ألمطران عمانؤيل دلي في عيادتي
د. صباح قيّا ذهلت وأنا أهمّ بمغادرة عيادتي ألكائنة في ساحة بيروت – شارع فلسطين بعد أن أنهيت معاينة ألمرضى . كان ذلك مساء يوم لا أتذكر تاريخه بالضبط ، وعلى ألأغلب في تسعينات ألقرن ألماضي . وجدته جالسا بزيه ألكنسي بهدوء في صالة انتظار ألمرضى . بادرته " سيدنا " أهلا وسهلا ، تبارك ألمكان بوجودك .. انشاء الله خير ... أجابني بصوته ألحنون ألمميز .. انشاء الله خير ..وأضاف : أتيت لزيارتك كما وعدتك .. نعم كان قد وعدني قبلا أن يزورني في ألعيادة واعترف بأني لم أسأله في حينه عن سبب ذلك ، وظننته يشكو من علة ما ، ومن ألأفضل أن أسمعها في ألمكان والوقت ألمناسب . ويا للعجب حينما اخبرني سكرتير ألعيادة بأن ألسيد ، وهذا ما أطلقه عليه ابن مدينة ألعمارة أصلا , ظل منتظرا حوالي ساعتين وأصر على ذلك لحين مغادرة أخر مريض وألح عليه أن لا يعلمني بوجوده أبدا ....
هل تصدقون ؟ هذه هي ألحقيقة وربما عبّرت عنها بأقل من استحقاقها . ترك معي وصية ... ولم يمضي سوى يوم أو يومين من لقائنا حتى جاءني من كانت ألوصية لأجله ليبلغني شكر و سلام سيدنا " ألمطران " وأن ألموضوع سار بالأتجاه ألصحيح ولا حاجة ان اشغل نفسي به بعد . أليس هذا ألموقف مثالا نموذجيا للبساطة وألتواضع ؟ كان بامكانه ، وبكل بساطة ، أن يدعوني لأذهب اليه بدل أن ياتي هو بنفسه . حتما كنت سأهرع ملبيا طلبه وبدون تردد . فرجل ألدين كمثله يستحق كل ألأجلال والتقدير .
تقادمت ألسنون ... أطل على كنيستي في ألمهجر فتباركت وكل ألجموع بحضوره . التقيته في زيارته هذه وهو برتبة " بطريرك " ودرجة " كاردينال " . أحزنني أن أراه مثقلا ومتعبا وقد هجرته ألذاكرة بدرجة كبيرة وفقد صوته صداه ألمعهود . وبعد فترة قصيرة أعلن عن استقالته ليستقر بعدها في دار رعاية ألمسنين وفيه ينتقل الى ألأخدار ألسماوية لينعم بالراحة ألأبدية بين جمع ألأخيار والطيبين . نعم .... وكما قيل : للفرح وقت وللحزن وقت .. للضحك وقت وللبكاء وقت .. للولادة وقت وللموت وقت .
رحلت وكنيستك لا تزال متصدعة . هجرتها مواكب قبلا وما تزال تتبعها لمذاهب وأديان اخرى ، والمرارة ان من بينها بدع غريبة لن تلتقي معها حتى لو التحمت ألسماء بالأرض . كهنة أفرزتهم كنيستك لتحتضنهم كنائس مغايرة ، ولا تعرف ألرعية السبب ، وقناعتي لن تقبل ذلك مهما كان الا اذا أغرّ بهم ألشيطان فخالفوا وصايا ألله ألعشرة . أخشى أن لا يكون ذلك نتاج معصية من أراد لهم
: حسب ما أقول تسير وعن خطأي تسكت ، والا حسابك عسير ومن عقابي لن تفلت . أبرشيات سكنت ألمهجر فتعلمت لغة ألحرية ألمطلقة وتناست أنها غصن شجرة محددة وجذورها واحدة ، ولولا بعض ألحياء وفسحة ألأمل وحكمة ألرب لأعلنت استقلالها . أعاهدك .. أبتي .. مهما حصل سأظل لكنيستك وفيا وللمحبة رائدا .
رحمك الله سيدي .. ولذكراك اقدم هذه ألأبيات ألشعرية ألمتواضعة إرتحلتَ ومثلُ شخصكَ لا يرحلُ ذكراك ينبوعٌ نظلُّ منه ننهلُ
باركتَ عرسي غداةَ زفَّةَ موكبي وحنانُ لحنِك غارَ منه ألبلبلُ
أمضيتَ عمرَكَ للكنيسة راعيا وخرافُك من وعظك تتشربلُ
وكم كاهنٍ منك استقى كلماتِه وجِئتَهُ قيما ليس منها أنبلُ
جاهدتَ كي تعيدَ لبابلِ مجدَها وحصلتَ ما لم نظنْهُ سيحصلُ
إطارُ إسمِ جدودي به مزينٌ دستورُ بلاديَ فهل منه أجملُ ?
وداعاً يا مُثلثَ ألرحمات وثقْ أن ألكثيرَ لجنبِك يتوسلُ
فنمْ مستريحاً في رحابِ مسيحِنا واليكَ من شعبِك رحمةً أنقلُ