السيد خوشابا سولاقا المحترم
شكراً لتعليقك، ونظراً لأهمية الموضوع والتعليقات، ولكي أضع حضرتك والمهتمين بهذا الموضوع والذين لديهم النية الصادقة في توحيد مصالح مسيحي العراق من رجال دين وسياسيين وعلمانيين ومهتمين أمام الحقائق الواقعية التي جرت على الأرض، وليس من كتب التاريخ فقط،و لكي يكون الجميع أمام مسؤوليتهم التاريخية لعل هذه الأمور تُدرس من قبلهم بعناية وقلب منفتح وبكل صراحة بعيداً عن المجاملات، لأن الهدف هو سامي وهو توحيد مصالح مسيحي العراق، لذلك أحب أن أوضح المسائل التالية:
قبل عدة ساعات كنت في لقاء مع نيافة المستشار البطريركي مار غريغوريوس صليبا شمعون مطران الموصل للسريان لأكثر من أربعين سنة أي من سنة 1969م، وقد تطرقنا إلى أمور كثيرة ومنها مقترحك، وبيّن لي نيافتهُ:
بعد أحداث سنة 2003م، تم عقد اجتماع في دار الكهنة في قرقوش بدعوة مطران السريان الكاثوليك آنذاك (مار جرجيس)، وقد حضر الاجتماع من رجال دين من كل الطوائف المسيحية، (سريان ، كلدان، آشوريين) مع عدد كبير من ممثلي الأحزاب السياسية المسيحية، وقد طلب نيافة المطران جرجيس من المطران صليبا بالتحدث أولاً بكونه اكبر وأقدم المطارنة، فاقترح نيافة المطران صليبا شمعون أن يكون مسمى الشعب المسيحي هو (سورايا)، وقد لاقى اقترحاه ثناء وموافقة الجميع باستثناء الأحزاب السياسية الآشورية.
وحسب نيافته قبل عدة سنوات عقد موتمر سياسي في عينكاوا برعاية الأستاذ سركيس اغاجان، حضره رجال دين وسياسيين مسيحيين وأكثر من 200 شخص من خارج العراق، وقد وردت اقترحات عديدة منها كلمة (سورايا) كاحد الاسماء للدلالة على المسيحيين ضمن توصيات المؤتمر، وبقي الأمر على حاله (انتهى الحديث بما يخص نيافة المستشار البطريركي صليبا شمعون)
بالنسبة لقرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية
أؤكد لحضرتك وللقارئ الكريم أنه تم اخذ رأي المرجعيات الدينية في العراق آنذاك، ومنهم المثلث الرحمة غبطة بولس شيخو، ومطران بغداد آنذاك المثلث الرحمة قداسة البطريرك زكا عيواص، وغيرهم، وانهالت مئات من برقيات الشكر والثناء للحكومة من رجال الدين والمثقفين السريان والكلدان والآشوريين، وكثرت التصريحات الإعلامية لهم، منها تصريح بطريرك الكلدان بولس الثاني شيخو، وبرقية المطران يوسف حنا يشوع وكيل بطريركية الكنيسة الشرقية النسطورية والرئيس الأعلى للطائفة الآشورية في العراق، وبرقية رئيس وأعضاء مجلس الكنيسة الآشورية الإنجيلية، وعَمَّت الاحتفالات الشعبية والمسيرات كافة المحافظات العراقية التي يسكنها السريان والكلدان والآشوريين، وتناقلت الصحف وصفها كما يأتي: عبَّرَ آلاف المواطنين من الآشوريين والكلدان والسريان عن فرحتهم بقرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية وذلك في مسيرة جماهيرية انطلقت صباح 28/4/1972م من ساحة الطيران إلى وزارة الداخلية في بغداد، ثم تمَّ افتتاح قسم خاص في إذاعة بغداد تبث البرامج باللغة السريانية وتقول: ܠܟܐ ܐܝܠ ܒܪܬ ܩܠܐ ܕܒܜܕܕ ܒܠܫܐܢܐ ܣܘܪܝܝܐ (لخا إيلي برث قالا دبغدد بلشانا سوريايا) أي (هنا صوت بغداد باللسان السرياني)، كما قام عدد من المثقفين العراقيين بإصدار دراسات وتقارير، منها دراسة مالك منصور من قسم الدراسات والتقارير في جريدة الثورة العراق بعنوان "الأقليات السريانية في مسيرة الثورة الظافرة"، وغيرها.
وقد أكد لي شخصياً المرحوم الدكتور بهنام أبو الصوف أن صيغة القرار كانت هي الحد الأدنى المقبول للجميع، تجنباً للمشاكل، وأوحى لي بما معناه أن العلة فينا وليست في الدولة، (أي إن الدولة لم يكن لديها مانع لإصدار القرار بأي اسم يتفق عليه الجميع)، ثم قال المهم أن القرار كان انجازاً تاريخياً لمسيحي العراق.
بالنسبة لتعلق حضرتك لمزيد من المعلومات حول الفرق بين السريانية والآرامية
أنا أشرتُ في مقالين لهذا الأمر
الأول: لغة السريان الشرقيين الكلدان والآشوريين
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,712142.0/nowap.htmlوالثاني: نعم وردت كلمة سريان في الكتاب المقدس والسيد المسيح سرياني وليس آرامي
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,715306.0/nowap.htmlومع ذلك أنا سأكتب مقال مهم جداً بعد مدة قصيرة في موضوع مهم، وسأتطرق لمسألة الآرامية في المقال، لأني ادرس الموضوع من كل جوانبه واجري اتصالات عديدة مع رجال دين ومثقفين في مختلف أنحاء العالم حول الموضوع.
وأنا مستعد لتلبية طلب حضرتك أو أي شخص أو جهة لتفصيل معين أو دراسة متكاملة أو نقاشات بهذا الخصوص، وأتمنى ذلك، ولكن يا أخ خوشابا وبكل صراحة، أنا مستعد لذلك إذا كانت هناك نوايا صادقة من الجميع في توحيد مصالح الشعب المسيحي مثل عُقد مؤتمر خاص أو ندوة أو مقالة مفتوحة بعيدة عن النقاشات البيزنطية والتعصب والطائفية، وأتمنى أن تكون بهمة عالية وتعاون من الجميع ونزع الذاتية، وان يكون هدفها الرئيس مسبقاً هو وحدة المصير والاسم واللغة والتراث..الخ.
وبهذا الخصوص هناك حقيقة وواقع يجب الاعتراف به وقد أشرتَ حضرتك وكثير من الإخوة إلى هذه المسالة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، والمسالة هي:
إن نكبة المسيحيين اليوم هي لأنهم مسيحيين وليس لأنهم آشوريين أو كلدان أو سريان (وقد أشرتُ سابقاً في تعليقاتي لهذا الأمر عدة مرات، ولكن للأسف لم تؤخذ الآراء على محمل الجد)، وإن السياسيين لم ينجحوا في فرض نفسهم على الواقع في هذه المحنة، وكان الدور الأول والأخير هو للكنيسة ورجالها، وهذا واضح كالشمس، وهو أمر طبيعي في مجتمعات إسلامية تحكمها المرجعيات الدينية والقيم الدينية، وأن رأي كاهن مبتدي بسيط أحياناً في هذه المجتمعات لدى الدولة أهم من رأي سياسي محنك،(هذا هو الواقع)، وذكرت في أحد تعليقاتي انه عند زيارتي لعوائل مسيحية بصحبة كاهن يتم توجيه أسئلة للكاهن، وأحيانا يوحي لي الكاهن بأن أجيب على السؤال، ولكن ما أن انتهي من الإجابة، حتى يسأل السائل الكاهن، هل كلام موفق صحيح؟ فإذا لا يؤيد الكاهن كلامي، يبقى جوابي مشكوكاً به (هذا هو الواقع).
لذلك أود أن أقول رأياً مهم جداً جداً استخلصته من خبرتي ونقاشاتي واطلاعي عن كثب على ما يدور في الساحة الكنيسة وبين رجال الدين، وهو:
إن الكنيسة ورجالها في الغرب كانت هي المسيطر التام على كل الأمور كما يعلم الجميع، وعندما اعترض وثار العلمانيون والسياسيون ضد سلطة الكنيسة المطلقة كانوا محقين، وابعدوا تأثير الكنيسة عن الحياة المدنية. فاستقامت الأمور وتطورت الشعوب.
لكن ما يحدث في مجتمعاتنا هو العكس تماماً، فهناك ضغط كبير من العلمانيين والسياسيين والمثقفين على رجال الدين والكنيسة لتبني آرائهم، بحيث لم يعد يستطيع رجال الكنيسة التعبير عن رأيهم بصورة صريحة واتخاذ ما يلزم لمصلحة الشعب بهذا الخصوص، خوفاً من الانتقاد في الإعلام من جهة، وحدوث انشقاقات وتحزبات في الكنيسة من جهة أخرى، وبما أن الكنيسة قد أثبتت أنها الفاعل الأول والأخير في هذه النكبة، لذلك يجب إعطائها حريتها في قول كلمتها التي تراها مناسبة بعيدا عن الضغوط السياسية والعلمانية. لأن رجال الدين وناهيك عن أنهم اثبتوا أنهم كانوا الفاعل الرئيس، فهم متساهلون أكثر من العلمانيين في مسالة الوحدة وتجاوز الخلافات، كما أنهم بكونهم رجال دين لا يستطيعوا أن يتجاوزا بعض الحقائق المهمة مثل السياسيين والعلمانيين.
هذا ما استطعت أن اكتبه باختصار، والموضوع طويل كما تعلم حضرنك.
وشكراُ