المحرر موضوع: الشعائر الحسينية : فلسفة إستحضارالألم والتفريط بقيمته...  (زيارة 1557 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Fatin Noor

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 138
    • مشاهدة الملف الشخصي
الشعائر الحسينية : فلسفة إستحضارالألم والتفريط بقيمته...

فاتن نور

لو تأملنا بعض غايات الانسان،مثل النجاح،السلام،الشهرة،النفوذ،الثراء،طلب العلم والمعرفة...الخ، سنرى أن كل غاية من تلك الغايات لا بد وأن ترتبط بغاية الغايات "السعادة"، فهي الغاية التي تدور في فلكها مجمل غايات الانسان وبغض النظر عن مدى نجاح تلك الغايات صغرت ام كبرت في تحصيل تلك الغاية الأم..ولا يبدو هناك من قيمة ترصد لأية غاية انسانية مالم تحقق شكلا من اشكال السعادة او تشق دربا نحوها.. اترك للقاريء تأمل غاياته،فردية كانت ام جماعية، وتتبعها ليرى في اي رافد تصب او لأي رافد تتجه...

تفهم السعادة وتستشعر بمحورين اساسيين هما الألم والغبطة...قد تبدو السعادة للوهلة الأولى اكثر التحاما بالغبطة،كما تبدو اكثر ابتعادا عن الألم، ولكن لو صدقنا بأن الغبطة لا تستشعر مالم نستشعر الألم،فهذا يعني ان السعادة كغاية لا تدرك إلا بعد حدوث الألم او استشعاره،واذا كانت السعادة غاية الوجود،والغبطة ضرورية لتحصيل السعادة،واذا كان الألم ملزما لإستشعار الغبطة،فهل هذا يعني ان غاية الإنسان بالنتيجة هي استحضار الألم لبلوغ السعادة،وأن الغبطة حلقة وصل بين الألم والسعادة!..

قد تبدو صورة الطرح ضبابية وقد تقود الى فهم الانسان فهما مازوشيا!... ولكنها صورة عرجت على الألم كمحور رئيسي في حياة الإنسان وهذا قد ينصف الموضوعية!...

كي نقترب من الصورة بدون تشوش لا بد من مثال...فلنأخذ الشعائر الحسينية كوننا نحتفي بذكرى استشهاد الإمام الحسين بواقعة الطف، ولما في هذه الذكرى من استحضار مهيب للألم..

لنبدأ ببعض التساؤلات:.
... ما الغاية من نبش التاريخ،ما الهدف من استحضار فاجعة من فواجعه وتسويقها في كرنفال ديني قوامة الألم والمظلومية..
إلا يبدو من المؤلم استحضار الألم سنويا بمواكب جرارة ثم التبعثر والعودة دونما غبطة تصلنا بغايتنا الأم او باحد اذيالها او خيوطها.. ما القيمة هنا؟
...سوف لا اخرج البيضة من جيبي وادعي انها بيضة تلك الدجاجة...لذا سأقف على قيمة ثورة الإمام الحسين ومن افواه خطباء الطائفة المعنية ومرجعياتها لنرى وبموضوعية لا بأس بها فيما اذا كانت الشعائر الحسينية بنمطيتها التقليدية المعروفة تنسجم وتتفق مع روح الثورة ام لا،تتقاطع مع قيمها ام تنحرف عنها...


- (..ثورة الأمام الحسين ثورة ضد الظلم والإستبداد تتوارثها الأجيال لاستقاء الدروس واستخلاص العبر....)
ساتفق مع هذا الطرح واسأل: بأية قيمة خرجنا من تلك الدروس والعبر والظلم يحفنا..
هل حققنا غبطة ما بكسر شوكة ظالم،اما ترانا استحضرنا الم الفاجعة التي حطت بتلك الثورة وما حفها من ظلم ونسينا غبطة التصدي كدرس!..
تلك الجموع لا تبكي الحسين بقدر ما تبكي الظلم الذي انهك اجسادهم وبدد احلامهم وهو القاسم المشترك بينهم وبين كل مظلوم،هم يستحضرون الم هذا الظلم بقديمه وجديده ويتمرغون به دونما غبطة..آوليست اقدامهم غائرة في مستنقع الظلم وبأبشع صوره وهم يحتفون بقيمة رجل تحرك ضد الظلم وخرج عليه،اين غبطة تحركهم وخروجهم..!..

- (اول ثورة اسلامية وحركة انسانية ضد استغلال الدين لأغراض الاستبداد السياسي والقهر الجماعي هي تلك الثورة الغراء ثورة إمامنا الحسين..)
..احسنت..هذا ما ساقوله لمن يطرح هكذا طرح..ولكن..قبل ان تنظر في المرآة لترى من يستغل الدين،انظر من حولك وتبصر كمسلم،انظر في احوال العراق،لبنان،فلسطين،مصر،ايران..الخ ،انظر محليا واقليميا وعالميا علك تقف على حجم استغلال الدين بل استنفاذه لأغراض كتلك التي ذكرت،ماذا انجزتم واي درس استقيتم والإستغلال يتضخم ويتدفق في تيارات ومجالس عليا،عصابات ومافيات دينية،هل استحضرتم الم الإستغلال وفواجع الثورة عليه، وتقاعستم عن استحضار معاوله..هل حققتم اية غبطة بتحطيم معول،هل اقتربتم من غبطة النهوض بالدين لا استغلاله..

- ... (وبعد..ثورة الحسين لم تكن هذا وذاك وحسب..فهي ثورة نهضوية اصلاحية ضد الفساد الاداري،ضد الإستحواذ على بيت المال وتبديد اموال المسلمين،ضد استلاب الحقوق وإنتهاب الأرزاق...)
حسنا،لقد ثار الحسين لإنتزاع بيت المال من الطامعين،ثار من اجل العدالة الأجتماعية ،من اجل الحرية والكرامة،لم يقف مكتوفا امام مليشيات الأسواق السوداء،ولا متفرجا على عصابات النهب والتهريب،ولا منتظرا فرجه من الله امام الكروش المتخمة والبطون الخاوية..إن كنا قد اغتنمنا العبرة والدرس..أين غبطة الإصلاح اذن؟..
تلك الجموع المليونية قد حققت تعايشا مميزا مع كل ما رفضه الحسين وخرج عليه ثائرا، فاي غبطة معرفية واية قيمة انسانية بمثل هذا التقهقر..

ما ذكرته هو بعض ما يطرح من فوق المنابر،بعض ما يكتب ويدرس،بعض ما حفظناه على ظهر قلب كقيم لا نقوى على تفعليها ،لا بل لا نقوى على خطها ولصقها على الجدران...واكتفي بهذا القدر فكل ما يطرح على نفس الشاكلة، ورده على نفس المنوال..

لعلنا ندرك بأن قيمة الثورات الأنسانية من قيمة ما تحدثه من اثر في الوعي الجمعي والوجدان العام وما يحدثه هذا الأثر من يقظة تلهب العقل وتثريه وتحركه لصياغة الواقع بشكل افضل.. واذا كانت ثورة الحسين متشبعة بكل ما قد يُحدِث مثل هذا الأثر ومن وجهة نظر الطائفة المعنية على اقل تقدير..فهل يبدو من الانصاف لديها ان يختصر الإحتفاء وتختصر الشعائر بصور التظلم والتركيز على المظلومية، وتختزل بعروض تتمركز حول الإفتتان بحب اهل البيت..هل احدث مثل هذا التركيز والإختزال الأثر المذكور وصاغ للطائفة واقعا افضل منذ استشهاد الحسين لغايته أم انه احدث تورما مأساويا بالأثر الوجداني للثورة على حساب اثرها في الوعي وتأثيرها في ايقاظ العقل وتحريكه لتفعيل القيم التي ثار من اجلها الحسين على ارض واقعنا السقيم..
اية غبطة من تورم كهذا لم يبق من حيز مفتوح في الفنار الحسيني للإثراء بفعاليات ثقافية هادفة وانشطة جادة تستهدف انتزاع قيمة الثورة من قوالبها الخطابية المكررة وصياغتها بقوالب الفعل والتغيير،بحركات الاصلاح والنهضة او التوعية للتحرك بهذا الإتجاه،بحلقات التثقيف والتنمية الفكرية لصناعة الحدث،وكل ما يستنهض الجموع ويشحذ هممهم،يستقطب ويستثمر طاقاتهم لاستئصال مرارة الواقع او السعي الحثيث لإقتناء مباضع الإستئصال بعد التعرف على الصحيح منها....
ترى.. كم تنحرف الشعائر الحسينية بأنساقها المأساوية الموضوعة،عن اهداف ثورة الحسين وقيمها وفي اي اثر تتخندق..
كم تغترف من الشحن العاطفي والسير العكسي على درب الحسين باستحسان الظلم واستحباب التعايش معه كون الحسين مات مظلوما..
كم تقترب من الإفراط بإستحضار الألم والتفريط بقيمته..تساؤلات كثيرة اخشى ان لا تحمل اجاباتها غبطة الصدق..

لا يستحضر الألم من اجل الألم..بل يستحضر من اجل الخروج بقيمة،وكل قيمة تُحدِث غبطة...والغبطة تصلنا بغايتنا الأم او تعبّد لنا احدى دروبها الشائكة..
كل درب نعبده هو احتفاء مهيب بكل ثورات الأنسانية من اجل الإصلاح والنهضة..فكم درب عبّدنا او سنعبّد بشعائر تحمل ثقل الألم ولا تستحضر غبطته!!..

فاتن نور
07/02/01[/b][/size][/font]