ذكرى الصديق تدوم الى الابد
عمانوئيل الثالث دلي رجل علم وتقوى وفضيلة
عمانوئيل الثالث دلي علم من أعلام الكنيسة
عمانوئيل الثالث دلي كاردينال الكنيسة الكاثوليكية وبطريرك الكنيسة الكلدانية في العالم
ننعيه اليوم بحزن وأسى بعد أن خدم الكنيسة أكثر من ستين سنة بكل تفان ونشاط وأمانة لقد كان رجلاً تقياً غيوراً على خلاص النفوس متحلياً بالفضائل والاخلاق العالية جمع في شخصه بين العلم والادارة والتقوى فصار مثالاً للرؤساء الذين يجمعون بين حنان الاب وحزم الرئيس ودقة المنظم والقدرة العالية في تدبير الامور وحل المشاكل المستعصية.
طبعا والداه جرجيس دلي و كاترينة جعدان منذ حداثة سنه حب الفضيلة فشب على التقوى والتمسك بأهداب الدين والالتزام بالمبادي القويمة .
ولد كريم دلي وهو بكر أخوته في قرية تلكيف من محافظة الموصل شمال العراق يوم 27/9/1927 وبعد عشرة أيام قبل سر العماذ المقدس وترعرع في عائلة مسيحية شعارها محبة الله- وبعد الدراسة الابتدائية دخل معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل بتاريخ 21/9/1940 وفي هذا المعهد الديني أنكب الشاب كريم على نهل العلم والفضيلة فأمتاز على أقرانه فأختاره رؤساؤه في بعثة علمية في25/9/1946 الى روما ليدرس في كلية أنتشار الايمان (PROPAGANDA FIDE) حيث قضى في المدينة الابدية اربعة عشرة سنة خلالها رسم كاهناً في 21/12/1952وحاز على شهادة الليسانس في الفلسفة عن أطروحته "وجود الله عند الفيلسوف الفارابي" من الجامعة الاوربانية سنة 1949. وتضلع في اللغة اللاتنية والايطالية والفرنسية وألم بالالمانية واليونانية .
وفي سنة 1954 حصل على شهادة الدكتوراه عن أطروحته" مجالس المطران أيليا برشينايا مع الوزير المغربي" والتي جرت سنة 1026 ومن الجدير بالذكر أن الجامعة الاوربانية طبعت هذه الاطروحة لقيمتها العلمية ضمن منشوراتها لسنة 1957 : وفي هذه فترة مكوثه في روما عينه المجمع الشرقي سكرتيراً للجنة الطقس الملباري وانصرف أيضاً للدراسة للحق القانوني في جامعة اللاتران وقدم أطروحته بعنوان " المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق 1959 فحصل على شهادة أخرى للدكتوراه في الحق القانوني الكنسي وقد طبعت هذه الاطروحة باللغة العربية في بغداد 1994.
عاد القس عمانوئيل الى العراق في بداية سنة 1960 فعينه السعيد الذكر البطريرك بولس الثاني شيخو سكرتيراً له وبعد مدة لم تتجاوز الثلاث سنوات رسم أسقفاً معاوناً للبطريرك في 19/4/1963.
نال فقيدنا الغالي حظاً وافراً من العلم الذي سخره في خدمة الكنيسة وشرح حقائق الايمان فرغم التزاماته العديدة في الدائرة البطريركية التي كان لولبها لم يتوانى عن التدريس في المعهد الكهنوتي البطريركي وفي كلية بابل للدراسات الفلسفية واللاهوتية . كما أنه كان مشرفاً على المحاكم الكنسية وعضواً في لجنة الحوار المسيحي الاسلامي وفي مؤسسات أخرى.
لقد أعتاد الخطباء في مثل هذه المناسبات أن يبالغوا في ذكر المزايا والمدح , ولكن نقول صراحة أن ما نصف به بطريركينا الراحل لايفي حقه فهو مستحق أكثر من هذا بكثير.
فانا لست مبالغاً والكل يشهد لي أذا قلت عنه انه كان الرجل الوديع المتواضع الخدوم يقوم بعمله بكل أمانة وأخلاص فهو رجل الكهنوت والامين أزدان بالتقوى والفضيلة والفقر الطوعي.
كان ثابتاً في ايمانه حليماُ في تصرفاته متضلعاً بالعلوم الفلسفية واللاهوتية والقانونية حتى انه أنتخب مستشاراً (PERITAE) في المجمع الفاتيكاني الثاني المنعقد سنة 1962 في دورته الاولى: قبل أن يصير عضواً في هذا المجمع بأنتخابه أسقفاُ.
كان فقيدنا متجرداً خدوماً تجلت في حياته الفضائل المسيحية : كان عفيفاً رحب الصدر ورئيساً كنسياً ذا خبرة واسعه وهذا ما جعله أن يكون محبوباً من الجميع
وأن ينتخب بطريركاً في 3/12/2003 رغم انه كان قد أحيل الى التقاعد لبلوغه السنة القانونية .
وقد قبل هذا المنصب لايمانه العميق وثقته العالية بالعناية الربانية الذي عاونته على تحمل صعوبات جمة فقاد دفة الكنيسة زمن الحصار المفروض على شعبه ووطنه العراق لاكثر من عشر سنوات ولثلاث حروب مدمرة ألمت بالوطن وتقديراً لهذا الموقف البطولي أعطيت له رتبة الكاردينال في 24/11/2007 .
لقد كان مؤمناً بربه ومثله الاعلى يسوع المسيح : حمل في قلبه الكبير هموم شعبه وسوف يذكر التاريخ مواقفه الشجاعة : فهو لم يغادر العراق ولاكرسيه في بغداد رغم كل المخاطر التي كانت تهدده من تفجير الكنائس وقتل المطارين والكهنة والشمامسة وابناء الرعية وتشريدهم وخطفهم .
لقد كانت أمنيته أن يموت ويدفن في العراق !
أن وفاة الكاردينال البطريرك عمانوئيل الثاني دلي هي خسارة كبيرة لماعرف عنه من تسام ونبل وأخلاق كريمة و مواقف حازمة في التمسك بمبادي العدل والمساوات وتطبيق حقوق الانسان والدفاع عن المهشمين والمظلومين .....
وبعد حياة حافلة بالاعمال الصالحة وخدمة الكنيسة والوطن رقد بالرب يوم الثلاثاء 7/4/2014 ولكن مع هذا سيبقى كوكباً لامعاً في سماء الكنيسة ومثالاً رائعاً للرعاة في رسالتهم . رقد وهو مزين بفضائل واستحقاقات سماوية وذهب ليحيا مع المسيح الذي أحبه وأخلص له في رسالته.
لينفعنا الرب بصلاته.
الراحة الابدية اعطه يارب ونورك الدائم فليشرق علية
أمين
المطران جبرائيل كساب
مطران الكلدان في استراليا ونيوزيلندا