المحرر موضوع: قصص محزنة من مخيم “مارت شموني” في عنكاوا... نازحـون تركـوا ديارهـم واحلامهـم ليجـدوا انفسهـم بخيمـة في العـراء  (زيارة 3556 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الصباح الجديد
اربيل – سندريلا القيسي:
عدسة: سبأ الشاوي

معذبون في آمالهم، اغراب في حياتهم، خائفون، مهددون، ملاحقون، كل شيء قد توقف في حياتهم ، ولم يبق لهم الا الدعاء الى الله، تلك هي حالة من اجبرتهم ظروف الغدر لأن يتركوا مدنهم وبيوتهم واماكنهم للهجرة والنزوح خارجها هربا من عصابات مجرمة لاتعرف الرحمة والانسانية، عصابات داعش ومن معها اجرمت بحق ملايين العائلات، قتلت ودمرت وفتكت واستباحت الارض والعرض من دون هوادة وكأنها وحوش كاسرة تريد ان تحول الحياة الى موت، والأمل الى شقاء، والفرح الى بؤس، فهي هكذا، تعيش الموت وكأنه حياة، لاتعرف ماذا تريد ومن هي والى من تنتمي، غوغائية شيطانية هجرت الاف العوائل من مدن كانت هي ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، الرمادي تكريت الموصل ديالى تلعفر جرف الصخر وبشير ومدن اخرى تركها اهلها تبكي بصمت حزنا على ناسها وعشاقها وتأريخها، فليس من السهولة ان تغادر ارضك مجبرا، وليس من الحق ان تنام في العراء ولك المال والجاه ، وليس انصافا ان تحتل الوحوش اماكن الناس الطيبة والوديعة، رجال، نساء، اطفال، شيوخ، مرضى ومعوقين اصبحوا اليوم من دون مأوى ولا معين، واخوة لنا في الخلق جعلهم الله مثلنا في الارض لهم دينهم ونبيهم وكتابهم، ابناء المسيح والايزيديين، طالتهم ايادي الشياطين وهجرتهم عنوة من مدنهم ومساكنهم واستولت على كل ممتلكاتهم بحجج لايستطيع حتى الكفرة ان يطلقوها، كارثة انسانية لم يشهدها العراق على مر العصور والازمنة، وفعل شنيع ارتكبته عصابات داعش المجرمة وكل من ساندها ودعمها وسوق لها، فتلك هي الرذيلة، وذلك هو الاجرام، وهذا هو ماارادته بعض الاطراف التي سيكشف التأريخ والزمن عناوينها ومسمياتها وانتماءاتها، فالحقائق لاتموت، لأنها هي التي ستكشف حقيقة البغائض ومن صنعها ولأي شأن كان يروم.

“الصباح الجديد” وانطلاقا من دورها الاعلامي والمهني والانساني كان لها حضور في مواقع عديدة من سكن النازحين، تعايشنا معهم وتعاطفنا مع همومهم وتألمنا لاوضاعهم وتبصرنا حقيقة حياتهم، خيم لاتقي من حر ولاتحمي من برد، مستلزمات حياة متهالكة ولاتسد الحاجة على الاطلاق، اهمال في الرعاية والمتطلبات، انعدام لابسط شروط المستلزمات الصحية، وشعور بالخوف والتردد من القادم من الزمن، لكننا وبالرغم من كل ذلك تحسسنا اصرارهم على الحياة وتمسكهم بأرض العراق لأنها كما يؤكدون وبألم، انها ارضنا، وهي مستقبلنا.

لم يدر في خلد ام يوسف المتزوجة حديثا والنازحة من قضاء الحمدانية في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، انها ستلد مولودها الاول في مخيم للنازحين في ناحية عينكاوة بمحافظة اربيل، لكن الواقع اغرب من الخيال، كما يقول الروائي الكولومبي غارسيا ماركيز..

فقد اضطرت للنزوح من قضاء الحمدانية في الموصل في السادس من آب الماضي مع زوجها وهي حامل بطفل في شهره التاسع، تاركين خلفهم دارهم ومقتنياتهم واحلامهم المستقبلية، لتجد نفسها في خيمة صغيرة بحديقة مارت شموني في ناحية عينكاوة في اربيل ، وتلد مولودها الاول الذي اطلقت عليه اسم “يوسف” الذي جاء الى دنيا النزوح المفاجيء وهو مصاب بفتق يقول الاطباء انه نتيجة رحلة النزوح المضنية ، قالت والدته للصباح الجديد “اضطر الاطباء الى ان يجروا له عملية في شهره الرابع ، فيما عجزنا عن اجراء القسم الثاني من العملية بسبب الفاقة والعوز”، واضاف والده وهو يتطلع الى يوسف بعينين حزينتين داخل مهده وسط الخيمة ” اجرينا العملية الاولى بمساعدة من اخيار الناس وننتظر مساعدات لاجراء القسم الثاني من العملية”.

حديقة مارت شموني التي تبلغ مساحتها نحو اربعة آلاف متر مربع في ناحية عينكاوة وتقع امام كنيسة باسم “مزار مارت شموني” التي يطلق عليها الاخوة المسيحيون القديسة شموني التي استشهدت في زمن ملك انطاكية الطاغية أنطيوخس ، بعد أن رأت بام عينيها الطاغية وهو يعذب اولادها السبعة ويقتلهم، وورد ذكرها في الانجيل بانها “المرأة الجبارة في إيمانها وثباتها وعاطفتها”.

احتضنت حديقة القديسة شموني أكثر من ستمائة نازح من مدينة الموصل واطرافها وخصوصا من ناحيتي قرقوش والحمدانية توزعوا على مجموعة من الخيم الصغيرة المتقاربة والتي تفصل بينها دروب ضيقة تسمح بمرور الاشخاص ونقل الماء والغذاء.

يقول أبو مروان الرجل السبعيني والنازح من مدينة الموصل ” انا اب لتسعة افراد ، اضطررت بعد دخول داعش الى المدينة الى الفرار بسيارتي القديمة وفي الطريق الى اربيل اعترضتنا سيطرة مفاجئة لداعش واخذوا كل شيء منا ، النقود والذهب والساعات والموبايلات، ووصلنا الى اربيل ،ولم يكن في جيبي دينار واحد”.

واستطرد وهو يعب نفسا عميقا من سيجارته وينفث دخانها نحو الارض “خدمتني المصادفة هنا بالعثور على احد الاصدقاء الذي ساعدنا ببعض المال، ونحن جميعا في خيمة واحدة”.
واضاف “هذه مصيبتي الثانية، فلي خدمة في الجيش العراقي السابق مقدارها 28 سنة ،وعند حل الجيش بعد 2003 بقيت بلا مورد ، وعندما اكملت معاملة احالتي الى التقاعد ، خدعني أحد الموظفين واخفى معاملتي والى هذا اليوم لاأعرف مصيرها”.

وعن اوضاعهم في مخيم شموني قال ” الاوضاع بائسة خصوصا مع موسم الشتاء والامطار “، مشيرا الى ما خلفته امطار الايام الماضية في المخيم الصغير.
صمت قليلا واستطرد ” استدنت مبلغا من المال من صديقي للذهاب الى بغداد والحصول على جوازات سفر الى عائلتي والهجرة الى خارج البلاد ، الا ان الاوراق التي طلبوها مني في بغداد غيرمتوفرة معي بسبب السرعة التي تركنا فيها بيتنا في الموصل”، واضاف بعصبية ” لقد تعاملوا معي في دائرة الجوازات كما لو اننا في اوضاع طبيعية “. وعندما سألناه عن السبب الذي منعه من طلب جواز سفر من اربيل ، استغرب الرجل وقال “لاادري”

وكانت المديرية العامة لجوازات السفر في أربيل قد اعلنت ، أن آلاف النازحين يقبلون على استصدار جوازات السفر من المديرية لغرض الهجرة إلى خارج العراق.
وقال العميد الحقوقي ديدار عمر قادر، مدير جوازات محافظة أربيل، في تصريح صحفي سابق إنه “بموجب أمر إداري من المديرية العامة للجنسية في بغداد، حدد يوم السبت من كل أسبوع موعدا لاستقبال المراجعين من النازحين الموجودين في إقليم كردستان، وبعد استحصال الموافقة من وزير الداخلية في إقليم كردستان، بدأنا بتمشية معاملات النازحين في مديرية جوازات أربيل منذ 31 أغسطس (آب) الماضي”.
وأوضح أنه “على النازح أن يجلب معه الجنسية العراقية وهوية الأحوال المدنية وصكا بمبلغ 25 ألف دينار إلى جانب بطاقة السكن، ولا نطلب منهم أي كتاب تأييد من وزارة الهجرة والمهجرين، فقط المستمسكات الرئيسة الأربعة التي ذكرتها. أما بالنسبة للذين فقدوا هذه المستمسكات فلا توجد أي تسهيلات لهم، لأنه وبحسب قانون الجوازات يجب على المواطن جلب الجنسية العراقية والوثائق الرئيسة الأخرى وإلا لا يمكن منحه هذه الوثيقة”.

تركنا ابو مروان محملا بهمومه والتقينا بالنازح يلدا توما البالغ من العمر 65 عاما الذي شكا من ان داره المكونة من ثلاث طبقات في منطقة قرقوش اصابها صارخ اعمى كما سماه، ومع اشتداد اعمال القصف ، يقول توما ” اضطررت مع عائلتي المكونة من تسعة اشخاص الى النزوح في السادس من شهر آب الماضي”، مضيفا ” تركنا كل شيء خلفنا ونجونا بانفسنا وها نحن الآن في خيمة صغيرة بعد ان كنا معززين مكرمين في بيتنا ومدينتنا” .

وعن الخدمات التي تقدم لهم هنا قال مستاءا “المساعدات قليلة ، ووجبة العشاء التي تقدم لنا عبارة عن 3 ارغفة من الخبز او الصمون وعلبتين من تونة ” وتساءل حزينا ” هل هذه وجبة لعائلة من تسعة افراد؟”.

ومن منطقة قرقوش نفسها استمعنا الى حكاية الالم العراقي من عائلة مسيحية مكونة من 20 شخصا بين اخ وابن اخ وعم وام واب ، وقد توفي لهذه العائلة احد ابنائها البالغ من العمر عشر سنوات ، وهو مصاب بمرض السرطان وتم دفنه في مقيرة عينكاوة ، ولديهم ثلاثة معوقين حائرين بهم ولا امكانية لديهم لعلاجهم ، يقول رب الاسرة للصباح الجديد ” فقدنا كل شيء” لكنه استدرك ” الحقيقة لقد سرقوا كل شيء في بيتنا ،ولم يبق لنا اي شيء على الاطلاق”.

ومن صور التضامن الشعبي بين النازحين ان احد النازحين ويدعى في المخيم باسم “مهدي” استطاع نقل 70 نازحا من قضاء الحمدانية التابع لمدينة الموصل بسيارة الحمل التي يمتلكها ، وانقذهم من موت مؤكد على ايدي تنظيم داعش الارهابي قال مهدي ، بانه حشر في سيارة نقل خاصة له نحو 70 شخصا من اهالي الحمدانية من الرجال والنساء والاطفال .

واضاف بانه استطاع الوصول بهم الى سيطرة اربيل ،وقد تأخروا نحو تسع ساعات حتى استطاعوا الدخول واردف ” ان السبب ليس الاجراءات وانما الاعداد الهائلة من النازحين الذين توافدوا على اربيل بعد سيطرة داعش على مناطق كثيرة من الموصل” واوضح ” نشكر اقليم كردستان على استيعابه للعدد الكبير من النازحين ” .

وبحسب القس المسؤول عن كنيسة مارت شموني ، المقابلة للمخيم ، فان الكنيسة تتسلم المساعدات من المنظمات الدولية والمجتمع المدني والخيرين ممن يستطيعون تقديم المساعدة ” .
واضاف للصباح الجديد ” نقوم فيما بعد بتوزيع المساعدات العينية على نازحي المخيم حسب الحاجة “، وبالنسبة للاموال قال ” لانوزع اموالا وانما نتسلمها من التبرعات ونؤمن للنازحين ما نستطيع من الحاجيات من بطانيات ومأكل الى غيرها من الحاجات”.

وبرغم الظروف الصعبة والمآسي التي يعيشها النازحون في عينكاوة الا ان مسيرة الحياة تستمر وتتواصل وتلك هي سنّة الحياة ، يقول القس ” منذ وصول النازحين الى عينكاوة وتوزيعهم على المدارس والمولات والكنائس ، عقدت اكثر من مائة عقد قران بين الشباب والشابات من النازحين ، والقسم الكبير منهم كانوا في فترة الخطوبة عندما نزحوا من مدنهم واتموا بقية المراسيم هنا في عينكاوة”.
واضاف ” كما شهدت عينكاوة ايضا اكثر من مائة حالة ولادة جديدة ” ، وحسب بعض النازحين فان سلطات المستشفيات لاتسجل لهم بيانات ولادة، وان عليهم تسجيلهم في محافظاتهم عند عودتهم ..واوضح القس انه لم يسجل سوى 15 حالة وفاة بين النازحين .

واخيرا ليس من كلمة اقولها الا ان بعض المسؤولين في بغداد زاروا مخيم مارت شموني وكذلك من محافظة اربيل ، الا ان الاوضاع بقيت كما هي ، حسب قول النازحين، والذين اكدوا ان ايا من العائلات في هذا المخيم لم يتسلموا منحة المليون دينار التي اقرتها الحكومة الاتحادية!!

تركنا نازحي مخيم مارت شموني ، يزيحون مياه الامطار منعا من دخولها الى خيمهم ، وهم يحلمون باليوم الذي يعودون فيه الى ديارهم ، برغم ان معظهم يعتقد ان بقاءهم سيطول وقال احدهم وكان مسترخيا على كرسي امام خيمته ” تعالوا بعد ثلاث سنوات وستجدوني في المكان نفسه”!!
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية