عودة و خيبة شهيد
{ مهيباً هو السابع من آب ، في ذكراه .. آلامه ... و تضحياته
صامتة هي لغته و حزينة ، هادئة هي نسمته و رقيقة .. و في هدوئها ثمة عنفوان يؤرق سكينتنا .. ثمة رياح تنتشلنا من معاصينا .. ثمة صرخات توقظنا .. تعاتبنا .. و ترشدنا
لعلها من أقدس اللحظات و أصدقها تلك التي نقف فيها وجهاً لوجه مع أولئك الذين لم يتقنوا يوماً إلا لغة الصدق .
لعلها من أصعب اللحظات و أقساها و نحن الذين استعصت علينا كلمة صدق واحدة . }
~~ ~~ ~~
ـ الشهيد : أخشى أن أكون قد أقلقت راحتك
ـ آشوري : " بحذر يشوبه قليل من الخوف " ، من أنت ؟
ـ الشهيد : تأمل في وجهي .. جسدي .. عيناي
ـ آشوري : اعذرني فأنا لم أراك من قبل ، كما انك تحمل هالة توحي بأنك من طبيعة أخرى
ـ الشهيد : " بهدوء " إذاً اعذرني و اسمح لي ان أسألك من أنت ؟
ـ آشوري : " بدون تردد " أنا انسان
ـ الشهيد : " و الابتسامة على شفتيه " أعرف انك انسان ، و لكن ما هو اسمك ؟
ـ آشوري : اسمي هو آشور
ـ الشهيد : " يتنهد عميقاً " إذاً اسمك هو آشور
ـ آشور : نعم ، و لكنك لم تقل لي من أنت و ماذا تريد ؟
ـ الشهيد : أنا يا آشور ، لم يكن لدي اسم بجمال و عظمة الاسم الذي تحمل ، و لكن من أجل ان يبقى هذا الاسم و تبقى أنت ، فارقت عالمكم مبكراً
[ لحظات صمت رهيبة تتبع هذه الكلمات بينما آشور في حالة صدمة و رأسه مطأطأ ... ]
ـ الشهيد : " منادياً : آشور آشور " ، ما الخطب اعتقدت بأنك ستفرح بهذا اللقاء ؟!
ـ آشور : " يتمتم بكلمات غير مفهومة ، و سرعان ما تبعها بكاء مرير .. "
ـ الشهيد : لم أفهم ما قلته ، ثم لماذا البكاء ؟ أخمن انه ليس بكاء فرح و لا هو بكاء حزن ، إهدأ و اخبرني لماذا البكاء ؟
ـ آشور : " بصوت مخنوق " و لماذا أنا دوناً عن البقية ؟ لماذا اخترتني .. لماذا ؟
ـ الشهيد : أكاد لا أفهم هذا البكاء و لا هذه الاسئلة ؟ كم أنت متعب يا آشور و مرهق .. كم كنت بحاجة للبكاء ! إهدأ و اخبرني
ـ آشور : " ماسحاً دموعه " هي فعلاً ليست دموع حزن و لا دموع فرح ، هي دموع كنت أبحث عنها منذ وقت طويل لكي اغتسل بها ، أشعر بأنني أنال معموديتي التي لطالما انتظرتها ، آه .. كم كنت بحاجة لهذه الدموع
ـ الشهيد : هيا إذاً يا آشور ، اخبرني لما كل هذا الكرب ، اخبرني و ازح عن كاهلك هذا الحمل
ـ آشور : نعم فأنا مثقل بالآلام و الأحمال و الكلام
ـ الشهيد : اخبرني إذاً علني استطيع مساعدتك ، فالألم يعتصر قلبي و آشور أمامي باكياً
ـ آشور : تساعدني أنت ! ألا يكفي ما عملتموه لأجلنا .. ألا يكفي ما
ـ الشهيد : " مقاطعاً و بهدوء " عن أي شيء تتحدث أيها الغالي ، ما فعلناه كان واجباً لا أكثر ، كان يجب ان يرحل البعض ليبقى البعض الآخر ، فأنت و الاسم الذي تحمل يستحق ما هو أكثر ..
ـ آشور : " مجدداً يطأطأ رأسه و بنبرة صارخة يتقطعها بكاء مرير " و لكنك لا تستحق ان تسمع ما لدي من أخبار
ـ الشهيد : يبدو ان لديك الكثير لتقوله ، و إذا لم أكن مخطئاً ، فما يؤرقك ليس مسألة شخصية ، المسألة أبعد من ذلك .. قد آلمتني كثيراً ، هيا أزح هذا الحمل عن كاهلك و اخبرني ما تحويه دفاترك من أخبار و كلام
ـ آشور : دفاترنا قذرة و أخبارنا مؤلمة و ..
ـ الشهيد : " مقاطعاً و بلهفة " أقلقتني كثيراً ، اخبرني في البدء عن الوطن ، نعم الوطن .. ماذا حل بالوطن الذي طالما حلمنا به ؟ كيف أصبح شكله .. كبره .. لا بد انه جميل
ـ آشور : " بسخرية " وطن ! عن أي وطن تريدني ان أحدثك ؟!
الوطن الذي أصبح مجرد ذكرى ، أم الوطن الذي أصبحنا فيه غرباء ، أم عن الوطن الذي مزقناه بشعاراتنا ، أم عن الوطن الذي ينتظرنا لنسميه ! أم عن الوطن الذي نبيعه بأسعار رخيصة ، أم عن الوطن الذي نلعنه في صلواتنا .. قل لي عن أي وطن تريدني ان أحدثك ؟!
ألم أقل لك ان دفاترنا قذرة جداً ... ! أي وطن سيمكث في هكذا سطور كريهة ؟!
ـ الشهيد : " و خيبة الأمل بادية على وجهه " هل تعني ما تقول ، هل تعني بأننا شهداء بلا وطن ؟ من الذي سرقه ، باعه ، من هو الذي يلعنه .. من ... من ... و لماذا ؟
ـ آشور : هي قصة طويلة و أخشى انني لا أستطيع قصها بالكامل ، و أخشى انك لن تستطيع سماع كل فصولها ، بل انني أخشى ان اضطر إلى الكذب أحياناً لئلا أفسد عليك راحة نفسك !
ـ الشهيد : كذب !؟ لا بد ان دفاتركم قذرة جداً ، وحالتكم يُرثى لها ، و الآن قد اتعبتني و انت تحاول التهرب من سؤالي ، ماذا حل بالوطن ؟ و لماذا ؟ اخبرني بكل شيء و اخبرني قبل ، من أين تعلمت الكذب ؟
ـ آشور : تعلمت الكذب من الهواء الفاسد و الملوث الذي استنشقه من هنا و من هناك ، أما الذين سرقوا الوطن فهم كثر الآن ، و الذين باعوه نحن ، و الذين يلعنونه نحن و هم سوية يداً بيد ! أما لماذا ؟ فاعذرني فقد لا استطيع ان اسهب في الشرح و التحليل ، فأنا لا امتلك معرفة العلامة .... و المؤرخ .... و الباحث .... و الفقيه ....
ـ الشهيد : من هم هؤلاء ؟
ـ آشور : هؤلاء/ ان لم أكن مخطئاً / سماسرة القضية التي استشهدت من أجلها
ـ الشهيد : و لماذا يفعلون هذا و هم أبناء هذه القضية ؟!
ـ آشور : اعذرني ، فأنا لا أملك الجواب الذي تبحث عنه ، فحتى هذه اللحظات لا زال الجدل دائراً فيما إذا كان هؤلاء أبناء هذه القضية أم لا !
ـ الشهيد : و من قال انهم ليسوا أبناء هذه القضية
ـ آشور : انهم تجار هذه القضية والذين يلعنوها صباح مساء
ـ الشهيد : و من هم هؤلاء ؟
ـ آشور : هم ليسوا كثر ، لكنهم بعض القادة الروحيين الدينيين السياسيين المنافقين ال
ـ الشهيد : " مقاطعاً " تقصد بعض رجال الدين
ـ آشور : نعم هذا ما قصدته ، اعذرني ان أطلت ، فقد استفحلت عدوى الأسماء المركبة و الطويلة فيّ حتى عندما أنادي بنتي من دمي و لحمي و روحي و أملي نينوى
ـ الشهيد : و ما قصة هذه الأسماء ؟
ـ آشور : " بخجل " نحن الآن في سباق غير مسبوق لا في تاريخ العقلاء و لا المجانين ، لكي نجد اسماً مناسباً لهذه الأمة التائهة
ـ الشهيد : عن أي أمة تتحدث ؟
ـ آشور : " بصوت عالي و بنبرة تهكمية " عن أمتنا العظيمة نحن
ـ الشهيد : أخشى انني لا أفهم
ـ آشور : بجهود البعض من رجال الأعمال / أقصد رجال الدين / الذين يلعنون هذه الأمة ..
و بجهود البعض من المؤرخين و الفقهاء الذين يبثون سموم أقلامهم في جسد هذه الأمة ..
و بجهود البعض من من ممثلينا الأصنام و الذين يتحدثون عن كل شيء إلا عن هذه الأمة ......
أصبحنا أمة بلا اسم !
ـ الشهيد : و ماذا عن التاريخ و الجغرافيا و الآثار و.. و .. و الد
ـ آشور : لماذا لم تكمل كلمتك يا شهيد ؟ كنت تقصد الدماء التي رويتم بها هذه الأرض
هي لا زالت غالية و طاهرة و مقدسة لدى الغالبية ، لكنها لا تعني الكثير لأولئك الذين ينالون ثناءات المديح و ذلك لجهودهم في علوم التخريب و التشويه و التحنيط !
ـ الشهيد : أخشى انني لم أعد أفهم اللغة التي تتكلمها ، كما انني أخشى ان أكون قد ضللت طريقي و انك لست آشورياً و ان الذين تتحدث عنهم ليسوا بآشوريين !
ـ آشور : إذاً ، فلا بد ان قداسته .... / قدس الله تصريحه / أصاب حينما قال بأننا عرب !
ـ الشهيد : تقصد بأنه قال ان الكثير من العرب الحاليين هم من أصول آشورية
ـ آشور : لا يا من أرقت دمائك لأجلنا لا .. لا .. ، قالها : نحن عرب !
ـ الشهيد : " و ملامح الأسف بادية على وجهه " و ماذا قال العرب ؟
ـ آشور : العرب و منذ غزوة 11 من أيلول و هم في حالة لا يُحسدون عليها ، هم لا يقولون شيء ، بل يدافعون عما تبقى من أسواق عكاظ و لياليها الملاح
ـ الشهيد : ما الذي حدث في ذلك اليوم ؟
ـ آشور : باختصار تغير العالم ، هكذا أقرأ و أشاهد و أسمع كل يوم
ـ الشهيد : العالم كله تغير !؟ و لماذا ؟
ـ آشور : 19 شاباً عربياً قاموا بغزوة عصرية على ظهور الطائرات ، فذبحوا من الفرنجة 4000 كافر
ـ الشهيد : " لحظات من التفكير .... "
العالم كله تغير ! و ماذا عنكم أنتم ؟ ماذا غيرت فيكم مذبحة سيميلي ؟ أرى ان لا شيء قد تغير ، يبدو ان صرخات الأطفال و النساء لم تحرك فيكم شيء ، يبدو ان الدماء التي أُريقت في سيميلي لم تكن تعني الكثير ، بل يبدو ان هناك ما هو أهم من كل تلك الذكريات الأليمة ! ربما خفتم ان تفسد تلك الذكريات نشوتكم و سعادتكم و انانيتكم !
ـ آشور : " بصوت خافت " أراك قد انفعلت قليلاً
ـ الشهيد : اعذرني يا آشور ، إذا لم انفعل و أغضب و أحزن بعد كل هذا الذي سمعته ، فأنا إذن انسان ميت
ـ آشور : تريد ان تقول بأننا موتى
ـ الشهيد : لا أريد ان انعتكم بصفات غير لائقة و قاسية على مسامعي ، و لكن ماالذي حدث حتى اصبحتم بلا انتماء و بلا رمز و بلا اسم ؟!
ـ آشور : و لهذا اجبتك في البدء قائلاً : انا انسان
هذه هي النغمة التي يرددها من يدعون تمثيلنا ، آه لو كنت قرأت كلماتهم الرقيقة قبل ان ترحل ، لربما كنت ألقيت وروداً على الأوركسترا الانكليزية الكردية العربية و التي عزفت سيمفونية سيميلي ..!
ـ الشهيد : لما هذه السخرية ؟ و هذه اللغة .. لما يا آشور ؟!
ـ آشور : هذه هي اللغة التي باتت تناسب مقاساتنا و أحجامنا ، لم يعد هناك الكثير من الفرق بين أفراحنا و أتراحنا و بين جدّنا و هزلنا ، الأمر سيان ، لم نعد نفهم ما يدور حولنا ، كل همنا و اهتمامنا هو ان يكون الآخر راضياً عنا سواء كان من صنف الآلهة أو من زمرة الشياطين ، و آلهة هذا الزمان قد تجدهم في مجالس الشياطين و لله في هذا حكمته !
هل سمعت هذه المقولة :
( لو كانت سعادة العالم في قتل طفل بريء ، لعد هذا العمل غير أخلاقي )
أجزم بأن بعض الذين يتحدثون بإسمنا لن يترددوا في قول :
( لو كانت سعادة العالم على حساب الشعب الآشوري ، نحن لها ... !!! )
ـ الشهيد : ألا تعتقد بأنك تبالغ بعض الشيء ، أيمكن ان يكون قادتكم أو / ممثليكم / كما تسميهم ، بهذا الإستهتار و اللامبالاة
ـ آشور : إذاً فسر لي ان يرفض ممثلينا أو / قادتنا / كما تسميهم ، منطقة آمنة من المجتمع الدولي تكفل للأجيال المقبلة العيش بسلام و طمأنينة بعد هذا المخاض الأليم
ـ الشهيد : و هل كان المجتمع الدولي صادقاً هذه المرة ؟
ـ آشور : " بعصبية " و هل كان هذا مبرراً للرفض ؟!
ـ الشهيد : أخشى إنني لست في موقع يسمح لي بالحكم على الأشياء ، لكن حدثني عن هؤلاء القادة أو الممثلين ، فلربما توضحت لدي الرؤية
ـ آشور : عن ماذا أحدثك ؟
عن تصريحاتهم .. لباقتهم .. أم عن انسانيتهم المفرطة و اهتمامهم بالإنسان ككل ، حيث ان الانسان أسمى ما خلقه الله على سطح هذه المعمورة { أضف إلى معلوماتك } ! . أم أحدثك عن دعمهم اللامحدود لحركات التحرر العالمية و خصوصاً حركة تحرير و تكرير كوردستان من كل الرواسب و الشوائب و الزوائد الموجودة في .... آه بالمناسبة ! لقد تذكرت اسم الوطن الذي تسأل عنه ، اسمه و بكل بوضوح : كوردستان { وعد الله لنا } و اسمنا مسيحيي كوردستان { هللويا } .
أردتني ان أخبرك بالحقيقة ، و اردتني ان لا أكذب !.
هذه هي حقيقتنا ، ضياع .. نفاق و بضع كتب تاريخ .
ـ الشهيد : و ماذا عن البقية ؟ ماذا عنكم ؟
ـ آشور : " بسخرية " بعد ان كان أجدادنا ملوك الجهات الأربع ، أصبحنا مشردي تلك الجهات ، و لن أخفيك سراً إذا قلت ، بأن البعض منا ينتطر و بفارغ الصبر آخر الأخبار و الإكتشافات العلمية من كوكب المريخ ، فربما تنفك بعض من عقدنا كعقدة اللسان و عقدة الخوف و عقدة اضطهادنا من الآخر الموجودة بسبب أو بدون سبب ، و إذا ما سارت الأمور على ما يرام و بقيت مسألة الفروق الحرارية من دون حل ! عندها فقط يصبح لدينا كوكبنا الخاص و بكل المقاييس و لكل الأسماء الرنانة السومرية و الأكادية و البابلية و الآشورية و الكلدانية و السريانية و الأرامية و المسيحية .. و أخيراً العربية !
عندها فقط سنبني الوطن الذي طالما حلمتم به ، وطن لنا وحدنا لا يشاركنا فيه و لا يجاورنا أحد البتة .
وطن يناسب هذه الأمة التائهة و منظومتها المتأرجحة من أحزاب و قادة و رجال دين و مثقفين !.
عندها فقط ستدخل شعاراتنا حيز التنفيذ و يصبح لدينا نشيدنا الوطني :
[[ كلام الليل يمحوه النهار ]]
ـ الشهيد : " و قد بدا الانفعال واضحاً عليه " ألم يعد باستطاعتكم الحديث بجدية ! كل ما لديكم هو سخرية و هزل ، ألم تعد تحملون شيء من الصدق و الجد !؟ ألهذا الحد أصبح واقعكم مزيفاً و معيباً ! يا لهول ما أسمع ، ألهذا الحد أصبحتم ..
ـ آشور : " محدقاً نظره صوب الشهيد و بلكنة قوية " قلها يا شهيد ، أرجوك قلها ، قلها فلربما استيقطنا و لا تخف على أحاسيسنا و كرامتنا ، هي معاني ليست في جدول أولوياتنا أصلاً !
قلها و ضع لنا اسماً مناسباً يليق بنا ، فلربما هدأت تلك الغريزة الجامحة و الساكنة في نفوس أولئك الباحثين عن اسم ، ربما تحمرّ وجنات البعض ، ربما يتذكر بعض من رجال ديننا كلمات السيد المسيح : اعطي ما لله لله و ما لقيصر لقيصر ، قلها فلربما ألقى البعض من مؤرخينا أقلامهم إلى مزابل التاريخ و عادوا إلى رشدهم و تاريخهم ، قلها فلربما أدركنا ان دقيقة الصمت التي نقفها على أرواحكم ، ما هي إلا دقيقة نفاق إذا لم تكن بقية الدقائق جهد و تضحية و صدق و التزام .
ـ الشهيد : اعذرني يا آشور مرة أخرى ، لم أقصد ان أجرح مشاعركم ، لكنني كنت أُمنّي النفس بسماع أخبار لطالما انتظرتها ، لكن يبدو إنني سأنتظر طويلاً حتى أسمع أخباراً تلتئم بها جراحي و جراحكم ..
مر زمن طويل لم أشعر بمثل هذا الأسى الذي ينتابني الآن ، و الآن فقط أدركت لماذا أردتَ ان تكذب و لكن هيهات ان يكون الكذب مصدراً لراحة النفس .
أأشفق عليكم أم على نفسي ؟! أشعر بأن فؤادي قد انفطر و بأن نفسي تعبة جداً ..
ـ آشور : " متأثراً و الدموع في عينيه " ، لدي بعض الأخبار الجيدة التي تبعث على التفاؤل ، فالصورة ليست سلبية و معتمة بالكامل
ـ الشهيد : لا يا آشور لا ، دعني أذهب بسلام لأعالج الجروح التي سببتموها لي ، و أعدك أنت و كل من تجري الدماء الآشورية في عروقه ، بأني سأعود مرة أخرى
ـ آشور : و لكن لدي بعض الأخبار السارة فعلاً
ـ الشهيد : بعد كل هذا الذي سمعته ، إما ان تكون أخبارك الجيدة ضرباً من الخيال أو بعض شعارات لا قيمة لها عندي .
أهون عليّ ألف مرة أن أّجرح و أتألم ، من ان أرى آشور أمامي و هو يتصنع و ينافق !
حدثتك في بداية لقائنا عن جمال و عظمة الأسم الذي تحمل ، و دعني في نهاية لقائنا هذا ، ان أسرد لك قصة كنت قد قرأتها منذ زمن طويل ، فربما تجدون فيها بعض الأجوبة التي تبحثون عنها بعد ان عجزتم عن قراءة و فهم هذا التاريخ الذي لا يُثمن ، و ربما تدركون بأن الظلام الذي يخيم عليكم ، سيكون له نهاية إذا ما ادركتم بأن النور الذي تبحثون عنه هو بين أيديكم و ما عليكم سوى ان تفتحوا أعينكم .
**
كان رجل يتسلق أحد الجبال الجليدية ثم سقط فجأة إلى واد سحيق و سقطت معه كتلة من الثلج ، ووصل إلى أسفل الوادي دون أن يصاب بأذى ، و هناك عثر على أناس كلهم عميان لا يعرفون شيئاً عن حاسة البصر ، يعملون في الليل و ينامون في النهار .
بدأ يحدثهم عن الحياة الأخرى ، عن النور و الجمال ، فكانت كل هذه الأشياء غريبة بالنسبة لهم .
و مع مرور الأيام بدأ يتأقلم مع حياتهم و طريقة معيشتهم ، و حدث انه أحب إحدى فتياتهم و طلب ان يتزوجها ، فطلبوا عينيه مقابل ذلك ، ليكون كواحد منهم . فقبل الشرط ، و في اليوم المحدد لأخذ عينيه نظر إلى قمة الجبل فرأى نوراً ينساب من فوق تلك القمة ... عندئذ ترك كل شيء و بدأ يتسلق الجبل ليصل إلى القمة حيث الأمل و النور و الحياة . **
" أفاق آشور من نومه مذهولاً و العرق يتصبب منه "
ـ أي حلم هذا الذي رأيته ، لا لم يكن حلماً ، لقد كان أكثر من مجرد حلم .. نعم ما رأيته كان حقيقة .. الحقيقة التي يجب أن نقولها و نواجهها .
" ما هي إلا لحظات حتى خرج و جلس في حديقة المنزل يتأمل ساعات الفجر الأولى و نظره محدقاً إلى السماء ، كان شريط الذكريات يتداخل مع الحلم الذي عاشه و ايقظه ، كان يبتسم .. يتنهد .. و يتألم ... مزيج من الأحاسيس لم يألفها من قبل ، هواجس و ظنون و أفكار سرعان ما قادته إلى ابنته نينوى ، و سرعان ما انسل بهدوء إلى غرفتها حيث قضى بضع لحظات و هو يتأملها و كأنه يراها للمرة الأولى .."
" في الصباح و على مائدة الفطور ، جاءت نينوى إلى أبيها و هي متلهفة " :
ـ لقد وجدت هذا الكتاب على طاولتي ، هل نسيته البارحة في غرفتي ؟
ـ آشور : " محاولاً التحدث بجدية " أي كتاب !؟ إقرأي لي عنوانه ؟
ـ نينوى : شهداء الأمة الآشورية
ـ آشور : و هل تعلمين من هم شهداء الأمة الآشورية ؟
ـ نينوى : " أجابت بحزن و هي المتفوقة في تحصيلها العلمي " لا أعرف أي شيء عنهم ، لم يرد لهم أي ذكر في الكتب التي قرأتها في المدرسة
ـ آشور : و هل تريدين ان تعرفي ؟
ـ نينوى : أنت علمتني حب المعرفة و الإطلاع
ـ أم نينوى : " موجهة حديثها إلى آشور و نظرات الشك في عينيها " هذا الكتاب لم يهبط من السماء ، أليس كذلك ؟!
ـ آشور : " مازحاً " أحياناً لما لا ..
" و سرعان ما صمت للحظات و أردف بجدية قائلاً " : لا أريدها ان تحلم يوماً و تخيب أولئك الذين وهبوها الأمل و الحياة و النور ...
و الآن يا نينوى ، إقرأي لي ماذا تقول مقدمة الكتاب ؟
ـ نينوى :
غرباء نحن بلا عناوينكم
عراة نحن بلا دمائكم
و ظلام هي كل أوقاتنا بلا ذكراكم
أديب إيشو