لا مفرّ امام شعبنا سوى الهرب لأن الخطة جهنمية أكبر من حجمنا وحجم العراق والمنطقة برمتهاليون برخو
جامعة يونشوبنك – السويد
مقدمةفي العلوم السياسية يتربع ويليم كودوين William Godwin وكتابه الذائع الصيت: بحث في العدالة السياسية An Enquiry concerning Political Justice قائمة الكتب المنهجية في الأقسام الجامعية في الغرب. ليس هذا فقط بل يعد كودوين وكتابه هذا بمثابة الإنجيل او القرأن او التوراة لكل من يعمل في السياسة.
وكودوين يعد ودون منازع صاحب الفلسفة النفعية او الفلسفة الفوضوية. ورغم ان كتابه الثمين هذا ظهر في حوالي منتصف القرن الثامن عشر، إلا ان تأثيره لا يزال كبيرا ليس فقط في الأروقة الجامعية لا سيما العلوم الإجتماعية ومنها العلوم السياسية والخطاب والإعلام والإجتماع والنفس والصحافة وغيرها بل ايضا في الأروقة السياسية والمؤسساتية.
ماذا يقول كودوين وماذا يعلمنا اي كيف يفسر تصرف السياسيين ورؤوساء وقادة المؤسسات مدنية ودينية دون إستثناء لتحقيق مأربها ومبتغاها؟ سأحاول الإجابة على هذا السؤال بالطريقة الكودوينية التي تفسر الأمور من خلال سيناريوهات نظرية ولكنها قريبة من الواقع للإستنتناج والإستدلال على صواب منطلق المقال هذا.
سيناريوالفلسفة النفعية او الفلسفة الفوضوية التي وضع نظرياتها كودوين والتي يقول فيها إن كل صاحب مصلحة ومسؤول مؤسسة مدنية اودينية او رجل دين من أي دين دون إستثناء، سياسي وقائد أي مؤسسة او دولة دون إستثناء يلجاء إليها ممكن تلخيصها بالسيناريو التالي:
لو رأى رجل صاحب مصلحة (والكل ينطلق من مصلحته) سيارة تحترق وهناك في السيارة شخصان الأول رجل ورع يخاف الله وجرت علىي يديه معجزات والثاني شرير لايخاف الله ويستهزىء بما يراه الناس مقدسا، ولم يكن بإمكان هذا الرجل إلا إنقاذ شخص واحد فأي منهما سيقوم هذا الرجل بإنقاذه يا ترى؟
حسب كودوين إن كان للرجل هذا مصلحة لدى الشخص الشرير الذي لا يخاف الله بحيث ان وفاته ستؤدي إلى خسارة هائلة له فإنه دون أي وخز ضمير او مُساءلة سيقوم بإنقاذ الشخص الشرير وترك الشخص الورع يحترق في النار وهذا هو بالضبط ما تتطلبه الأخلاق والعدالة لدى كافة المؤسسات سياسية كانت اوعسكرية او دينية او مذهبية.
ولهذا يقول كودوين لا مكان للأخلاق الطوباوية او الإنجيلية او غيرها في عالم السياسة وعالم المؤسساتية ليس فقط لدى المؤسسات المدنية ولكن حتى الدينية والمذهبية وغيرها تتصرف مثل الرجل صاحب المصلحة.
امثلةهل لدينا امثلة تتشابه وتتقارب مع هذا السيناريو؟ بالطبع. التاريخ والماضي والحاضر مليء بهكذا سيناريوهات حقيقية تقع على ارض الواقع وليس هناك زعيم او قائد او مؤسسة مدنية او دينية بإمكانها الإفلات منها وإن اقوال مثل: إن الناس متساوون وانه عليك ان تحب قريبك مثل نفسك او ما تعلّمنا إياه من أخلاق النصوص التي نراها مقدسة مجرد اقول لا يطبقها أي قائد او زعيم او رجل دين على رأس أي مؤسسة.
ويذهب كودوين بعيدا ويقول حتى على مستوى الأفراد المحبة بالطريقة التي تدعو إليها الأديان لا مكان لها في الحياة العملية لأنني، وهذا نقل منه كما اعلاه، اخلاقيا لا يجوز ان أساوي بين إبني وإبن الجيران تحت أية ظروف ولا يجوز اخلاقيا ان امنح ما أملكه للفقراء والمعوزين.
هذا بإختصار شديد ما تدعو إليه الفلسفة النفعية او الفلسفة الفوضوية التي يتبناها كودوين. هل أتفق شخصيا معها ام لا هذا بحث أخر ولكنني أقول وبثقة ان هذا هو بالضبط ما يقود عالم اليوم ومؤسساته كل مؤسساته دون إستثناء.
ماذا عن شعبناونحن شعب صغير ومسكين ومعذب ومظلوم تنتابنا احيانا الطوباوية ونطلب من العالم حولنا ومؤسساته التي هي اكبر بكثير وتضع مصلحتها ومصلحة اصحابها فوق أي إعتبار ان تتعامل معنا بطوباوية وأخلاق المساوة والعدالة الإنجيلية بينما كودوين يقول ليس هناك عدالة إنجيلية، هناك عدالة سياسية تقتضيها متطلبات المصلحة المؤسساتية.
من حقنا ان نطلب حماية دولية ولكن هذه لن نحصل عليها ابدا لأننا لا نمثل حتى صفرا في المعادلة المؤسساتية اوالسياسية.
الفلسفة النفعية والفوضوية لكودوين تقول إن الكل سيقف متفرجا علينا، الكل دون إستثناء مدنيا كان او دينيا.
النفعية على ارض الواقعالفلسفة النفعية والفوضوية تدعو ان يغض العالم النظر عن تركيا او عن السعودية او الإمارت او قطر او إسرائيل كي تعبث بالمنطقة على طريقتها ما دام ما يحدث يقع ضمن مصلحتها. وكل هؤلاء ووراءهم اصدقاؤهم في الغرب يرون في داعش اليوم مصلحة.
داعش ساعد تركيا على كسر ظهر الأكراد في سوريا وظهر حكومة بشار الأسد واليوم هو ومعه الدول الأخرى تريد ان تكسر بهم ظهر حكومة مالكي في العراق وكذلك ظهر الأكراد في العراق. الأكراد وقعوا ضحية قادتهم لأنهم صدقوا ان تركيا غيرت سياستها تجاههم.
وداعش صار له أكثر من سنتين في سوريا ويحتل اجزاء واسعة من ذلك البلد وفعل بالمسيحيين السوريين أكثر بكثير من الظلم الذي اوقعه على المسيحيين في الموصل ففي حمص مثلا لم يبق إلا عدد يسير من المسيحيين بعد ان كان عددهم يتجاوز 160,000 وفعل بالكنائس ما يفعله اليوم بكنائس الموصل وتركيا ساعدت داعش وغيرها على مهاجمة منطقة كسب وهي ايضا منطقة مسيحية؟
أين كان العالم؟ وأين كان المسيحييون في لبنان الذين إصطف أغلبهم ضد بشار الأسد؟ وأين كانت فرنسا التي كانت ولا زالت الداعم الرئس لما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة بينما في الحقيقة لا تستطيع الفرز بين معتدل وداعشي.
وتركيا وغيرها من دول شرق اوسطية يغبطها ان تكون فرنسا وغيرها من الدول الغربية القوية إلى جانبها ولما لا وهي عضو في حلف الناتو. كل ما يصل داعش من مدد في العدد والسلاح والمال والمتطوعين الإنتحاريين أغلبه يأتي عن طريق تركيا.
لتركيا كما لغيرها من الدول مصلحة كبيرة في داعش. ولهذا عندما إفترس داعش مئات الالاف من التركمان (الأتراك العراقيين) وسباهم لم تحرك تركيا ساكنا. لو كان المالكي او البارزاني عمل بالتركمان ما عمله داعش لكانت القوات التركية اليوم تحتل شمال العراق برمته.
وهذا حدث للشبك حيث تم إفتراسهم من قبل داعش كما حدث لنا في الموصل وقصباتنا في سهل نينوى. لا تنتظروا ان ينخرط احد لمساعدتنا لأن الخطة جهنمية فيها اكثر من طرف والأقوياء في المنطقة وخارجها يوظفونها لمصلحتهم ومصالحهم.
التركيبة العراقيةالتركيبة العراقية معقدة جدا وصارت أكثر تعقيدا بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وإفرازاته ولكن هذه التركيبة ولدت إنسجاما مذهبيا وقسمت البلد إلى عراق سني وعراق شيعي.
السني له مرجعيته الدينية والشيعي له مرجعيته الدينية. ويبدو حتى الأن ان المرجعية الشيعية منسجمة ولولا فتواها حول الجهاد الكفائي لكان داعش اليوم في كربلاء ونجف. بمعنى اخر إستطاعت الحكومة إيقاف داعش وليس دحره لأن ما يسمى بالهجوم المضاد على تكريت مثلا صار له اربعين يوما وهو يتراوح مكانه بينما داعش يقاتل في مشاهدة وتاجي.
والإحتماء بالأكراد بالنسبة لشعبنا هو مثل الإتكاء على قصبة مرضوضة وهذا ما أثبتته احداث الأيام الماضية حيث إنهزمت الميليشيات الكردية (بيشمركة) شر هزيمة في سنجار وربيعة وزمار وعين زالة وسد الموصل وغيرها من النواحي والقصبات تاركة معسكر الكسك ومعداتها وأجهزتها لداعش من ضمنها حقول نفط ومصفى سعته حوالي 20 الف برميل في اليوم.
الميليشيات الكردية (بيشمركة) التي كانت تستهزىء بالجيش العراقي المدحور صارت هي ذاتها اضحكوة وصار القادة الأكراد ومنهم بارزاني الكبير وبارزاني الصغير أضحكوة لأنهم إستعجلوا الأمور وبدلا من ان ينسقوا لمحاربة داعش إستغلوا الموقف لإحتلال مناطق عراقية ووسعوا من منطقتهم بنسبة 40 بالمائة وأحتلوا كركوك وأطلقوا العنان لتصريحاتهم والريح لمتطلبتاتهم وكأن الدنيا صارت تبتسم لهم وهم ولا يقراؤن الكتابة على الحائط ولا ينظرون ابعد من أنوفهم.
لن ينم اردوغان قرير العين إلا ان يرى ان ما وقع للأكراد في سوريا يقع للأكراد في العراق ايضا.
الأكراد ليسوا محصنينوالأكراد ليسوا محصنين مثل شيعة العراق من خلال مرجعيتهم. المد الإسلامي الداعشي في كردستان قوي أكثر مما نتصور وهو على أحر من الجمر كي يخرج من قمقمه الفائر.
وكيف يثق بعضنا بالأكراد. كلنا كنا في قرى لا سيما في منطقة بهدينان. أي قرية لم يهجم بيتها الأكراد إن من خلال إختطاف بناتنا ونسائنا او هدم بيوتنا وقرانا وكنائسنا. هل نسينا احداث 1960 وما حدث مؤخرا في زاخوا ودهوك وغيرها؟
مسكين الأمير تحسين امير اليزيدية ولدي مواقف معه ومع بابا شيخ (المرحوم) في اثناء عملي الصحفي. يقول في رسالته التي ادمعت عيناي ان الديانة اليزدية ديانة التسامح الحقيقي وتقبل كل الأنبياء والرسل للديانات الأخرى ويستنجد بالأمم المتحدة واميركا وأوروبا وبارزاني ومالكي لإنقاذ شعبه. مع الأسف وانا محبكم وصليت في مزاراتكم وقبّلت انصابكم وكتبت عنكم كثيرا في الصحافة العالمية، لن يكترث احد لكم. العالم بمؤسساته له مصلحة ونحن وأنتم لا نساوي شيء في نظره.
طارق الهاشمي وما ادراك ما الطارقفي الحقيقة اعجبني وأذهلني وصعقني تصريح طارق الهاشمي (رابط ادناه) الذي قال ان داعش سيكون فئة باغية لو إستمر بهجومه على البيشمركة لأن الكرد سنة. هذا هو قائد داعش الهمام الذي ركع وصلى عند قدوم داعش للموصل لأنها بالنسبة إليه إنتفاضة عشائرية سنية ثورية نقشبندية بعثية ولهذا لم يكترث ولم يفتح فاه عندما بطش داعش بشعبنا وإفترس التركمان والشبك لأنهم ليسوا سنة بل شيعة وبطش بمئات الالاف من اليزيدية في سنجار، كل هذا الظلم والإضطهاد لم يخدش ضميره قيد أنملة بل طار صوابه عندما هاجم داعش البيشمركة لأنهم سنة.
وطارق الهاشمي وصحبه من البعثيين والنقشبنديين والعشائريين الثوريين والبعض الأخر من المحسوب على الداعشيين هم ندماء البارزاني وأغلبهم يعيش في فنادق خمس نجوم في اربيل.
كردستان العراق في خطرمنطقة كردستان في الوضع الحالي في خطر أكثر من الجنوب العراقي الشيعي الذي تحميه فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية الشيعية بقيادة السيستاني.
في كردستان العراق لا سيما في بهدينان لن تكون هناك فتوى ضد داعش إن لم يكن العكس وإن إقترب داعش أكثر من دهوك او عقرة او حتى اربيل فإن سقوط هذه المناطق سيكون عظيما، اللهم إلا إن حاول اناس من امثال الهاشمي إصلاح ذات البين ووافق الأكراد على دفع "خاوة" لداعش بأي شكل من الأشكال.
الخطة جهنميةالخطة جهنمية او أكثر من جهنمية لأن اليوم حتى السني صار يقتل السني شر قتلة. الناس والمنظمات في غزة سنية لكن المعركة ضد غزة لا تقوم بها إسرائل اليوم لوحدها بمساندة الغرب وأمريكا حيث معها السعودية والإمارات ومصر والأردن وهذه كلها دول سنية.
وداعش يبدو انه اطلق العنان لنفسه في لبنان والله الساتر.
إنهم يبحثون عن رأس الحية، ورأس الحية يختلف بإختلاف المصلحة. بالنسبة لإسرائيل والسعودية المدعومتين بقوة من الغرب وأمريكا، رأس الحية هو حماس وحزب الله وإيران. وكل قوي صاحب مصلحة له دور في المسيرة النفعية والفوضوية الكودوينية التي تضرب المنطقة.
وشعبنا لا يملك أي مؤسسة مدنية او دينية غربية او شرقية تقف بجانبه وكل الذين ينطقون بإسمه ليس لهم خطة للحفاظ عليه سالما ولا هم يحزنون، مجرد طوباويات وتمني وهذه لا مكان لها في عالم كودوين النفعي والفوضوي.
كان الله بعون شعبنا الذي ليس امامه مفر إلا الهرب.
-------
http://www.shafaaq.com/sh2/index.php/news/iraq-news/81026-2014-08-04-09-48-18.html