الكائنات الدينية الخيالية الطائرة
كلما أوغل شعبٌ في الميثولوجيا، كلما إبتعد عن العقلانية.
ستنحصر المعلومات في هذا البحث تقريباً على بلاد ما بين النهرين وبعض الشرق الأوسط، لأن الكتابة عن الكائنات الدينية الطائرة في تأريخ كل الأرض سيحتاج إلى مؤلفات عديدة قد تكون أعظم بكثير من قابلياتنا المتواضعة.
التأريخ يقول ويشرح ويُثبت لنا بأن البشر ومنذُ بدايات ظهورهم الأول على مسرح الأحداث التأريخية كانوا ميالين ومُغرمين بإختلاق وتأليف وترويج الحكايات والقصص والأساطير والخرافات الخيالية الوهمية عن وحوش وتنانين وهولات وكواسر إسطورية وَصَلَنا منها الكثير جداً عبر تأريخ الشرق الأوسط وغيره، والحق هي قصص مُشوقة ومُنشطة للخيال البشري الذي لا حدود له. ولا زال البشر يؤلفون وينسجون كل ما هو غريب وخيالي ومُرعب لحد اليوم من خلال تأليف القصص ذات الخيال العلمي وطبعها ونشرها وتحويلها إلى أفلام سينمائية تتناول كل ما هو وهمي ومُخيف وغيرمألوف!. لكن الفارق الوحيد بين الأمس البعيد واليوم هو أن بشر اليوم يخلقون هذه القصص المُثيرة من أجل التسلية ولقمة العيش، ولا أحد منهم يُصدق ما جاء في القصة أو الفلم من غيبيات وكوابيس ومزاعم وأشياء غير منطقية لا يعقلها حتى الفكر المتواضع المستوى، بينما في الأمس التأريخي البعيد وفي قديم الزمان كان البشر يُصدقون ما يختلق خيالهم من أمورغيرحقيقية ولا
يوجد أي دليل على حقيقة حدوثِها. والمثير للسخرية أن البشر أدخلوا بعض تخاريفهم وأوهامهم تلك في أديانهم الأرضية التي سموها "سماوية" لإعطائها الصُبغة الشرعية، وإختلقوا لها حجج تبدو واهية جداً للعقل العلمي المُعاصر، حيث لا يستطيع أن يُبرهن على صحتها أحد اليوم!، وهكذا .. عَبَدوا ما إختلق فكرهم من خياليات وفنطازيات وأوهام، والأدهى أنهم حاسَبوا وحاكَموا وعاقبوا كل من لم يُصدق بها، أو سار عكس تيارها وخرج في طيرانهِ عن سربها!!.
أغلب البشر ومنذُ مطلع التأريخ حلموا وتمنوا وإشتهوا أشياء كثيرة لم تكن قدراتهم البشرية تستطيع نيلها أو تحقيقها، وأولها كانت فكرة (الطيران) والتحليق في الفضاء اللا متناهي الذي كان يعني لهم عالَماً رَحِباً لا حدود له، لدرجة أنهم تصوروا دائماً بأن هناك في الأعالي قوى جبارة هي التي أوجدتهم وهي التي تتحكم في أقدارهم ومصائرهم!، وحددوا مكانها .. (فوق) في الأعالي الغامضة!. ولهذا حلموا ب (الجِناح) الذي تمتلكه الطيور، لأنه الأداة الإرتقائية الأولى والوحيدة التي كانوا يعرفونها ويُدركون نفعها في تلك الأزمنة البعيدة الغابرة. لِذا نظروا إلى الطيور وخاصةً الجبار منها نظرة إعجاب وأعطوا لبعضها القدسية، لا بل عبدوا الكثير منها!، حيث كانت الطيور تعني بالنسبة لهم (ألإرتقاء)، لِذا راحت أغلب الأديان والميثولوجيات القديمة والحديثة تُسَمي قِيَم الخير ب :(الأسمى) المُشتقة من (السماء) و (السمو) تحديداً. ونجد في اللغة مثلاً:
سَما سُمُواً: عَلا وإرتفع.
السَمَاء: جمعها سَماوات: ما نُشاهد فوقنا كقبة زرقاء مُحيطة بالأرض \ كل ما يُحيط بالأرض من فضاء واسع \ كلُ ما عَلاك \ سقفُ وأعلى كل شيئ \ مسكن أرواح الأبرار \ إسم الفلك العظيم.
ولا تزال بعض الطيور الجبارة تُستعمل كشعارات للشركات التجارية (Logo)، كذلك تُستعملُ كرموز وشعارات لبعض دول العالم الحديث، كونها يعني القوة والتحرر والإنعِتاق في سماء لا متناهية غامضة أراد الإنسان أن يصل لها لألف سبب. لِذا وضعوا تلك الرموز والشعارات فوق أعلامهم وراياتهم ودروعهم وخوذهم وقِلاعهم وأدوات منازلهم وأيقوناتهم ... الخ، لأن مخيالهم البشري المتواضع صَوَرَ لهم أن هذه الطيورعلى مقربة من عالَم الآلهة (الفوقي) أوهي واسطة بين الخالق والمخلوق!.
ولنفس السبب أيضاً قام العقل البشري بخلق شخصية (الملائكة)، الذين تم تصويرهم على شكل بشر لهم أجنحة!. وهو نفس الحلم القديم في أن يمتلك الإنسان أجنحة ليطير بواسطتها، وحين عجز عن تحقيق حلمه هذا أوجده وحققه عن طريق خلق نموذج "الملائكة"…… المُجَنَحين!!، وإدعى أنهم الواسطة والرُسُل بينه وبين الرب الذي يُدير الكون والأقيانوس الذي لا حدود له!.
ولو كان الرب الذي هو "على كل شيئ قدير" كما تقول الأديان قد خلق الملائكة حقاً، فكان الحري به أن يخلقهم بدون أجنحة، كما هو (السوبر مان) مثلاً في أفلام الخيال العلمي وقصص اليوم، لأن الملاك الرباني السماوي لا يُفترض فيه أن يطير لأنه يملك أجنحة، بل يطير بمشيئة الله، "القادر على كل شيئ" حسب قول الأديان، وهنا ستنتفي الحاجة إلى الأجنحة !.
(أغلب) الكائنات الدينية الطائرة التي تم تخيلها في الأديان القديمة والحديثة على حد سواء كانت مُشتقة من (الثور والحية والحصان) .. وبالأخص “الحصان”، لِذا لا بد من مقدمة مُختصرة قدر الإمكان لمعرفة تأريخ هذا الحيوان الجميل الرائع الذي عَجَلَ في تسريع الحضارة الإنسانية هو وزميليهِ الحمار والبغل.
جاء في كِتاب (كيمياء الكلمات) للباحث علي الشوك: [ يُقال أن موطن الحصان الأصلي أميركا، ثم إنتقل منها إلى آسيا منذُ العصور الحجرية القديمة عندما كانت أميركا مُرتبطة بآسيا من جهة مضيق (بيرنغ)، ثم دُجِنَت الخيل في مكان ما شرقي بحر قزوين على يد القبائل الهندية الأوربية. وقد أُدخِلَت إلى سوريا وبعدها إلى مصر في عهد (الهكسوس -1648-2009 ق.م)، هي والعربات الحربية التي تجرها الخيول بدل الحمير، فأحدثَت الرعب في نفوس المصريين.
أما في العراق فقد ورد ذِكْرُ الخيل منذُ عهد سلالة أُور الثالثة (2112-2004 ق.م). وكانت الخيل تُسمى في اللغة السومرية "أنشو كر را" (Anshu-Kur-Ra). أي: "حمار الجبل" أو "حمار البلد الأجنبي". ويُرادف ذلك باللغة الأكدية (سيسو)، ويرى بعض المؤرخين أن الكشيين هم الذين أدخلوا إستعمال الخيل على نطاق واسع إلى بلاد الرافدين. ووجدنا في المعاجم العربية أن كلمة (ساسَ)، يسوس الخيل، ومن هذا (الفعل) جاءت كلمة (السياسة) ].إنتهى
ملاحظة حول المقطع أعلاه: لاحظوا معي أن (كر) وهي الكلمة الوسطية ل (أنشو كر را) السومرية لتسمية الحصان، هي نفس الكلمة المستعملة لصغير الحمار في اللغة العراقية الدارجة اليوم (كُر)!.
كذلك لا زال الكلدان والآشوريون العراقيون ولحد اليوم يُسمون الحصان في لهجتهم السورَث ب: (سوس - سُستة)، وهي نفس التسمية الأكدية القديمة (سيسو).
كذلك نجد من خلال بحوث وتنقيبات علماء الآثار في العراق أن أهم الحيوانات التي أثارت إهتمام ومُخيلة الفنان والمُجتمع الكلداني في الدولة البابلية الحديثة (539-626 ق.م) كانت تتمثل على الغالب في (الثور، الأسد، التنين-الحية)، حيث وجدوا هذه الحيونات مُصَوَرَة من خِلال النحت البارز وبالطابوق المُقَولَب المُزَجَج على ما تبقى من آثار جدران بوابة عشتار في مدينة بابل العظيمة.
أدناه بعض الكائنات الدينية الطائرة:
****************************
الهامة:
وهو طيرٌ كان من مُعتقدات أديان العرب في الجاهلية، ولكن القرآن أبطل هذا الإعتقاد في قولهِ "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة". والهامة طيرٌ كان عرب الجاهلية يزعمون أنه يخرج من رأس وجمجمة القتيل الذي لم يؤخّذ بثأرِهِ بعد، فيقف الطيرُ عند قبر القتيل ويصرخ: (إسقوني من دم قاتلي). وهذا يقول لنا عن مدى ضرورة وأهمية عادة الأخذ بالثأر عند العرب والتي عَجَزَ الإسلام عن إستِئصالِها لحد اليوم !.
تعامات:
وتُسمى أيضاً (تيامات، تيواوة، وتمتُ، وتُلفظ أيضاً (تثيس) في الأيونية الإغريقية، وفي السامية الغربية تُعرف بآيابا وتعني "البحر"، وتتجسد في آلهة بدائية. وهي والدة جيل الآلهة ألأول في أسطورة الخلق البابلية. وهي زوجة الإله أبسو، وتُمثل الفوضى والتشويش والشر.
كذلك هي وحش خرافي أنثوي (هولة)، وترمز للبحر والمياه المالحة، وكانت على شكل تنين بحري طائر تُمثل القوى العمياء للخواء الأول الهيولي في الأسطورة. ثم يقوم الآلهة الذكور وعلى رأسهم الإله البابلي (مردوخ) بخوض حرب شرسة ضدها لأسباب يطول شرحها هنا، وبعد عدة معارك وصَولات وتفاصيل ينتصرون عليها، ويقوم مردوخ بشقها إلى نصفين يصنع من النصف الأول السماء ومن النصف الآخر الأرض. وتُمثل هذه الأسطورة أيضاً إنتقال المجتمع يومذاك من طور سيادة الأم إلى سيادة الأب الذَكَر، أي الطور البطرياركي.
وهذا التنين الخرافي موجود في أغلب أساطير العالم وله تسميات مُختلفة، وفي عالم الشرق الأوسط فهو (إساج) عند السومريين الذين يملكون صك براءة إختراعه، و( يم ) عند الكنعانيين والذين يُسموه أيضاً (لتن)، وفي الأساطير الكنعانية نجد أن الآلهة (عناة) تقوم بقتل التنين في ملحمة الخلق الكنعانية المُقتبسة من السومريين والبابليين، ومن الكنعانيين إقتبسه اليهود العبرانيين في ديانتهم حيث يقوم الإله العبري (يهوة) بقتل التنين الذي سموه (لوياثان) الحية المُلتوية ذات الرؤوس السبعة وذكروه في (مزمور 14:74)، ونجد أن اللوياثان في التوراة يتحول إلى التنين (رَهَب)!، وقد إنتقل (رَهَب) لاحقاً إلى الأساطير المسيحية من خلال قصة القديس (مار جورجس) التي سنأتي لِذِكرها لاحقاً في هذا البحث.
كذلك عُرِفَ التنين في الحضارات الإغريقية، ومنها إنتقل إلى كل حضارات الغرب فيما بعد، ويعود أولَ ذِكرٍ للتنين في الحضارة الإغريقية إلى الأياذة.
أما قصص التنانين في الحضارات الهندية والصينية فهي من الكثرة والتعقيد بحيث يُعتبر الدخول في صلبها نوعاً من التخصص لأي باحث!.
الكروبيم :
مُفردها (كروب)، ويقول عنها الباحث علي الشوك في كِتابهِ (كيمياء الكلمات) بتصرف: [كروب: هو ملاك من الطغمة الثانية، وبتعبير د. سيد يعقوب بكر فالكروبيم كلمة أكدية الأصل، من (كاريبو) التي تُطلق على طائفة خاصة من الكائنات الجِنية المُجنحة التي كانت تحرس معابد بابل وقصورها]. إنتهى.
كذلك تعني كروبيم عند اليهود: حَمَلَة عرش الخالق، وحراس جنة عدن، وجاء أسمهم في التوراة (سِفرالتكوين 24,3): [فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن أقام الكروبيم لحراسة الطريق إلى شجرة الحياة].
والكروبيم في أصلها وشكلها هي الثيران المُجنحة الطائرة التي تم إبتكار فكرتها في في الحضارة القديمة لبلاد ما بين النهرين. كذلك جاء في (مزمور 10:18): [ركَبَ على كروب وهفَ وطار، ورُئِيَ على أجنحة الريح ...الخ]. وتوصف الكروبيم في عدة نصوص كما في (حزقيال 20:10) على أنها نوع من الدواب المُجنحة الطائرة [هذا هو الحيوان الذي رأيته تحت إله إسرائيل عند نهر الخابور، وعلمتُ أنها هي الكروبيم]. ويستعمل إله اليهود (يهوة) هذه الدواب كواسطة نقل حين يزور الأرض!: [طأطأ السماوات ونزل، وضبابٌ تحتَ رجليه، ركب على كروب وطار، ورُئيَ على أجنحة الريح، جعل الظلمة حول مظلات]. (صموئيل الثاني 1-22-2). وهناك الكثير الذي ذُُكِرَ عن الكروبيم في توراة ومزامير اليهود ما يدل وبصورة قاطعة على إعتماد هذا الدين على عشرات الخرافات والأساطير المسروقة من تراث الأقوام التي كانت مُحيطة باليهود. والسؤال هو: هل يُفترض بِنا حقاً أن نُصدق ما جاء في كُتب الدين اليهودي من خرافات وخُزعبلات غير معقولة، أم نتبع الحكمة القائلة: حَدِث العاقل بما لا يُصَدَق .. فإن صَدَقَ فلا عقلَ لهُ؟. والمصيبة الأكبر أن الدينين المسيحي والإسلامي لم يُكذِبا ما جاء في كُتب اليهود من أساطير وخزعبلات، بل أحياناً تبنوا وإلتزموا ونشروا تلك الخزعبلات !!!!!!.
تم تصوير الكروبيم في التوراة في البداية على شكل نسر، ثم تحول فيما بعد إلى ثور مُجنح!، وطبعاً هذا إقتباس فاضح للتوراة من حضارة سومر وبابل وآشور، حيث كان الثور المُجنح الآشوري يحمل رأس إنسان وأجنحة نسر وقوائم وجسد ثور مع قرنين حول التاج الذي يلبسه. ويظهر جلياً أن حزقيال "النبي" -أثناء الأسر أو السبي البابلي- كان مُعجباً جداً بفكرة وشكل تماثيل الثيران المُجنحة التي كانت تحرس المعابد والقصور، وبعضها الآخر المرسوم على جدران وبوابات المدن، لهذا إستنسخ الفكرة وإدعى أنها “رؤيا” حقيقية زارهُ من خلالها الرب !!. واليهود عُرِفوا من خلال توراتهم وتلمودهم ومزاميرهم وكل كتبهم بأنواع الإقتباسات التي لا حصر لها من بلاد ما بين النهرين ومصر والكنعانيين، ولم يعد هذا سراً بإمكانهم إخفائه أو التستر عليه في زمن البحوث والحفريات والأنترنيت وتحرر الفكر من ثوابت الماضي وخرافاته.
كذلك نجد أنه في ألأسفار التوراتية القديمة كانت الكروبيم تُصَوَر على شكل نِسرَين تم وضعهما في مقدمة ومؤخرة (تابوت العهد). أما حزقيال "النبي" فقد صَوَرَ الكروبيم في رؤياه المزعومة على الشكل التالي: "لكل منها أربعة أوجه، وجه إنسان وأسد ونسر وثور، ولكل منها أربعة أجنحة تحتَ أيدي إنسان" (حزقيال 25-1). والظاهر من خلال التوراة وكتب اليهود أن قضية أو بُدعة (الرؤيا) كانت قد أصبحت يومذاك (مودة) لأنبياء اليهود !!، لهذا كان هناك سِفر دانيال وأسفار حزقيال وأشعيا وزكريا وميخا وأخنوخ ... الخ من أنبياء اليهود الذين كانوا أكثر عدداً من آلهة بابل وأكثر خيالاً من كل كتبة أساطير بلاد ما بين النهرين على ما يبدو!!.
أما في المسيحية فنجد نفس (الكروبيم) في حفل إلهي تُغني قداساً إلهياً وذلك في (رؤيا يوحنا 4-6-11): [وقدام العرش بحر زجاج شبه البلور وفي وسط العرش وحوله أربعة حيوانات مملوءة عيوناً من قدام ومن وراء].
وفي 7:4 من الرؤيا: [الحيوان الأول شبه أسد، والثاني شبه عجل، والثالث له وجه إنسان، والرابع شبه نسر طائر].
وفي 8:4 من نفس الرؤيا: [والأربعة الحيوانات لكل واحد منها ستة أجنحة حولها، ومن داخل مملوءة عيوناً، ولا تزال في النهار والليل تقول: قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادرعلى كل شيئ، الذي كان، والكائن، والذي سيأتي] !!!.
أما في الإسلام فنجد أن (الكروب - القروب) قد تحولت إلى تسمية (البراق)، وهو أو هي دابة سماوية تحمل وجه إنسان وجسد دابة مُجَنحة (سوبر)!، وسنأتي على ذكرها بالتفصيل في متن هذا البحث.
السيرافيم :
صيغة جمع مُفردها (سرف) وهي "الحيات المُجَنَحَة"، ويقول بعض الباحثين أنها كلمة أكدية. وأيضاً قام اليهود بإقتباسها -كالعادة- من تراث بلاد ما بين النهرين!. ولم يرد السيرافيم إلا في نبوءة أشعياء، والسيرافيم هي تسمية للأرواح التي كانت تخدم عرش الرب، وكما إدعى أشعياء فكانت قد ظهرت له في رؤياه، حيث جاء في (أشعياء 2:6): [السيرافيم واقفون فوق، لكل واحد ستة أجنحة، بإثنتين يُغطي وجهه، وبإثنتين يُغطي رجليهِ، وبإثنتين يطير]. كذلك جاء في (أشعياء 6.7.6): [فطار إليَ واحد من السيرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح ووضعها على شفَتَيَ وقال: إن هذه قد مَسَت شفتيكَ فإنتُزِعَ إثمُكَ وكَفَرعن خطيتكَ]. وقد قال أشعياء في وصفهم: (أنهم لامعون ساطِعون).
وكان النبي موسى قد قام بتعليق شعار السيرافيم على راياتهِ أثناء خروجه من مصر: [فصنع موسى حية نحاسية ووضعها على الراية] (عدد 21-5-9).
وبرأيي أن موسى كان قد إقتبس شعار السيرافيم (الحية) من الفراعنة الذين هم أقدم منه تأريخياً، والذين كان شعار الحية (أرايوس) نوعية الكوبرى مُقدساً عندهم لدرجة أنه كان يُزين تيجان ملوكهم وفراعنتهم ويرسمونه على أغلب ما حولهم من أمور حياتية يومية لإعتقادهم بأن الحية ستدمرأعدائهم !. والحية موجودة في أغلب الكِتابات الهيروغليفية للفراعنة، والغريب أن إسم (موسى) هو إشتقاق من إسم (موش) الذي يعني: الحية. وفي النصوص الدينية: سألوا موسى عن عصاه، قال: "هيَ عصايَ، أتوكأ عليها، وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى". ثم ألقاها على الأرض فإذا بها حيةً تسعى!!.
لم يَرِد السيرافيم في النص الرسمي المسيحي ولا في النص الإسلامي.
البراق:
هي الدابة التي ركبها نبي الإسلام محمد في رحلته المسماة (الإسراء والمعراج).
وتم وصف البراق: (فوق الحِمار ودون البغل)، وجاء هذا الوصف في كِتاب (سيرة إبن هشام) الجزء الثاني الصفحة الثالثة. حيث يقول عن لسان نبي الإسلام: [فإذا دابة أبيض بين البغل والحمار، في فخذيهِ جناحان يُحفز بهما رجليهِ يضع يده في منتهى طرفه، فيحملني عليهِ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته].
وفي كِتاب (دقائق الأخبار) صفحة 23 يقول: [ له جناحان يطير بهما بين السماء والأرض، ووجهه كوجه الإنسان ولِسانه كلسان العرب (أي ينطق العربية)!، واضح الحاجبين ضخم القرنين رقيق الأذنين وهما من زبر جدة خضراء، أسود العينين، يُقال كالكواكب الدري، وناصيته من ياقوتة حمراء وذنبه كذنب البقرة مُكلل بالذهب الأحمر]. ويُقال هو في الحسن كالطاووس، وإنما سُمي البراقُ براقاً لأن سيره وسرعته كالبرق.
تعددت المصادر والآراء حول تسمية (البراق)، فبعضهم يقول أن الإسم مُقتبس من (الكروب ـ الكروبيم) وهي في العربية (قروب) والعربية معروفة بقاعدة قلب الأسماء. والبعض يقول من (البرق)، وقيل أيضاً سُميَ بذلك لنصوع لونه وشدة بريقه، وقيل شُبه بالبرق لسرعة حركته وطيرانه. كذلك تقول بعض الكتب أن البراق كان له وجه إمرأة !.
ويُقال أن البراق حمل نبي الإسلام من مكة في تُهامة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس، ومن هناك حمله إلى السماوات السبعة ثم عاد بهِ إلى مكة ثانيةً في نفس الليلة !.
الحَيزوم :
هو إسم فرس للملاك (جبريل) عند المسلمين. ويقول العرب أن هذه الفَرَس وراكبها وكثيرٌ من الملائكة ظهروا في معركة بدر وقاتلوا بجانب المسلمين ضد الكفار وهم راكبين خيولهم السماوية!.
والسؤال هنا: لماذا يركب الملاك صاحب الأجنحة حِصاناً طائراً له أجنحة !؟. يعني .. لماذا يركبُ طائرٌ فوق طائر!، ألا يكفي الملاك أنه يطير؟. أم هو الخيال البشري الظاهر بوضوح من خلال كل هذه البُدع الأرضية!؟.
العنقاء - طائر النار - الفينيق phoinx :
طائر جبار من الكائنات الخرافية الأسطورية، وقد ذَكَرَ العرب هذا الطير الوهمي في أخبارهم وأشعارهم وحِكَمِهِم وأمثالهم، كقولهم: (جاء فُلان بعنقاءَ مُغرِبُ) أو (حَلَقت بهِ عنقاءَ مُغرِب)، وسُمِيَت (عنقاء مغرب) لأنها تغرب بما تأخذهُ. ويُقال أنها سُميت (عنقاء) لطول عنقها، وقيل لأنه كان في عنقها بياض كالطوق. وقال الشاعر العربي في إستحالة وجود العنقاء:
أيقنتُ أن المستحيل ثلاثة ٌ..... الغولُ والعنقاءُ والخِلُ الوَفي.
كذلك قال الجاحظ : "الأمم كلها تضرب المثل بعنقاء في الشيئ يُسمعُ ولا يُرى".
وقيل أن العنقاء يُعمرُ زهاء 1000سنة، وقيلَ 1700سنة. وعند الفرس طائر آخر شبيه بالعنقاء يسمونه (السيمرغ)، وفي أساطير اليونان يأخذ العنقاء إسم (الفينيق - phenix) الذي يُنسبه اليونانيون لبلاد العرب، وكذلك من تسمية (الفينيقيين) التي تعني اللون الأرجواني الأحمر. وتقول بعض الأساطير أن العنقاء تحرق نفسها ومن رمادها تنشأ دودة تتحول فيما بعد لعنقاء جديدة وحيدة في العالم. لهذا إتخذتها المسيحية رمزاً لخلود الروح.
ويقول مصدرٌ آخر أنه ورد ذكر العنقاء في رحلات السندباد البحري وفي قصص الف ليلة وليلة وبعض الأساطير العربية القديمة. والعنقاء أسم يُستعمل للتذكير والتأنيث كما في الدابة والحية. وترجم اليونانيون إسم العنقاء إلى (فينيكس) وهو نوع من النخيل.
تقول أسطورة العنقاء أنه كل الف عام وحين تنتهي السنين المُقررة لحياة العنقاء، تعود إلى محل ولادتها في فينيقيا، فتختار نخلة باسقة لتبني لها عشاً هناك، ثم تموت مُحترقة ليخرج من رمادها عنقاء أخرى جديدة.
بينما أسطورة أخرى تقول أن مكان ولادتها هو (اليمن السعيد)، وأن فترة حياتها هي 500 سنة، تعيشها بسعادة إلى أن يحين موعد موتها، فتتجه إلى معبد إله الشمس (رع) في مدينة (هليوبوليس) في مصر، وهناك ينتصب العنقاء رافعاً جناحيهِ إلى ألأعلى ويُصفق بهما بكل شدة يتولد منها لهيب ونار، فتلتهب أجنحة الطائر حتى تبدو في تصفيقها كمروحة من نار ولهب، ومن وسط الرماد بعد إحتراق الجسد يخرج العنقاء الجديد الذي يطيرعائداً إلى بلاد اليمن السعيد!.
موشخوشو:
هو التنين الأحمر الناري الغاضب، أو الحية الحمراء السومرية (موش خوش)، وهو من الكائنات المُرعبة التي خلقتها (تيامات أو تعامات) لتحارب بها الآلهة الذكور في اسطورة قصة الخليقة، لكن الإله البابلي (مردوخ) -وبعد أن إنتصر على تيامات- إتخذ من موشخوشو تابعاً ودابة وشعاراً له. وتم وصف موشخوشو كوحش له رقبة طويلة ورأس أفعى بقرنين وله لِسان يتدلى إلى الخارج، وجسم مُغطى بحراشف أفعى، وقائمتان أماميتان يبرز منهما مخالب أسد، وقائمتان خلفيتان على شكل مخالب نسر، مع ذيل ينتهي بإبرة عقرب. وصورة هذا التنين موجودة بوضوح في نحت من الطابوق المُزَجَج على بوابة عشتار وعلى جانِبَي شارع الموكب في مدينة بابل.
ورد إسم هذا التنين المُقدس في النصوص السومرية بصيغة (MESRU) وورد في النصوص الأكدية بصيغة (MeSHUSH).
[ويظهر هذا التنين مع الثور البابلي* الخاص بالإله (أدد) على واجهة وجدران بوابة بابل الشهيرة بجزئيها المُزجج العُلوي وغير المُزجج في الأسفل وبصورة متكررة لهذين الكائنين تصل إلى (572) ثوراً وتنيناً.
أما الخلفية ذات اللون الأزرق الفيروزي للبوابة (اللون الشذري أو التركواز في الإنكليزية) فلم يكن لوناً تم إختيارهِ إعتباطياً حسب رغبة وذائقة الفنان البابلي يومذاك، إذ أن اللون الفيروزي الشذري (بين الأزرق والأخضر) كان له معنى سحري عند البابليين لطرد الأرواح الشريرة من المدينة، حيث ذكرت بوابة عشتار في النصوص المسمارية الخاصة بخُطط مدينة بابل بإسم (عشتار.. قاهرة أعدائها) وبالبابلية ( Ishtar Shakipat Tebisha ). وقد تميز هذا العصر بظهور فن التزجيج على الآجر وفن النحت البارز على الجدران في القصور والبوابات]. (هديب غزالة - كِتاب: الدولة البابلية الحديثة. بتصرف).
* الثور البابلي الخاص بالإله (أدد) والمرسوم فوق جدران بوابة بابل كان لون جسمه أصفر بُني، أما قرونه وحوافره ونهاية ذيله وشعر ظهره فلونها (أخضر مزرق).
الفيديو أدناه (3.27) دقيقة يتطرق في بدايته لتعريفنا بالتنين البابلي (موش خوشو)، بعدها يتطرق لبعض علوم الرياضيات والفلك في بابل.
http://www.youtube.com/watch?v=ySLW8JbK22 دينجر موش:
ويعني (إله ثعبان)، نصفه السفلي على شكل ثعبان، ومن كلمة (موش) التي تعني الحية جاء إسم النبي موسى كما ذكرنا سابقاً، وكان هذا الإله مرسوماً على الأختام الإسطوانية منذُ العصر الأكادي، ونرى على أحد الأختام الإسطوانية ثعبان الماء مُصَوَراً بسبعة رؤوس وهو في حالة صِراع مع إله الحرب (ننورتا).
الكلب المُجنح :
وهو تابع لآلهة الخِصب (كولا) زوجة الإله (ننورتا) إله الحرب والخِصب والقتال. والآلهة كولا هي الزوجة الثانية للإله ننورتا، وكانت تُحيي الموتى، وظهرت صورتها في أحد أحجار الحدود وهي جالسة وأمامها حيوانها الخاص (الكلب المُجنح).
زو الطائر العظيم:
وهو من قوى العالم الأسفل المُدمرة. ويُسمى أيضاً (أنزو)، وإسمه الأصلي في ملحمة (لوكال بندا) السومرية (أيمدوجود)، وبالأكدية (زو)، وهو طير العاصفة الخرافي في المصادر الأكدية. ويُصوَر على شكل نسر برأس أسد. وأسطورة (زو) معروفة في العصر البابلي القديم وفي نصوص العصر الآشوري الحديث. وتقول الأسطورة أن الإله (إنليل) في النسخة الأكدية، وهو نفسه الإله (إنكي) في النسخة السومرية، كان يستحم حين باغته الطائر (زو) وسرق منه (الواح القدر) ذات القوى السحرية الهائلة التي تُعطي حاملها سلطة مُطلقة على الآلهة والبشر والكون.
بعدها يتوجه (زو) إلى الجبال البعيدة ويختفي هناك. وبإختفاء الواح القدر معه يَختلُ النظام الإلهي وتدب الفوضى في الكون، وتتملك الآلهة حالة من الخوف والذعر، ثم بعد جملة أحداث في البحث عن البطل الذي سيواجه زو، يقوم الإله (نينجيرسو) وهو (ننورتا) في النص الآشوري المُقتبس بتوجيه سهم قاتل يُردي به الطير (زو) الذي يخر صريعاً لتنتهي معه كل المخاوف على مصير الكون.
نسر أسطورة إيتانا:
كان إيتانا ملكاً لمدينة (كيش) السومرية، وفي الأسطورة يقوم بالطيران إلى السماء على ظهر نسر عملاق في محاولة للحصول على (عشب الإخصاب) لزوجته العاقر. وربما من قصته تناسخت الأديان التوحيدية فكرة إعتلاء ظهور حيوانات مُقدسة ومن ثم الوصول إلى مملكة الله !!!!.
بازوزو:
كائن خرافي، يركب الريح الساخنة الآتية من الصحراء بحثاً عن الماء. تم تصويره برأس عفريت له أربع أجنحة ووجه مُمزق وقرون طويلة ومخالب أسد وذيل عقرب. وهو طائر جارح.
الثورالسماوي في ملحمة كلكامش:
وهو الثور الذي خلقه الإله (آن) إرضاءً لإبنته (إنانا- عشتار) لتنتقم به من كلكامش وتُشفي غليلها منه لأنه رفض أنوثتها ورغبتها في الزواج منه، فيقوم الثور السماوي هذا بتدمير مدينة (اوروك) ويبث الذعر بين سكانها. إلا أن كلكامش يتمكن منه ويقضي عليه بمساعدة صديقه (أنكيدو)، بعدها يقومون بقطع رأسه ويقدموه هدية للإله شمش.
ولِقِدَم ملحمة كلكامش، فيعتبر الثور السماوي هذا من أقدم الثيران التي ذكرها تأريخ بلاد الرافدين. كذلك يُعتبر تمثال (أسد أريدو) من أقدم التماثيل الحارسة، حيث كان حارساً لمعبد الإله (إنكي - أيا).
الثوران المُجنحان الآشوريان “شيدو و لاماسو”:
هما ثوران مُجنحان كانا يحرسان باباً من أبواب سور مدينة (دور شروكين) التي بناها الملك الآشوري سرجون الثاني. وكان هذان الثوران يرمزان للقوة في صورة الثور، وللحكمة في صورة الإنسان، وللشجاعة في صورة الأسد، والسمو والمجد في صورة النسر. كذلك كانا من رموز الحضارة الآشورية التي إعتمدت القوة كمبدأ في سياستها وإنتشارها.
يبلغ طول كل من هذين الثورين 4.42 متراً، ويزن كل منهما حوالي 30 طناً، ولكل منهما خمسة أرجل!!. ويُعتبر هذان الثوران من أجمل وأدق منحوتات الثيران المُجنحة في بلاد ما بين النهرين، وهما أكبر حجماً من الثيران البابلية التي تم إقتباسهما منها.
كلمة (شيدو- Shedu ) أكدية الأصل، وهي في السومرية (ألاد-لامو… Alad-Lammu) وهو العفريت (الحامي-الحارس) الذَكَر .
أما (لاماسو) فهي مُشتقة من الكلمة السومرية (Lammu)، وهي تسمية لأنثى العفاريت (الحامية - الحارسة) للمعابد والقصور ومداخل المُدن.
كتب الملك الآشوري سنحاريب: [ جلبتُ اُسرى من المدن التي غزَوتُها ليبنوا لي قصراً يقف في مدخله إثنان من ال (آلاد - لامو).
النسخة الأصلية لهذه الثيران المُجنحة الآشورية موجودة اليوم في متحف اللوفر في باريس \ فرنسا. ومن صفات هذين الثورين تم إقتباس فكرة ال (كروبيم) التوراتية لاحقاً.
أدناه فيديو قصير(2.16) دقيقة عن الثور الآشوري المُجَنَح لاماسو(Lamassu).
http://www.youtube.com/watch?v=8OCJc0CeUtMالحصان المُجنح (Pegasus ):
يُقال أنها أسطورة يونانية قديمة، ويقول البعض أنها مذكورة في القرآن: "إذا عُرضَ عليه بالعشي الصافنات الجياد" (31). وفسر الإسلاميون (الصافنات الجياد) بأنها خيول لها أجنحة وهي من جنود الله التي وهبها لنبيهِ سليمان!، ويُعتبر (البراق) الذي أتى بهِ جبريل لمحمد من جنس "الصافنات الجياد"!.
التنانين (جمع تنين):
****************
كل حضارات العالم القديم تحدثت عن التنانين ورسمتها وصوَرَتها وحاكَت حولَها مِئات القصص، ولم تُثبِت العلوم والبحوث عن وجود التنانين كحقيقة، أو حتى على كونها كائنات مُنقرضة كالداينصورات مثلاً، حيث لم تكن هناك أية بقايا عظمية أو أحافير لإثبات ذلك.
في أغلب الحكايات والقصص القديمة عن التنين، وخاصةً الدينية منها، نجد أنه كان هناك دائماً أبطال وطنيين أو دينيين قاموا بقتل التنين وذبحه!. وقد أعجبني جداً التحليل الذي ذكرهُ العاِلم الآثاري (صمويل نوح كريمر) عن التنانين في كِتابه (من الواح سومر)، بتصرف: [ إن فكرة ذبح التنين كانت وما تزال من المواضيع المُحببة لدى مؤلفي الأساطير في جميع العصور تقريباً، وخاصةً في التأريخ المؤسطر لبلاد الإغريق. ولعل (هرقل) و (فرسوس)* كانوا أشهر من عُرِفَ من أبطال اليونان في قتل الوحوش. وبظهور المسيحية تم نقل تلك الأعمال البطولية إلى القديسين. وكمثال: قصة القديس جورج* مع التنين ].إنتهى.
*فرسوس Perseus في الأساطير اليونانية هو إبن الإله (زوس)، وهو الذي ذبح (الميدوزا) التي كانت بحسب الأساطير اليونانية وحشاً أُنثى يُغطي جسمها جلد حية وخصلات شعرها كانت أفاعي سامة، وكانت واحدة من ثلاث أخوات هن: ( موثرا، ميدوزا، ميجيرا )، وتقول الأسطورة أنهن كُنَ على درجة عظيمة من البشاعة بحيث يتحول الناظر إلى وجوههن إلى تمثال من حجر.
*القديس جورج أو (جورجس) أو كما نُسميه في العراق (مار كوركيس)(303-280 م)، يظهر دائماً في الصور والتمائيل والأيقونات معتلياً حصانه وهو يطعن برمحه التنين المتوحش ليُصيب منه مقتلاً.
وُلد هذا القديس في مدينة (اللد) في الشام. وفي عمر ال (17 ) أصبح (قائد الف) في حرس الإمبراطور الروماني (دقلديانوس) الذي قطع رأسه لاحقاً بسبب مسيحيتهِ.
تقول الحكاية أن تنيناً بنى عشه في مدخل نبع الماء، وكان الأهالي يُقدمون الخراف لذلك التنين لإخراجه من عشه كي يستقوا الماء، ولما لم يجدوا مزيداً من الخراف قدموا له ضحايا بشرية، وإنتهوا أخيراً بتقديم الأميرة التي جاء مار جورجس لإنقاذها معتلياً صهوة جواده وموجهاً حربته إلى رأس التنين ليصيب منه مقتلاً. ولا تزال بعض الدول لحد اليوم تتخذ من صورة القديس جورج والتنين رمزاً لها !.
ويُتابع الباحث (صمويل نوح كريمر) حديثه عن التنانين قائلاً: [وطبعاً هناك عشرات القصص لقديسين وأبطال قَتلوا التنين في أغلب حضارات العالم القديم، وكل ذلك يجعلنا نتسائل: ما المنبع الأصلي لكل هذه القصص!؟. والجواب هو: إن قتل التنين كان من المواضيع المهمة في الأساطير السومرية في الألف الثالث ق.م، ومن الصواب أن نفترض أن الكثير من خيوط ونسيج الأساطير الإغريقية والقصص الدينية المسيحية القديمة الدائرة حول التنين إنما يرجع أصلها الحقيقي إلى مصادر وأصول سومرية. ولدى المؤرخين والباحثين ما لا يقل عن ثلاث روايات سومرية عن ذبح أو قتل التنين، وأبطالها هم من الآلهة في قصتين من القصص الثلاث. في القصة الأولى كان البطل هو الإله (إنكي) وهو قريب الشبه بالإله الإغريقي المُقتَبَس (بوزيدون)، أما التنين المقتول فكان يُسمى (كور) الذي كان قد إختطف إحدى الآلهات السماويات وهي الآلهة (أريشكيجال) .
وفي القصة الثانية فالبطل هو (ننورتا) إله الريح الجنوبية الذي قام بالهجوم على العفريت الشرير (إساج) وهو أحد عفاريت العالم السفلي للأموات وإله الأمراض والعلل، وفي الأسطورة الطويلة هذه يقوم الإله (ننورتا) بقتل العفريت (إساج) بعد الكثير من تفاصيل الكر والفر.
أما القصة الثالثة فبطلها هو كلكامش السومري الذي يقتل التنين، ويُعتقد بأن كلكامش هو صاحب القصة الأصلية التي تناسختها شعوب كثيرة وتناقلتها إلى أن وصلت إلى القديس (جورج) في القصص المسيحية. وكلكامش لم يكن إلهاً، بل بطلاً بشرياً وملكاً من ملوك سومر، ثلثيهِ إله والثلث الآخر من البشر الفانين. أما الوحش أو التنين الذي قتله فكان (خمبابا) حارس غابة الأرز]. إنتهى.
في كِتاب (الأساطير .. بين المُعتقدات القديمة والتوراة) يقول الباحث علي الشوك: [ الصورة التقليدية للتنين أن له جسماً يشبه العظاية أو الحية، وأجنحة كأجنحة الوطواط ، وينفث النار من فمه، وكان للتنين البابلي (تيامت أو تعامت أو تيامات وتعامات) أربع قوائم وأجنحة. ويُقال للتنين باليونانية Drakon، ومنها جاءت كلمة Dragon الإنكليزية، وكانت كلمة (دراكون) تُستعمل بالأصل للدلالة على الحية الكبيرة، وكان الإله المصري (أبيبي) يُصَوَرعلى شكل حية هائلة ترمز لعالم الظلام. وكان التنين يرمز بصورة عامة للشر. ومع أن اليونانيين والرومان إستعاروا الفكرة التي تُصوِر الحية رمزاً للشر من الشرق الأدنى، إلا أن التنين عندهم كان أيضاً يُصَوَر كقوة خير، ولهُ عيون نفاذَة ويسكن باطن الأرض. وإنتقلت هذه الصورة عن التنين من اليونان والرومان إلى أوربا. وفي المسيحية صار التنين رمزاً للخطيئة والوثنية، وغالباً ما تم تصويره وهو تحت أقدام القديسين والشهداء وقد أصابت رماحهم منه مقتلاً، كالقديس جورجيوس (مار جرجس) والذي يُعتقد أنه المعادل للإمام (الخضر) عند المسلمين وصراعه مع التنين.
وقد أُستُعمِلَ التنين شعاراً في الحروب أيضاً، ففي الألياذة أن درع الملك (أغامنون) كان عليه صورة حية زرقاء بثلاثة رؤوس. وكان النورديون (الأسكندنافيون القدماء) يرسمون صورة التنين على دروعهم، وينحتون جؤجؤ سُفنهم على شاكلة تنين، رمزاً للقوة والشراسة. أما في الشرق الأقصى (الصين واليابان وما حولهما) فكان التنين رمزاً للخير، ويُسمى بالصينية ( لونغ Lung ) ويُراد به رمزاً للقوة، وكان شارة الأسرة الملكية عندهم، وفي اليابانية يُدعى Tatsu، وكان التنين الياباني قادراً على التكيف بحيث يبدو لامرئياً. وكان التنينان الصيني والياباني بلا أجنحة مع أنهما كائنان هوائيان "عن الموسوعة البريطانية طبعة 1984 تحت مادة Dragon"].
وفي مقال بعنوان (بغداد عاصمة العباسيين) يقول كاتب المقال الأب (البير أبونا): [ يبدو أن التيار المناوئ للصور لم يكن قوياً في العهد العباسي. فنرى في بغداد في هذا العهد وبعده، صُوراً تُمثل الناس والحيوانات، منها الرسوم التي تُزين “حوض الشجرة” في بلاط المُقتدر، ومنها أيضاً النحت المحفوظ فوق باب الطلاسم الذي بناه سنة (1221 م، 618 هجرية) الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وهذا النقش يُمثل الخليفة نفسه مُتوَجاً وجالساً بين تنينين مُجَنَحَين، يُمسك بيديهِ لسانيهما. وهذا رمزٌ قد يُشير إلى إنتصاره وسلطته المُطلقة على قوى الخير والشر].
ليليث - ليليتو- ليل:
وسُميت أيضاً بليليث ... “الأنثى المُتمردة”. والحق لم أستطع أن أتبين من مصادري هل كانت ليليث من الكائنات الطائرة أم لا!؟. لكنني سأقدمها على أي حال.
ليليث هي شيطانة الرياح والعواصف الجالبة للمرض والموت، وهي أسطورة سومرية أكدية (ليليتو)، ويختلف المؤرخون حول تأريخ الأسطورة بين 3 و 4 آلاف عام ق.م.
ظهر إسم ليليث في رُقم طيني سومري من مدينة (اور) يقول: [إن إله السماء أمر بإنبات شجرة (الخلبو) -ويُعتَقَدُ أنها الصفصاف- على شواطئ نهر دجلة (قصيدة كلكامش تقول على نهر الفرات)، وبعد أن كبرت الشجرة قام التنين بإتخاذ جذورها التحت أرضية منزلاً له، بينما إتخذ طائر ( الزو) الظخم المُخيف من أغصانها عشاً له ولفراخه، وداخل أخشاب وجذوع الشجرة راحت تعيش العفريتة ليليث - ليلتو. بعدها يأتي البطل كلكامش مُسلحاً بسيفه ودرعه فيقتل التنين، ويهرب طائر الزو مع فراخه إلى الجبال، ثم يقتلع كلكامش الشجرة من جذورها، فتهرب ليليث إلى البرية المُوحشة]. إنتهى.
تقول كتب أخرى أن ليليث تعود بجذورها للتنين الأنثى (تعامات) في قصيدة الخلق البابلية، وإنها كانت تخاف ثلاثي الملائكة (سينوئي، سنسنوئي، سامينجيلوف) الذين تعقبوها إلى البحر الأحمر وطلبوا منها التوبة والعودة، لكنها رفضت وإرتبطت بالشيطان وراحت تلد منهُ مئة طفل كل يوم !. ثم حقدت على حواء وذريتها وقامت بقتل أطفال الجنس البشري. ولهذا راحت الأمهات يصنعنَ (تمائم ورُقي ومُعوذات) لأطفالهن تحوي أسماء الملائكة الثلاثة الذين ترهبهم ليليث، وكانت تلك التمائم تحمي النساء في فترة الولادة والنفاس والأطفال حديثي الولادة من ليليث والأرواح
الشريرة. وكالعادة إقتبس اليهود هذه الأسطورة وحشروها في كتبهم الدينية بصورة من الصور.
يقول الكاتب شوقي عبد الكريم في كِتابهِ (الفولكلور والأساطير العربية) ص 132:[ بعد ذلك تحول اللفظ من ليليث إلى ليل، وهي الجنية التي أصبحت تظهر ليلاً وتسكن الأماكن الخربة وموارد المياه، وكانت تظهر كخارقة ليلية يُغطي الشعر كل جسدها العاري. ويبدو أن ليليث أو ليلى أو ليل السومرية (4 آلاف سنة ق.م) هي نفسها التي أصبحت تُصادفنا في الشعر والأغاني والموالات الشعبية (ياليل يا عين)، كما أن الليليث أو ليلى توجد بكثرة هائلة في الأغاني الدينية الشعبية المعروفة بأغاني التخمير والزار]. إنتهى.
من خلال كل ما تقدم نجد أن الأساطير البشرية ليست إلا إغراقاً واضحاً في الخيال عبر كل العصور والأزمان، وهذا من صفات البشر ولا غُبار عليه، شرط أن لا يُصبَغ باللون السماوي الإلهي.
كذلك نجد أن الأديان التي نُسميها "سماوية وتوحيدية وحديثة" في محاولة لتفريقها عن ما سميناه "أديان وثنية"، قد توارثت الكثير من ترسبات الأساطير والماورائيات من تلك الأديان القديمة، ورغم أنها حاولت جاهدة أن يبدو ذلك الإرث حضارياً ومتطوراً وإلهياً وخالياً من الأسطورة البشرية، لكنها -برأيي- فشلت تماماً، تفضحها في ذلك آلاف الإقتباسات إن لم نقل السرقات من الإرث التراثي للأقوام التي سبقتها وخاصةً تلك التي عاشت على أرض الشرق الأوسط حيث ظهرت "الأديان التوحيدية"!، وهذا لم يكن وليد الصدفة كما يتصور البعض.
ولهذا نجد أن ما إستطاعت الأديان الحديثة تبديله هو الصبغة الخارجية للأديان القديمة التي ورثتها أباً عن جد، بينما بقي أغلب المحتوى أو المضمون واحداً ولا يزال يُمثل الخرافة والأسطرة التي رافقت الإنسان عبر مسيرته البشرية، وستبقى.
تحياتي.
المجد للإنسان.
طلعت ميشو.كاتب وناقد عراقي. شباط 2014.
tommisho@gmail.com