحل محي الدين زنكنة الى الرؤية بالاذان . اما الشاعر بشار بن برد فقد اخبرنا عن العشق  بالاذان في قوله :

يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة    والاذن تعشق قبل العين احيانا

تحياتي

                                                                                          د. صباح قيّا