احتلال الموصل عام 1918
جرترود بيل ترجمة: صلاح سليم عليمقدمة المترجم:
تكرر عبر التاريخ غزو الموصل بدءا بغزو نينوى في اواخر القرن السابع ق.م. وانتهاءا بالإحتلال الأميركي عام 2003..وبين هذا وذاك لم تسلم الموصل من الغزوات التي تعرض لها العراق ولعل اكثرها عنفا وتخريبا الغزو المغولي الذي اسقط بغداد فغزوة تيمورلنك والغزو الفارسي على عهد نادر شاه..وفي كل مرة تتعرض الموصل لغزو بربري يهلك الحرث والنسل وينشر الذعر والخوف والفوضى ويخرب التجارة والعمارة، تعود الموصل الى نضارتها وحيويتها فتزرع الارض وتبعث الحياة وتعيد عمارة الارض وازدهارها، بينما لايتبق من الغزو الاجنبي سوى صفحات سوداء في كتب التاريخ وبصمات باهتة دامية في الذاكرة..
وفي كل مرة تتعرض فيها الموصل للغزو نتعرف على ظواهر تتكرر هي الأخرى اولاهما ان الغزاة لايفرقون بين سكان الموصل بل يستهدفون المسيحي والمسلم والعربي والكردي والطفل والمسن والمرأة والرجل والجامع والكنيسة فلايميزون بين الناس في وقع حد سيوفهم وقسوة سنابك خيلهم وعشوائية نار رصاصهم بل يستهدفون سكان الموصل كلهم، والظاهرة الثانية تتمثل بتآزر اهل الموصل وتعاونهم بالتصدي للغزاة، أما الظاهرة الثالثة فتتمثل بالقسوة المفرطة من جانب القوى الغازية التي تستهدف حرق كل شيء وتهديم كل عمارة وإنهاء كل حياة..
وتتشابه اهداف الغزو على اختلاف العصور والغزاة .. فاهداف الغزو هي عينها اهداف الاستعمار وتتلخص بالمصالح الاقتصادية والستراتيجية..فضلا عن الميول التوسعية والامبريالية ... باستناء الغزو الميدي البابلي الذي تدخل فيه الدوافع الوجودية .. اي الحد من الخطر الآشوري الذي قد ينبعث مع اي ملك قوي فيكتسح الشرق الأدنى بأسره....ونلاحظ في حالات غزو الموصل ايضا ان معظم الغزوات تحدث بغتة فتسقط الموصل بيسر والسبب في ذلك عدم استقلال الموصل في حالات الغزو تلك وارتباطها بدولة تمر في حالة افول او ضعف أو إئتمار دولي واقليمي كما حدث في اثناء الغزو المغولي الاول والثاني والغزو الفارسي الساساني فالصفوي فالتركي ..فالغزو البريطاني فالأميركي البريطاني..وعندما تكون المدينة يقظة ومستقلة ويكون لها جيشها وقيادتها وإرادتها، كما في حالة غزو الموصل على عهد نادر شاه لايتمكن العدو من اقتحام اسوارها اواحتلالها أوالحاق الهزيمة بها..
ويختلف الغزو الأجنبي في العصر الحديث عنه في العصور القديمة والوسطى، في كون الغزو الحديث غالبا مايكون لتحقيق اهداف ستراتيجية تتجاوز المدينة بذاتها الى المنطقة بأسرها أي تكون المنطقة المستهدفة أوسع والأهداف تتجاوز منطقة العمليات الى اقاليم ودول أخرى. وغالبا ماتكون الأهداف المتوخاة من الغزو مركبة اقتصادية وستراتيجية ووجودية في الوقت نفسه..كما في غزو العراق من قبل قوات التحالف...وفي مطالعتنا التاريخ الحديث نجد ان الغزو البريطاني للموصل يعد نموذجا للغزو ذو الأهداف المتعددة ..اذ هدفت بريطانيا من غزوها الموصل عام 1918 التوسع الى الحدود الفارسية التركية لحماية مصالحها في بلاد فارس والقفقاس من اي هجوم قد تشنه تركيا ضمن دول الحلف [المانيا والنمسا والمجر] عليها، وضمان استقرار الاوضاع في العراق الذي كان محمية بريطانية مهمة في الطريق الى الهند فضلا عن حماية آبار النفط في ايران والعراق وتأمين خط سكك حديد باطوم - باكو..ولكي ترضي كل من تركيا وفرنسا في ضمها، بمساعدة عصبة الامم، الموصل الى العراق، وعدت الجانبين بربع انتاج حقول عين زالة من النفط بمقدار 25% لكل منهما..وبخاصة أزاء التزام بريطانيا بإتفاقية سايكس - بيكو التي قضت بجعل الموصل تحت الإدارة الفرنسية..وتلك فقرة لم تأت في مصلحة بريطانيا لأكتشاف النفط في نينوى بعد التوقيع على تلك الإتفاقية بمشاركة روسيا..مما جعل بريطانيا تمضي قدما في سبيل احتلال الموصل..وكانت سياسة وزير خارجية بريطانيا آنذاك اللورد كورزون تهدف الى السيطرة على منابع النفط من عبادان الى باكو مرورا بالعراق لتأمين المصالح البريطانية في بلاد فارس وبلاد الرافدين ووسط آسيا والقفقاس أزاء التطلعات الروسية – البلشفية في وسط آسيا وبلاد فارس والطموحات الألمانية بالوصول الى المياه الدافئة.. ولاسيما في أثناء الحرب العالمية الأولى..وكانت بريطانيا قد عقدت اتفاقية مع روسيا عام 1907 قسمت مناطق نفوذ الطرفين في بلاد فارس وبينما كانت روسيا تتطلع الى مكتسبات على الأرض، كانت بريطانيا تريد الحفاظ على مصالحها التجارية والنفطية منذ 1910 في بلاد فارس التي سمتها لاحقا أيران وبلاد الرافدين التي سمتها العراق..وكان اكتشاف النفط جعل بريطانيا تبدل وقود سفنها الى الهند من الفحم الحجري الى النفط..مما اعطى النفط اهمية ستراتيجية وحيوية اولى بالنسبة للأنكليز وتبعا لذلك تغيرت توجهاتهم السياسية جملة وتفصيلا..فاشترت بريطانيا 51 % من حصص شركة النفط الأنكلو- فارسية فضلا عن حصول الشركة نفسها على امتيازات البحث عن النفط واستثماره في عموم بلاد فارس..
ووجه سقوط روسيا القيصرية وقيام روسيا الشيوعية ضربة الى الوفاق الثلاثي بين بريطانيا وفرنسا وروسيا في وقت كان تحالف تركيا والمانيا يهدد المصالح البريطانية في منطقة القفقاس مما دعى بريطانيا الى تشكيل قوة بقيادة دنسترفيل سميت بقوة دنستر اوكلت اليها مهمة احتلال حقول نفط باكو وتم لها ذلك مؤقتا في أيار عام 1918 غير ان القوات التركية ارغمت الأنكليز على الإنسحاب الى بلاد فارس، وبعد توقيع تركيا على اتفاقية هدنة مدروس في 30 تشرين الثاني عام 1918 سيطرت بريطانيا على حقول باكو وكرست فرقة عسكرية كاملة لحماية خط سكك وانبوب نفط باطوم – باكو خوفا من سيطرة البلاشفة على نفط باكو وهذا ماحدث بالفعل بعد سنتين عندما غزا الجيش الأحمر باكو..وكان انشغال البريطانيين في أئربيجان والقفقاس في رأي جرترود بيل سببا في تأخير غزو الموصل واحتلالها ويبدو ان قرب باكو من الجبهات الألمانية – التركية وضعها على سلم اولويات الخارجية البريطانية..هذا يؤشر الى ان المخطط البريطاني يعتمد على ستراتيجية شمولية في تحركاته مقرنا السياسة بالدبلوماسية والدبلوماسية بالحرب مع اخضاع الخطة للمتغيرات الاقليمية والمحلية كما في حال الثورة الشيوعية وعرض لينين للسلام وانسحاب الجنود الروس من جبهات القتال..وفيما ياتي ترجمة للفصل الخامس من كتاب المندوب السامي البريطاني آرنولد تالبوت ولسون (دراسة في الإدارة المدنية لبلاد الرافدين) والمعنون "احتلال الموصل" ..ونترجمه رغبة بتوضيح قرائن تاريخية محددة تميط اللثام عن ثوابت اجتماعية وحضارية واثنية مهمة تتعلق بسكان الموصل وبطبيعة تعامل المحتل مع اهالي المدينة العزل ولاسيما في ضوء ماتسقطه هذه المعلومات من ضوء على طبيعة الإحتلال الأميركي الغاشم وماحدث بعده من اختراقات محلية ماتزال الموصل تعيش في غمارها...ويبدو ان المندوب السامي كلف جرترود بيل بتأليف هذا الفصل لمعرفتها الجيدة بالموصل وبمنطقة نينوى وشمالي العراق التي زارتها عدة مرات وعرفت بحبها للعراق مما دعاها الى تاسيس مكتبة السلام [المكتبة الوطنية في بغداد] ، والمتحف العراقي والنادي المعروف بإسمها [نادي العلوية] وكانت قد زارت الموصل عام 1909 وصورت معالمها التراثية والحضارية وتشكل تلك الصوراحدى مجموعات ارشيفها المصور عن الموصل عام 1909 .وفيما يأتي ترجمة لوصفها احتلال الموصل، بتمامها:
احتلال الموصل عام 1918
(تأخر المضي بالحملة في بلاد الرافدين قدما في ربيع عام 1918 بسبب ضرورة حماية شمالي بلاد فارس من هجوم تركي [محتمل]، إلا أن هزيمة الترك في غزة في خريف عام 1917 انهى خطر قيام الترك وحلفائهم الألمان بهجوم على بلاد الرافدين، ويسر على قواتنا احتلال خانقين [ اي استئناف الحملة في بلاد الرافدين] في كانون الأول [1917] وفي مطلع أيار عام 1918 تم تحقيق المزيد من التقدم..قد كان القائد العام السير وليم مارشال الذي أعقب السير ستانلي مود بعيد موته في تشرين الثاني 1917 [توفي مود بسبب اصابته بالكوليرا اثر شربه لحليب ملوث في بغداد في 18 تشرين الثاني 1917، ودفن بمقبرة الانكليز في الوزيرية وفي مكان قريب من قبر جرترود بيل التي ماتت بعده بتسع سنوات عام 1926]..يأمل ان يصل الزاب الأسفل قبل تصاعد حرارة الجو ثم يشرع من ذلك الموقع الممتاز بالتوجه الى الموصل في موسم الخريف..وهكذا فقد تم احتلال كفري والطوز [طوزخرماتو] وكركوك بنجاح، كما استقبلت قواتنا بحفاوة من قبل الأهالي وهم باستثناء كركوك أكراد في معظمهم..وقد عمل حميد بيك طالباني في منطقة كفري بتكريس جهوده في صالحنا [ هو الشيخ حميد بن الشيخ عزيز طالباني غادروا مع قبيلتهم كركوك الى خانقين تفاديا للتصادم مع التركمان الذين يشكلون الأكثرية التالية للعرب والمسيحيين في المدينة ويبدو ان اسرة الشيخ حميد الطالباني فضلت البقاء في كفري]، وسكان كركوك في أكثرهم من الدم التركي، وليس العثماني، كونهم يعودون بجذورهم الى المستوطنين التركمان [الذين وفدوا العراق] على عصر السلاجقة. مع ذلك فإن تأسيس الوجود البريطاني لم يمر بحالة أفضل وأكثر ارتياحا في اي مكان منه وسط هذه الأقوام [غالبا ما تناصب الأقليات العداء لنظم الحكم القائمة في مواطنها وترحب بالأجنبي كمحرر لها] اما العنصر المسيحي المعتبر فقد رحبوا بنا بحماس وتعاون المسلمون معنا بإخلاص في تنظيم المدينة [لم تحدد أية مدينة بالإسم وأرجح انها تقصد كركوك]..والى الغرب في كردستان السورتي [لعلها تقصد أكراد السوران أو أكراد الجنوب تمييزا لهم عن البهدينان او اكراد الشمال في حكاري وسيرت] فقد تم عقد اجتماع ضم الشيوخ [الأغوات] والأعيان في السليمانية واتخذ قرار بتشكيل حكومة كردية مؤقتة يترأسها الأغا المحلي المعروف الشيخ محمود البرزنجي [هو محمود الحفيد ابن الشيخ سعيد نصب نفسه ملكا على كردستان وشارك في التصدي للإنكليز في جنوبي العراق وقصة منديله الذي وضعه في يده لتفادي لمس يد الضابط الإنكليزي الذي مدها لمصافحته مشهورة في الأدب الشعبي]على ان تتخذ موقفا وديا تجاه البريطانيين.
وكان الشيخ محمود قد ارسل رسائلا زعم فيها انه يمثل الأكراد الجنوبيين وعرض علينا زمام الحكومة او ان يقوم بتمثيلنا في حكومة. وسيان بالنسبة للعسكريين او للأطراف المدنية في القوة [البريطانية] فقد كانت خيبة امل مرة عندما يكون من المستحيل الإستفادة من وضع واعد كهذا.[لايوجد مصدر آخر يوثق موقف الشيخ محمود الحفيد هذا او يؤكد مصداقية ماذهبت اليه بيل وقد شارك الشيخ الحفيد في مقاومة الإنكليز فكيف يطلب ان يكون ممثلا لهم في حكومة كردية! ] وقد بات تحويل وسائط النقل المتوفرة كلها الى الطريق الفارسي [لحماية بلاد فارس من هجوم تركي الماني او تمدد روسي] لايحول دون اي تقدم [لقواتنا] بل ارغمنا على التخلي عن كركوك. وقد اعطينا السكان المسيحيين في المدينة خيار مغادرة المدينة الى ملاذ آمن في بغداد، فأختارت اعداد منهم مغادرة أراضيهم وبيوتهم في كركوك ليقوم الأتراك الذين قاموا باحتلال المدينة بنهبها بعد مغادرتنا لها ، بينما زحفت قوة عثمانية صغيرة باتجاه السليمانية حيث قمنا بتعيين الشيخ محمود ممثلا لبريطانيا هناك. فقام الأتراك بوضع المدينة [السليمانية] تحت الأحكام العرفية وأرسال الشيخ محمود الى كركوك..لكن الأتراك، على اية حال، لم يغامروا في التسبب في إثارة القبائل التي يمثل الشيخ محمود رئيسا لبضع عوائل فيها ويمارس تأثيرا كبيرا عليها فعمدوا الى اطلاق سراح الشيخ محمود فورا..وقد أدى انسحابنا [من كركوك] الى تغيير حتمي في التوازن في كردستان، ولكن الأتراك كانوا قد بلغوا دركا من الضعف لايقدرون معه الإستفادة من الفرصة التي وفرها [انسحابنا ] لهم.غير ان انتصار الحلفاء في فرنسا [معركة برودسيندا في 4 -10-1917] وانتصارالجنرال اللنبي في سورية في تشرين الأول [معركة غزة الثالثة في 31-10-1917]، اعادا التوازن لصالحنا. مع ذلك فإن قواتنا في بلاد الرافدين مازالت معرقلة بسبب النقص في وسائل المواصلات، وليس بمقدورنا التقدم بقوات كبيرة الى الموصل بطريق كركوك..إلا ان وحدة صغيرة تم ارسالها صوب التون كوبري [أي "جسر الذهب" وهي مدينة تركمانية صغيرة تقع على الزاب وتعد همزة وصل بين بغداد وكركوك والموصل وأربيل في قلب المثلث الآشوري] لحماية جناح القوات الرئيسة المتقدمة شمالا بمحاذاة دجلة.. فتم لقواتنا [البريطانية] أحتلال كركوك مجددا في 25 تشرين الأول..وبعد مواجهة عنيفة ارغمت الأتراك على مغادرة مواقعهم المستحكمة في وادي دجلة اسفل قلعة الشرقاط وقد تم اعتراض قواتهم من الشمال فاستسلمت القوة بأكملها في 30 تشرين الأول.وفي تلك الأثناء تمكنت القوة الشرقية [المرسلة الى التون كوبري]من ارغام العدو [التركي] على عبور الزاب الأسفل في الوقت الذي أضحت فيه قوة دجلة [القافلة الرئيسة] على بعد بضعة اميال من الموصل.
وكان القائد العام التركي علي احسان باشا [قائد الجيش التركي السادس] الذي بقي في المدينة [الموصل] مع عدد قليل من القوات قد أمر بإخلاء المخازن والسجلات كلها، ولكن في الأول من تشرين الثاني تم الرجوع عن هذه الأوامر فاعيدت السجلات ورجع الموظفون الى دوائرهم من نصيبين وزاخو ومن حيثما كانوا قد ارسلوا. وبعد عدة ايام من التفاوض حول ما اذا ترتب على علي احسان باشا الإستسلام وفق بنود الهدنة. وكانت اوامر قد وصلت من القسطنطينية [اسطنبول] حول إخلائه. فاحتلت الموصل من قبل قواتنا ورفع العلم البريطاني فوق بناية السراي في 8 تشرين الثاني. [ للإطلاع على مزيد من المعلومات ينظر "التشكيلات العسكرية في الموصل منذ أواخر العهد العثماني الى 1958" بقلم الدكتور ابراهيم خليل العلاف] ..وفي العاشر من تشرين الثاني، غادر علي احسان الى نصيبين وتولى مهام ادارة الموصل اللفتنانت كولونيل [ [جيرارد] لجمن بصفته اول ضابط [حاكم] سياسي لولاية الموصل..غير ان المستقبل السياسي للولاية [الموصل] لم يتضح [يتحدد] بعد فوفق اتفاقية سايكس – بيكو لعام 1916، التي يعددها الفرنسيون ملزمة بغض النظر عن التحول الجوهري للأوضاع التي تم عقدها خلالها بسبب الثورة الروسية، تقع ولاية الموصل بأكملها ضمن مجال النفوذ الفرنسي..وعلى هذا الأساس صدرت من حكومة جلالة الملك تعليمات بضرورة عدم شمول الموصل بنظام الحكومة المركزية المعمول به في ولاية بغداد..ويتوجب وضع [الكلمة التي استخدمتها بيل هي "ربط" ] الموصل تحت إدارة عسكرية [يؤكد الأنكليز في تقاريرهم على ان للموصل هوية عسكرية ولأهلها ميل قوي للأستقلال والقيادة مما جعلهم عصيون على الأنقياد أقوياء الشكيمة ليس من السهل بأي حال إرضائهم، كما في تقرير كرسته بيل لوصف الموصل حصريا، وهي تشاطر في رأيها في الموصل واهل الموصل موقف مارك سايكس الذي كان وراء تخلي بريطانيا عن الموصل لفرنسا ولعله وراء اقتراح وضعها تحت ادارة عسكرية صارمة كونه المسؤول الأول في حلقات صنع القرار الخاص بالشرق الأوسط في ذلك الوقت]..ولكن وبغضون اشهر ساد التفاهم ضمنا ان الإتفاقية [اتفاقية سايكس – بيكو] يجب ان تعدل بما يتعلق منها بولاية الموصل، على ذلك تم دمج الإدارة المدنية فيها بإدارة القسم الجنوبي من الأراضي [العراقية] المحتلة..
من الناحية الفيزياوية [شكل الأرض وتضاريسها]، تطرح ولاية الموصل متناقضات معينة لولاية بغداد. فهي تقع شمالي جبل مكحول الذي يعد امتدادا لجبل حمرين والطريق اليها يمر عبر مسافات طويلة من الأراضي الحجرية وهو تغير محبب بعد الطمي الرسوبي الممثل لجنوبي بلاد الرافدين. ومن الجهة اليمنى لدجلة أي في الجزيرة، نجد ان الريف بأكمله ارض متموجة لاتقطعها سوى كتلة جبل سنجار..ومن الضفة اليسرى [الجانب الأيسر لدجلة]، تمتد السهول على مسافات متنوعة بدءا من النهر حتى حافات الجبال الكردية. وتقدم السلاسل الأقرب [الى المدينة] من خلفية المشهد المنظور اليه عبر النهر من مدينة الموصل منظرا محببا لدى المشاهد الذي اعتاد على السهول الجنوبية لبلاد الرافدين..ولايرتفع اعلى جبال تلك المنطقة اكثر من 7000 قدم ولكنها شديدة الإنحدار وجرداء. وتشكل السلاسل المنفصلة وديان ضيقة ومتباعدة يترتب على الطرق فيما بينها اما ان تتسلق معابر عسيرة او تتبع طرقا وديانية متعرجة.. وفي التلال تتوفر المياه في اكثرها على مدار السنة اما الوديان فمكتظة بأشجار الفاكهة كالكروم والجوز واللوز وشجر الحور والصنوبر.. وتكثر على جوانب الجبال اشجار البلوط المتناثرة متمعجة الاغصان..ولكن في الجزيرة نجد ان المياه الوحيدة توجد في تلعفر وفي العيون المتدفقة في سفح جبل سنجار وعدد قليل من الينابيع، ومعظمها، كبريتي، تنتشر في خط التلال الممتد من القيارة وحتى تلعفر..وهذه الينابيع هي السبب في ثروة تلعفر.وتجري المياه الباقية غير المستعملة بالزراعة من سنجار في منحدر الثرثار على نحو مواز لدجلة لتصب في المستنقعات المالحة شمال – غربي بغداد.. ومياه وادي الثرثار وينابيع الصحراء كلها كانت منذ القدم وحتى الآن مالحة [خضمة، أجة أو مجة: وقد تكون مرة]. وفي الضفة اليمنى من وادي الثرثار تبرز آثار المدينة القديمة الحضر، وتعد الأراضي في تلك المنطقة أراض رعي شهيرة ل [قبيلة] شمر الجربا حيث تكثر عيون المياه المالحة في انحائها، وفي سهول الضفة اليسرى لدجلة تنتشر قرى تحتضن عيون مياه عذبة تيسر الزراعة في موسم الصيف، ولكن ثروة الضفة اليسرى [الزراعية] تعود الى وفرة المياه التي يغدق بها عليها نهر دجلة فضلا عن نهري الزاب الأعظم والخابور..وتنمو اشجار الحور والصفصاف على ضفاف الأنهار..ولكن السهول المتبقية جرداء من الشجر، ولاوجود للنخلة في الأراضي الواقعة شمالي منخفض الفتحة [وهو منخفض يقع بين بيجي والشرقاط يتجه شرقا ويقع من الناحية الجيولوجية في المنطقة الانتقالية بين السهل الرسوبي ومنطقة الجزيرة وقد دارت فيها مواجهات بين الجيش العثماني وجيش الاحتلال البريطاني ..ويبدو ان بيل اعتبرتها بداية الأراضي المتموجة او شبه الجبلية حيث لاتنمو النخيل..ولا ادري اين كانت بيل قد شاهدت نخيلا بين شمال سامراء وحتى الفتحة ان لم تعتبر منطقة طوزخورماتو ضمن المناطق الصخرية]، ويوجد النفط والقير والفحم في المنطقة وكذلك نوع من المرمر الرمادي الناعم سهل القطع يستخدم كثيرا في المباني ويحفر بنماذج زخرفية تميز معمار المنطقة ويزين الجوامع والكنائس والبيوت الراقية..
ومن جانب آخر نجد ان اعادة تنظيم الإدارة اسهل في الموصل منه في أماكن أخرى..فبينما لم نجد في البصرة وبغداد سجلات [مدنية] سابقة وكان موظفوا الحكومة التركية قد انسحبوا منهما مع الجيش، وجدنا في الموصل السجلات [المدنية] كلها متوفرة وكذلك معظم الموظفين..وفي اواخر تشرين الثاني قام الكولونيل لجمن بزيارة تلعفر وسنجار وزاخو والعمادية ودهوك وقرية بيرة كبرا وعقرة، فرأى في كل تلك الأماكن العلم التركي مرفرفا وكان في معظمها جندرمة وموظفين أتراك..فعمل على صرف الموظفين والجندرمة الأتراك وأمر بإنزال الأعلام التركية ثم قام بتعيين ضباط سياسيين [اداريين] مساعدين في تلك المناطق الخاضعة لإحتلالنا. والمنطقة باستثناء سنجاق السليمانية كانت تشكل ولاية عثمانية، وسكانها أكثر تنوعا منهم في اي مكان آخر في العراق.
وسكان حوض دجلة وصحراء الجزيرة هم قبائل عربية منها المستقرة ومنها نصف المتبدية ممن اختار زراعة الأرض، أو حافظ على بداوته كما في قبيلتي شمر وطي. وفي الجبال، اخلى العنصر العربي، من سكنة السهول، مكانه للعنصر الكردي.اما في الصحراء الى الغرب، حيث يرتفع جبل سنجار الطويل وكأنه ظهر خنزير بري يبرز فجأة بما يتنافر مع عالم بلاد الرافدين بأرضها المستوية [المفتوحة على الأفق] حيث يوطن اليزيدية الذين نجدهم في شمال – شرقي الموصل أيضا منحدرات [سفوح] هذا الجبل وشقوقه.
ويبلغ عدد اليزيدية الذين يتحدثون الكردية ولعلهم من تحدر كردي ايضا بضعة 18.000 الى 20.000 في هذا القسم [من العراق]. وقد جاء هنري لايرد على وصفهم على نحو مثير للإعجاب، فكان يتعاطف كثيرا معهم بسبب تعرضهم للإضطهاد من قبل المسلمين والمسيحيين على حد السواء. فقد شاع عنهم انهم عبدة الشيطان الذي يسمونه ملك طاووس. إلا أن وصفا منصفا لهم يضعهم في خانة الثنوييين الذين اخذوا معتقداتهم عن الزرادشتية بطريق المانوية. فهم يحترمون روح الشيطان ويعتقدون بأنه ملاك ساقط وأنه في زمن ما في المستقبل سيسترد مكانته الأولى [يعاد ليصبح ملاكا]، كما يمارسون تقاليد دينية تعود في اصولها الى الاشوريين ..كما طعموا دينهم المركب برقع قطعت من اللاادرية [مذهب استسرائي يسعى اتباعه الى تجنب العالم المادي والتعلق بعالم الروح والتوحد به بطريق التسامي الروحي على نحو يماثل المناهج الارتقائية بالنفس عند الصوفية والإشراقية..ويعتقد الأدريون بقوة ان الوجود المادي ومجسماته الجسمانية هما حبس للروح وأن أكتمال الذات يتحقق بالتوحد بالروح الكلية التي صدر عنها الوجود] والمسيحية والإسلام. ويقع مزارهم الكبير، الذي تعرض للتخريب اكثر من مرة من قبل الأتراك، في الشيخ عادي [لاليش] شمال الموصل، ويزوره اليزيدية في الصيف. ويقيم رئيسهم الديني والدنيوي أو المير في باعذرا بينما يعيش المرشد الديني [بابا شيخ] في عين سفني التي تعد مع بعشيقة من اهم مراكزهم بعد الشيخ عادي. ولليزيدية سبعة طواويس ذهبية [أو برونزية] فقد أحدها في جنوبي روسيا في بداية الحرب. وترسل هذه الطواويس في كل سنة الى المراكز اليزيدية المختلفة بهدف جمع التقدمات للمير ولرجال الدين..ويتالف هرمهم [هرم السلطة الدينية] من 1. المير[الأمير]، 2. البير[وجمعها البيورة]، وهم كبار رجال الدين ممن ينظر اليهم بقدسية في المجتمع اليزيدي، 3. الشيوخ وهم قادة ومعلمين دينيين، 4. القوالين [المرتلين]: ومسؤوليتهم مرافقة هياكل الطواويس [الذهبية] المقدسة، 5. الفقراء: وهؤلاء يرتدون ثيابا سوداء على الدوام وهم من المريدين من بسطاء الناس.
ويقع اليزيديون في سبع طوائف ولكل طائفة ملاك حارس وفيما يأتي اسماء خمس منها: 1. الشيخ عادي وتنتسب اليه شريحة الفقراء، 2. ملك طاووس، 3. شيخ شمس [الشيخ حسن]، 4. شيخ فخرالدين القمر [ملك القمر]، 5. شيخ شرف الدين.. والمرجح ان التزاوج غير مسموح به فيما بين هذه الشرائح [اي لايسمح للمنتسب لشريحة البيورة بالتزوج من شريحة الفقراء او بالعكس]..ومن الشيوخ المبجلين عند اليزيدية الشيخ حسن البصري الذي يسمح للمتحدرين منه فقط بين اليزيدية بالقراءة والكتابة، والشيخ محمد ابو دياك [لم يرد ذكره في المصادر] وخاتون فخيرة [لم يرد ذكرها في المصادر] ووظيفتها الوقوف عند باب الجنة [بمايشبه وظيفة رضوان في التقاليد الإسلامية]، والشيخ الاند [لعلها تقصد الشيخ مند الذي يوجد مزار له في بحزاني وتقام باسمه في كل سنة طوافة لليزيدية في بحزاني وهو غير النبي مندو الذي يقع مقامه في موقع معركة قادش بالقرب من حمص ويزعم ان مندو الأخير هو الأخ الأصغر للنبي يوسف ع] ويقدر المتحدرون منه من اليزيدية من مسك الحيات والثعابين السامة دون ان تؤذيهم..ونجد بينهم جماعة يطلق عليها الكوجك وهم عرافون ومؤلوا احلام..ويوجد في جبل سنجار شق جبلي [شكفتة] عميقة لاقرار لها يقوم الكوجك برمي عشر نتاجهم من الغلال والمحاصيل الزراعية فيها لكي يستخدمها ملك طاووس [طاووس ملك] عندما يعود مجددا الى الأرض..ويصوم اليزيدية في الربيع ثلاثة ايام حيث يصوم احد اعضاء الأسرة بالنيابة عن البقية. ويحدث اعظم اعياد اليزيدية في شيخ عادي في الصيف ويؤمه اليزيدية من مختلف الأنحاء.. وتدور الروايات حول امتلاكهم لكتاب اسود [ ذكر لي ابن احد شيوخ اليزيدية في بيبان ان تسمية الكتاب بالكتاب الأسود هو خطأ شائع والتلفظ الصحيح يجعل عنوان الكتاب هو كتاب الشمس] ويفترض عموما ان هذا الكتاب هو القرآن [الكتاب المقدس عند اليزيدية] وحيثما توجد فيه كلمة الشيطان ترد ممسوحة.. ويعتقد اليزيدية ان اي يزيدي يلفظ كلمة شيطان، يصاب فورا بالعمى، كما يتجنب اليزيدية لفظ او سماع كلمات تتضمن حرفي الشين والتاء [طاء العربية] ك [شط] "نهر" أو [مشط]، وكذلك كلمة "نعل" [استخدمت بيل التصحيف الموصلي لكلمة "لعن"]، وفي هذا الصدد روى رئيس قساوسة القوش لأحد الضباط السياسيين [البريطانيين] حكاية عن يزيدي اعتنق المسيحية فقال أن ذلك الرجل كان يزيديا وعندما خرج في أحد الأيام لحراثة ارض والده خطرت في ذهنه طائفة من الأفكار من كل نوع فبدأ بالتفكير في تحريم لفظ كلمة الشيطان والعقوبة المترتبة على من يلفظها، فغلب عليه حب الإستطلاع وهو يتأمل في صخرة في الحقل فلفظ حرف [ش] ، وانتظر فلم يحدث شيئا، ثم أضاف [شي] وبالتدريج ذهب الى الحرف التالي حتى تمكن وبصوت حازم صريح من لفظ الكلمة كلها [شيطان]، ولدهشته لم يشعر بأي ضرر يصيب بصره. فشعر بالنشوة وبعد ان عاد الى البيت قال لأبيه: لقد لفظت الكلمة المحرمة [عادة مايستخدم اليزيدية تعبير "كسر الجرة" بمعنى التعرض لممنوع من ممنوعاتهم] ولم اصب بالعمى! فرد الوالد: [ لم تصب؟] ثم تناول بندقيته قائلا: [ستصاب "بالعمى" الآن!] فخرج هاربا من البيت وخلفه والده ممسكا بالبندقية حتى لجأ الينا واصبح مسيحيا..فالقلق من إيذاء الشيطان من غير قصد يشكل احدى السمات الثابتة في الحياة اليومية لليزيدية..وكان احد اليزيدية في زيارة لقنصلية اجنبية في الموصل فدهش لرؤيته متافلا [نفاضات] في دائرة القنصل فقال من الواضح ان هذه المباصق قد وضعت لتفادي قيام احدهم بدون انتباه بالبصاق فيصيب البصاق طاووس ملك [يعتقد اليزيدية ان طاووس ملك غير مرئي وانه يحضر العديد من المجالس وبخاصة تلك التي يتواجد فيها شخص من الطائفة]..وهناك يزيدية خارج منطقة الموصل [تقصد محافظة نينوى وبضمنها المثلث الآشوري والجزيرة والزابين] كماردين ودياربكر وحلب والقفقاس، ويتحدثون الكردية ويبدو انهم لعبوا دورا كبيرا في تاريخ الكرد البهدينان، ويعمل كلهم بالزراعة [وهناك من يعمل منهم بالرعي وبالتهريب ومنهم من يشغل وظائف حكومية مهمة في العراق ومنهم من لديه مصالح خاصة كالمطاعم والنوادي ويشكلون جزءا مهما من الجالية العراقية في دول الغرب]. ويتمسك اليزيدية بقوة بمعتقدهم وحالات الردة عن دينهم نادرة جدا حتى في ازمان الإضطهاد..واجمالا فإن اليزيدية يتميزون بالمرونة والقدرة على التكيف مع السلطة كما يؤيدون بإخلاص النظام البريطاني أما معنوياتهم فمتراخية ولهم صيت سيء بالإدمان على المشروبات القوية [شرب العرق وهي عادة يتشاطرونها مع المسيحيين في سهل نينوى ، ومنهم من يصنع العرق في بيته].ولايكتمون تعاطفهم الكبير مع المسيحيين فقد الجأوا اعدادا كبيرة من اللاجئين الأرمن في جبل سنجار [تعرض اليزيدية للمذابح المتكررة من قبل الأتراك مما دفعهم الى التعاون مع الأرمن ضد عدو شرس مشترك]..ولم يتوقف اليزيدية عند حدود توفير الملاذ الآمن للأرمن، بل تجاوزوا ذلك الى الهجوم على خطوط المواصلات مما دفع الأتراك لإتخاذ اجراءات عقوبية ضدهم عام 1917..فارسلوا قوة كبيرة بالبنادق الى الجبل، وقام الأتراك بتحريض تركمان تلعفر والقبائل العربية بالمنطقة ضدهم..فابدى اليزيدية مقاومة ولكن القوات المهاجمة تمكنت من التغلب عليهم فدمرت قراهم وسلبت قطعانهم..ويبدو انهم على عداوة بالوراثة مع الشمر ولكنهم على علاقة طيبة مع شيخ محمد رئيس قبيلة طي [لعل السبب بذلك التجاور بين شمر واليزيدية وفرض شمر الخاوة على كل سكان البادية ويعرف عن اليزيدية رفضهم للخاوة فضلا عن اغارات شمر المتكررة على قطعان اليزيدية والإختلاف الجذري بالعقيدة والولاء]. ورئيس اليزيدية الديني والدنيوي هو المير [الأمير] من اسرة جول بيك ويعيش في باعذرا بالقرب من مزارالشيخان والمير الحالي هو سعيد بيك، وكان ابن عمه اسماعيل يتصل بنا في سياق احتلالنا للموصل [ اسماعيل بيك هو ابن عبدي بك كثير الترحال وقد لعب دورا في الحوادث التي سبقت احتلال الموصل حيث الجأ كثيرا من الأرمن في قرى اليزيدية في جبل سنجار واتصل بالإنكليز فقابل المندوب السامي ولسن والسيدة بيل التي خصصت له مرتبا وسكنا في بغداد ..وصاحب لجمن في اثناء زيارة الأخير الى سنجار وكان قد أمّن المرور الآمن للأسرى الأتراك الى نصيبين عبر المناطق اليزيدية. تتضمن سيرته التي كتبها بنفسه بعفوية وصدق معلومات متنوعة عن الحياة الإجتماعية في شمالي العراق وسورية والأناضول وطبيعة العلاقات بين الطوائف والعشائر المختلفة في المنطقة والموصل خلال الحرب العالمية الأولى]..فزارنا في بغداد وكان قدم خدمة كبيرة في تنظيم المسح الذي اجراه الكابتن هدسون لجبل سنجار عام 1918. [أجرى الإنكليز دراسات ميدانية لجوانب مختلفة في العراق، وهي دراسات على درجة كبيرة من الأهمية لم يترجم منها الى العربية الا النزر القليل ..وهي متوفرة بدوريات الجمعية الملكية الجغرافية والجمعية الملكية الآسيوية وغيرها ..وقد اجرى هنري فيلد الأميركي دراسة انثروبولوجية لجنوبي العراق ووسطه منشورة بكتاب متوفر في جامعة الموصل، فضلا عن توفره بنسخ الكترونية]..لهذا فنحن ندين له وبخاصة أنه صرح دائما بأنه رئيسا لليزيدية ونحن نعامله على هذا الأساس توخيا للمساواة مع منافسه في الزعامة سعيد بك [وهو ابن عمه علي بيك]، وتمت تسوية الخلاف بأن تعطى ثلاثة من الطواويس المقدسة [التي يحق لمالكها جمع النذور والعطايا من اليزيدية] لإسماعيل بيك [وأن يحتفظ سعيد بيك بالأثنين الباقيين] [يبدو ان الأنكليز كانوا يميلون الى تفضيل اسماعيل بيك على سعيد بيك بسبب قيام الأول بحماية المسيحيين وبالمبادرة في تقديم المعلومات والخدمات لهم فضلا عن وساطته بين شيخ الدليم وبينهم آنذاك]..غير ان هذه التسوية لم تنجح، كونها تشبه وجود بابوين يتنافسان البابوية أحدهما في روما والآخر في آفنيو "بالفاء الأعجمية" [ بسبب اختيار 7 من البابوات الفرنسيين بالأصل مدينة آفنيو في جنوب غربي فرنسا مقرا لهم بدلا من الفاتيكان في روما بين 1309 و1377]. ولكن سرعان ماتبين ان اسماعيل لم يكن إطلاقا محلا للثقة وكان لاينقطع عن الدسائس من كل نوع فرأينا ان من الضروري ارساله الى بغداد مما جعل سعيد يحتفظ بالزعامة لوحده [وكان اسماعيل يعترض على بقائه في بغداد ويعرب عن رغبته بالعودة الى منطقته غير ان جرترود بيل تخبره في كل مرة ان قومه لايريدونه]..وكان سعيد يتصرف تحت تأثير امه ميان وهي امرأة مسنة قوية لاتتفق مصالحها الشخصية دائما مع مصالح القبيلة [الطائفة]
[ يميز فلاديمير مينورسكي وهو من افضل المراجع في شؤون الأقليات في وسط آسيا وشمالي العراق وأيران بين القبيلة والطائفة على اساس المراتبية الإجتماعية والدينية فيعد الشبك والكاكية والصارلية واليزيدية طوائف لأن تنظيمها يعتمد على تراتيبية دينية. ويميز على هذا الأساس بين الباجلان والشبك عادا الباجلان قبيلة بينما اعتبر الشبك طائفة ولعله اعتمد على مصادر عراقية كالأب انستاس الكرملي في مقالته الممتازة المنشورة في مجلة المشرق وعنوانها "تفكهة الأذهان بالتعريف بثلاثة أديان" فضلا عن كتابات الشيبي والحسني والغلامي ومصطفى جواد حول هذا الموضوع]..وترتب ان يقوم سعيد بيك يساعده مجلس من الكبار بإدارة القضايا المتصلة بالشرعة [الأحوال المدنية والنزاعات] وقد جرت الأمور في البداية على مايرام غير ان شعورا بعدم الرضى ساد في الآونة الأخيرة بسبب قراراته. وقد تسبب موت بابا شيخ الواقف على مزار الشيخ عادي بموجة سخط لتردد سعيد بيك في تعيين خلف له وهو أمر يقع تحت صلاحياته..ويبدو ان اليزيدية، وبسبب الإضطهاد السابق الذي تعرضوا له، قد فقدوا مساحات واسعة من أراضيهم..وكانت موجة من الغضب تسري في عدة اماكن بسبب ذلك وبخاصة في عين سفني. ولعل هذه واحدة من اكبر المشاكل التي ستواجهنا عند تسوية مشكلات الأرض في منطقة الموصل..
وعند وصولنا الى جبل سنجار وجدنا ان الرئيس هناك هو حموشرو وهو رجل مسن وفقير [من طبقة الفقراء في الترتيب الهرمي اليزيدي] وقد عين رئيسا للجبل بمرتب شهري وله وكيل مأجور في البلد [سنجار].وبسبب الموقع الجغرافي حيث يطل من قلب الجزيرة، وبسبب عداوة حمو شرو واليزيدية الصريحة للأتراك والعرب معا، يشكل جبل سنجار حصنا ستراتيجيا مهما، سيكون ذي فائدة عظيمة عند التعامل مع الشمر أو مع حركات قومية [مسلحة] محتملة قد يقوم بها العرب او الأتراك [التركمان] لاحقا..
ويوجد في الريف الخصب حول المدينة [الموصل] والى الشرق من دجلة اعداد من المسيحيين اكثرهم من الكلدان على الرغم من وجود جماعات صغيرة من اليعاقبة والنسطوريين ايضا. ويقيم البطريرك الكلداني [مار يوسف عمانوئيل الثاني] في الموصل حيث يشكل الكلدان اكثرية الحرفيين المهرة في المدينة.. بينما يعمل الكلدان الذين يقيمون خارج المدينة بالزراعة ويشتهرون بمهاراتهم اذ تعد قراهم أكبر القرى في الولايات [العثمانية] واكثرها ازدهارا. وهنالك رسول بابوي معين في الموصل لرعاية مصالح الكلدان والسريان الكاثوليك فضلا عن اعتناء الآباء الدونوميكان بمدرسة ومستشفى في الموصل وهناك الكثير من مرتادي المدرسة والكنيسة الدونوميكانيتان.كما تحتضن الموصل قساوسة سريان كاثوليك ونسطوريين ويعقوبيين..كما تعزز التنوع المسيحي في المدينة ليشمل جماعات من الرومان الكاثوليك والبروتستانت والأرثودوكس التابعين للكنيسة اليونانية. وكان الرومان الكاثوليك والكنائس الوحدوية البابوية (الكلدان والسريان الكاثوليك)..تحت الحماية الفرنسية كما هو الحال في الأنحاء الأخرى في الأمبراطورية العثمانية. ولايوجد أدنى شك ان امكانية ضمان محام اوربي [عن مصالح الطوائف المسيحية الشرقية] لدى الدولة العثمانية، كان محفزا قويا للتوحد [الإنضواء تحت ] مع كنيسة روما [الكاثولوكية]. وكانت سياستنا قبل الحرب تتسم بالميل لحماية الكنيسة النسطورية [الآشورية] أزاء الكنائس المتفرعة عنها كالكنيسة الكلدانية الكاثولوكية.ودافعنا لذلك كان وجود هيئة تبشيرية صغيرة ولكنها مثيرة للإعجاب بين النسطوريين تعرف ببعثة اسقف كنتربري التبشيرية للنسطوريين. [بذل الأنكليز ومعهم الأميركان ومنذ بداية القرن التاسع عشر جهودا جبارة في نشر المذهب البروتستانتي بدون تحقيق نجاح يذكر نظرا لتمسك المسيحيين المشارقة بكنائسهم والنجاح النسبي للكاثوليك والدونوميكان في تحقيق بعض المكتسبات للكنيسة الكاثوليكية]. ومن جهة أخرى عزز وجود البعثة التبشيرية الدونوميكانية بمدرستهم الجيدة ومستشفاهم في الموصل الميل للتطلع الى فرنسا.. فالعلاقة مع روما قوية ويرجح ان تبقى كذلك لأن الكنيسة الكلدانية لا اموال [أو أوقاف] لها وتعتمد في تمويلها على روما.[في الواقع تتمتع الكنيسة الكلدانية بأموال تردها بطريق الهدايا العينية لأتباعها وأكثرهم أغنياء كما توجد في الكنائس الكلدانية مكتبات ثرية بالمصادر النادرة]
وفي تلعفر، وهي قرية كبيرة على حافة الصحراء بين الموصل وسنجار، هناك نسبة كبيرة من السكان من التركمان، ويزعمون انهم تحدروا من عسكر تيمورلنك ، ومعظمهم شيعة. إلا أن المذهب السني هو السائد في منطقة الموصل..وعدد الشيعة في مقاطعة [ولاية] الموصل لايتجاوز 17.000 أزاء 250.000 سني، ولايوجد شيعة في أربيل الى الشمال. ونجد في الضفة اليسرى لدجلة بين النهر والجبال أغثاء وبقايا ماخلفته كل الغزوات والهجرات ل 2000 سنة اخيرة خلت أوأكثر..فبالإضافة الى اليزيدية والمسيحيين من كل مذهب، هنالك التركمان والعرب والأكراد في واجهات متقاربة..وهناك جماعات كبيرة من الشبك والصارلية الذين يقال عنهم انهم يعتنقون دينا سريا او ينتمون الى غلاة الشيعة..ولهولاء [الشبك والصارلية] صلات مع العلي الهية [في الواقع لا صلة للشبك بالعلي إلهية كما ذهبت بيل الى الأفتراض، ولكنهم كما يذهب الكرملي وحامد الصراف يقدسون الإمام الرابع علي زين العابدين ويسمونه علي رش وله مقامات في قراهم ومزار في قرية بأسم علي رش وفي رأي مينورسكي ان الكوران وليس الشبك يتصلون مباشرة بالعلي الهية] الذين ينتشرون على جانبي الطريق بين قصر شيرين وكرمنشاه [هنا نرى ضمنا ان بيل تفترض صلة توجد او انها تخلط بين الكرد الفيلية واللور في المناطق المذكورة والعلي إلهية ربما لأن الفيلية أكراد شيعة معروفين بتقديسهم لعلي ع]..وينتشر اليزيدية بمحاذاة التلال [سفوح الجبال] بينما يوطن الجبال باكملها الأكراد الى جانب قرى المسيحيين وقليل من قرى اليهود. والجماعة اليهودية في الموصل صغيرة وليس لديهم الثروة والمكانة اللتان تصفان يهود بغداد. وعندما وصلنا الموصل كانت مليئة باللاجئين الأرمن ولكن اكثرية هؤلاء اللاجئين اخليت الى بغداد مما جعل عدد المقيمين الأرمن في الموصل يقتصر على اسر قليلة.. وقبل احتلال الموصل، كانت لدينا علاقات مع شمرالجربا ويتألف بيت الشيخ من 15 ولدا من ابناء فرحان باشا الذي توفي قبل 40 سنة [توفي الشيخ فرحان الجربا عام 1890].وعندموته تقاسم اولاده المشيخة فيما بينهم، وكان اكبرهم العاصي وهو الرئيس الفعلي للقبيلة..ويقال عنه انه قبل الحرب كان قد جاء الى الموصل بموافقة على تعهد بحسن السيرة من قبل الوالي آنذاك..ولكن الوالي لم يف بتعهده وألقي به في السجن ، وعندما اطلق سراحه اقسم بالطلاق بانه لن يضع قدمه مرة اخرى في الموصل. فإن صدقت هذه الرواية فأنها تلقي ضوءا ساطعا على سلوكه خلال السنة الماضية. [ لم تتحدث بيل عن سلوك الشيخ في السنة الماضية]، وبعد الشيخ العاصي يأتي ابرز أعضاء اسرة الشيخ وهم ابنه هاشم وحفيده دحام أبن هادي ثم حميدي وبدر وبقية اشقاء العاصي، وابن عبد العزيز عجيل الياور الذي يرتبط به اولاد شلال مطني ومشعل ثم محمد ابن محمد عاصي وعبيد، وأولاد مجول وفارس. والشمر لهم عداوة متوارثة مع العنزة كما يوجد عداوة خلال فترة الحرب بينهم والدليم. وقد حاول احد الشيوخ او اثنين منهم خوض غمار الزراعة، وهكذا حاول حميدي وبدر زراعة الأراضي المجاورة لقناة الفرحاتية بالقرب من بلد..كما حاول عجيل الياور تجربة الزراعة بالمشاركة مع محمد النجيفي أحد شيوخ الموصل في منطقة نجمة بالقرب من الشورة [محمد النجيفي هو والد السيد عبد العزيز النجيفي وجد السيد اسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي]..غير ان الأكثرية الغالبة من اعضاء القبيلة بدو يجوبون الصحراء ويعتمدون في معيشتهم على قطعان الجمال التي يمتلكونها، وكذلك على الخاوة التي يفرضونها على ألقبائل الأخرى وكذلك على القوافل [التجارية] وبخاصة تلك التي تسلك طريق نصيبين منطلقة من العراق او بلاد الشام.
وكان الشمر خلال الحرب، بإستثناء فيصل [الجربا]، الذي يسكن قرب الموصل وليس لديه تأثيرا كبيرا، يقفون بلا تردد الى جانب الأتراك، وبمقدورنا ان نفهم السبب باعتبار موقعهم الجغرافي [تعتبر الموصل في العهد العثماني قلعة تركية متقدمة في المواجهات المستديمة مع الفرس لهذا بذلوا جهودا لتتريك ادارتها وتعيين افضل الولاة واكثرهم ولاءا للباب العالي فيها ويقيم الشمر في اطراف الموصل والجزيرة وفي حوض الخابور وسوريا وهم على احتكاك مباشر مع السلطة التركية فضلا عن طبيعتهم البدوية المناوئة بالفطرة للوجود الأجنبي]. فقد استغلوا [اي الشمر] تقدمنا الى اعالي النهر [دجلة] لينضموا الى الجماعات التي شرعت بنهب القرى الواقعة على دجلة وعلى طريق نصيبين.[ يتعامل الأنكليز مع قبيلة شمر تعاملهم مع دولة مستقلة، ولا سيما في أوقات تسود فيها الدولة الأضطرابات ويتخلخل الحكم.. ولا غرابة في ذلك فعندما تتحول الدولة الى عصابة وينتشر في مفاصلها الفساد تتحول العصابة الى دولة وهذا مايشهده العراق في الوقت الحاضر]. ولكن عندما دعوناهم للمجيء الينا لبى كل من حميدي وعجيل الياور وعيادة ابن العاصي دعوتنا واعتذر العاصي بسبب تقدمه في السن.فطلبنا منهم البقاء في الموصل لحين الإنتهاء من اجراء ترتيبات خاصة بهم. فوافقوا على ذلك. وبعد عدد من الأيام، على اية حال غادر عجيل الذي يمتلك نفوذا كبيرا بينهم، اما بسبب الخوف او لسبب آخر نجهله، الموصل بدون ان ينتظر ترخيصا بالمغادرة. فاعتبر خارجا على القانون وتمت الإغارة على عائلته وجماله القريبة من الشرقاط والإستيلاء عليها غير ان الجمال اعترضتهم عاصفة رعدية فهربت الى حيث لاندري بينما كانت في طريقها الينا. [يظهر هذا السلوك عدوانية الإنكليز في ارغامهم شيوخ القبائل بالقوة على التعاون معهم] أما حميدي فقد اعلن خضوعه للحكومة وتعهد بالمحافظة على عبدة وجزء من الصايح [عبدة والصايح تحالفين من الشمر ] في جاهزية، فخصصنا له مرتبا شهريا مقداره 500 روبية. أما العاصي فقد بقي في انحاء نصيبين حيث يرسل بين الآونة والأخرى رسائل طاعة ولكن تلك الرسائل وبسبب طابعها الغامض لم تلق قبولا من قبلنا. وقد جاء هاشم خلال الصيف، لكن مبادراته تم رفضها لأنه جاء بمفرده. وحدثت اعمال نهب، نسبت للشمر، بين فترة وأخرى في طريق نصيبين واماكن اخرى، ولكن لم تحدث سرقات كبرى لحين شهر ايلول عندما جردت احدى القوافل من 3000 ليرة تركية في منطقة ابوحامضة على طريق دير الزور [وادي ابو حامضة يقع الى الشمال من دير الزور سكنتها قبائل شمرية من حلف العبدة وللشمر المتواجدين فيها علاقة مع حميدي بن دهام الجربا]، وفي خطوة انتقامية، هوجمت شمر بعربات مدرعة وتم الإستيلاء على اعداد كبيرة من قطعان اغنامهم..وكنا نأمل اعتراض طريقهم عندما يحين وقت رحلتهم السنوية الى الجنوب إلا ان خطتنا أخفقت وتمكن الشمرمن تجاوز مواقعنا والمروق جنوبا. على اية حال، ارسل العاصي حفيده دحام الى الموصل حاملا رسالة يعلن فيها تخليه عن المشيخة له وتتضمن الرسالة تصريحات من هاشم ومطلك الفرحان وآخرين مفادها انهم يقرون بدحام شيخا لهم، فأبلغنا دحام انه وكخطوة أولى، يتوجب عليه جمع مبلغ 3.500 ليرة تركية لدفعها كغرامة عن عملية السطو على القافلة في ابو حامظة [يلاحظ ان الأنكليز أضافوا 500 ليرة على المبلغ الذي سرق في ابي حامضة وكأنهم بلك يمارسون نوعا من الخاوة بأنفسهم]. وبعد تسليمه المبلغ المذكور سيتم تعيينه [الإعتراف به] من قبل الحكومة شيخا على قبيلة العاصي. فوافق وارسل بعد مدة وجيزة جدا مبلغ 1800 ليرة، ويعتقد أنه جمع المبلغ من القبيلة عندما حدثت عملية دير الزوركما سنروي لاحقا بما يجعله يتسائل فيما إذا كان يراهن على الحصان الرابح [يبدو ان خطأ مطبعيا او تدوينيا حدث هنا والأصح ان نقول [بما يجعلنا نتساءل فيما إذا كنا نراهن على الحصان الرابح]..وقد تسبب هذا [يوجد نقص في النص الأصلي] بتأخير الدفع [لأن دحام لم يدفع المبلغ المطلوب كله] كما عملت الدعاية الشريفية [الدعاية لتنصيب ملكا جديدا للعراق هو فيصل بن الحسين شريف مكة] الى مزيد من التأخير.وفي نيسان قام [دحام] بدفع 1500 ليرة أخرى لينتقل مع قبيلته بعدها خارج الأراضي [المحتلة من قبل القوات البريطانية]..
وقد طرحت القبائل بصورة مباشرة مشكلة الخاوة التي تنتزع منهم.وكانت هذه الأتاوة تعتمد اساسا ثابتا إذ تتضمن كبشين واربع نعجات، وأربعة خراف و6 مجيديات تدفع نقدا على كل قطيع [وكان الشمر يفرضون هذه الخاوة على كل العشائر والطوائف بدون تمييز]، وقد توزع أولاد فرحان فيما بينهم جباية الخاوة..وأخذ الخاوة من القبائل الصغيرة في الجزيرة ليس بدون سبب: فهي لاتعدو ان تكون سوى مبلغ يعطى لقاء ترخيص تمنحه شمر لهم برعاية قطعانهم في مراعي شمر [هنا تفترض بيل ضمنا ان منطقة الجزيرة تعود لقبيلة شمر].إلا أن شمر اضحت تفسر ذلك بأن لهم حق جبايتها [الخاوة] من القبائل على قطعانهم كلها حتى الموجودة منها في الصحراء ولكن بنسب تخضع للمراجعة، مع استثناء الأراضي الزراعية في القرى. ولم يتم الأعتراف بفرض ضريبة [مرور] على القوافل [ولاتحتاج شمر لأعتراف الحكومة لأنها تهاجم القوافل وتقتطع المبالغ التي تريد كما في هجومها على قافلة وادي الحامظة بالقرب من دير الزور]..وتعطي الخاوة لمن يدفعها الحق بالحماية، وفي الوقت الحاضر من الصعب علينا ايجاد طريقة لمنعها..
مع ذلك فإن التنافر [التقابل الضدي] بين اهتمامات [اهداف او مصالح] البدوي والمزارع [الفلاح] او التاجر تتضح على افضل نحو من خلال وضع الشمر. فالشمر اشبه بالهوام [الشر العام] [الذي يعم الجميع] فهم يعيشون على النهب والإبتزاز. غير ان بعضهم أدرك في