المحرر موضوع: مكافحة الإرهاب بين مسؤولية الدولة ودورها في الحسم وبين الانشغال بتجييره لمآرب أخرى  (زيارة 864 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 349
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مكافحة الإرهاب بين مسؤولية الدولة ودورها في الحسم وبين الانشغال بتجييره لمآرب أخرى
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com
 

بات الإرهابُ ظاهرةً عالميةً، بالاستنادِ إلى طابعِ علاقاتٍ يُشاعُ فيها أسباب التناقضِ بدل تبادل المصالحِ والتعايش السلميّ وجسور الترابطِ والتكامل الإنساني، هذا دولياً؛ ومحلياً يشكّلُ ضعفُ الدولةِ وهزال أو تخلخل بنيةِ مؤسساتِها وربما انفلات الأمورِ أرضيةً خطيرةً لاختراقاتِ عناصرِ الإرهابِ وقواه للوضع العام. ولربما دعمَ هذا حالاً من الانشطاراتِ والتشظياتِ المقصودة المتعمدة ومن اختلاق الاصطراعات التناحرية  بأشكالها وألوانها، كما الطائفية والقومية وغيرها. وإذا ما أرادَ المرءُ أنْ يدرسَ الظاهرةَ في بلدٍ كالعراقِ فإنَّهُ لا يمكنُهُ أنْ ينظرَ إليها من زاويةٍ محليةٍ بحتةٍ محدودةٍ؛ ولكنَّهُ ينبغي أنْ يدرسَها بالارتباطِ بمحيطيها الإقليمي والدولي. ولكن من باب فحص محور من هذه الظاهرة أو زاويةٍ بعينِها سيجري التركيز هنا على موضوعِ مكافحةِ الإرهابِ بين مسؤوليةِ الدولة من جهة ودورها الرئيس الحاسم في حمايةِ الأمن العام  ومعالجة أشكالِ العنفِ وإزالة آثارهِ وبين حال الانشغال بتجيير المعركة مع الإرهاب لمآرب دعائية تحاول تجيير الأمر لمصلحة بعض المسؤولين على سبيل المثال لقضيةٍ انتخابيةٍ أو بصيغةٍ أخرى لقضيةِ إدامة التمسك بكرسيّ السلطة! وطبعا سيكون مهماً الإشارة إلى نتائج مثل هذه السياسة في التعامل مع أداءِ السلطة وتوجهاتِها في مكافحةِ الإرهابِ ومن ثمَّ فسحها المجال واسعاً لاختراقاتٍ إرهابيةٍ خطيرة...
 
لقد عصف، عراقياً، الإرهابُ بالشّعبِ حتى راحَ ضحيتهُ عشرات آلاف الأبرياء.. وربما رقم أكثر هولا، فضلا عن جرائم وفظاعاتٍ شنيعة جرت وتجري في ظلاله! ولعل العامل الخارجي لا يُنفى هنا بل يؤكَّد وجودُه سبباً خطيراً، لكنَّنا هنا بصدد البحث في مسؤولية الدولة تجاه مكافحة الإرهاب. فالدولة حكومة ومؤسسات رسمية وأخرى مدنية لابد أنْ تكونَ هي المسؤولُ الأول عن إدارةِ الشأن العام وتوفير الأمن والأمان وضبط الأوضاع في إطار قانوني يحرص على تطبيق الدستورِ، عقدا اجتماعياً، يحمي حقوقَ الناسِ الذين أقروا هذا العقد ضابطاً مشتركاً لوجودِهم. من هنا يجري عادةً حصر السلاح بالحكومة ويجري منع استخدام العنف من أيةِ جهةٍ خارج المؤسسات الرسمية للدولة، منعاً لانفلات الأمور وخروجها عن السيطرة.
ومن أجل ذلك، تُعِدُّ الدولةُ قواتها من جيشٍ وشرطة وأجهزةٍ أمنية بما تستطيع عبره حماية سيادتها وأمنها  خارجيا و داخليا؛ بضمان أمن الحدود من الاختراق ومن العدوان وضمان الوضع الداخلي من الانفلات والجريمة ومن اتساعهما حدّ التحول إلى ظاهرة الإرهاب... وبالنظرة الأولى إلى حدود الدولة العراقية نرصد أنَّ السنوات العشر المنصرمة تعرضت فيها المدن الحدودية للتخريب والاجتياح مرات ومرات.. وذهب ضحية ذلك ضحايا وقرابين من مواطني تلك المناطق نتيجة القصف المتكرر بالطيران والمدفعية والاختراقات بالأسلحة والتشكيلات أو الأصناف العسكرية الأخرى.. ولم تنقذ قوات الحكومةالاتحادية ببغداد مواطنيها من آثار تلك الاعتداءات الخارجية؛ كما لم تستطع الحكومةُ معالجة اعتداءاتٍ أخرى اقتطعت من الوطن أراض ومساحات من المسطحات المائية الإقليمية حتى باتت بعض الأراضي العراقية، بخاصة الغنية بالثروة النفطية جنوبا نهبا لدول أخرى، وحتى وصل الأمر لمرحلة يكاد فيها العراق يفقدُ منفذَهُ المائيَّ البحري الوحيد. وتنبغي الإشارة هنا إلى ما يجري من قضم من شرق شط العرب ومن تهديدات خطيرة عبر قطع شرايين وروافد مائية بتغيير مجاري عشرات منها من دون تحريك ساكن! كل هذه الأمور وغيرها هي إشارات قليلة من كثير مما أهملته الحكومة أو انشغلت عنه أو أدارته بطريقة غير سليمة ولم تستطع معالجة تهديدات خارجية على تخوم الوطن، فباتت الحدودُ مفتوحةً لعبورِ عناصرِ الإرهاب وقواه بلا ضابطٍ ولا رابط!!
ومسؤولية الحكومة داخليا، تقتضي وجود شرطةٍ وأجهزةٍ أمنية واستخبارية يمكنُها بسط هيبة الدولة وتوفير الأمن والأمان، ولكننا أمام مشهد من تركيبة أو خلطة مرضية لتشكيلات تلك المؤسسة المهمة. فهي تتركب من ميليشيات أو عناصر ميليشيات و\أو من عناصر غير مدربة مهنياً.. وهي لا تمتلك ثقافة قانونية تحترم إنسانية المواطن وحرياته وحقوقه  بل تمارس مهامها بطريقة عنفية بلا خطط مدروسة وبطريقة أوقعت الضحايا حتى بين صفوف تلك الأجهزة عندما أقحمتها الحكومة بمعارك لم تتدرب ولم تستعد لها.. كما زجتها في صراعات بأسس طائفية وعمليات ثأرية انتقامية بدل أنْ تكونَ مهاماً وطنية لإشاعة الطمأنينة والاستقرار... نذكر هذا بالإشارة إلى المطبات الخطيرة التي مارستها تلك المؤسسة في أكثر من موقعة ومحافظة..
نحن ندرك واجب النظر إلى الأمور بشمولية وأن تأخذ المعالجات بنظر الاعتبار الأولويات كما على سبيل المثال توحيد الجهود في المعارك الوطنية الكبرى.. لكننا ندرك أيضاً أنَّ بعضَ تلك المعارك ليست سوى ممارسة تقع في خطايا نوعية خطيرة، لا تقف عند حدود إيقاع خسائر بين المواطنين ولا حتى عند توريط القوات في معارك خاسرة تفقد فيها ضحايا وتقدم خسائر مجانية أمام قوى الإرهاب بل هي أبعد من ذلك تحاصَر بحدود مهام دعائية ضيقة يراد لها أن تكون معركة فوز لخطاب الطائفية بإعلاء صوتٍ من أصواتها وتسقيط آخر. غير أن مثل هذا التوجيه للمعارك سيؤدي فعلياً إلى افلات قوى الإرهاب من الهزيمة فتبقى تعشعش في مخابئها بانتظار فرص أخرى كما لا يُبقي على أجنحة الصراع الطائفي وهكذا فكل ما في الأمر سيبقى يتمثل في تجيير المعارك وتوجيهها بما يؤدي إلى طغيان الطائفيين، ليغرسوا مجددا رايات انتصارهم بصدور الضحايا الأبرياء ممن صاروا كُرْهاً وقوداً لمعاركهم التي انحرفت بالاتجاه من حسم المعركة مع الإرهاب وتطهير الوطن منه إلى ممارسات استعراضية خاوية لا تنهي إرهابا ولا توفر استقرارا ولا أمنا بقدر ما تمارس نشر الهلع من بعبع يمنحهم فرصة فرض أتاوة الحماية الوهمية من ذاك البعبع بصيغة تديم خضوع الجمهور المستهدف لهذا الطرف أو ذاك.
إنّ الانشغال والمشاغلة بتجيير المعركة، إذ ينحرف بالمعركة باتجاه مختلف نوعياً، يعطل مؤسسات الدولة المعنية بالأمن والاستقرار عن مهامها، ويتخلى عن مسؤولية مكافحة الإرهاب وتوفير الأمان ليركز على مهمة التمسك بالكرسي والانفراد بالسلطة وإن جاء على حساب حيوات الناس وحقوقهم وأولها الأمن، الاستقرار، الطمأنينة. فيما هذا الأداء السلبي أيا كانت أسبابه ودوافعه سيمارس أفعالا أخرى أو ردود فعل من قبيل شمول رقعة معاركه جنبات الوطن وجغرافيا أقاليمه ومحافظاته. ونحن نرصد فعلياً أنه بدل محاصرة قوى الإرهاب وعناصره المحدودة في مخابئه وزواياه المظلمة الضيقة يسمح له بالحراك والتنقل وتنجرّ قوات الحكومة في مطاردة يختار فيها أعداء الناس من الإرهابيين ميدان كل معركة، وفي الغالب يأتي هذا بسبب طبيعة تعامل القوات الحكومية وفتحها الفرص والثغرات كبيرة لصالح تلك العناصر الدموية البشعة!
ولقد شهدنا على سبيل المثال لا الحصر حالتين من هذا القبيل؛ عندما انسحبت القوات الرسمية من معارك دارت في الصحارى الغربية للبلاد لتترك الأبواب مشرعة على كل مصاريعها للإرهاب ليدخل مدن كالرمادي والفلوجة وهي المدن الآهلة الكثيفة بتعداد سكانها!! واليوم نلاحظ نقلة جغرافية أخرى غير محسوبة العواقب، فتنقل الميدان باتجاه مناطق حمرين وبعض مدنه بخاصة منها تلك التي تقع بميدان مناطق المادة 140 و\أو بتسمية أخرى على تخوم كوردستان. والقوات الاتحادية ترفض حتى في هذه المناطق أن تسمح للبيشمركة بالمشاركة في العمليات!؟
إنَّ الإبقاء على حال إدارة المعارك بطريقة أحادية بخططها السياسية وعشوائية التفاعل بخططها ميدانياً عسكرياً، إن لم نتهمها بتعمد توجيه الأمور توجيها يتقاطع ومصالح الشعب والوطن وسلامتهما، فهي تقع بحالات تقصير وبثغرات يلزم وقفها لإنهاء تداعياتها الخطيرة على الوطن والمواطنين.. وإلا فإن تراكم الأمور ليس له سوى نتيجة خطيرة واحدة تقع  في نطاق التوصيفات الآتية:
 فأما تعميق حال إضعاف الدولة بخواء مؤسساتها وأدوات ضبط الأوضاع فيها حداً يؤدي لانهيارها وزوالها لتصير ملكية تابعة لدول أخرى وأما وصولها حد التقسيم بين دويلات هزيلة ربما محتربة أو أنها تضمحل بطريقة التفكك بحدود كانتونات تدار مافيويا لمآرب ليس من بينها مصلحة مواطن.. ومثل هذا يذكرنا بالبديل أو الحل الفوقي القائم على الطغيان وتفريغ مؤسسات الدولة من محتواها لتكون مؤسسات تخدم الدكتاتورية وهو الأمر الذي قد لا يقف بمجريات الأمور عند مصادرة مصالح مواطني العراق خارج إقليم كوردستان بل قد يهدد بل هو بالفعل يهدد كوردستان وجودا وشعبا بمختلف احتمالات التهديدات سواء بدفع قوى الإرهاب وعناصره إلى داخل الإقليم أم بالوصول إلى مرحلة التصعيد من حجب المخصصات المالية واقتطاع نسب من حصة الإقليم من الميزانية ومن الحصار الاقتصادي الذي بدأ بالنفط والموازنة لينتقل بتهديده إلى مغامرات أبعد قد تذكّر بجرائم لم تمَّحِ ولم ينسها شعب كوردستان بعدُ...
ومن هنا لابد من التوكيد على أهمية بل خطورة تعطيل المؤسسات سواء التعطيل الكلي كما جرى في ميداني الصناعة والزراعة أم الجزئي أم بتشويه عمل المؤسسات وتغيير خطوط إنتاجها نوعيا بما يجعلها مؤسسات خدمة سياسة مرضية لا مؤسسات خدمة الإنسان والبلاد؛ وتحديدا نشير إلى المؤسسات الأمنية العسكرية وطريقة التسلح التدريب وانحرافاتها البنيوية. كما ينبغي الالتفات للعبة تبادل الاتهام بين أجنحة الطائفية وحصر إدارة السياسة العامة بين أيديهم لأن مؤدَّى ذلك يعني تسليم مفاتيح القرار بأيدي تسلب الشعب حقه في القرار وتأسره لقيادةٍ، شهدْنا طبيعة إدارتها العشر العجاف المنصرمة، بكل أورامها التي تفجر بعضها ولا ينبغي أن تتفجر الأخريات لمخاطر وقائعها... مثلما ينبغي التفطن أيضاً إلى لعبة فبركة بعض الوقائع ومحاولة مشاغلة الناس بعناصر تنتمي لما يطلق عليه مصطلح الدولة العميقة وبقايا النظام السابق بينما الخطر لا يكمن في العراق في تلك البقايا بقدر ما يكمن في الخطط والبرامج وكيفية إدارة السياسة العامة وهناك فرق كبير بين الاستراتيجي الشامل والكبير الرئيس من المخاطر وبين بعض خروقات جانبية ثانوية تجاه ما أشرناه هنا من واقع بعينه ومن مخاطره وتهديداته...
إنّ الالتفات إلى صورة شاملة للوضع وتجنب التركيز على الهامشي أو الثانوي والجزئي والالتفات إلى الأولويات هو ما سيمنحنا فرص النجاة بوضعنا برمته والتقدم نحو خطى جديدة من البناء وإعادة إعمار المخرب. ولعل من بين أبرز ملامح هذي الصورة الإيجابية أن ننظر إلى الدور الملموس والبنَّاء لكوردستان باتجاه الحلول الأنجع والأنضج وإلى تحصين كوردستان ضد أية خروقات أو هفوات يمكن أن تحصل، فمن جهة أفضل العلاقات الخارجية دوليا وإقليميا ومن جهة أفضل جسور التحالفات مع قوى بناء الدولة المدنية الديموقراطية الضمانة الأبرز للفديرالية ولمستقبل مسيرة التنمية والتقدم بكوردستان.. بينما سيظل بعبع البلاء والدمار يطل بتهديداته مع استمرار وجود النهج الطائفي من جهة وتلك السياسة الانفرادية وثغراتها من جهة أخرى.