المحرر موضوع: الأولويات السياسية العربية  (زيارة 1353 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأولويات السياسية العربية
عماد هرمز
 
تداعيات داعش، الدولة الإسلامية في العراق والشام، اثارت في نفوس الكثير من القوى السياسية العراقية والعربية تكهنات وتفسيرات وتحليلات كبيرة وخيالية وكثيرة في محاولة منها إلى الوصول إلى قعر هذه المشكلة التي ابتلى العراق أكثر من غيره بها. وبسبب شموليه هذه الحركة أو المنظمة، داعش، وتأثيرها غير المباشر على بعض الدول القريبة، اخذت بعض المنظمات التي لها وزنها وقوتها وتاريخها ووجودها المتميز في المنطقة في أخذ كل الاحتياطات اللازمة لمواجهة هذه الحركة وأصبحت تحسب لداعش ألف حساب وتحاول بقدر الإمكان أما التقليل من شأنها وقوتها وتأثيرها على المنطقة أو إلباسها أثواب تهدف إلى تشويه صورتها ومن هذه الأثواب أو الألقاب المنتشرة والمتداولة بكثرة في الدول العربية، بعد وصفها بالإرهاب، هو ثوب ولقب العمالة للغرب. فكما هو المعتاد على سماعه من قبل العرب في حكمها على المنظمات القوية، تم وصف داعش على أنها منظمة من صناعة أمريكية / يهودية تهدف إلى خلق التوتر في المنطقة وإيقاع الأطراف في جدالات وخصومات طويلة الأمد وإذا أمكن الإيقاع فيما بينهم لدرجة إيصالهم إلى حروب أهلية.
ومن المنظمات التي بدأت تستعد لملاقاة داعش في أراضيها هي منظمة حزب الله اللبنانية. ففي خبر نشر في جريدة الأهرام تحت عنوان "حزب الله يستعد لمواجهة داعش فى لبنان" جاء في الخبر "وضع حزب الله قواته وجهازه الاستخباري في حالة تأهب قصوى حيث يقيم الحواجز الأمنية المسلحة على مداخل الضاحية الجنوبية ـ معقل الشيعة والحزب فى بيروت ـ تحسبا من قيام عناصر نائمة في لبنان تتبع تنظيم داعش الإرهابي بشن هجمات إرهابية جديدة بعد موجة السيارات المفخخة التي حدثت بالضاحية خلال الشهور الأخيرة".
ويفسر سماحة السيد حسن نصرالله قائد حزب الله اللبناني وجود الصراعات الخارجية أو الداخلية الدائرة في المنطقة العربية على أنها صراعات مفتعلة من قبل الأمريكان والإسرائيليين تهدف إلى تغيير أولويات الدول العربية الرئيسية وأهمها بالطبع قضيتهم الرئيسية، قضية فلسطين، في محاربة إسرائيل لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي يظن السيد حسن نصرالله بأنها يجب أن تكون في مقدمة أجندات حكومات الدول العربية وبالتالي يمكن تصنيف داعش على أنها، كما قد يتصور سماحته، بأنها من القضايا المفتعلة التي لها صلة بتغيير مسار الأولويات في الدول العربية.
ففي خطبته بمناسبة يوم القدس العالمي في عام 2013 تطرق سماحته إلى موضوع الأولويات للعرب وكيف أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حاولت جاهدة على مدى العقود الماضية في حرف مسار أولويات العرب عن مسارها الرئيسي المهم، عن قضيتهم الرئيسية، وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي وتحرير فلسطين بطرد إسرائيل من الأراضي المحتلة.

يقول سماحته بأن اول محاولة لحرف مسار الأولويات العربي شغالها عن قضيتهم الرئيسية كانت استغلال الشيوعية التي انتشرت وقتها بشكل كبير في العالم. فوقتها تمكن الغرب حرف مسار أولوية العرب عن قضيتهم وتوجيه أنظارهم إلى جبروت الاتحاد السوفيتي فأستطاع الغرب وضع العرب في موقف توخي الحذر وفي حالة تأهب قصوى لحماية حدودهم من المد الشيوعي. فبالفعل تحول وقتها انتباه العرب وتفكيرهم نحو الشيوعية وتأثيراتها على بلدانهم وخصوصا بعد احتلال الاتحاد السوفيتي وقتها لأفغانستان وبالتالي التقرب من حدودهم. وزاد تأهب العرب إلى اقصى حدوده بعد ما شهده العالم العربي من انقسام في بعض دوله واهمها ما حصل في اليمن من انقسام إلى شطرين، شمالي وجنوبي، نظام اشتراكي يساري شيوعي ونظام يميني ليبرالي رأسمالي. فأصبح اليمن مقسم ولعدة عقود إلى يمن شمالي ليبرالي رأسمالي مدعوم من الغرب والسعودية بقيادة علي عبدالله صالح واليمن الجنوبي الاشتراكي المساند من قبل الاتحاد السوفيتي بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني، قبل أن تتحد اليمنين في دولة يمنية واحدة ذات نظام فيدرالي. يا ترى هل فعلا ما حصل في اليمن وقتها من انقسام، رأسمالي اشتراكي، كان مصطنعا من قبل الغرب لتوجيه الانتباه العربي نحو المد الشيوعي؟ أما كان حقيقة وواقع يعكس توجه الشارع اليمني الجنوبي نحو الاشتراكية وكيف أن الكثير من المواطنين العرب وخصوصا في اليمن والعراق وسوريا ومصر تأثروا بالفكر الشيوعي وشكلوا أحزابا شيوعية قوية في بلدانهم لها صوتها وزخمها ولكن الغرب وبفضل القوى الدينية المتطرفة والدكتاتوريات الطاغية، التي طرحتها الشعوب العربية مؤخرا إلى سلة نفايات التاريخ، استطاعت أن تقضي على تلك الخلايا والأحزاب الاشتراكية الشيوعية وتقضي على أمال الشعب في الوصول ببلدانهم  إلى بلدان تتمتع بالديمقراطية الحقيقية وتمثيل شعبي حقيقي لطموحاتها لطموحاتهم وتوجهاتهم الفكرية. اليس ما حصل في اليمن والعراق (أبان السبعينات من القرن الماضي ولمدة وجيزة اصبح الحزب الشيوعي العراقي شريكا  في الحكم مع حزب البعث الحاكم آنذاك، لكن بعد مدة وجيزة من الاتفاق على قيام جبهة وطنية، قام حزب البعث بخيانة الحزب الشيوعي العراقي وبعمله هذا إلى ذبح الحزب الشيوعي العراقي واعتقال واعدام العديد من قادته وهروب الكثير منهم إلى شمال العراق وما يعرف اليوم بنكسة الشيوعيين في العراق، وبعدها رفع الشيوعيون السلاح ضد الحكومة البعثية واعلنوا الكفاح المسلح مع القوى الوطنية الكردية ضد نظام البعث آنذاك). الم يحصل العكس هنا يا سماحة نصرالله، إلا وهو استغلال الاتحاد السوفيتي والخوف من المد الشيوعي للقضاء على القوى السياسية الوطنية المتمثلة في الأحزاب الاشتراكية وغيرها من الأحزاب الوطنية واحتفاظ الدكتاتوريات بالسلطة بمعاونة الغرب الذي سلحها بكل ما استطاعوا من قوة سلاح، تدريب على أساليب التحقيق والتعذيب، معلومات استخباراتية، لوجستية) ووقفوا ضد كل المحاولات التي قامت  بها الشعوب العراقية لإسقاطها لحين تغيير مخطط الغرب لمخطط اخر اكبر وأوسع وأشمل والسماح بحدوث الثورات العربية أو بما يعرف الأن بالربيع العربي الذي بدأ في العراق.

بعدها يقول سماحته بأن بعد زوال النظام الشيوعي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي نجح الغرب في توجيه انتباه العرب واشغالهم عن قضيتهم الرئيسية نحو إيران، التي تغير النظام فيها من شاهنشاهي إلى نظام سياسي ديني بعد نجاح الخميني من قيادة الثورة الإيرانية الشيعية الدينية الشعبية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي وقلب النظام.  يقول سماحته، لتحوير أولوية العرب من قضيتهم الرئيسية في تحرير القدس وفلسطين إلى قضية أخرى ثانوية هامشية جاء الغرب هذه المرة بمصطلح المد المجوسي أو الإيراني وهكذا توجه انتباه العرب نحو البوابة الشرقية للوطن العربي، العراق، الذي زجه الدكتاتور صدام في حرب لا معنى لها. ويقول سماحته بأن هذه المصطلحات لا وجود لها وكانت تهدف إلى إبعاد العرب عن قضيتهم الأساسية وكما يقول سماحته لو أن السلاح ومليارات الدولارات التي انفقت في الصراعات مع غير إسرائيل وجهت ضد إسرائيل لكانت القدس تحررت الأن. ولكن نسى سماحته بأن بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي في العراق وسيطرة الشيعة على الحكم في العراق تغلغلت إيران وبشكل مكثف في العراق بمباركة القوى السياسية الشيعية في العراق. اليس هذا يا سماحة نصر الله مد ايراني في جنوب العراق. الم يصل يا سماحة نصر الله هذا المد إلى سورية وهو يقاتل الأن مع القوات الحكومية السورية العلوية ضد القوى السنية الأخرى في سورية. ألم يصل تأثير المد الإيراني إلى ربوع لبنان عن طريق حزب الله الذي ينسق عملياته في سوريا مع إيران...؟!. هل المد الإيراني هذا من نسج الخيال الغربي الأمريكي الإسرائيلي يا سماحة نصر الله. اليس هذا المد ملموس في تواجده بشكل علني ومكثف في جنوب العراق وحمله للسلاح مع الحكومة السورية في سوريا وهو الذي يقدم لحزبك الدعم المعنوي والمادي واللوجستي اللازم في جنوب لبنان. اليس المد الإيراني أكثر واقعية وموضوعية وحقيقي من التأثير الإسرائيلي المحسور في فلسطين. اليس التهديد الإيراني خطرا على الدول العربية السنية المجاورة لإيران مثل السعودية وقطر والأمارات. الست انت يا سماحة نصر الله تضع اولوياتك الطائفية أمام الأولوية القومية العربية في موقفك هذا.

وأتساءل أنا شخصيا لماذا يضع سماحة نصر الله الأولوية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي في مقدمة أولوياته وهو في تصرفاته يسمح للإيراني في التصرف بحرية في العراق وسوريا ولبنان لسبب واحد فقط وهو للأسف طائفي بحت وهو لأن إيران هي ولاية الفقيه وشيعية. الست يا سماحة نصر الله تستغل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي لتغيير أولويات العرب من التصدي للمد الإيراني المتغلغل في العراق وسوريا ولبنان من التغلغل في الدول العربية الأخرى. اليس هذا احتلال أيضاً؟! هل برأي سماحتك أنه من الأفضل أن نستبدل الاحتلال الإسرائيلي لدولة واحدة صغيرة مثل فلسطين باحتلال ايراني لمنطقة الخليج والوطن العربي. هل تفضل الايرانيين على الإسرائيليين ولماذا؟ اليس الاحتلال هو احتلال وهو دائما مضر للبلد المحتل لأنه يهدف إلى سرقة موارد ذلك الشعب واستغلاله لتحقيق مطامحه ومخططاته الاستراتيجية في تلك المنطقة.
قد يقول سماحته ويفسر دعمه لإيران وتواجده في المنطقة على أن إيران ستحرر فلسطين من اليهود والإسرائيليين وهي عازمة على القيام بذلك مهما كلف الأمر وبأن حزب الله سيكون رأس الرمح الذي سيُغرز في قلب اسرائيل. ومعنى هذا بأن طريق تحرير فلسطين يبدأ من طهران وقم. أين العرب في هذه اللعبة يا سماحتك. يا ترى هل ستسحب إيران قواتها بعد تحرير القدس من الأراضي العربية التي تمركزت فيها؟

بصراحة يا سماحة نصرالله يجب أن ندرك بشكل جيد وهذه حقيقة موضوعية وواقعية بأن لكل حزب سياسي أو كيان سياسي أو حركة سياسية أو قومية أو يسارية أو ديمقراطية أو ليبرالية أولوياتها وهي التي تسيرهم وعلى أساسها تضع تلك الكيانات السياسية برامجها وأهدافها واستراتيجياتها. وإذا تتصور سماحتك بأن السماح لإيران في التوغل في الوطن العربي وخصوصا منطقة الخليج لتحرير القدس فكن على يقين سماحتك بأن تلك الأولوية هي الأخيرة في قائمة الأولويات بالنسبة للسعودية وقطر والإمارات. وتلك الدول هي دول عربية شقيقة للبنان ويجب أن تكون مصلحتها فوق كل الاعتبارات. وكما تعرف جيدا ً سماحتك بأن طرد إسرائيل ليس بالواجب السهل وخصوصا وهي مدعومة من الأمريكان والغرب فكفى استغلالا للقضية الفلسطينية كشماعة تعلق عليها تواطئ حزب الله مع إيران على حساب الأشقاء العرب وكشماعة لبقائكم كمليشيات مسلحة في لبنان رغم وجود الجيش اللبناني النظامي وقرار تفكيك المليشيات في لبنان وبضمنها حزب الله. ويجب سماحتكم أن تغيروا أولوياتكم لتكون العمل مع القوى الوطنية اللبنانية من اجل ديمومة النظام الديمقراطي الهش في لبنان والعمل بالتنسيق مع حكومته بدلاً من التصرف وكأنكم جيش داخل جيش وحكومة مستقلة داخل حكومة لبنان.

وأخيرا اعتقد بأن موضوع تحرير فلسطين، بعد محاولات دائمة على مدى العقود الماضية التي كلها باءت بالفشل بسبب دعم الغرب لإسرائيل، يجب أن تكون في قعر قائمة الأولويات لأن الصراع العربي الإسرائيلي من الصراعات المستعصية والمزمنة وشبه مستحيل حلها وخصوصا بقوة السلاح الذي أصبح واضحا تفوق الأمريكان في هذا المجال وإدراك حقيقة دامغة وراسخة وهي أن إسرائيل هي ابنة أمريكا وتحت حمايتها. وعليه برأيي يجب وضع أولويات أخرى قبلها. فمثلا على الحكومات العربية أن يكون لها أولويات أخرى مهمة مثل توفير نظام ديمقراطي عادل في بلدانهم، توفير الأمان والاستقرار في بلدانها، توفير حياة كريمة لكافة أطياف وفئات شعبها بغض النظر عن انتمائهم الطائفي أو الديني أو القومي والمساهمة في نشر السلام في المنطقة.