المحرر موضوع: خطابي في المؤتمر الدولي حول الإبادة الجماعية : "خلفية الإبادة الجماعية ونتائجها، والواجب الدولي"  (زيارة 7703 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Ashur Giwargis

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 880
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

خلفية الإبادة الجماعية ونتائجها،
والواجب الدولي


كلمة الباحث آشور كيواركيس، ممثل الآشوريين في المؤتمر الدولي حول الإبادة الجماعية في السلطنة العثمانية، الذي عقدته مؤسسة علماء الجينوسايد العالمية في البرلمان اليوناني في 19/أيلول/2010



حضرة السيدات والسادة الكرام،
اللجنة المنظمة للمؤتمر، السادة المشاركون

قبل أن أبدأ بإلقاء كلمتي، لدي بعض التعليقات على ما قاله بعض الأخوة المحترمين خلال المؤتمر

النقطة الأولى: نحن بكل بساطة "آشوريون"، لا "كلدان" ولا "سريان"، لأن الكلدان هم آشوريون كاثوليك، والسريان هم آشوريون أورثوذوكس لذلك من الأفضل استعمال كلمة "آشوريون" لأنها تعبر عن هويتنا القومية بغض النظر عن الإنتماء الطائفي، لا نستطيع أن نقول "العرب والسنة" لأن العرب هم شيعة وسنة.

النقطة الثانية: لقد سمعت مرارا ذكر الأكراد كشعب مضطهد، ونحن نفهم ذلك ولكن يجب ألا ننسى بأن الأكراد كانوا شركاءً أساسيين في ارتكاب الإبادة، هكذا يجب أن نتعامل مع المسألة عندما نتكلم بالتاريخ، أما إذا كنتم تريدون تسييس مسألة الإبادة فهذا شأن آخر.

النقطة الثالثة: أطلب من جمعية الإتحاد الآشوري في اليونان ألا تشارك بأيــّـة مناسبة أو بيان مشترك يذكر عبارة "كردستان" أو "المنطقة الكردية" لأن هذه العبارات إهانة للأمة الآشورية، كما أسأل أخواننا الأرمن واليونانيين أن يتنبـّـهوا لذلك، لأن هذه المسألة بالنسبة للآشوريين مسألة مبادئ وكرامة، لا يمكن المساومة عليها. وعندما نقول بأننا "آشوريون" فهذا يعني بأننا من "آشور"، وإذا كانت جبال آشور وشمال العراق الحالي "كردستان"، فأين آشور إذاً ؟ هل نزلنا من القمر ؟؟

النقطة الرابعة: سمعت مرارا عبارة: "الإبادة الإثنية لمسيحيي السلطنة العثمانية"، وهذا تناقض، فليس من الممكن أن تكون إبادة المسيحيين إثنية بل دينية، لذلك يجب أن نقول: "الإبادة الإثنية للآشوريين والأرمن واليونانيين"، أو "الإبادة الدينية للمسيحيين" ... أما أنا فأستعمل الإثنين لأن إبادتنا كانت دينية وقومية، ولذلك اخترت الحديث عن خلفية الإبادة الجماعية.

شكرا لكم

نجتمع في هذا المؤتمر للقيام بأدنى واجب تجاه أجدادنا جميعا، الذين ضحوا في سبيل وجودنا الديني والقومي في أحلك الظروف حيث سيطر انعدام القيم الإنسانية، مما فضح التخلف الإجتماعي والديني والأخلاقي والسياسي للشعوب المحيطة بمسيحيي الشرق عموما والآشوريين خصوصا، وأنا كمشارك آشوري في هذا المؤتمر أشعر بالراحة لأنني أتحدّث عن بعض هموم أمتي المعذبة عبر التاريخ، أمام إناس يفهمون جيدا معنى الإنسانية كونهم أحفاد إحدى أعظم الحضارات التي بنت أسس العلوم والسياسة والفلسفة والإجتماع، وستكون كلمتي حول : خلفية الإبادة الجماعية الآشورية ونتائجها، والواجب الدولي

سأتحدّث عن الإبادة الجماعية ضد الآشوريين بشكل خاص، وكمثال، لأنني متأكد بأن الكثير من الأخوة الحاضرين ليست لديهم الفكرة الكاملة عن وقائع الإبادة ضد الآشوريين.

إن تاريخ البشرية يشبه سلسلة حلقات متواصلة مترابطة، وهذه الحلقات يصنعها الإنسان بذاته، فالبشر هم مَن يقررون مصيرهم بانتصارات وهزائم لا تخلو من الإنتهاكات ضد الإنسانية في سبيل بناء هيكلية جماعية سواء كانت إقتصادية أم اجتماعية أم سياسية أم ثقافية، منها المبنية على أسس حضارية مدعومة بالحق التاريخي والمنطقي ومنها مبنية على المجازر ومدعومة بقوّة التخلف والحماس لسفك الدماء في سبيل أيديولوجيات وُجدَت لمحاربة الإنسانية، وعلى من يريد الإستمرار في هذه السلسلة التاريخية ببشاعتها وجمالها، إدراك حلقة الماضي ليتــّـعظ منها ببناء حلقة الحاضر وعلى أساس حاضره يبني حلقة المستقبل ... هذا هو باختصار شديد، قانون الإستمرارية للأمم.

والإبادة الجماعية خلال الحرب العالمية الأولى كانت قائمة على إستراتيجيات إقتصادية، فأوروبا أرادت توسيع أسواقها بعد ثورتها الصناعية، وروسيا أرادت فتح بوابة هامة وهي مضيقيّ البوسفور والدردانيل.

إن مجازر الحرب العالمية الأولى بحق الآشوريين واليونانيين والأرمن لم تأتِ من لا شيء، بل هي أيضا حلقة بشعة من سلسلة التاريخ البشري، التي يجب أن يعرفها العالم ويتذكرها دائما، ولها خلفيات ثقافية ودينية، مبنية على تناقض الأيديولوجات داخل المجتمع الذي سيطر عليه العثمانيون لمئات السنين، فمنذ أيام السلطان عثمان الأول في القرن الرابع عشر ثم إبنه أورخان غازي ثم مراد الثالث، تمـّـت ملاحقة المسيحيين الأرمن والآشوريين والبيزطيين كما تمّ احتلال القسطنطينية والقضاء على الحضارة البيزنطية لتحل محلها الإسلامية، وعلى مرّ العصور استمرّ المسيحيون الذين هم السكان الأصليون لما يسمّى اليوم بتركيا، بالتعرّض للإضطهاد والقتل والأسلمة وفقا لقانون "مشرّع من الله" بحسب اعتقاد المحتلين.

وإن سياسة الأسلمة الإجتماعية عبر العصور تلخــّـصت بفرض القانون الإسلامي على مجتمعاتنا المسيحية الأصيلة، من ناحية الفرائض الدينية ودفع الذمة لخليفة المسلمين لنستحق الحياة.

لقد اعتدنا على سماع الحجة التركية الضعيفة والعديمة الفائدة، ألا وهي بأننا تعاملنا مع الروس قبل الحرب، بينما التاريخ يخبرنا بأن أول من أدخل الأجنبي إلى السلطنة العثمانية هم العثمانيون أنفسهم وذلك من خلال إتفاقية الإمتيازات الكبرى سنة 1535 بين الملك الفرنسي فرنسيس الأوّل، والسلطان سليمان الأول القانوني ووفق هذه الإتفاقية تمتع الفرنسيون بحق حماية المسيحيين في أراضي السلطنة.

وقد كانت هذه الإتفاقية العامل الأساسي الذي مكــّــن فرنسا لاحقا من كثلكة مسيحيي المشرق، وعن طريقه تمت كثلكة قسم من الأرمن، وكذلك تمت كثلكة قسم من الآشوريين تحت سياسة التجويع العثماني والإستغلال الفاتيكاتي، وتمّت تسمية الآشوريين الكاثوليك بـ"الكلدان" من قبل الفاتيكان في العام 1552. وانطلاقا من هذه الحقيقة التاريخية تصبح السلطنة العثمانية هي المتعاملة مع الأجنبي، وهي من أدخلت الأجنبي برضاها إلى أراضيها.

وبعد السماح لإرساليات الكثلكة بالدخول إلى آشور وأرمينيا، تم السماح أيضا بدخول إرساليات الأنكليكان البريطانية  واللأميركيين البروتستانت، حيث ساهمت هذه الإرساليات بتحريض الأكراد على ذبح الشعب الآشوري بين عامي 1843 – 1847 ليتم كسر استقلالية القبائل الآشورية الجبلية في جنوب شرق ما يسمّى اليوم "تركيا"، لكي تستطيع تلك الإرساليات التغلغل في المجتمع الآشوري بعد أن كانت عاجزة عن ذلك بسبب عدم خضوع العشائر الآشورية للسلطان العثماني وهي العشائر الخمس الكبرى:  تياري وتخوما وباز وجيلو وديز، والتي سمّاها الإرساليون بـ"العشائر العنيدة".

رغم كل ذلك اعتــُـبر المسيحيون ضمن الإحتلال العثماني (الآشوريون والأرمن واليونانيون) دائما كآخر المواطنين وبعد أن استقدم السلطان سليم الأول القبائل الكردية من أصفهان إيران في القرن السادس عشر ووطــّـنها في المرتفعات الآشورية على الحدود الإيرانية لمحاربة الصفويين الشيعة، بدأت السلطنة العثمانية تستعمل هذه القبائل على مرّ القرون في قتل الأرمن والآشوريين بسبب دينهم مما أجبرهم على الإستنجاد بالدول المسيحيّة المجاورة  وبشكل خاص أقوى تلك الدول واٌقربها ؛ روسيا، وذلك بهدف التخلص من اضطهاد المسلمين في المنطقة بعد أن أهملت السلطنة العثمانية مناشدتهم لها مرارا بخصوص الإعتداءات، وقد أعطى المفكّر فريدريك أنجلز مثلاً عن ذلك في إحدى رسائله لكارل ماركس حيث قال: "طالما أنّ المسيحيين ما زالوا يُضطهدون من قبل العثمانيين، فبالتأكيد سينظرون إلى الكنيسة الأورثوذوكسيّة وقائد الستين مليون أورثوذوكسي كائناً من كان، كمحررهم وحاميهم".

وإنّ ما يؤكد أقوال أنجلز هي رسالة البطريرك مار روئيل شمعون فيما بعد الى الملك الروسي ميخائيل بتاريخ 14/أيّار/ 1868، حيث يقول البطريرك في رسالته مُستنجداً: "… نحن أمّة فقيرة بالكاد تحصل على خبزها... لقد أخذ الأكراد الكثير من كنائسنا وأديرتنا واختطفوا النساء والعذارى وأجبروهن على اعتناق الإسلام فيما الأتراك أسوأ منهم، فقد أخذوا ممتلكاتنا وشدّدوا علينا الضرائب، كما أن الأكراد أيضاً يأخذون مالنا باعتبار أننا عبيدهم (كمسيحيين - الكاتب)... لذلك نناشدكم بإسم سيّدنا المسيح ومعموديّته وصليبه المقدّس بأن تحرّرونا من هذه الدولة أو تجدوا لنا أي حلّ...".

هذه كانت الخلفية الدينية للحقد على الآشوريين، أما الفضيحة الكبرى فكانت لدى دخول الفكر القومي التركي إلى السلطنة العثمانية عام 1908- 1909 حيث تعالت نداءات الرسميين الأتراك من أجل تطهير كافة القوميات والحفاظ على القومية التركية، ومن هؤلاء الدكتور ناظم منظر أحد قادة حركة تركيا الفتاة الذي قال : " لولا التدخل الدبلوماسي الخارجي لكن وحّدنا كافة الشعوب في تركيا ضمن القومية التركية وجعلنا ثقافتها واحدة، فنحن نريد أن يعيش على هذه الأرض العنصر التركي بدون غيره"، وبالفعل، لم تأتِ هذه الفرصة سوى في العام 1914 حين عمّت الفوضى وبدأت الحرب العالمية الأولى.

ولدى بداية الحرب العالمية الأولى في صيف 1914، توجهت القبائل الكردية المستوطنة في آشور وأرمينيا والتي كانت تشكل فرقة من الخيالة ضمن الجيش العثماني، إسمها "الفرسان الحميدية" نسبة إلى السلطان عبد الحميد الثاني، توجهت هذه القوة مدعومة من كتائب أخرى من الأتراك إلى القرى السهلية الآشورية في شرق ما يعرَف اليوم بـ"تركيا"، وكذلك القرى الآشورية في منطقة طورعابدين جنوب شرق تركيا وسهل سالامس في غرب إيران، حيث قتلوا الآلاف وأحرقوا المدن والقرى والأديرة القديمة والكنائس وخطفوا النساء والفتيات تحت شعار "الجهاد" –  ففي 05/آذار/1915 كتبت جريدة "باكو" بأن عشرين قرية آشورية قد تم تدميرها بالكامل وانتشرت في شوارعها جثث النساء والأطفال عليها آثار السواطير والخناجر، وفي 15/آذار/1915 ذكرت جريدة تفليس بأن هجومات القبائل الكردية بقيادة الضباط الأتراك كان وحشيا ولا يـُـحتمَل، هذا ليس إلا القليل جدا مما حصل ومما ذكرته الصحف آنذاك، وعندها لم يكن الآشوريون قد دخلوا الحرب، ولكن مع استمرار المجازر وكل هذا التخلف الديني والقومي والإجتماعي المحيط بشعوب الشرق الأوسط الأصيلة، إضطرّ الآشوريون للإستنجاد بأبناء ديانتهم ولم تكن بيدهم أية حيلة أخرى طالما أن قاتليهم وسارقيهم هم إما السلطات الرسمية وإما عصابات مدفوعة منها مباشرة.

بعد كل هذا إضطرّ الآشوريون دخول الحرب حيث أعلن البطريرك الشهيد مار بنيامين شمعون إنضمامه إلى جانب روسيا دفاعا عن النفس ومن أجل التحرر من الإحتلال والظلم العثماني، وهذا القرار اتخذ بعد اجتماعه مع زعماء العشائر الآشورية بتاريخ 10/06/1915 في منطقة ديز.

هذه الوقائع هي ردّ على من يدّعي بأن المجازر جرت بعد تعامل الآشوريين مع روسيا، ونضيف ونقول بأن مئات الآلاف من الآشوريين الأورثوذوكس (السريان) في منطقة طور عابدين وجوارها، قد تعرّضوا للمجازر علما أنهم لم يكن لديهم أي اتصال بأية دولة من البداية.

وحتى بعد تسلــّـح رجال العشائر الآشورية لم تميز تركيا ولا مجنــّـدوها الأكراد بين مدني أو عسكري، فالإبادات تكررت بحق الآشوريين في مرتفعات آشور المعروفة بجبال هكاري، كما في محيط مدينة أورميا، ويذكر المفكر الروسي فيكتور تشكلوفسكي الذي عايش مجازر 1918 في مذكراته، بأنه بعد انسحاب روسيا من الحرب إثر الثورة البولشيفية، انطلقت من مدينة أورمية قافلة من 230.000 آشوري هاربة سيرا على الأقدام لمسافة 800 كلم في الجبال والسهول الإيرانية، متوجهة إلى مدينة همدان حيث الإنكليز في جنوب إيران، وذلك خلال صيف 1918، حيث قتل منهم 85000 من النساء والأطفال على الطريق إثر هجمات الأتراك ومجنــّـديهم من الأكراد، كما تمّ قتل 15000 آخرين في قافلة كانت متوجهة أيضا سيرا على الأقدام شمالا نحو روسيا وجورجيا.

وهكذا وقعوا في الفخ البريطاني هذه المرّة، حيث بدأت بريطانيا بتحريض العرب في العراق ضد الآشوريين حتى تسببت بمجزرة عام 1933 في آشور المحتلــّــة، راح ضحيتها الآلاف من النساء والرجال والأطفال.

**

إن الوثائق الرسمية كالمراسلات الروسية والبريطانية وحتى التركية، تؤكـــّـد بأن تركيا منذ 1914 وحتى 1922 قد قادت جيوشها التي دخلت القرى والبلدات الآشورية والأرمنية واليونانية الغير مسلحة وقامت بالتطهير العرقي حيث تمّ فناء حوالي 600.000 آشوري، أي ما يعادل ثلثي تعداد الأمة الآشورية آنذاك، وهذا يدخل ضمن تعريف "الإبادة الجماعية" الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة عام 1948، كونه يلبي كافة مواصفات التطهير العرقي من النواحي التالية وفقا لمواصفات الأمم المتحدة:

-   القتل الجماعي الغير مبرر
-   إلحاق الضرر الجسدي والروحي بالجماعة
-   التجويع الجماعي بهدف التدمير الإجتماعي
-   نقل الأطفال عنوة إلى مجتمعات وثقافات أخرى

أما النتائج الإنسانية والسياسية للإبادة الجماعية ضدّ الأمة الآشورية فكانت كما يلي:

-   إبادة ثلثي الأمة الآشورية ما بين أعوام 1915 – 1922
-   أمراض وأوبئة أودت بحياة 33 ألف آشوري في معتقلات بريطانية في العراق سمـّـاها البريطانيون "مخيمات اللاجئين".
-   خطف عشرات الآلاف من النساء والأطفال ونقلهم إلى بيوت المسلمين (أتراك، عرب، أكراد، إيرانيين)
-   إعتبار الآشوريين في العراق عملاء للإنكليز علما أن العراق نفسه هو صناعة بريطانية، وعلما أن الملك فيصل هو سعودي جلبته بريطانيا لحكم العراق.
-   عدم تفهّم الدولة العراقية لحقوق الآشوريين بسبب ثقافتها العثمانية مما سبب مجزرة عام 1933 بحق الشعب الآشوري في 63 قرية في آشور المحتلة
-   نفي قسم كبير من الآشوريين إلى سوريا بعد اتهامهم بإثارة الفوضى رغم المجازر بحقهم
-   زوال اللغة والثقافة الآشورية في المهجر يوما بعد يوم بسبب اختلاط الآشوريين بشعوب غريبة عنهم
-   وإلى ما هنالك من تأثيرات سلبية ساهمت إلى حدّ بعيد في إضعاف الوجود الآشوري.

إذا كافة الذرائع القانونية لإعاقة الإعتراف بالإبادة هي باطلة، وإن رضوخ المجتمع الدولي للقانون الذي وضعه بنفسه هو واجب أخلاقي، فكونه أقرّ بإبادة جماعية ضد اليهود، وبإبادة أخرى في السودان، ويوغوسلافيا، يستطيع كذالك الإقرار بالإبادة الجماعية بحق الآشوريين والأرمن واليونانيين كون الجرائم بحقهم لا تقل عن الجرائم بحق غيرهم ممن ذكرناهم، ولكن الواقع يبدو عكس ذلك، فحتى الآن لم نواجه أية مصاعب من ناحية اعتبار أعمال القتل التركية كـ"إبادة جماعية" إلا بعوائق سياسية إنما غير قانونية، فالبرلمانات التي هي السلطة التشريعية تعترف بالإبادة ولكن الحكومات أو السلطة التنفيذية للدولة هي التي تتنكــردائما، نذكر على سبيل المثال:

في السويد، وبعد اعتراف البرلمان السويدي بأن عمليات القتل التركية المنظمة ضدّ الآشوريين والأرمن واليونانيين هي إبادة جماعية، أعرب وزير الخارجية السويدي Carl Bildt  عن أسفه لقرار البرلمان وعن قلقه على الموقف في تركيا.

وفي الولايات المتحدة تمّ استعمال ورقة المجازر بحق أخواننا الأرمن كورقة إنتخابية في حملة باراك أوباما، حيث بعد تبني الكونغرس الأميركي لقرار الإعتراف بالإبادة، أعرب أوباما عن رفضه لذلك وفي نفس الوقت أعرب عن عدم ندمه على استعمال عبارة "الإبادة الجماعية" أثناء حملته الإنتخابية، وهذا بحسب تقرير وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 25/نيسان/2009.

والأسوأ هو ما جرى في اليونان، بحيث رفض البرلمان اليوناني الإعتراف بمجازر اليونانيين والأرمن والآشوريين كإبادة جماعية وأنا فعلا مصدوم كونه حتى اليوم تمّت مناقشة المسألة أربعة مرّات في البرلمان اليوناني وتمّ رفضها !

كيف نستطيع مطالبة الآخرين بالإقرار بالإبادة إذا كانت دولنا لا تقرّ بها ؟ وماذا كان شعور اليونان عندما اعترف البرلمان السويدي بالإبادة بحق الشعب اليوناني قبل اليونان ؟ إنه حقا من العار على هذا البلد الذي أعطى العالم أسس الديموقراطية، أنت يضع مصلحته السياسية فوق مصلحته القومية، وإذا كان رفض الإعتراف بالإبادة مصلحة سياسية، فإن كرامة الشهداء اليونانيين مصلحة قومية، ونحن الجيل الثاني من الناجين من المجازر، يجب أن نعتبر اليونان المفتاح الأوروبي للإعتراف بالإبادة، وكان من المتوجّب أن تقوم مظاهرات في أثينا حيث ترتفع الأعلام الآشورية والأرمنية واليونانية عاليا، لأن كرامة الشهداء اليونانيين هي كرامتنا، لقد استشهدوا لنفس الأسباب، ومن نفس الخلفيــّـات... وعلى يد نفس المجرمين.

من هنا يتضح لنا بأن رحلتنا طويلة جدا في بحر الأكاذيب والألاعيب الدولية، لذلك علينا تأسيس مطالبنا بشكل غير قابل للإهتزاز وذللك يبدأ بالدول المعنية مباشرة بالإبادة الجماعية والتي لديها أصلا الأرشيف الضخم حول ذلك، بدءاً باليونان، مرورا بروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، كون لهذه الدول صوتها المسموع في المنابر الدولية، ولا يكفي أن تقوم تركيا ببعض التعديلات الدستورية ومحاولة توفيقه مع شروط معاهدة كوبنهاغن لتستحقّ عضوية الإتحاد الأوروبي أو أية مجموعة دولية أخرى، لأنه في البداية عليها إثبات وفائها للأعراف الإنسانية، وذلك بتصحيح أخطاء الماضي.

إن تجاهل المجتمع الدولي لهذا الموضوع هو إبادة ثانية، وعدم احترام لمفهوم الإنسانية، والأخطر من ذلك هو أن هذا السكوت يـُــعتبـَـر تشجيعا لإبادات جديدة متوقعة ضد الشعوب الضعيفة في العالم، ومن ضمنها الشعب الآشوري الذي ذكرته كمثال.

وبسبب الإبادة الجماعية ضد الشعب الآشوري، وأيضا بسبب الخيانة الأوروبية وخصوصا الخيانة البريطانية، لا تزال الأمة الآشورية بدون دولة ولذلك فهي تواجه إبادة جديدة، بحيث يعيش بين تيارات متخلفة تحكم العراق، بدون أية حماية أو اهتمام دولي وقد هاجر منذ 2003 أكثر من 500.000 آشوري العراق خلال سبعة سنوات، بينما في عهد صدام هاجر فقط حوالي 300.000 خلال 35 سنة، فيما العالم يتفرّج ويطرح حلولا قاتلة كتهجير الأمة الآشورية من أرضها التاريخية والقضاء على ثقافتها وإذابتها في المجتمعات الغربية تحت عنوان "إنقاذ مسيحيي العراق".

ونفس السياسة التي سبقت وتخللت مجازر الحرب العالمية الأولى، تتم ممارستها اليوم بحق الآشوريين في كافة أنحاء العراق وبشكل خاص تحت الإحتلال الكردي لآشور حيث تعمد القبائل الكردية إلى سياسة الإضطهاد المهذب، وذلك بإعطاء الحقوق الدينية الصوَرية فيما تقضي على الوجود القومي للأرض والشعب وذلك بثقافة التكريد في مدارس منطقة الإحتلال حيث تتمّ تنشئة الأجيال الآشورية وغيرها وفقا لمناهج التكريد، بالإضافة إلى احتلال الأراضي الآشورية واختراع قوانين تعجيزية لإعادتها، وكذلك في باقي مناطق العراق حيث وصلت سياسة الأسلمة والتهجير إلى وقاحة لا تــُـحتمَل مما يؤكد وجود تطهير ديني وعرقي ضدّ الآشوريين وكل هذا مشرّع بشكل دستوري كون الدستور العراقي يحرّض على أسلمة العراق وتكريد شماله ويخلو من مبدأ المساواة في الفدرالية، علما أنه بمفهوم القوانين الدولية لحماية الشعوب الأصيلة، حتى المساواة هي أدنى حق للآشوريين، شعب العراق الأصيل المهدّد بالزوال.

ليس وجودنا هنا فقط لإلقاء الخطابات الطويلة لأنها ألقيت قبلنا من قبل العديد من الأكاديميين عبر العالم، وليست نيتنا الإنتقام، بل ضمانة مستقبل أفضل للأجيال الناجية من الإبادة.

أخيرا، وإنطلاقا مما ورد في سرد الأحداث ونتائجها، وإنطلاقا من الواجب الأخلاقي الدولي تجاه الإنسانية، إن الأمة الآشورية مهتمـّـة جدا بمحاسبة المجرمين بحق الإنسانية خلال الحرب العالمية الأولى محاسبة تاريخية، وذلك وفقا للشرائع الدولية، ومن هنا ينبغي على منظمي هذه المناسبة الإستمرار بجمع كافة الأطراف بترابط قوي من أجل رفع صوتنا جميعا لتجنب تكرار ما حدث وقطعا للطريق أمام التيارات والمجتمعات المتخلفة لكي تدرك أنه ما من مجال لإرتكاب مثل هذه الجرائم ضدّ الإنسانية بعد اليوم في أي مكان من العالم

شكرا لحضوركم واستماعكم ...