المحرر موضوع: رسالة ودية الى الأب بشار متي وردة  (زيارة 1460 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Chaldean Assembly

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 95
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رسالة ودية الى الأب بشار متي وردة
[/b]

الأب العزيز بشار متي وردة المحترم
لم يكن ببالي ان نلتقي للتواصل بالكتابة على موقع الكتروني بعد ان افترقنا لهذه السنوات الطويلة علماً بانك كنت في قائمة الاشخاص الذين كنت أود رؤيتهم عند زيارتي لبغداد قبل ما يُقارب السنتين ولسوء الحظ لم نلتق. عند زيارة سيادة المطران جاك اسحق لـ سان دييغو في الشهر الماضي علمت انك بخير وفرحت لمركزك في كلية بابل.
ان مقالك (الكنيسة والسياسة والقومية - عندما تختلط المهام) المنشور على موقع عنكاوة حمل بعض النقاط التي اود مناقشتها معك لأني لم اجد نفسي موافقاً على ما فيه:-
1- تساؤلك فيما اذا كان للكنيسة الحق في اقحام نفسها في جدالات ونقاشات تتعلق بالسياسة والقومية يبدو سؤالاً واسعاً، وقد إختزلته انت بجواب لا يتناسب مع حجمه ابداً فالسؤال كبير جداً على حجم الجواب الذي ورد في مقالتك، فعبارة (لا ليس من حق الكنيسة ذلك ولا يتوقع مؤمنيها ان تُنصب نفسها مرجعية في شؤون السياسة والاقتصاد والقومية فذلك يناقص جوهر رسالتها) تبدو الى حد ما غير متناسقة مع التساؤل فقد أضفت اليها كلمة الاقتصاد، إذن الجواب تطور عن السؤال بكلمة وهذه الكلمة تمثل علماً كبيراً هو الاقتصاد، كما ان الجواب يبدو قاطعاً دون مناقشة تفاصيل كثيرة وهذا اسلوب اكاديمي في الكتابة لا يقترب الى الابداع لأنه يحسم الامور بشكل قاطع بنعم او بلا وهذا خلل تطبيقي في هذا النوع من الكتابات لأن السؤال والجواب هنا لا يخرجان عن كونهما وجهة نظر الكاتب كما ان الإستنتاج ليس قانوناً.
2-تدخل الكنيسة ورجالاتها في الدفاع عن الحقوق الانسانية لأبنائها ليس غريباً ابداً كما انه ليس مرفوضاً ولنا امثلة كثيرة في تاريخنا على ذلك. انت تعلم ان رجال الدين المسيحيون ليسوا جميعاً رهباناً سواحين في سيناء انعزلوا عن حياة الدنيا، وانما يمثلون جزءاً فعالاً في حياة الناس وبالذات مصالح ابنائهم. انا اتفق معك في كون رسالة الكنيسة شاملة ومنفتحة ولكنها عندما تجد ظلماً على شعبها فأن رجالاتها لا يملكوا الا ان يقولوا كلمة الحق وهكذا قال الراحل العظيم البابا يوحنا بولص الثاني لبني شعبه في بولونيا عندما وجد ان الوجود الروسي في بلده يمثل شيئاً غير مرغوب به، كما انه قال في سانتياغو في تشيلي عام 1987 "...المسيح مصلح إجتماعي ...إنه أكثر بكثير من المصلح الإجتماعي...الخ"، وهنا يبدو ان الخط الفاصل بين الواجب الديني والواجب الانساني- الإجتماعي الذي يُفسره البعض احياناً بالسياسي ليس خطاً واضحاً قابلاً للرسم بشكل مُحدد وحاسم في كل الأحيان. صحيح ان ممارسات الساسة قد لا تكون قريبة من ممارسات رجال الدين ولكن السياسي العادل الذي يدافع عن حقوق شعبه بعدل وحكمة يقترب في ممارساته جداً من رجال الدين العادلين ولنا في غاندي مثلاً واضحاً، وكذلك الحال مع رجال الدين الذين يدافعون عن حقوق الناس فانهم يقتربون في ممارساتهم من رجال السياسة العادلين الحكماء ولنا في يوحنا بولص الثاني وخطاباته في بولونيا وامريكا اللاتينية واوربا الشرقية مثلاً ينبغي الاقتداء به وقد احبته البشرية جمعاء ليس لانه كان يصلي فقط، مع كامل قناعتنا بالدور الاعظم الذي تلعبه الصلاة في حياتنا، ولكن لانه كان يدافع عن حقوق الناس، والدفاع عن حقوق الناس هنا يمكن النظر اليه من زاويتين مختلفتين تماماً، فالمتضرر من كلمات البابا وخاصة بعض الساسة والحكام والمنتفعين، كان يراها تدخلاً سياسياً سافراً لا ينبغي للكنيسة ورأسها الولوج فيه، أما الناس المُدافَع عن حقوقهم كانوا يرون ذلك دفاعاً انسانياً واجباً على الكنيسة القيام به، ومَنْ غير الاب يدافع عن الابناء؟
3 - هل يمثل خطاب كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية ورجالاتها الاجلاء خطاباً سياسياً عندما ينادون بضمان حقوق ابناءهم الكلدان؟ انا اتفق معك في كون (الكنيسة تعمل انطلاقاً من ثوابت لا تتغير بتغير الظروف والمكان، لان الانسان يبقى مُحترماً في كرامته، وتلتزم الكنيسة بالدفاع عنها بعيداً عن أية مصالح سياسية كانت ام اجتماعية ام اقتصادية) اذن الكنيسة تدافع عن احترام وكرامة الانسان وهذا ما تفعله كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية ورجالاتها الآن، فاذا لم تُثبت حقوق الكلدان والاشوريين والسريان في الدستور العراقي المقبل فانهم سيبقون مواطنين درجة ثانية وهذا بالتأكيد سيقلل من احترام وكرامة الكلدان والاشوريين والسريان وهنا يجب ان تقوم الكنيسة بواجبها ولا ارى انها تقوم بذلك بدوافع مصلحية، وإلا فما هي هذه المصالح؟ ان هذه ليست هي المرة الأولى التي يُنظر فيها الى الكنيسة ورجالاتها كقادة كما انها ليست المرة الأولى التي تُدافع فيها الكنيسة عن شعبها في العراق، ولننظر الى تاريخنا ولنقرأ قصة مارشمعون بن صباعي مع شابور الثاني الذي اراد جباية اموال من المسيحيين حيث يقول (...عليكم ان توقفوا شمعون زعيم النصارى والا تخلوا سبيله الى ان يوقع سنداً فيه يتعهد يجباية ودفع جزية الرأس مُضاعفة وضرائب مضاعفة من شعب النصارى...) ولكن الشهيد مار شمعون بن صباعي رفض ذلك ودفع حياته ثمناً لمبدأيته عام 341م. أيمكننا هنا ان نقول انه كان ينُظر الى الجاثليق مارشمعون بن صباعي نظرة رجل دين فقط ام رجلاً يحمل مسؤولية شعبه في كل الظروف؟ أكان رفضه موقفاً سياسياً ام دفاعاً بحتاً عن حقوق شعبه؟ ان اتفقنا على كونه دفاعاً عن حقوق شعبه، نتساءل هل كانت له مصلحة في ذلك؟ مصلحته كانت انه دفع حياته ثمناً لذلك! وهذا ما نراه في رجال كنيستنا الان، انهم يدافعون عن حقوقنا القومية في الدستور وفي ذلك بُعد نظر واستقراء للمستقبل ودفاع عن حقوقنا وهو موقف لا يقبل مناقشة أي انسحاب ولا (نتوقع من الكنيسة اليوم ان تُعلن انسحابها مبكراً)، والتزام الكنيسة بابنائها يبدو ثابتاً على مدى العصور، وسياسيونا لم يكونوا علمانين دائماً فلننظر الى النص التالي: (ان اسعد ايام الشعب هو اليوم الذي يوضع فيه القانون الأساسي لانه حجر الزاوية في بناء الاستقلال فاننا قد بدأنا بعمل مهم للشعب، عمل طالما اشتاق اليه الشعب العراقي الناهض وبذل المجهودات لتحقيقه وتعلمون الطواريء التي طرأت على حكومة العراق حتى وصلت الى شكلها الحاضر وما تحمله الشعب في سبيل تحقيق الامنية. عندما بايع لجلالة الملك بالمُلك، اشترط ان تكون  حكومة جلالته دستورية نيابية ديمقراطية مُقيدة بالقانون. اما اليوم فقد وصلنا الى هذه الغاية...) هذا جزء من الكلمة التي القاها يوسف غنيمة في المجلس التأسيسي حول الدستور (سنة 1925)، هل يبدو هذا الكلام سياسياً! نعم هو كذلك، ولكنه هل يناقض رغبة الكنيسة وتوجهاتها، ام هل ان المغفور له يوسف غنيمة لم يكن يدرك انه اقحم نفسه في السياسة بكلامه هذا؟
عزيزي الاب بشار، ان الحكم على كون تدخل الكنيسة ورجالاتها في الدفاع عن الحقوق الانسانية لأبنائها هي سياسة ام لا، تعتمد على مصالح الاطراف التي تنظر اليها فالمتضررون، وهم في هذه الحالة لا ينظرون بعدل الى سلوك الكنيسة ورجالها، يرون في اي عمل دفاعي للكنيسة في صالح ابنائها عملاً سياسياً مخطوراً اما العامة الذين تُدافع عنهم الكنيسة فهم يتشبتون بالكنيسة من جانب، ومن جانب اخر ترى في عمل الكنيسة دفاعاً عن حقوق مشروعة. مع مَن كان يجب ان يقف البابا؟ مع الحكومات الظالمة لحقوق شعبها ام مع الشعب المظلوم وهل كان هذا سياسة محظورة؟ لا أعتقد ان الجواب صعب على هذه الاسئلة.

مع تحياتي




وسـام كاكو
مدير المركز الإعلامي الكلداني
كاليفورنيا – الولايات المتحدة