السياحة ... عندما تكون ناعمة
بنيامين يوخنا دانيال ينظر الى السياحة الناعمة ( خفيفة الوطأة ) Soft Tourism على انها شكل او نمط متطور من انماط السياحة المستدامة sustainable tourism التي باتت قائمة كاسلوب مطلوب و منهج ثابت و ضروري , يدفعان و بقوة في اتجاه صون الطبيعة و ضمان توازنها , و خلق العديد من اوجه الانسجام و التوافق معها , و المحافظة على الثقافات و خصوصيات المجتمعات المحلية Local Communities , و في ظل التحديات و المخاطر التي تواجهها البيئة الطبيعية Natural Environment في الوقت الراهن , الى جانب ( السياحة الاقل سلبية ) و ( السياحة المسؤولة ) Responsible Tourism . و جميعها تقوم على مبادىء اساسية و راسخة , متعلقة بالبيئة , و تنصب في الكيفيات و الجهود الرامية للحيلولة دون تدهورها و تراجعها بقدر المستطاع , اثر ممارسة الانشطة السياحية التقليدية و غيرها , بل و تطويرها بكل الوسائل المتاحة و الممكنة , بالاضافة الى احترام و مراعاة خصوصيات المجتمعات المحلية المضيفة للسواح و المستقبلة لمجاميعهم , و الحاضنة للمشاريع السياحية بمختلف انواعها , و العمل على اشراكها في الانشطة و الفعاليات السياحية التي تمارس في محيطها الجغرافي , و على النحو الذي يتيح لها فرص الكسب المادي , و يرفع من مستواها المعيشي , و يحسن وضعها الاقتصادي – الاجتماعي , و يضعها على سلم الاولوية , من حيث حصولها على حزمة من المكاسب و الامتيازات الممكنة , المتأتية من التنمية الاقتصادية و السياحية و الاجتماعية و الثقافية , و بشكل مستدام sustainable , و بما يضمن احترام ثقافتهم المحلية local culture و عاداتهم و تقاليدهم و ما لهم من قيم خاصة , اجتماعية كانت او ثقافية او بيئية , و بما يفضي الى عوائد مادية مشجعة للمشاريع التي تدخل في اطار هذا المفهوم , و على نحو مستدام , لتكون مجدية اقتصاديا , و ملتزمة بالمعايير و الضوابط و الاعتبارات البيئية الى ابعد الحدود . و قد اقترن نمو و تطور هذه الانماط السياحية الحديثة بعدة مؤشرات مشجعة , و منها : - اولا : تنامي وعي السياح و الزوار باهمية الجانب البيئي . ثانيا : تجاوبهم مع هذه الاتجاهات و استعدادهم لتحمل نفقات و تكاليف اضافية لقاء حصولهم على برنامج سياحي يقدر البيئة الطبيعية و يحترمها و يساهم في المحافظة عليها . و قد ثبت ذلك من خلال عدة بحوث و دراسات , و منها الدراسة المجراة من قبل ( الهيئة العالمية للبيئة ) WWF و المنشورة تحت عنوان ( البصمة السياحية على المناخ ) . ثالثا : ارتفاع الطلب على الرحلات الصديقة للبيئة في ظل التراجعات و التدهورات الحاصلة يوميا من جراء مختلف الانشطة البشرية , مثل الزراعة و الصناعة و النقل و توليد الطاقة من المصادر الاحفورية ( النفط و الغاز ) و غيرها . رابعا : استعداد الشركات السياحية لصياغة و اعداد هكذا برنامج , تلبية لرغبات و ميول هؤلاء و لمواكبة اتجاهات صارت حاضرة و بقوة في صناعة السياحة و السفر . خامسا : اهتمام الحكومات و المنظمات السياحية و البيئية , دولية كانت او اقليمية او محلية بهذه الاتجاهات , و وضعها في قائمة اولوياتها , لاهمية الموضوع و الجدوى الاقتصادية و الاجتماعية التي تنطوى عليها . سادسا : ظهور عدة اتجاهات تنتمي الى هذه الانماط السياحية , و تقوم على العمل بانسجام مع البيئة , مثل : السفر الصديق للبيئة , النقل اللطيف , اجازة صديقة للبيئة , النقل النظيف , السائح الصديق للبيئة , الرحلة الصديقة للبيئة , السائح البيئي . و بامكاننا ان نجد الكثير من هذه المشاريع و التطبيقات الناجحة الصديقة للبيئة في مناطق مختلفة من العالم , مثل مشروع وادي ( دورو ) في البرتغال , و تحت مظلة ( مركز ناشيونال جوغرافيك للتنقل المستدام ) , و مشروع ( كوخ مونتي روزا الجديد ) في سويسرا , و مشروع جزيرة ( خوفاو ) في تايلاند الذي يهدف الى تخفيض انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكاربون CO2 بنسبة ( 5 % ) كبداية , ليصار الى تسجيل انخفاض كبير في هذا المجال مستقبلا , و مشروع جزيرة ( مايوركا ) الاسبانية Majorca – Spanish , و مشروع منطقة ( فو ) بين ( فرفي ) في سويسرا ايضا , بمحاذاة بحيرة ( ليمان ) و المدرجة على قائمة ( اللجنة الدولية للمعالم و المواقع ) التابعة لمنظمة الامم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة ( اليونسكو ) UNESCO منذ عام 2007 . كذلك مناطق ( بادرايشنهال ) و ( بيرشتسنغادن ) في المانيا , المنتمية الى ( البيئة بيرلس ) , و المتكونة من ( 21 ) منطقة موزعة في المانيا و سويسرا و ايطاليا و سلوفانيا و النمسا و فرنسا , و الحائزة على جائزة ( ايكو تروفيا ) . و كلها مشاريع رائدة بحق , و تلتزم بعدد كبير من الاعتبارات البيئية , و تسعى للابقاء على المعادلات الطبيعية على ما هي عليه , و دون تحريفات , و تمس صميم البيئة الطبيعية Natural Environment , و جوهرها و خصائصها الايكولولوجية و البيولوجية ( الحيوية ) .