المحرر موضوع: هل يمكن إيقاف الإرهاب الدموي المتفاقم بالعراق؟  (زيارة 492 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كاظم حبيب
هل يمكن إيقاف الإرهاب الدموي المتفاقم بالعراق؟

هذا السؤال الذي وضعته عنواناً لهذا المقال يطرح نفسه يومياً على الكثير من العراقيات والعراقيين في الداخل والخارج: هي يمكن إيقاف الإرهاب الدموي المتفاقم حقاً ، أم إنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية الاعتيادية، حيث يفقد المجتمع كمعدل يومي بين 15-25 مواطناً ومواطنة، ويصل عدد القتلى أحياناً إلى أكثر من ذلك بكثير، عدا عدد الجرحى والمعوقين الذي يبلغ أضعاف عدد القتلى؟ والمجتمع لا يخسر الشهداء فقط، بل يخسر الكثير من الجرحى والمعوقين الذين يخرجون من حقل النشاط الاقتصادي الإنتاجي والخدمي بسبب عجزهم عن العمل. هذا السؤال يؤرق العراقيات والعراقيين يومياً وفي كل ساعة، كما أنهم يواجهون أسئلة مماثلة من شعوب العالم، وخاص أولئك الذين يعيشون في دول الشتات العراقي المتعاظم عدداً كل يوم.
ليس هناك من عراقية أو عراقي يستطيع الإجابة عن هذا السؤال بنعم أو لا! إذ إن السنوات المنصرمة برهنت على إن الوعود التي أطلقها كبار المسؤولين بالبلاد لم تخيب كل الآمال وباءت الجهود بالفشل الذريع فحسب، بل إن الأوضاع قد تدهورت أكثر فأكثر ووصلت إلى الحضيض وإلى قتل الآلاف من الناس الأبرياء على أيدي عصابات الدولة الإسلامية الفاجرة التي وجدت حاضنات لها بشكل خاص في المجتمع العراقي، وكذلك على أيدي المليشيات الطائفية المسلحة التي لها حواضنها في المجتمع العراقي أيضاً، ولكن كلها لديها حواضن في دول الجوار وابعد منها أيضاً.
وإذ يتعذر على المواطنة أو المواطن العراقي أن يجيبوا عن هذا السؤال، بسب إرادتهم المسلوبة وحقوقهم المهدورة حتى الآن من قبل الأحزاب الحاكمة، وخاصة أحزاب الإسلام السياسي الطائفية.   فهل هذا يعني أن الإرهاب سيتواصل بالبلاد، وهل سيقتل المزيد من الناس وتدمر المزيد من المؤسسات والمنشآت وتعطل عملية التنمية والتقدم ويعود العراق القهقرى إلى المربع الأول الذي هو فيه بحكم سياسية السلف الطالح؟ وهل ستبقى الدولة بكل مؤسساتها والسلطة التنفيذية عاجزة عن إيقاف نزيف الدم والدموع والمال؟
كما لا يمكن ولا يجوز للظلم أن يدوم من حيث المبدأ، إذ إنه إذا دام دمر، لا يمكن للإرهاب أن يدوم أيضاً، إذ إنه إذا دام إنه والظلم صنوان. كما أن للحالتين مسببات وعوامل قادت إلى بدء بروز الظلم والإرهاب في آن، فأن إزالة تلك الأسباب والعوامل تقود إلى وضع حدٍ لهما أيضاً. ولهذا فلا بد من التفتيش عن الأسباب أو العوامل التي قادت إلى الظلم والإرهاب. وباختصار شديد نشير إلى أن الأسباب الحقيقية تتلخص في الذهنية القومية الشوفينية والدينية الطائفية السياسية التي هيمنت على عقلية حكام العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى الوقت الحاضر من جهة، وسياسات الهيمنة الأجنبية منذ البدايات وفي المسيرة الطويلة للعراق وفي أعقاب إسقاط الدكتاتورية الغاشمة للبعث من جهة أخرى، واستمرار التخندق الطائفي في ظل النظام السياسي الطائفي والقناعة بامتلاك الحق المطلق الذي يصادره كل طرف من أطراف الصراع لصالحه ويعمل على الحفاظ على هذا "الحق!" الذي بيده أو أن ينتزعه بالقوة والعنف من الطرف الآخر لصالحه. هذا هو السلوك الراهن الذي تمارسه القوى والأحزاب الحاكمة التي تتلبسها أيديولوجية دينية وطائفية وقومية شوفينية من جهة ثالثة، كما إن التخلف الاجتماعي وضعف الوعي الفردي والجمعي من جهة رابعة، وغياب الثقة المتبادلة وانعدام تام للثقة بالسلطة السياسية وإجراءاتها وأساليب عملها من جهة خامسة، كلها تشكل الأسباب للواقع الكارثي الراهن. ولا بد من إضافة عامل سادس هو الدور السلبي الشديد التأثير الذي تمارسه دول الجوار على أطراف العملية السياسية بالعراق وعلى أهدافها التي لا تتوافق بأي حال مع أهداف ومصالح الشعب العراقي.
لقد وضعت القوى الوطنية والديمقراطية العلمانية اليد على هذه المشكلات وشخصت مواطن الخلل والجراح النازفة، ولكنها كانت في السابق وما تزال حتى اليوم تواجه مشكلتين هما:
1.   إنها ما تزال ضعيفة وعلاقتها بالجماهير ما تزال واهية، وبالتالي فأن قدرتها في التأثير على مجرى الأمور والأحداث بالبلاد هي الأخرى ضعيفة وضعيفة جداً، رغم صواب الوجهة وحسن النية بشكل عام.
2.   وأن القوى الحاكمة لم تكن في السابق مقتنعة بتغيير نهجها الاستبدادي أو الشوفيني والطائفي معاً، وهي اليوم أيضاً غير مقتنعة بضرورة تغيير نهجها الطائفي وسياساتها، ولكنها مجبرة على ذلك. ولهذا بعض أطرافها الأكثر صراحة والأكثر تمسكاً بالإيديولوجية الشمولية ما يزال مصراً على دفع الأمور بالاتجاه الخطأ حتى النهاية المرة. ونجد من هذا البعض في كل الأحزاب والقوى السياسية العراقية التي تتصدر الساحة السياسية العراقية. والنهاية المرة سوف تكون وبالاً عليها، ولكنها ستكون أيضاً وبالاً على الشعب العراقي كله. وكأني بهذا البعض يصرخ "اقتلوني ومالك!!!".
إن التغيير في النهج والسياسات والإجراءات يمكن أن يحصل عبر طريقين لا ثالث بينهما:
الطريق الأول: أن تقتنع القوى الحاكمة بخطأ وخطر نهجها الطائفي أو الشوفيني أو ضيق الأفق القومي أو بكليهما معاً وتتخلى عنه باتجاه لم الشمل وتشكيل حكومة وطنية تنقذ البلاد من المستنقع الذي وقعت فيه وتكسب ثقة الشعب وتندفع باتجاه تصحيح كل المسارات والتي لا يمكن أن تصحح بين ليلة وضحاها، ولكن الخط العام يشير إلى إنها تسير على نهج جديد.
الطريق الثاني: حين يقتنع الشعب أو غالبيته وقواه الوطنية بأن لم يعد بالإمكان الانتظار أكثر فأكثر وأن القوى الحاكمة لا تريد بأي حال تغيير نهجها، وأن هذا النهج الطائفي والقومي يمكن أن يدمر ومن جديد كل شيء بالبلاد ويحرق الأخضر واليابس معاً، كما هو جار حالياً. وأن لم يعد أمام الشعب سوى النهوض المشترك والانطلاق صوب انتفاضة شعبية عارمة يقرر الحكام أنفسهم طبيعة هذه الانتفاضة بسلوكهم إزاء المنتفضين السلميين الذي نزفوا من الدماء ما يكفي ويزيد وسالت الدموع بما لا يمكن القبول بأكثر من ذلك.
وإذا كان الطريق الأول لا يمكن سلوكه إلا بعد أن يدرك الحكام بأنهم يسيرون في النهج الذي يفتح عليهم طريق الانتفاضة الشعبية التي يمكن أن تكنسهم وتكنس من يقف خلفهم ويساند حكمهم الطائفي المقيت. عندها يمكن أن يفتح درب التحول التدريجي لصالح المجتمع ووحدته ووحدة الوطن. وأن عجزوا عن رؤية الواقع الكارثي ورفضوا التغيير، فمصيرهم سيكون مظلماً وشديد الكآبة وستكون العواقب واضحة لهم قبل غيرهم، يمكنهم قراءتها في تاريخ العراق المعاصر وفي تاريخ الكثير من الشعوب المجاورة وعلى الصعيد العالمي.
وإذا كن الميل صوب الطريق الأول، وتوجد بوادر لرؤية جزئية بخطأ وخطر الطريق المنتهج حتى الآن، فما العمل لتأصيل الوجهة التي يفترض أن تمارس بالعراق؟
إن تشكيل حكومة عراقية دون أن يكون لها برنامج واضح منذ الآن وعلى مستويين من حيث البعد الزمني الآني والمتوسط المدى، وبترك برنامج بعيد المدى لما ينشأ من تحقيق نتائج نافعة ومهمة على المستويين الأولين. إذ إن تشكيل أي حكومة بدون مثل هذا البرنامج يعني دون أدنى ريب وضع الألغام في طريقها والتي يمكن أن تتفجر في كل لحظة بعد انعدام الثقة الذي أنتجته السنوات العشر المنصرمة بين القوى والأحزاب السياسية العراقية.
لا يمكن تصفية الحواضن الفعلية للقوى الإرهابية الفاعلة بالعراق، وبالتالي لا يمكن تهيئة مستلزمات تصفية الإرهاب ما لم تكسب الحكومة التي يراد تأسيسها ثقة الناس على مستوى الدولة الاتحادية وعلى مستوى الإقليم والمحافظات. ولا تأتي هذه الثقة بين الحكومة والناس من مجرد إعلان حسن نوايا الحكومة وبرنامج جيد، بل بالعمل الفوري لبناء الثقة بين النخب الحاكمة والحكومة والمجتمع. وهذا يتطلب البدء بتنفيذ البرنامج الآني بما يمتلك العراق من موارد مالية ضخمة سنوياً تصرف الآن على محاربة الإرهاب أو تنساب إلى جيوب الفاسدين والمفسدين الذين تضخم عددهم بشكل خرافي، وخرافي أيضاً الأرقام التي يتعامل بها الفساد المالي بالبلاد والتي فاقت كل تصور حيث يحتل العراق المرتبة المتقدمة بين عدة دول متهمة بالفساد المالي على الصعيد العالمي، دع عنكم الفاسد الإداري المتفاقم أيضاً.
إن تشكيل الحكومة يفترض فيه أن يتضمن خمس مسائل جوهرية:
1.   وجوه جديدة وليست تلك الوجوه التي استهلكت خلال الأعوام المنصرمة.
2.   وجوه تقنية واعية لمهمات الحقائب الوزارية التي تسلم إليها وتتميز بالنزاهة والابتعاد عن التعصب الطائفي أو التوجه الشوفيني أو ضيق الأفق القومي وقادرة في أن تكون مستقلة فكرياً بقراراتها ومستعدة للعمل الجماعي.
3.   التزامها الصادق بمصالح الشعب وتنفيذ البرنامج المتفق عليه بكل حرص وأمانة، بما في ذلك محاربة الإرهاب والفساد وتوفير الخدمات والعمل للعاطلين...الخ.           
4.   التعاون الوثيق مع الشعب ومع منظمات المجتمع المدني والاستماع للنقد الذي يمارسه الإعلام المستقل.
5.   عدم احتكار السلطة التنفيذية بوزاراتها المختلفة لأجهزة الدولة والإعلام الحكومي بل لا بد من وضعه في خدمة الجميع ودون تمييز وبحيادية عالية.
ويفترض في البرنامج أن يتضمن تغييرا ملموساً في نهج وأسلوب عمل القوى والأحزاب السياسية كلها دون استثناء، رغم التركيز يفترض أن يكون على تلك القوى التي كانت في السلطة ولم تمارس أساليب مناسبة. فليس المطلوب من القوى والأحزاب السياسية كلها ودون استثناء رفع سقف المطالب ولا طرح مطالب تعجيزية تحتاج إلى وقت أطول لمعالجتها، بل الاتفاق على برنامج مناسب يضع القدم على طريق حل المشكلات المعلقة، وبضمنها المناطق المتنازع عليها أو مشكلة النفط التي لا بد من طرح قانون النفط أولاً وقبل كل شيء، وكذلك مطالب المنطقة الغربية والتي يفترض أن يؤخذ الأهم منها على المهم، رغم أهميتها بالكامل. وكل هذه الأمور يفترض أن تستند معالجتها إلى مبادئ الدستور العراقي وليس خارج بنوده، وليس عبر اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية سرية لا يعرف الشعب عنها شيئاً ثم يفاجأ بها وكل طرف يفسرها على وفق ما يشاء ويبقى الشعب حائراً بمن يصدق. وفي الوقت ذاته لا بد من التزام الحكومة الجديدة بمعالجة المشكلات القائمة خلال الفترة القادمة فعلاً، إذ من المتعذر حلها دفعة واحدة بعد كل ما حصل بالعراق خلال الفترة المنصرمة. نحن أمام وضع استثنائي فجزء عزيز من أرض العراق محتل من عصابات مجرمة تقتل الناس يومياً وبأعداد كبيرة. والطائفيون المتعصبون يحمون هذه العصابات بأساليب عملهم الراهنة أو يساهمون في استمرار الحواضن على احتضان الإرهابيين القتلة. 
ولا شك في أن عقد مؤتمر وطني عام تشارك فيه كل القوى السياسية العراقية وبرعاية رئيس الجمهورية وحضور دولي وإقليمي وعربي يمكن أن يقود إلى طرح البرنامج القريب والمتوسط المدى لمعالجة ما يواجه العراق حالياً. وعلينا أن نؤكد بما لا يقبل الشك أن المهمة المركزية الراهنة وبعد تشكيل الحكومة الجديدة هي مهمة تحرير ارض العراق من القوى والعصابات التي دنسته وتلك التي ما تزال تتعاون معه في قتل الناس الأبرياء وتخريب وتدمير التراث العراقي الحضاري وبيوت العبادة. إن تحرير العراق هي المهمة المركزية والخلاص من المليشيات المسلحة الراهنة التي لا تثير الفوضى والعبثية والتدمير. ولا يمكن أن تتم هذه المهمة المركزية إلا بتمتع الشعب بحريته وحقوقه الديمقراطية وتوفير الخدمات والعيش الكريم له.