المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي
أين تنظيماتنا منه ... ؟؟
خوشابا سولاقا
هناك مبادئ أساسية معروفة يجب أن تعتمد في قيادة التنظيمات الحزبية السياسية ألا وهي ، الديمقراطية والمركزية والنقد والنقد الذاتي وخضوع الأقلية للأكثرية والألتزام الصارم في تنفيذ القرارات الحزبية الصادرة من هيئات الحزب القيادية تدرجاً من الأعلى الى الأدنى بدقة وغيرها الكثير من المبادئ والتقاليد والسياقات الحزبية التي تقوي من وحدة الحزب الداخلية الفكرية والتنظيمية وتزيد من تماسكه وتعزيز دوره وفعاليته في المواجهة والتصدي للتحديات التي تواجه الحزب في عمله النضالي من أجل إنجاز مهماته الأستراتيجية وتحقيق أهدافه ، وياتي في مقدمة هذه المبادئ الألتزام الصارم بالقواعد التنظيمية الداخلية المعتمدة في حياة الحزب السياسي ، ولكن بالرغم من أهمية كل ما تم ذكره من المبادئ والقواعد والسياقات الحزبية يبقى مبدأ " القيادة الجماعية الديمقراطية " للحزب السياسي هو المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي أي تنظيم كان ، وعليه سنتناول بشيء من التفصيل هذا الموضوع لأهميته الحيوية في بنيان وديمومة الوحدة الفكرية والتنظيمية للتنظيمات السياسية ومدى التزام تنظيماتنا السياسية – تنظيمات أمتنا - به عملياً وأين موقعها منه على وجه التحديد .
إن القيادة الجماعية هي احدى أهم مبادئ القيادة الحزبية الناجحة ، ولقد بينت وأثبتت التجارب الطويلة للأحزاب السياسية في مختلف البلدان وعبر مختلف الظروف التاريخية لحياة الشعوب أنه فقط بالمحافظة على هذا المبدأ المهم وبالارتكاز عليه والتمسك النزيه والحازم والصارم بقيمه فقط يمكن إطلاق وتوجيه المبادرات الخلاقة لكوادر الحزب ومنظماته السياسية والمهنية بمرونة وإبداع ، وتحليل الوضع بشكل علمي صحيح وتقييم نتائج العمل المنفذ بشكل موضوعي . إن القرارات المتخذة جماعياً تعطي قوة كبيرة وزخم هائل لقيادة الحزب وتسمح في ذات الوقت بتوحيد وجمع مواهب وخبرات المنخرطين في تنظيمات الحزب السياسية والمهنية بكل مستوياتهم ، وتحمي أيضاً هيئات الحزب وقادتها من عوامل الضعف والخلل والزلل والصدفة والعمل بعشوائية وانتقائية ومن اللجوء الى أنصاف الحلول والأحادية الجانب عند إتخاذها للقرارات الحزبية . إن الأراء المتوافقة بحرية وبأسلوب ديمقراطي خير من قرارات فردية تتخذ من هذا المستبد الديكتاتوري أو ذاك مهما كان ذكائه وفطنته في تحليل الأوضاع .
إن القيادة الجماعية هي شرط لا غنى عنه للنشاط الطبيعي لأي حزب سياسي ينشد الديمومة والاستمرار قوياً ولكل منظماته السياسية والمهنية ، ويسعى لتربية الملاكات الحزبية المقتدرة بصورة صحيحة للعمل بين صفوف الجماهير بصورة فعالة ومؤثرة ، ولتأطير نشاط أعضائه وفعاليتهم الذاتية بصورة دائمة ومستمرة .
إن الأساس النظري الذي يستند عليه مبدأ القيادة الجماعية في الحزب السياسي هي النظرية العقائدية التي يسترشد بها وبفكرها ويعتمدها الحزب السياسي والتي من دونها يمكن إعتبار الحزب مجرد هيكل من دون روح ، والتي عليها يرتكز أصلاً الدور الحاسم الذي تلعبه الجماهير الشعبية في العملية التاريخية لأعادة صياغة قواعد ومبادئ الحياة الاجتماعية التي يناضل الحزب من أجل تجديدها وتغييرها . وعلى الجماهير هنا كصانع للتاريخ أن تدرك دورها كشرط حاسم في بناء المجتمع الجديد بقيادة حزب يتمتع بقيادة جماعية ونظرية عقائدية ، وإن ذلك يكمن في الأبداع الجماعي الخلاق لها وفي تدفق طاقتها التي لا تنفذ وفي تجربتها المليئة بالحكمة المستنبطة من معاناة ومخاض الحياة اليومية لها في ظل وجود هكذا حزب .. وعليه إن القيادة الجماعية تنبثق من صميم طبيعة الحزب الجماهيري الذي رشحتهُ الجماهير كحزب لأن يكون القائد السياسي لها لينظمها ويربيها على أسس العمل الجماعي المنظم ، ولكي يقودها بنجاح وليلعب دوره القيادي السياسي ينبغي عليه أن يسند عمله بكامله على مرتكزات ديمقراطية حقيقية ليتواصل إرتباطه الجدلي مع الجماهير ، أي بمعنى هناك علاقة جدلية تكاملية بين القيادة الجماعية والنظرية العقائدية للحزب وبين الجماهير ومن دونها يتحول الحزب الى مجرد جمعية أو نادي إجتماعي وليس إلا . القيادة الجماعية الحقيقية يجب أن تؤمن بصورة مطلقة بضرورة وجود قيادة سياسية وتنظيمية رصينة توضع القرارات المتخذة من قبل الحزب موضع التنفيذ الكامل دون تأخير أو تلكؤ أو تأجيل ، أي بمعني أن كل قرار يجب أن ينفذ في زمانه ومكانه المحدد ، وأن تؤمن بمبدأ تطوير الحزب كأرقى شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي السياسي وكقوة قائدة لأنجاز الثورة الاجتماعية في المجتمع . من خلال العمل الجماعي داخل الحزب وفي مجرى المعالجات للأحداث المستجدة في مسيرة الحزب النضالية ، وفي ممارسة مبدأ النقد والنقد الذاتي بحرية تتكون وتتبلور السمات النضالية الحقيقية للمناضلين السياسيين من الطراز المبدع والخلاق التي يحتاجها الحزب الثوري الحقيقي لأنجاز الثورة الأجتماعية المنتظرة في المجتمع . إن مبدأ القيادة الجماعية لوحده فقط يتجاوب مع متطلبات استمرار وديمومة الحزب قوياً وموحداً وتصونه وتحافظ على وحدته الفكرية والتنظيمية وبالتالي إبعاده عن الأخطاء والمنزلقات الخطيرة التي تحصل أحياناً في حياة الأحزاب السياسية عند هذا المنعطف أو ذاك خلال المسيرة النضالية له . ومن شروط ومستلزمات تحقيق القيادة الجماعية للتنظيم السياسي ينبغي أن يتوفر في صفوف أعضائها مناخاً مناسباً من الحرية وجواً من الديمقراطية الحقيقية للتبادل الحر في الأفكار والأراء والمناقشات المفتوحة والحوارات الصريحة في كل شأن من الشؤون وبقدر عال من الشفافية والمصارحة والمكاشفة ، وأن لا يحق لأي عضو في القيادة أن يحاول فرض رأيه أو وجهة نظره بالقوة على الآخرين مهما كان موقعه في القيادة أو أن يضع نفسه فوق الجماعة ، لأن ظهور أو وجود مثل هذه النزعة تقود الى ظهور نزعة قيادة فردية استبدادية ، وبالتالي تظهر ظاهرة تأليه وعبادة الفرد ومن ثم قيام ديكتاتورية فردية بدلاً من ترسخ القيادة الجماعية ، ومن ثم تلغي مبدأ الديمقراطية لحساب ترسيخ المركزية الصارمة في إتخاذ القرارات داخل التنظيم ، وكذلك تلغي مبدأ خضوع الأقلية للأكثرية في حياة التنظيم الحزبي وهذا يعتبر أخطر ظاهرة تهدد كيان التنظيم السياسي الحزبي في المحافظة على وحدته الفكرية والتنظيمية وتقوده بالتالي الى التفكك والأنحلال . عليه إذا رأت الجماعة أن وجهة نظر أحد أعضائها القياديين مهما كان موقعه بينهم غير صائبة عندها يكون هذا العضو ملزماً بالخضوع لإرادة الأكثرية وعدم القيام بالتبشير بوجهة نظره الشخصية على حساب رأي الأكثرية في القيادة .. وبتأمين هذا الشرط تعكس القرارات المتخذة فعلاً التجربة والخبرة والمعرفة الجماعية المتوفرة لدى الهيئة القيادية للتنظيم الحزبي . وهكذا تعتبر القيادة الجماعية للتنظيم الحزبي والمرتكزة على النظرية العقائدية التي يتبناها التنظيم الحزبي هي المبدأ الأساسي في القيادة السياسية التي تتيح الفرصة المؤاتية لتحقيق كافة الأهداف التي حددها التنظيم الحزبي في برنامجه السياسي ، وعليه يكون فرض على الجميع في التنظيم الحزبي أن تحرص أشد الحرص على أن تنفذ قرارات التنظيم الحزبي الصادرة من المؤتمرات العامة والأجتماعات الموسعة والكونفرنسات الحزبية بدقة ومن قبل الجميع كل حسب موقعه وبقدر ما يمليه عليه ذلك الموقع من الواجبات والألتزامات التنظيمية الحزبية ، وعلى أن تعمل الهيئات الحزبية الجماعية بصورة طبيعية وعلى أن لا تحل الأعتبارات الشخصية وعلاقات المحسوبية والمنسوبية والقرابة محل قراراتها الحزبية المتخذة جماعياً في عملها التنظيمي .
أما من ناحية بناء كوادر حزبية مقتدرة لتولي مهام القيادة الجماعية لهيئات التنظيم الحزبي ينبغي على التنظيم الحزبي بأسره وقياداته العليا بشكل خاص أن تهيئ بصورة دائبة ومنتظمة ومستمرة أشخاص أكفاء لهذه الهيئات ، وأن ينظر بإمعان الى نشاطات كل مرشح الى هذا المنصب القيادي العالي ، وأن يُعرف أيضاً سماتهم الشخصية وميزاتهم وأخطائهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم خلال مسيرتهم النضالية في التنظيم الحزبي والمجتمع قبل توليهم له ، بهذه الصورة وبها فقط نعطي لجماهير المناضلين من أعضاء التنظيم السياسي وموآزريه وأصدقائه قوة التأثير في التنظيم الحزبي - وليس عن طريق الأختيار الكيفي من قبل حلقة ضيقة أو تجمع محدد وفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية وعلاقة القربى – والأمكانية الكافية لمعرفة قادتهم المؤهلين والأكفاء ووضع كل شخص منهم في المكان المناسب له وفق معايير االكفاءة والمقدرة والنزاهة وحسن السلوك ونكران الذات والأستعداد للتضحية وسمو الأخلاق وقوة الشخصية ( الكاريزمة ) .
إن العمل لجذب واستقطاب حلقة واسعة من جماهير التنظيم الحزبي للمشاركة في صياغة القرارات المهمة واستخلاص رأي الأكثرية منها والأستناد عليها والتعبير عن إرادتها ورأيها هو مبدأ تنظيمي وأساسي لحياة التنظيم الحزبي الداخلي ، لأن ذلك يضمن الوصول الى قرارات ناضجة وصائبة تعبر عن إرادة الأكثرية ، وإن تهميش وإقصاء وخرق هذا المبدأ في الحياة الحزبية يؤدي لا محالة الى إنفصال قيادات التنظيم الحزبي على كافة المستويات في الهيكل التنظيمي للحزب وقادة هيئاته المختلفة عن الجماهير الحزبية وبالتالي يؤدي الى تبني قرارات غير مدروسة وخاطئة تؤدي الى إخفاق التنظيم الحزبي في تحقيق أهدافه المرسومة في منهاجه السياسي .
إن الطريقة العلمية التي يجب إتباعها لمعالجة قضايا القيادة الجماعية في التنظيم السياسي تفترض أيضاً الحل الصائب لمعالجة القضايا المتعلقة بهيبة وشخصية قادة وزعماء التنظيمات المهنية التي تمثل في نشاطها المهني التنظيم السياسي المنبثقة منه ، وإن تلك المعالجات سوف لا تهمش الدور الهام الذي تلعبه قيادات هذه التنظيمات في إعادة بناء مجتمع جديد على أسس جديدة وفق رؤية التنظيم السياسي ، بل ستعزز هذا الدور وتدعمه . إن تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في عمل كل الهيئات الحزبية المنتخبة ديمقراطياً وفق الأصول والسياقات التنظيمية وتأمين عملها المنتظم والمنسجم مع النظرية العقائدية للتنظيم يجب أن يبقى دائماً موضع إهتمام الحزب وأن يعتمد مبدأ القيادة الجماعية كقانون أساسي في حياة الحزب الداخلية وكشرط ضروري لنشاط منظمات الحزب الطبيعي . وإن فلسفة عبادة الفرد وخرق قواعد الديمقراطية داخل التنظيم الحزبي ينتج عنها ما لا يمكن أن يسمح به في حياة الحزب الداخلية لأنها تتناقض مع المبادئ والقواعد التنظيمية الداخلية لحياة الحزب . حيث على الحزب أن يتمسك بهذه المبادئ بحزم لضمان ديمومة القيادة الجماعية في العمل التنظيمي وأن يتم تثبيت ذلك في النظام الداخلي للتنظيم الحزبي وتطبق بحذافيرها بدءً بأصغر وحدة تنظيمية في القاعدة وإنتهاءً بأعلى هيئة قيادية في قِمة الهرم للهيكل التنظيمي للحزب بحزم وصرامة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع . ويقتضي من تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في العمل السياسي المنظم بأن يبادر أعضاء الحزب على كل المستويات التنظيمية الى توجيه النقد بغرض تقويم وإصلاح هذا القائد أو ذاك في الوقت المناسب عندما تقتضي الضرورة ذلك وفق القواعد والسياقات التنظيمية وأن لا يفسحوا المجال لأن تتحول السلوكيات الشخصية الخاطئة الى أخطاء قاتلة للتنظيم الحزبي من دون أن يكون هناك أية روادع وإجراءات تعيق هكذا ممارسة في توجيه النقد بغرض تقويم القائد . كما ينبغي على القادة الأصغاء بروح نضالية حزبية الى الملاحظات الأنتقادية التي توجه إليهم وأن يتقبلوا تلك الأنتقادات بصدر رحب وبروح رياضية وأن يتخذوا الأجراءات والتدابير الضرورية لتقويم عيوبهم وسلوكهم ذاتياً وفق مبدأ النقد والنقد الذاتي ، وأن تتخذ المعالجة الواسعة والصريحة للنواقص والأخطاء التي يرتكبها هذا القائد أو ذاك في الهيئات القيادية وعلى مختلف مستويات المسؤولية في التنظيم الحزبي طابعاً تثقيفياً شاملاً ، وعليه تبقى الثقافة الذاتية التنظيمية والسياسية والاجتماعية للفرد في التنظيم الحزبي هي المصدر والمنبع لبناء كوادر مقتدرة بالدرجة الأساسية قادرة على تقبل مبادئ وقواعد وشروط القيادة الجماعية بمفهومها السياسي الواسع من دون مضاعفات سلبية .
وكل ما ذكرناه بشأن القيادة الجماعية وأهميتها الأستراتيجية وتصدر أولويتها على غيرها من الأولويات المبدئية في عمل التنظيم السياسي نراه بجلاء غائباً بشكل مطلق في حياة كل أحزابنا السياسية العاملة في ساحة أمتنا مع الأسف الشديد ، حيث نرى بالمقابل القيادات لهذه الأحزاب في حالة من الصراعات والمناكفات وتبادل التهم غير المبررة ونزوعهم الى التفرد بالرأي والقرار في كل شأن من شؤون أمتنا ، كل ذلك من أجل المصالح والمكاسب الشخصية الأنانية التي تؤمنها وتمنحها لهم هذه الاحزاب من خلال المشاركة الرمزية المذلة في مؤسسات السلطات الرسمية على حساب المصلحة القومية لأمتنا ، إضافة الى غياب الثقافة السياسية لدى أغلب الكوادر الرئيسية من الخط الأول والثاني في الهيكل التنظيمي لهذه الأحزاب بسبب عدم إهتمام ورغبة القيادات الحالية لهذه الأحزاب لخلق وبناء كوادر مثقفة ومؤهلة ومقتدرة للمستقبل لكي تضمن ويستمر بقائهم الى أطول فترة ممكنة في تصدر قيادات هذه الأحزاب والأستفادة القصوى من الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً .
خوشــابا ســولاقا
20 / ت 1 / 2013