عزيزي لوسيان لايمكن فهم وتفسير التاريخ على اساس عقلية اليوم
بما ان بقية المداخلات الموجهة لي تدور حول نفس الجملة فانني ساقتبس من الاخ سامي.
انا لست ضد هذه الجملة ولكنها ناقصة ولا اعرف ماذا افعل بها؟ اذا كنت لا تريد فهمها وتفسيرها حسب مقايس اليوم فحسب اية مقايس تريدها؟ هكذا جمل كما قلت لك اعلاه يستعملها المؤرخين المختصين في مادة التاريخ ولكن ليس العلماء وفلاسفة العلم اللذين يضعون القواعد والمنهج والنظرية. واذا نظرت الى مداخلة الاخ اشور ستجد انه اقتبس من مؤرخ وهذا المؤرخ يفسرها بمقايس اليوم ومن ثم يعمل مقارنات ويقول اذن ينبغي ان لا نستعمل مقايس اليوم, فما هي الفائدة وما هي النتيجة اذن؟ فهو كل ما يقوله اننا لا نملك مقايس, ولكن نتيجته هذه خاطئة لان اي شخص سيقول لهكذا مؤرخ من الصحيح ان المقايس خلال التاريخ تتغير وقد يبدو هذا اننا لا نملك مقايس ولكن مع هذا لكل حقبة زمنية مقايسها والا لن يستطيع اي شخص ان يقرر اي شئ, فاي شخص يقرر يمتلك مقايس حتى لو كان مجنون.
المقصود بعدم تفسيرها بمقايس اليوم هو عدم تغيير الماضي هذا لان الماضي كان يمتلك مقايس اخرى. فانت عندما تغيير المقايس فانت تنفي وجود تلك المقايس في الماضي وهكذا انت تنفي وجود الموضوعية في الماضي وبالنتيجة ستقضي على الموضوعية نفسها والتي لا تقبل بها المؤوسسة العلمية لكونها تعتبر القواعد والمناهج بانها موضوعية والتي بدونها لن تستطيع المؤوسسة العلمية تسير اي شئ. ولكن كل هذا امر صعب ويحتاج الى عدة صفحات للتوضيح.
ومعنى هذا اذا كنت تريد ان تفسر الماضي فعليك ان تستعمل نفس المقايس في ذلك الزمن الماضي, هنا ماذا ستكون النتيجة؟ وكيف سيكون التفسير؟ سنقول بان كل ما جرى في الماضي من قتل واستيلاء على الاراضي وحروب وسبي وتهجير بانها كانت افعال صحيحة. ستسال لماذا؟ لان ليس هناك شخص في هذا العالم يفعل اشياء يعتبرها خاطئة حتى لو كان هذا الشخص مجنون. ما تقوم به داعش لا يعتبرها اي داعشي افعال خاطئة وانما يعتبرها صحيحة.
وهنا الموضوع يتعقد فاما ان تستعمل مقايس اليوم وتعتبر ما جرى في الماضي من افعال بانها كانت خاطئة وهكذا تكون ايضا قد قتلت الموضوعية كما شرحت اعلاه وهو شرح وضعته بشكل متقصد لاشير الى مدى صعوبة الموضوع. او انك ستستعمل مقايس الماضي وستعتبر ما حدث من افعال كالقتل وسبي بانها كانت صحيحة.
بمعنى انك لا تستطيع ان تختار مقايس اليوم لتعتبرها صحيحة ولا تستطيع ان تستعمل مقايس الماضي لتعتبرها خاطئة.
ربما ستسال ماذ اختار انا؟ انا ساختار مقايس الماضي وهذا له علاقة باسباب اخرى: ما تشرحه الصحف مثلا عن ان النازية في المانيا كانت خاطئة هو في الحقيقة تزوير للماضي لاننا لو نظرنا الى تلك الفترة سنجد فيديوات وفيها الالمان يفرشون الورود اما هتلر ونجد ايضا دول اوربية اخرى يصفقون لما نسميها اليوم بالفاشية.
وهذا يشمل العراق ايضا. العراقيين ومن بينهم الكتاب اللذين يكتبون هنا كل ما يكتبونه هو تزوير للماضي لان في تلك المرحلة نجد في بدايتها ايضا فيديوات والعراقيين يرقصون امام صدام حسين ويهتفون له ونجد الكثيرين مؤمنين بشعارات ومتمسكين بثقافة تسمح بقتل المختلفين في الراي الخ.
لذلك فمن الافضل القول بان العراقيين كانوا يعتبرون كل افعال تلك الفترة بانها كانت صحيحة وهي بالفعل كانت هكذا في تلك الفترة وذلك حتى ينظرون الى انفسهم ويفكرون بما هم ايدوه وامنوا به ونشروه.
ما يقولونه اليوم بانها كانت افعال خاطئة هو تزوير للماضي وعبارة عن كذب. فكما قلت ليس هناك شخص حتى لو كان مجنون يفعل شئ ويعتبره في نفس الوقت خاطئ. ومن هنا فمن المفترض على الكتاب اللذين يكتبون اليوم ان يعترفوا بحقيقتهم كما كانت في انهم كانوا يؤيدون عدة ممارسات ويعتبرونها صحيحة. وهذا بالطبع يشمل ايضا بقية العراقيين اللذين كانوا يعيشون في تلك الفترة وهي فترة الانقلابات وما تلاها.
ولكن لان لا احد يفعل ذلك فلا خيار اخر لي سوى استعمال مقايس اليوم