المحرر موضوع: الموازنة الحكومية ... والأستحقاقات الأقتصادية والأجتماعية  (زيارة 1702 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح قدوري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 148
    • مشاهدة الملف الشخصي
الموازنة الحكومية ... والأستحقاقات الأقتصادية والأجتماعية
[/color]
د.صباح قدوري

يعتبر مشروع قانون الموازنة الأداة الرئيسية لتنفيذ التوجهات العامة للدولة. وهو المعيار الحقيقي لسياساتها في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ان اتباع اسس والمعاير العلمية المتعارف عليها في النظام المحاسبي من الأصول والقواعد والمبادئ والقوانين المحاسبية في تبويب وأعداد الميزانية العامة ، يعتمد بدرجة كبيرة على فهم وشرح ومناقشة المواد التي تحتويها. بالقدر الذي يعتبر الجانب الفني مهم في اعداد وصياغة وديباجة الموازنة ، فان الأرقام الواردة فيها هي الأهم ، وذلك لأنها تعبرعن السياسة الأقتصادية والمالية للعراق في امد المنظور. لذا يجب أعطاء الأهمية الفائقة في تقدير هذه الأرقام ، على اسسس العلمية معتمدا على الأحصائيات الدقيقة لفترات زمنية مختلفة ، واستخدام معاير علمية ومنطقية في قياس كفاءة الأداء والأنتاجية في ميزانيتي2005 و2006 المتحققتين، ولكل مؤسسة أو دائرة حكومية، وقياس نسب التبذير والنفقات غير الضرورية والزائدة عن الحاجة،والرقابة الصارمة على الفساد المالي والأداري وحساب كلفتها وانتاجها المادي والمعنوي ضمن موقعها من المخطط الأقتصاد الوطني ، والتحكم بالموارد المالية المتاحة بشكل عقلأني ومنطقي حتى تكون تقديرات ميزانية 2007 أقرب الى الواقع .الأستعانة بالأساتذة والمختصين الجامعيين والباحثين المهتمين في هذا المجال، بغية وضع الدراسات عنها، لغرض التقيم والمحاسبة وتطوير العمل والأنتاجية ، وعلى ضوئها يجب ان تتم احتساب نسبة النمو في ميزانية 2007. من الضروري اشباعها بالمناقشات على كافة المستويات الأدارية، ومن ثم احالتها الى البرلمان لمناقشتها ايضا واغناءها والموافقة عليها واصدارها بشكل قانون الميزانية لسنة 2007 الى السلطات التنفيذية ، واجراء المتابعة والرقابة على تنفيذها من الجهات والهيئات الرقابية والنزاهة المعتمدة. 
ان الخلفية الأيدولوجية والفكرية التي تعتمدها الحكومة العراقية في السياسة الأقتصادية الحالية والمتمثلة في مشروع الموازنة لعام 2007، تحث وتشجع وتدعم فقط نظام اقتصاد السوق، وذلك تمهيدا لألتحاق المنطقة ، ومنها العراق بدوعاة الفكر النيوليبرالي ، التي تفرضها سياسات وتوجيهات المؤسسات الدولية( صندوق نقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ) على الأقتصاديات المتخلفة في الوقت الراهن، مما يفتح هذه الحالة الطريق امام رؤوس الأموال الأجنبية لفرض هيمنتها على النشاط الأقتصادي الوطني.من الضروري التوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد فيها الأهداف والأوليات، وذلك من خلأل برنامج اصلأحي معلن تحدد دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية. اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الأجتماعية والأقتصادية المستدامة، والرؤية الأستراتيجية الواضحة بخصوص افاق التطورالأقتصادي في المرحلة الراهنة .
تتضمن بنية الموازنة المالية لسنة 2007 ، كالأتي :

أولأ :الأيرادات العمومية للدولة، تكون تركيبتها كالأتي :
(عائدات النفط ، المساعدات الخارجية النقدية وتنفيذ المشاريع ، الضرائب ،الديون الخارجية ، ايرادات اخرى )
الأعتماد بالدرجة الأولى على الريع النفطي ، وبقاء بنية الموازنة الأحادية الجانب للأقتصاد العراقي على هذا الريع بدلأ من التفكير في استراتيجية واضحة لتنشيط القطاعات الأنتاجية الأخرى وخاصة الصناعية منها.اما المساعدات الخارجية وخاصة الأمريكية والتي هي بحدود 10مليار دولآر للأعمار والوظائف ، وكذلك تنفيذ بعض المشاريع بشكل المباشر من قبل الدول المانحة للمساعدة، تكرس نوع من تبعية واعتماد الأقتصاد العراقي على الخارج في تحديد اتجاهات اعادة هيكليته، وبالتالي يشكل تدخلا مباشرا في شؤون العراق وانتقاصا لسيادته الوطنية. اما الأيرادات الناجمة عن الضرائب فهي في تناقص مستمر، بسبب صعوبة الجباية وانتشار الفساد الأداري والمالي في اجهزتها ،كذلك ايرادات الرسوم الجمركية تخضع لشروط المنظمات المالية والنقدية الدولية منها منظمة التجارة الدولية التي تهدف الى ازالة الحواجز الجمركية بمرور الزمن.

ثانيا :اعتمادات النفقات العمومية،وتشمل (النفقات الجارية- التشغيلية لوزارات وادارات الدولة ، النفقات الجارية للمجلس الوطني العراقي ، مجلس الوزراء ورئاسة الدولة، الموازنة التخطيطية للأدارات والشركات ذات التمويل الذاتي والتابعة لوزارتي الصناعة والتجارة ، وكذلك البنوك والمصارف وشركات التامين المؤممة وغير ذلك)

ثالثا : موازنة الخطة الأستثمارية لمدة 5 سنوات
تفتقر الموازنة الى التفاصيل وكذلك الملحقات التابعة لها ، لذا اكتفي بقراءة أولية لهذه الموازنة واثرها على بعض الجوانب الأقتصادية والأجتماعية ،ومن دون التطرق الى الأرقام اللأزمة للتحليل والمقارنة ، وذلك بسبب عدم أستطاعتي الأطلأع عليها وأحاول أختصرها كالأتي:
1- العراق ما زال يعاني من نزاعات داخلية، ولم تتوافر له بعد أسباب الأمن والأستقرارعلى نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية واعادة الأعمار.ففي ظروف انعدام استراتيجية تنموية واضحة وخلل امني كبير بشكل أساسي، سيتم التوجه إلى القطاعات ذات الربحية السريعة دون إعطاء أية أهمية للقطاعات المنتجة.
2- سياسة تمويل بالعجز، اذ ترك النظام الديكتاتوري أثارا كارثيا وعبا ثقيلأ على الأقتصاد العراقي . زاد الطين بلة  بعد الحرب واحتلأل العراق، وبذلك اصبح يعاني من خلل جسيم في تركيب نشاطاته الأقتصادية الحيوية ، والأستمرار بالأعتماد على القطاع النفطي وحده والذي يشكل نسبة 70% من الناتج المحلي الأجمالي للبلد.وهو عصب الأقتصاد العراقي الوحيد الذي يحرك ماكنتة حاليا ، على رغم من قدراته الأنتاجية القائمة والبالغة 1.7 مليون برميل يوميا ، متوقعا ان يصل هذا الأنتاج الى 2.2 مليون برميل يوميا الصيف المقبل ؟!، مقارنة باحتياطاته الضخمة المؤكدة ولأسباب تعود للظرف الأمني الحالي ، غير ان تحسن اسعاره العالمية ، ساهم في تعظيم العوائد المحققة هذا بالأظافة الى المساعدات الخارجية  ساعد على عملية اسناد الموازنة العامة . وهي موازنة معونة ، تحول  العمال والموظفين الى أدوات عاطلة خارجة عن النشاط الأقتصادي . ان الدعم باشكاله المباشر وغير المباشر، يشكل 80% من تلك الموازنة ، في وقت تتشتت فيه صنوف العمل وطغيان ظاهرة الأستخدام غير النظامي ، الذي يستحوذ على نسبة 22% من أفضل قوة العمل المنتجة ، سواء من حيث القبول باجور دون مستوى الأنتاجية او العمل بساعات تقل عن 39 ساعة في الأسبوع ، وهوالحد المعترف به عالميا، وبذلك اذا ما أضفنا البطالة الفعلية البالغة 18% ، فيصبح الرقم 40% ، ويمكن ان يصل الى 50%، وهو ما وصلت اليها حالة اليوم ، وقد جعل من أرصفة الشوارع مجالأ للبحث عن فرص العمل ، وهي حالة مخيفة وما يترتب عليها من امراض ومختلف صنوف الأنحراف الأجتماعي وتصعيد من حوادث الأجرام والقتل والنهب والسلب والسرقة ودعم الأرهاب ، واصبح 20% من الشعب العراقي تحت مستوى خط الفقر.
3- هناك خلل بنوي في تركيبة الموازنة، وذلك  بسبب تفاوت كبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين الأنفاق العام التشغيلي التي تمثل بنسبة اكثر من 80% والأنفاق العام الأستثماري وتشكل بحدود 20% من مجموع الموازنة التي تمثل 41 مليار دولأر.تسبب هذه الحالة الى عجز الموازنة في خلق ديناميكية على مستوى النمو الأقتصادي على اساس 10% ، والمزمع تحقيقه في هذه الموازنة ، والذي يشترط وجود استثمارات ضخمة تحتاجها البلد وخاصة في مجال بناء واعادة بناء البنية التحتية ، تأهيل القطاع النفطي الى 2.5 مليون برميل يوميا في المستقبل المنظور ، كذلك الأنهاض بالقطاعات الأنتاجية ، وفي مقدمتها القطاع الصناعي .
بنية نفقات جارية- التشغيلية العمومية ، يمكن تصنفها كالأتي:
- نفقات اقتصادية، وتشمل(الطاقة ،والماء ، والصناعة ، والزراعة ، والتجارة ،النقل والمواصلأت ، الأنشاءات والبناء،والتكنلوجيا الحديثة، والبنية التحتية، وغيرها)
- نفقات اجتماعية، وتشمل( الصحة ، والتعليم ،التشغيل والتنمية الأجتماعية ، والضمان الأجتماعي والشيخوخة، والمراة ، والثقافة، والأوقاف، والشباب والرياضة والسياحة ، والغابات ، والبيئة، وغيرها)
- نفقات سياسية وامنية، وهي مهيمنة في الموازنة ، وتشمل( الدفاع ، والأمن ،والخارجية ، والداخلية ، والعدل ، الأنفاق العسكري الأخرى، والبرلمان ، ورئاستي الوزراء والدولة ، وغيرها).
ان سياسة التمويل بالعجز لهذه النفقات العمومية ، لأ تؤدي الي خلق الزيادة في تراكم راس المال الثابث كما يذهب اليه البعض ، وكم هو الحال في الأنفاق العام الأستثماري ، بل تشكل وسيلة لمراكمة الثروات في أيدي الأقلية ، وبالتالي زيادة المديونية وتفاقم عجز الميزانية العامة وتتحول الى حالة مزمنة ترافقها ارتفاع معدلأت التضخم و الكساد والبطالة وارتفاع العبء الضريبي، وكل هذه النتائج تعكس على الحقوق الأقتصادية والأجتماعية للطبقات المسحوقة.
4- ان الأنسحاب التدريجي من سياسات الدعم والغاءها، ستكون الأولوية في ميزانية لعام 2007 ، وهي مطاليب صندوق النقد الدولي، لها نتائج السلبية على مجمل الحالة الأقتصادية والأجتماعية ، والمتمثلة بسياسة البطاقة التموينية ونظام دعم اسعار بيع المشتقات النفطية . ومقابل ذلك هناك مشروع يسمى بشبكة الأعانات الأجتماعية ، والتي من المتوقع شمول حوالي 2 مليون عائلة عراقية بمساعدات وضمانات الأجتماعية خلأل سنة الموازنة ، اي شمول بحدود 10 مليون عراقي عاطل عن العمل،ومن الذين يستحقون المساعدات الأجتماعية. ان هذا السلوب من المعالجة تكون وقتية،وستأثر بالتاكيد بشكل سلبي على الحالة الأقتصادية والأجتماعية، ولأ تساهم في حل المشكلة بل تؤدي الى تعقيدها في المستقبل المنظور. بدلأ من التفكير بهذ الشبكة وترصيد اعتمادات ضخمة لها ، من الأجدر ترصيد مبالغ في الأنفاق الأستماري لقطاعات الأنتاجية وخاصة الصناعية منها ، مما تساعد في المدى المنظور تخفيف حدة البطالة وزيادة مدخولأت العاملين نتيجة حصولهم على العمل بدلأ من الأعتماد على المساعدات الأجتماعية ، وبالتالي يزيد مساهماتهم في دفع الضريبة التي يجب ان تشكل موردا مهما لأيرادات العمومية مستقبلأ.
5- ان الأستراتجية المعتمدة في الموازنة لعام 2007 ، لن تساهم في عملية الأصلأح الأقتصادي ولأ تدفعه نحو بناء اقتصاد متطور وعصري ، حيث ستبقى الأعتمادات بالدرجة الأولى على العوامل الخارجية ، على راسها اسعار النفط الخام ، من خلأل رفع طاقة انتاج وتصدير النفط الخام ، وكذلك سياسة المنظمات والمؤسسات المالية والنقدية الدولية في فرض شروطها على تحديد اتجاهات تطور هيكلية الأقتصاد العراقي ، من خلأل الأعتماد الكلي على اقتصاد السوق وابعاد دور الحكومة ومساهمتها في تنشيط الأقتصاد العراقي.
6- يؤشر مشروع قانون الموازنة الى سياسات انكماشية ، سوف تعمق الفجوة بين الفيئات والشرائع الأجتماعية ، زيادة الضرائب على المواطنين ، الغاء الدعم عن بطاقات التموين والمحروقات ، وتدهور الخدمات العمومية ، و زيادة البطالة ، واستمرار ارتفاع نسبة التضخم .

والخلأصة يمكن القول ، بان مشروع الميزانية بشكلها الحالي ، لأيمكن ان يؤدي مهامه في عملية انتعاش الأقتصادي في العراق الجديد  ضمن اوضاع امنية منفلتة،وفشل السياسات الأقتصادية للحكومات قبل وبعد سقوط الديكتاتورية، ومادام هناك التاكيد وبشكل مستمر على زيادة الأنفاق العسكري والأمني مما تسبب الى زيادة النفقات العمومية بمعدلأت كبيرة .هناك تبذير كبير في مجال الأنفاق العمومية في رواتب المسؤولين لأجهزة الحكومية على مستوى الوزارات واعضاء البرلمان العراقي ونفقات حمايتهم واسكانهم وتجواليهم ، كذلك نفقات السلك الدبلوماسي في الخارج ، دعم الأحزاب المشاركة في الحكومة وميلشياتها باموال ضخمة،تفاقم مشكلة سياسة الدعم والمديونية الخارجية ، مع اتساع وتفاقم ظاهرة الفساد الأداري والأقتصادي على كافة المستويات الأدارية وغياب الضمانات الكفيلة بحماية الثروة الوطنية والمال العام.
والبديل لهذه السياسة هو اعتماد على سياسة مالية تستند الى استراتيجية تنموية ، من خلأل وجود رؤية مهمة في ما يتعلق بأولويات واهداف التنمية  ضمن (استراتيجية التنمية الوطنية) ، وتوسيع اطار هذه الأستراتيجية بما يكفل صياغة برامج قطاعية محددة واعادة ترتيب الأولويات بشكل يتناسب والتطورات الجديدة في الحالة العراقية ، بحيث تضمن معدلأت مقبولة للأداء الأقتصادي ،وتهدف الى اسباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين في المستقبل المنظور ، والقضاء على البطالة ، وبعث الحيوية في قدرة الدولة على اداء مهامها بأحسن وجه ممكن.[/b][/font][/size]