المحرر موضوع: الحرب على لسان وقودها  (زيارة 1047 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماجد فيادي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 225
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الحرب على لسان وقودها
« في: 19:23 13/01/2007 »
الحرب على لسان وقودها
[/color]

ماجد فيادي

عندما تقع الحرب, يكون الصوت ( النعيق) الأعلى لأمرائها, عبر وسائل إعلامهم أو
على لسان أبواقهم أو عبر شعرائهم ومغنيهم, أما صوت ضحيتهم فيكبت في المعتقلات
والسجون والمقابر الجماعية, فيصبح سكوت الضحية الصفة السائدة والهجرة الحل
الأمثل. دفعني هذا الى ارتداء طاقية الإخفاء لأتنصت على صوت الضحية الخافت
وانقله لكم, عسى أن يجد صداه لدى الرأي العام ويحرك فيهم ساكنا.



( صبرية)أم فقدت ابنها الوحيد في الحرب :. ولدي الحبيب, أخذتك مني الحرب
وتركتني, بعد أن حملتك شهوراًَ تسع, وربيتك صغيراًَ, سهرت عليك الليالي حتى
تكبر واراك مهندساًَ, تأتيني بالشهادة الجامعية, تمنيت أن أزغرد يوم خطوبتك
وارقص يوم زفافك, تهبني طفلا يجعلني جدة, وألاعبه وأجلسه على حجري كما فعلت
معك, ولدي احتاجك معي في كبري ومرضي, تقف في عزائي عندما أموت, صرت أرى الرجال
الذين في عمرك يظهرون لي بصورتك لكنهم لا يكلمونني, فالكل يعيش حالة ضياع
ويجرون خلف الحياة الصعبة وتوفير الرزق, أو هربا أن يصبحوا وقوداًَ للحرب, ولدي

أنا الآن وحيدة لا يملئ عيني شيء, فالسواد صار رفيقي والحزن تنفسي والمرض
حالتي, موتك يا ولدي قلب حياتي الى أسوء حال. مدندنة ( دللول يالولد يبني دللول

عدوك عليل وناحر الجول).



(وفاء) فتاة بلا زواج وقد بلغت سن العنوسة :. لا أفكر الآن كما كنت قبل خمسة
عشر سنة, فيما مضى كنت احلم بزوج أهبه ولدين وبنت, أمارس معه الحب والحياة,
أنشأ وإياه عائلة تعيش الفرح والحزن كما هي باقي الفتيات في العالم, أحبه
وأخاصمه فيراضيني بقبلة وسهرة في احد المطاعم, يمرض فأهتم به, وعندما أمرض أنا
يسهر على راحتي ويهتم بأبنائي, يمسد على شعري ويطبخ لي الطعام ويغسل الصحون
بدلي, أما اليوم فحلمي صار أن أجد رجلا اكبر مني سناًَ يقبل أن يتزوجني وهو
يعلم أن إمكانية الإنجاب صارت صعبة أو مستحيلة, رجل يتفهم أننا كبرنا وتكونت
شخصيتنا بطابع لا يمكن أن يتغير الآن بسهولة, رجل يتفهم مشاكلي النفسية التي
تولدت عبر أيام الحرمان الجنسي وتردي الأوضاع المعيشية.



( فرميسك) فتاة شابة في مقتبل العمر:. أنا خائفة من الأيام, هل سأتمكن من تحقيق

أحلامي, بالعمل والتطور وسط هذا الحال الاقتصادي والاجتماعي السيئ, هل سأجد
فرصة عمل أكون فيها شخصيتي واجد ذاتي, كيف ونحن متخلفين عن العالم, كيف وخوف
الأهل على الفتاة صار مضاعفاًَ, كيف والأفكار المتشددة صارت هي السائدة, يا ترى

هل سأجد زوجا أشاركه الحياة, يعينني على المشاكل المادية, يمنحني طفلا نربيه
معا ونبلغ به الكبر دون أن يموت في الحرب, هل سأجد زوجا غنيا ويوفر لنا الأمن
فيما تردت الأوضاع أكثر, يا الله هل سيكون زوجي مثل والدي يعمل طوال اليوم من
اجل توفير مستلزمات حياتنا, أم سيكون مثل أخي جندياًَ لا يزورنا في الشهر إلا
مرة, أو يقتل في أية لحظة.



(إبراهيم) أبن ضحية حرب بعمر اثنا عشر سنة :. ( حَب, سكائر, علك) مناديا في
إحدى تقاطعات المرور, عسى أن يبيع شيءًَ ليشتري لأمه وأخواته ما يقتاتون به,
ينظر بعين ملئها التمني والكره لطفل في احد السيارات المكيفة وهو يأكل المرطبات

في يوم صيفي حار, تكاد تصدمه سيارة وهو يتخيل نفسه في ملعب كرة قدم يداعب
الكرة, لا تعنيه المدرسة في شيء, فهو بكل الأحوال سيذهب الى الجيش ليحارب, فما
فائدة التعليم إن كانت الحرب لا تفرق بين متعلم وأمي. سألته, لماذا تدخن
السكائر ؟؟؟ قال:. لأني أبيعها, ولاني أصبحت رجلا فأنا من يعين عائلتي.



( فلاح) طالب جامعي في المرحلة الرابعة:. آه لا أدري هل ارسب هذا العام, أم
انجح واذهب للجيش فاقتل ويضيع تعب السنين, أم أتملق للنظام وأبقى على قيد
الحياة على حساب الآخرين, هل أنا أناني أم هو الحق في الحياة, كيف سأحترم نفسي
وكيف سأتقبل نظرات الآخرين لأنانيتي, لكن ماذا لو أنني لعبت على الحبلين, من
جهة اخدم النظام ومن جهة ثانية لا أضر الجميع فقط من يستحق الأذية, نعم هكذا
أنفذ بنفسي وأستمر بالحياة, لكن ما هذه الحياة التي أفكر بها ستكون أشبه بالموت

البطيء, إذن يجب أن أفكر بالهجرة وابتعد عن هذه الحرب التي لا ترحم, لكن ماذا
عن أمي وأبي وأخوتي وأصدقائي, كيف سأتركهم, وماذا لو فشلت في الوصول الى بلد
أوربي, نعم حينها انتحر وينتهي كل شيء.



(جمال) خريج جامعي دخل الجيش:. أبصبح الأمر جاد, فأنا الآن ضمن قوات الجيش
ومعرض في أي لحظة لدخول معركة, أما اقتل أو أتحول الى قاتل, لا يمكنني أن اسميه

دفاعا عن النفس, فالحرب ليست قضيتي ولست مؤمننا بها, إن حاولت الهرب تعرضت
عائلتي لشتى أنواع الإرهاب من قبل النظام, كما حصل ويحصل لعوائل السياسيين
المناهضين للنظام, كيف سأتمكن من قتل إنسان مهما كان السبب, لم افعلها في حياتي

ولا أريد أن افعلها, متى سأتزوج وأكون أسرة, متى اعمل في مجال اختصاصي, متى
اترك هذا المكان, متى تنتهي هذا الحرب اللعينة, متى اشعر بالأمان.

( عزيز ) رب أسرة:. يجب أن أجد عمل آخر, التقاعد لا يسد ثمن المواصلات, و بيع
الكباب في حي فقير لا يأتي بدخل جيد, عائلتي بحاجة الى المال فهي كبيرة, لكن
البلاد في حرب وفرص العمل قليلة فكل شيء موجه للمجهود الحربي, أنا خائف من
إجباري على دخول الجيش الشعبي, حينها ستبقى عائلتي بدون معين, وقد تنحرف بناتي
بسبب الحاجة, يا رب ماذا افعل كل الأبواب تغلق بوجهي, وأنا رجل كبير نال مني
الزمن الكثير, كنت احلم بأن ارتاح عند الكبر, لكن يبدو لا راحة للفقراء.



عائلة تجتمع على التلفاز في مساء يوم تشتعل فيه جبهة القتال تستمع للأخبار,
يأتي صوت عالي متشنج مبحوح يثير الاشمئزاز, ( أيها الشعب يجب مقاتلة العدو, فقد

هجمت قواته على وطننا الآمن, واحتلت أراضينا وانتهكت أعراضنا وسرقت أموالنا,
إنه عدونا القومي الذي يريد السيطرة على قوميتنا العريقة, انه عدونا الديني
الذي يريد إنهاء ديننا, انه عدونا الطائفي فهو يتحالف مع الطائفة الأخرى, يجب
الدفاع عن شرفنا عن كرامتنا ووجودنا, علينا أن نقف جميعا متكاتفين بوجه الهجمة
الغادرة, نحن ورثة الحضارات والعلم والإنسانية يجب أن نقاتل حتى النصر, أما
النصر أو الشهادة)



يغلق الأب التلفاز ويقوم الجميع للنوم مبكرين, لكن من خلال طاقية الإخفاء التي
ارتديها تنقلت بين أفراد العائلة, وجدت الجميع قلقين غير قادرين على النوم, لكن

احد لم يكلم الآخر, فالقلق من الغد يكبس على الصدور.



في مكان ما من الوطن المنكوب, مجموعة تجتمع تخطط لكشف النظام الحاكم, أمام
الرأي العالمي, والمشكلة كيف, فالنظام مسنود من شركات تصنيع السلاح, ومصالح
الدول الكبرى تدور في هذه الحروب, والنتيجة حرب طويلة, تخلق أجيال لا تجيد سوى
الحرب والعنف وفقدان لغة الحوار.[/b][/font][/size]