أين الفاتيكان والكاثوليكية العالمية من نكبة كنيستنا الكلدانية ؟؟؟
=============================================
أبرم شبيرا
جاءت صرخة أبينا السامي مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في وصفه لأوضاع الكنيسة المأساوية بـ "النكبة" والناجمة عن تناقص أعداد المؤمنين في موطنها الأصلي، بيت نهرين بسبب التهجير المفروض عليهم من الأوضاع المفجعة التي تحيط بهم من جميع الجهات وتدفعهم نحو ترك الوطن والهجرة إلى بلدان الإغتراب، جاءت هذه الصرخة المؤلمة والموجعة لتعكس المعاناة والمأساة المحيطة بهذه الكنيسة في وطنها التاريخي لتعبر وبعمق عن أصالة البطريرك وإلتصاقه بكنيسته وبأبناءها وبكل المعاناة والمشقات التي تواجهها ليتحملها ويستمر في تحملها ومن دون تردد أو تراجع... يذكرني هذا الموقف بالموقف الذي وقفه أحد أباء كنيستنا المشرقية عندما كانت المذابح تفعل فعلها في أبناءها في القرون المظلمة الماضية وطلبوا منه بعد فراغ كرسي البطريركية لعدة سنوات أن يتولى كرسي البطريركية فقال لهم "من يشتهي كرسي البطريريكة في هذا الزمان". نعم من يشتهي كرسي البطريركية في الظروف المأساوية المميتة المحيطة بالكنيسة وبعموم المسيحيين في العراق غير الإنسان المؤمن والشجاع والنبيل.
أين الفاتيكان والكاثوليكية العالمية من مأساة ونكبات كنيستنا الكلدانية في العراق؟؟؟ أن مثل هذا التساؤل يجب أن نوجه بالدرجة الأولى إلى إنفسنا، إلى جميع أبناء أمتنا في وطننا الحبيب بيت نهرين قبل أن نوجه إلى الغير البعيد عنا وعن وطننا لأن معاناة الكنيسة ونكبتها هي معاناة أبناء أمتنا ومصدرها الأساسي هو تهجيرهم من أرض الوطن إلى أقاصي العالم المختلفة وتناقص عددهم بشكل دراماتيكي مخيف يهدد وجود الكنيسة في موطنها الأصلي. وإذا كان مثل هذا التساؤل الموجه إلى أبناء أمتنا يكتنفه نوع من المثالية فأننا نقترب أكثر من الحقيقة والواقع عندما نوجهه إلى "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والأقليمي وفي الحكومتين وإلى جميع قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية التي تدعي تمثيلها لهذه الأمة بغنى عن التسمية القومية التي يفضلها هذا الحزب أو تلك المنظمة. ولكن مما يؤسف له أن قرع غبطة البطريرك لأجراس الخطر والنكبة وقعت على آذان صماء مشحونة بالركض واللهوث وراء كراسي البرلمان الذي لاشغل شاغل لهم في هذه الأيام إلا التناطح كالديك من أجل الوثوب على كرسي حتى ولو كان مهلهلا لا يقوى على عمل شيء غير ملئ الجيوب والبطون، وهذا ما أثبته تجارب السنوات الماضية في التعامل مع نظام سياسي لا يعترف فعلاً بوجود غيره خاصة عندما يكون هذا الغير مختلف عنه حضارياً ولغويا ودينيا/طائفيا وحتى نفسياً وإجتماعياً. كان من الواجب على جميع أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية المتصارعة في هذه الأيام على الكراسي البرلمانية والحكومية أن يفتحوا فسحة صغيرة في آذانهم ويسمعوا ناقوس الخطر الذي قرعه غبطة البطريرك ويحسوا بمعاناته ثم يتكاتف بعضهم بالبعض ويهرعوا مثلما يلهثون نحو الكراسي البرلمانية والحكومية إلى مقر البطريريكية ليعلنوا وقوفهم إلى جانب قداسته في محنته هذه والتي هي بالأساس محنة كنيستهم قبل أن تكون محنة غيرهم. صحيح أن مثل هذا "التمني" لا يحقق شيئا على أرض الواقع وقد لا يخفف من معاناة الكنيسة الناجمة من تقلص رعيتها ولا يسد أبواب الهجرة أمامها ولكن من المؤكد سيكون له مردود معنوي قوي ونفسي وسيقع مفعوله على نفوس أبناء أمتنا ويحسون بالتكاتف القائم بين كلا الجانبين الديني والقومي في أمتنا ويعطي زخماً قوياً لأباء الكنيسة وعلى رأسهم غبطة البطريرك على الصمود أكثر فأكثر في مواجهة المعاناة والمأساة التي تحيط بالكنيسة ويلمسون لمسة اليد بأن هناك من يقف خلفهم في هذه المحنة المميتة، لا بل والأهم من هذا سيكون مثل هذا الموقف العلماني والقومي والسياسي المتحسس والمساند لغبطة البطريرك عامل قوة له في أية خطوة يخطوها قداسته لتخليص الكنيسة من نكبتها أو التخفيف من معاناتها.
ولكن ما السبيل لتخليص الكنيسة من نكبتها أو التخفيف من أسبابها؟؟ للوهلة الأولى تبدو المسألة متعلقة بهجرة أعداد كبيرة لأبناء الكنيسة والأمة لأرض الوطن وتشتتهم في بلدان مختلفة من العالم وهو المرض الخطير الذي أشار غبطة البطريرك إليه والمسبب في وصف الكنيسة بالمنكوبة. لا شك بأن غبطته قد وضع الأصبع على الجرح، ولكن المشكلة تكمن في أن لا أحد من عالمنا الديني والقومي يستطيع أن يقف أمام سيل هذه الهجرة فهي كعاصفة هوجاء أو بركان هائج لا يقوى أحد لا من أباء الكنيسة ولا من قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية على الحد منها أو هم قادرون على إيجاد حلول لها طالما لا يملكون القدرات اللازمة لحل المسألة أو التخفيف منها، فهي خارج إرادتهم وفوق أمكانياتهم الشحيحة في مجال التأثير على أبناء الكنيسة والأمة وإقناعهم بالصمود والبقاء في أرض الوطن لأن الأرهاب والمأساة والفواجع المحيطة بهم والتي تدفعهم لترك الوطن أقوى بكثير من إمكانياتهم ومن النصح والإرشادات الموجهة إليهم سواء في عدم الهجرة أو العودة إلى الوطن... هذا موضوع طويل وحساس وسنتناوله في وقت لاحق.
صحيح جداً بأن المأساة والفواجع لا تخص أبناء كنيسة معينة بحد ذاتها بل تخص وتفرض قوتها على جميع المسيحيين لترك الوطن، ولكن بالمقابل صحيح جداً بأن نعرف أيضا طبيعة كل كنيسة من كنائسنا في الوطن وحدودها وإختصاص بطريركها في تمثيل أبناء كنيسته وإدارتهم ورعايتهم. فعندما يقرع غبطة البطريرك أجراس الخطر المهددة لكنيسته وتصل إلى حدود وصفها بالمنكوبة فأنه يفعل ذلك لكونه الرأس المدبر الأعلى للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في بلاد ما بين النهرين. وصحيح جداً بأن الإيمان المسيحي العميق والصلد لغبطته يجعله أن يكون أمر ومصير جميع المسيحيين في العراق بكل كنائسهم وطوائفهم في صميم قلبه وضميره لكن هذا أمر يختلف عن أمر إدارة شؤون كنيسته التي لها حدودها الإدارية غير المتجاوزة لحدود إدارة الكنائس الأخرى. من هذا المنطلق قرع غبطته أجراس الخطر والزوال لكنيسته في موطنها الأصلي ولم يتطرق إلى الكنائس الأخرى.
ولكن لماذا هذه الخطورة والخشية من زوال وجود الكنيسة الكلدانية من موطنها التاريخي وهي كنيسة كاثوليكية وفي شركة وإيمان مع الفاتيكان ومع كل الكنائس الكاثوليكية في العالم. فالإيمان المسيحي الكاثوليكي ليس له حدود أو وطن فبإمكان أبناء الكنيسة الكلدانية أن يجدوا إيمانهم الكاثوليكي في أميركا وأروبا وأستراليا وحتى في الصين وجنوب أفريقيا. إذن الخشية والخطورة في زوال الكنيسة الذي أعلنه غبطته لا يتعلق بالإيمان الكاثوليكي لكنيسته لأن الإيمان المسيحي سرمدي وموجود في كل مكان من هذه الدنيا وخالد كخلود ربنا يسوع المسيح له المجد لا زوال له. ولكن الأمر يتعلق بـ "الكنيسة" بما تعينه وتحتويه هذه الكلمة من مضامين مؤسساتية وحضارية وتقاليد قومية ولغوية وتاريخية وتراثية وإجتماعية وحتى نفسية وفكرية تجعلها كنيسة مختلفة بكل هذه المضامين عن بقية الكنائس الكاثوليكية في العالم رغم شركتها معهم في الإيمان الكاثوليكي. ولما كانت كلمة "كنيسة" تعني الجماعة (من كنشيا بالسريانية) فإن هذه الجماعة هي التي تكون حاملة لمضامين الكنيسة المذكورة ومتصفة بها وتعطيها صفتها أو تسميتها المعروفة – الكنيسة الكلدانية والتي تجعلها مختلفة عن بقية الكنائس "الجماعات" الكاثوليكية الأخرى. فخطورة زوال الكنيسة هو بسبب تناقص أفراد هذه الجماعة وهجرتهم إلى خارج موطنهم الأصلي، أي بعبارة أخرى تناقص كل المضامين التي تحملها الكنيسة (الجماعة) في موطنها الأصلي وليس هناك أي ضمان أو تأكيد بأن مثل هذه المضامين ستصمد وتتواصل في مجتمعات المهجر للعقود القليلة القادمة.
هذه الخطورة ونكبة الكنيسة الكلدانية واضحة في صرخة أبينا السامي مار لويس رفائيل الأول ساكو لكن النكبة الكبرى لا تتمثل فقط في هجرة أبناء الكنيسة موطنهم الأصلي بل ما تفرزه هذه الهجرة من نتائج خطيرة على وجود الكنيسة في بلاد مابين النهرين وهي فقدان سلطة البطريرك وولايته في إدارة أتباعه في بلدان المهجر وهم الأكثرية في هذه الأيام وعدم قدرته على بسط ولايته عليهم لتشملهم وهم خارج بلاد مابين النهرين بل أنتقلت هذه السلطة والولاية إلى الفاتيكان وعبر الأبرشيات التي تأسست في هذه البلدان بحيث لم يعد للبطريرك الكلداني سلطة حتى في نقل ساعور كنيسة من أبرشية إلى أبرشية أخرى في بلدان المهجر فمثل هذه السلطة محصورة بالفاتيكان فحسب والتي تشمل صعوداً نحو الدرجات الكهنوتية العليا بما فيها المطارنة ورؤساء أساقفة. فبسبب الزخم الهائل والرغبة الجامعة في الهجرة وترك الوطن أهتز وأختل الوضع الديموغرافي بحث أصبح أتباع الكنيسة في بلدان المهجر أكثر منهم في الوطن وبمرور الزمن يظهر بأن هذا الخلل سيتمر أكثر فأكثر بحيث تنقلب وتتحول الهوامش في بلدان المهجر إلى مراكز رئيسية ويتقلص المركز في الوطن ليصبح هامش لا حول له ولا قوة خاصة في الظروف المأساوية الحالية لاسيما وهناك عوامل سياسية إقتصادية وأمنية من أستقرار ورفاهية تساهم مساهمة فعالة في هذا الخلل وفي ظاهرة الإنتقال بين المركز والهوامش.
معظم رجال الكنيسة الكلدانية الأجلاء يدركون هذه الحقيقة – سلطة وولاية البطريرك الكلداني - ونحن كعلمانين لا نعرف إلا القليل عنها والمتمثلة في "نكبة ملبار" الهندية. فبعد الإضطهادات الوحشية والمذابح التي أرتكبها قساوسة ومبشرون برتغاليون من أتباع الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية بحق أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في مقاطعة ملبار – جنوب الهند في القرون الثلاث الماضية وتدمير كنائسهم ومآثرهم ومصادر تقليدهم الشرقي جاء المجمع الفاتيكاني الأول الذي عقد بين عامي 1869و 1970 في عهد البابا بيوس التاسع ليقرر قراره الظالم بحق الكنيسة الكلدانية ويجرد البطريرك من سلطته وولايته على أتباع كنيسته في الهند. وكان المثلث الرحمات مار يوسف أودو البطريرك الكلداني حينذاك ( 1847 – 1878) قد حضر المجمع مع ما يقارب 800 أسقف ورجل دين من أنحاء العالم. ففي هذا المجمع ناضل مار يوسف نضالاً مستميتاً مدافعاً عن الحق الشرعي لكنيسته على أتباعها في الهند وسجل مآثر بطولية تاريخية في إستماته من أجل كنيسته غير أن بسبب سيطرة كاردينالات معينون من قبل البابا على مجريات أمور المجمع والمعروفين بصرامتهم وعنجهيتهم وظلمهم للكنائس الشرقية وجهلهم بتاريخها تعرض مار يوسف إلى التوبيخ والتحقير والإهانة بسبب إصراره على حق البطريرك على رعيته في ملبار وبالتالي لم يقوى على الإستمرار في نهجه الدفاعي غير أن يستسلم لهم فيضطر لقبول قرار المجمع في تجريده من سلطته وولايته على أتباع الكنيسة الكلدانية في ملبار وإخضاعها للفاتيكان، فكان هذا الإستسلام أمراً سهل تثبيته على كرسي البطريرك عند عودته إلى موطنه في مواجهته للبطريرك الكلداني الآخر المنافس له ومن ثم إعتراف السلطان العثماني به كبطريرك على الكلدان بفعل التأثير والضغط الفرنسي فكان أول من لقب بـ "بطريرك الكلدان في بابل".
بغنى عن ظلم وقسوة قرار المجمع الفاتيكاني الأول بحق الكنيسة الكلدانية والإهانة التي تعرض لها مار يوسف أودو، فلو نظرنا إليه بمنظار ذلك العصر لربما قد نجد لهذا القرار نوع من المنطق والواقع. فجغرافياً الهند بلد بعيد عن مقر رئاسة الكنيسة الكلدانية وقلة المواصلات والإتصالات في ذلك الزمان لضمان إدارة أتباع الكنيسة من بلد بعيد لم يكن بالأمر السهل في الوقت الذي كانت قوى الإستعمار وممثليه المبشرين اللاتين يجبون البحار والأمصار ويحتلوا البلدان الأخرى وتستغل كنائسها من أجل مصلحتها الخاصة ضاربة عرض الحائط كل القيم المسيحية والكنسية. إضافة إلى هذا كانت الكنيسة الكلدانية في ملبار الأبرشية الوحيدة لها خارج بلاد ما بين النهرين في ذلك الزمان. حضاريا، الهند وبحضارتها العريقة تختلف عن حضارة بلاد النهرين من جميع الجوانب ولا يخفى تأثير كلا الحضارتين على أتباع كنيسة كل بلد سواء من حيث اللغة والطقس والتقليد والممارسات الكنسية الأخرى. ولكن... ولكن... إذا كان الأمر هكذا قبل قرن ونصف القرن وأنحصر قرار المجمع الفاتيكاني الأول في تجريد البطريرك الكلداني من ولايته على أتباعه في الهند لهان الأمر ولكن تداعيات هذا القرار أنسحبت على البلدان الأخرى خارج بلاد مابين النهرين بحيث أخذت عقدة ملبار تعقد الأمور أكثر فأكثر لتجرد البطريرك من أية صلاحية وولاية على أتباعه خارج بلاد ما بين النهرين بما فيها أتباعه في الأبرشيات التي تأسست في هذا الزمان في أميركا الشمالية وأستراليا وأوربا فأنحصرت ولايته فقط ضمن موطنها الأصلي بلاد ما بين النهرين. فإذا كنًا قد أعطنا مجازاً صفة المنطق والواقعية لقرار المجمع الفاتيكاني الأول لأسباب جغرافية وحضارية فأنه بالمقابل ليس لتداعيات هذا القرار وإنسحابها على البلدان الأخرى في المهجر أي منطق أو واقعية لأن بالأساس والفعل أتباع هذه الكنيسة في المهجر ليسوا هنود أو قبارصة أو فرس بل هم كلدان من أبناء الحضارة البابلية الآشورية بكل ما تحمله هذه الكلمة من مضامين تاريخية وحضارية وثقافية ولغوية كما أن الجغرافيا لم يعد لها تأثير على مجتمعات هذا الزمان كما كان في الماضي خاصة بعد أن أصبح هذا العالم قرية صغيرة بفعل التطور المذهل لوسائل المواصلات والإتصالات وتوفرها وسهولة إقتناؤها. فليس من المنطق أن يكون الأب والأم في بلاد النهرين من ضمن ولاية البطريرك الكلداني ويكون الأبن والبنت في الولايات المتحدة أو أستراليا من ضمن ولاية الفاتيكان فهذا التناقض في وجود الكنيسة الكلدانية هو العامل الذي يزيد من نكبتها ويهدد زوالها ككنيسة بمفهوم الجماعة من موطنها الأصلي. هذا الأمر يذكرني بحديثي مع أحد مطارنة كنيستنا الأجلاء بخصوص الهجرة فقلت له لو سهل أمر الفيزا ومنحت لأبناء أمتنا لهاجر أكثر من 85% منهم فرد نيافته على الفور وقال أنت مخطئ فإن 100% سيهاجرون لأن أنا أيضا سأهاجر طالما لا يبقى لكنيستي أتباع في الوطن أو يكونوا قلة قليلة لا حاجة لهم لمطران!!
إذا كانت مقرارت المجمع الفاتيكاني الأول ظالمة ومجحفة بحق بعض الكنائس ومنها الكنائس الشرقية وتحديداً الكلدانية فأن مقرارات المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) الذي أنعقد في عهد البابا يوحنا الثالث والعشرون كانت عظيمة ومنصفة وأتسمت بالإنفتاح والتسامح ومعالجة الأخطاء والنواقص التي صدرت من المجمع الفاتيكاني الأول فكان من أهم قراراته أعطاء للكنائس الحق في إستعمال لغتهم القومية في طقوسهم عوضاً عن اللاتينية إضافة إلى قرار تطوير علاقات إيجابية للكنيسة الكاثوليكية مع الكنائس الأخرى والتأكيد على حقوق الإنسان وحرية الأديان والأهم من كل هذا وذاك هو التأكيد على الحقائق الأساسية للديانات الأخرى والكنائس غير الكاثوليكية وإصلاح الجوانب الروحية للكاثوليكية بما فيها السلطة والولاية الكنسية. فكان اللقاء التاريخي بين قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وقداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية من ثمار هذه العقلية المنفتحة للفاتيكان فجاء البيان المسيحاني الموقع بين الطرفين والإعتراف بكنيسة المشرق الآشورية ككنيسة رسولة أصيلة متطابقة في إيمانها مع الكنيسة الكاثولية نموذجاً رائعاً في هذا المضمار. وليست مصادفة أن يعلن الفاتيكان في شهر نيسان الماضي قداسة كلاهما، البابا يوحنا الثالث والعشرون والبابا يوحنا بولص الثاني، بل هو تثميناً للدور التاريخي الذي لعبه كلاهما في إنفتاح الكاثوليكية نحو الديانات والكنائس الأخرى.
أتذكر بعض الأحاديث والأقوال التي كان يعتمد عليها بعض الأساقفة من كنيسة المشرق الآشورية أثناء فترة الإجتماعات في القرن الماضي بين هذه الكنيسة من جهة والفاتيكان والكنيسة الكلدانية من جهة أخرى وإندفاعهم الحماسي نحو الوحدة بين هذه الكنائس فكان يقولون "أنه بعد أقل من خمسة عقود – أكثر أو أقل – ستختفي كنيسة المشرق الآشورية وتزول من الوجود وستذكر في صفحات كتب التاريخ فقط لذا فالوحدة مع الفاتيكان سيكون سند قومياً عالميا لها والسبيل الوحيد لإنقاذ الكنيسة وإستمرار وجودها"!!! أمرُ لا يزال الواقع الحالي لا يؤيد مثل هذا الإختفاء وليس له دلالات واقعية على زوال هذه الكنيسة من الوجود في المنظور البعيد. واليوم الكنيسة الكلدانية التي هي كنيسة كاثوليكية في شركة وإيمان وضمن سلطة وولاية الفاتيكان ومنذ أكثر من 500 عام كيف سيكون الفاتيكان والكاثوليكية العالمية سنداً لها وتخلصيها من نكبتها وهي مكبلة بعقدة ملبار وتجعل من البطريرك مدبراً على أقلية من أبناء كنيسته في حين الأكثرية خارج سلطته وولايته؟؟؟ ماالذي فعله عملياً وعلى أرض الواقع سينودس الأساقفة من أجل الشرق الذي أنعقد في الفاتيكان عام 2010 من أجل بحث وضع المسيحيين وكنائسهم المشرقية غير النصح والوعض التي لا تقوى أبداً أمام قسوة وظلم الظروف المأساوية المحيطة بالمسيحيين في أوطانهم ؟؟؟ صحيح هو من يقول بأن الكنيسة الكلدانية كانت منذ عقود طويلة تحت سلطة وولاية الفاتيكان ومكبلة بعقدة ملبار ولم تصل إلى درجة وصفها بالكنيسة المنكوبة لأن هجرة أبناء هذه الكنيسة لم تكن بتلك الدرجة من الخطورة في تلك الأزمان أما اليوم فأن مصدر نكبتها هو تزايد أعداد المهاجرين إلى خارج وطنهم وبقاء الأكثرية خارج سلطة وولاية البطريرك وليس الأمر متعلق بمسألة ملبار. فإذا كان الأمر هكذا وليس حل للحد من هذه الهجرة أو هناك منظور عملي لعودة المهاجرين إلى وطنهم يقول البعض بأن نقل كرسي البطريرك إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أكبر تواجد للكلدان هناك يكون حلاً معقول لضمان سلطة البطريرك وولايته على الأكثرية من أتباعه، كما هو الحال مع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية. أن مثل هذا الرأي ينقصه الكثير من الواقعية وفهم تاريخ وأساس وجود وقيام هذه الكنيسة كما وأن المقارنة غير واردة إطلاقاً ولا تصح بين الكنيستين. فالكنيسة الكلدانية منذ تأسيسها كان كرسي البطريرك في بلاد النهرين - حاليا العراق وأساس وجودها ونشاطها مرتبط بالأساس بوجود كرسي البطريرك في العراق، فلا وجود أو قيامة للمركز البطريركي خارج العراق في حين كان كرسي بطريرك المشرق ومن ثم المشرق الآشورية في تنقل مستمر من منطقة إلى أخرى بسبب المظالم والفواجع التي أنصبت على أبناءها ولم يستقر المقام بهذا الكرسي في العراق عند تأسيس الدولة العراقية وحتى يومنا هذا خاصة عندما نعرف بأن لهذه الكنيسة ورجالاتها توجهات قومية لا يمكن لها أن تتعايش في ظل أنظمة إستبدادية ظالمة التي توالت على الحكم في العراق. كما أن نقل كرسي البطريرك الكلداني خارج العراق سيجعل ذلك حاله كحال بقية المطارنة في خارج العراق خاضعين لسلطة وولاية الفاتيكان ويفقد حتى إستقلاليته المحدودة في تدبير شؤون رعيته في العراق في حين بطريرك كنيسة المشرق الاشورية مستقل في قراراته وإدارته لأبناء كنيسته أينما كانوا وله ولاية وسلطة كاملة عليهم سواء أكانوا في العراق أم خارجه.
وأخيرا وتجنباً للإطالة نكرر ونقول بأنه صحيح أن مصدر نكبة الكنيسة الكلدانية أساسها هو هجرة أبناؤها أرض الوطن وبقاء أقلية فيه مقارنة مع الأكثرية في بلدان المهجر وبقاء هذه الأكثرية خارج سلطة وولاية البطريرك، ولكن نحن جميعاً كنائس وأحزاب وتنظيمات عاجزين ليس لحل هذه المشكلة العويصة بل ولحد هذا اليوم لم نسمع بأن أحد من هؤلاء قد وضع خطة مدروسة عملية للحد منها غير الوعض والنصائح. فإذا كنًا عاجزين عن إيجاد الدواء لهذا الداء المميت فعلى الأقل علينا وخاصة على الكنيسة الكلدانية المعنية بهذه النكبة أن تجد ما يساعد على إيجاد الدواء حتى ولو كان الأمر يتطلب وقتاً طويلاً وجهود مضنية. أن التخلص من عقدة ملبار وبسط البطريرك الكلداني سلطته وولايته على الكلدان في المهجر سيكون سنداً قوياً له وللكنيسة في توحيد الولايتين في ولاية واحدة وبالحتم والنتيجة سيخلق ذلك وحدة كنسية كلدانية واحدة ومن جميع الجوانب الطقسية والإدارية ورابطاً وجسراً متيناً بين الوطن والمهجر حينذاك يمكن التحدث عن الهجرة أو عودة المهاجرين عبر هذا الجسر إلى الوطن والبحث عن الحلول المنطقية لها لا بل سيكون هذا التحرر من "عبودية" ملبار عاملاً مهماً يفتح الأبواب واسعة أمام الحديث عن الوحدة بين الكنيستين الكلدانية والآشورية الذي كان دائماً عائقاً مانعاً للقيام مثل هذه الوحدة، وهو الأمر الذي سنتطرق إليه في مناسبة قادمة.
من هنا أعيد وأكرر بأنه إذا خطى غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو هذه الخطوة في التحرر من عقدة ملبار وأستلهم روح الكفاح والإصرار من مار يوسف أودو في الدفاع عن حقوق كنيسته يستوجب على الجميع أكليريين وعلمانيين أن يقفوا خلفه في هذه المهمة النبيلة، ومن هنا أيضا يأتي دور "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والإقليمي وفي الحكومتين وجميع قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية في الوقوف مع غبطته لفتح أفاق جديدة في كنائسنا نحو الوحدة الحقيقية ولنا آمل كبير وثقة عالية في أبينا السامي مار لويس روفائيل الأول ساكو ليكمل الخطوات الأول التي بدأها المثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد مع قداسة أبينا السامي مار دنخا الرابع نحو وحدة الكنيستين لتكون هي أيضا ضامنة لتخليص الكل، الكنيسة والأمة، من النكبات التي تتعرضا لها في موطنهم الأصلي بيت نهرين.