وماذا عن الكهنة والكهنة الرهبان المُسَرَبين!
بولس يونان
25.10.2014
اولا يجب علينا جميعا ان نشد من عزيمة غبطة البطريرك مار لويس ساكو في هذا الجانب وتصميمه على ارجاع المياه الى مجاريها ليس في هذا الجانب وحسب ولكن في كل الانحرافات التي حصلت في الكنيسة في فترة سباتها او تقاعسها خلال الفترة بعد عهدة المثلث الرحمة مار بولس شيخو. ان ما يجب ان نشد عليه هو اعادة جميع الانجرافات وليس فقط اعادة وتصحيح وضع الكهنة والرهبان " الخارجين عن القانون" كما يحلو للبطربركية تسميتهم.
تقادم القضية
يظهر من توضيح كل حالة للكهنة " الخارجين عن القانون " فان تهمة بعضهم قد مضى عليها اكثر من ربع قرن كما في حالة الاب نوئيل اسطيفو وبعضها حديث العهد كما في حالة الاب ايوب ادور. ان هكذا نوع من الجرائم وبهذه المدة الطويلة التي مضت على اقترافها تسقط تهمتها بموجب تقارم اقتراف الجرم. ولماذا هذا السبات الطويل والتغاضي عن قضايا السابقين رغم مرور كل هذه المدة الطويلة وهل ان البطريركية قد خضها الكابوس وفاقت فجأة على وقع المأساة!.
حسب علمي فان احد الاباء المشمولين بقرار الايقاف كان حاضرا في اجتماع غبطة البطريرك خلال اجتماعه بكهنة اوروبا الكلدان في اجتماعي استنبول وروما, أَلَمْ تكن البطريركية على علم بأن ذلك الكاهن متهم بجرم الخروج عن القانون قبل هذين اللقائين؟.
لماذا الان؟
اعتقد ان حيثيات القرار البطريكي لم تكن مباشرة تعني الكهنة والرهبان المذكورين في ذلك القرار, لان اغلبهم يعمل بصورة رسمية في خدمة الطائفة في الخورنات والارساليات في اوروبا واميريكا والتي هي بحاجة فعلية الى عملهم. هل قرار البطريركية وبهذا الوقت بالذات هو ضربة استباقية للخوف او ربما لتفادي ما هو قادم وهو هروب او بالاحرى احتماء الكثير من الكهنة الموجودين حاليا في العراق بمظلة الحماية التي توفرها دول الغرب لمن يتمكن للوصول اليها, حالهم حال كل المسيحيين العراقيين على المدى البعيد او اغلبهم على المدى القريب لبضعة السنين القادمة.
وماذا عن الكهنة المُسَرَبين
بما ان القضية اثيرت على هذا المستوى, لماذا لم تتطرق البطريركية الى قضية الكهنة المُسَربين الذين كان رؤساء الكنيسة الكلدانية قد عملوا على تسريبهم الى الغرب بسبب العلاقات العائلية او اسباب اخرى لتفادي نتيجة غير مرغوبة في حالة بقائهم. ان حال هؤلاء يذكرنا بوضع الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية خلال الحرب العراقية الايرانية, حيث كان يُعدم الجندي الهارب من جبهات القتال بينما كان يُكرم الجنود المُهَرَبين من اقرباء القادة او من الميسرين الذين كانوا بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا. حيث كانوا لا يداومون بعدد حجج ومهمات وارساليات وهمية وحتى بعضهم يعمل لدى زوجات القادة!. ان كلا الصنفين يعتبر هارب بالعرف العسكري ولكن يُعدم الاول ويُكرم الثاني بأنواط شجاعة واستحقاق ليس نتيجة بطولات في ساحات القتال ولكن بطولات من نوع آخر في معاقل تهريبهم و جراء خدمته لدى حاشية الآمر. ان هذا ينطبق تماما على صنفي الكهنة الخارجين عن القانون والمُخَرَجين من القانون.
ازدواجية العائدية
لا اعرف مدى التنسيق الذي حصل بين البطريركية واسقفيات الغرب قبل اتخاذ قرار الايقاف هذا, لان بدون هكذا اتفاق يعتبر هذه القرار حبرا على ورق كما يقال, لان كل هؤلاء الكهنة لا يتبعون البطريركية الكلدانية اداريا وانما الاسقفيات اللاتينية التي يعملون فيها. انهم يتبعون الكنسية الكلدانية فقط من ناحية الطقس, اي ان تقديم خدمة الاسرار يقوم بها الكاهن الكلداني وحسب الطقس الكلداني اما تسجيل الاسرار والتوقيع على حدوث السر وتسجيله يقوم به راعي الكنيسة اللاتيني في الرعية التي يعمل فيها الكاهن الكلداني ضمن الارسالية وبذلك يعمل الكاهن الكلداني تحت رعاية الكاهن اللاتيني للخورنة تلك.
بدون تنسيق مسبق بين البطريركية ورئاسة اسقفية كل بلد من بلدان الغرب (واعتقد ان ذلك قد حدث ) فان اي اسقف لاتيني يستطيع ان يتجاهل امر البطريركية بشأن الاباء والرهبان المشار اليهم والذين يعملون تحت امرته.
نظرا لتواجد غالبية الكلدان في دول الشتات فان على الكنيسة الكلدانية ان تعيد ترتيب امور بيتها الداخلية وتنسق توزيع القيميين على الخدمات الكنسية بحيث لا تظهر بان رعاياها في الخارج هم عاصين او ثقل غير مرغوب فيه ومفروض عليها. وكان بامكانها ان تلجأ الى صيغة تدوير عمل الكهنة وحتى الاساقفة وذلك بعملهم بعض الفترات في الداخل ومِثْلَها في الخارج وليس كما هو الحال الان من وجود ممالك وامبراطوريات حاكمها او صاحبها هو الاسقف ضمن اسقفيته والكاهن ضمن خورنيته حتى اصبحت تعرف المنطقة الاسقفية باسم اسقفها والكنيسة باسم كاهنها.
ارجو ان تكون عودة الابوين بولس حزيران ويوسف لازكين فاتحة للتبادل الدوري لمواقع الكهنة والاساقفة وعودة كل الخارجين عن القانون والمُخَرجين من القانون وليس بموجب صفقات او شروط مسبقة!.
هل المهاجرين خارجين عن القانون
ان انقراض مسيحيي الشرق امر لا بد منه وهو مسألة وقف ليس الا !. كل انسان بصير فهيم متتبع لوضع المسيحيين في بلدان التطرف الاسلامي لا يتوقع غير مصير مهلك للمسيحيين ان اصروا على البقاء او بالاحرى ان اصرت قياداتهم الدينية على ذلك. انه زحف التاريخ, ان المسيحيين قد لفتهم دوامة العنف الاسلامي فان لم تبتلعهم فانها تقذفهم وتلفظهم وفي كلتا الحالتين نهاية للوجود المسيحي.
رغم النظرة السلبية التي يحملها غبطة البطريرك ساكو عن مسيحيي الشتات فان مستقبل المسيحيين هو اما رسوهم على سواحل الامان في دول الشتات او هلاكهم وفنائهم بفعل مسلمي تطبيق الشريعة, فان المنفذ الوحيد المتبقي امام الباقين من المسيحيين هو التجاؤهم الى دول الشتات قبل ان يحل ما هو مكروه.
عفوا سيدي البطريرك ليس كل الذين هاجروا بلا كرامة كما انه ليس كل الذين بقوا اصحاب كرامة. ان بعض الاوصاف السيئة كما في بعض تصريحات بعض الرؤساء سواء الدينيين او اصحاب الدكاكين السياسية تنعكس عليهم فأين كرامة المسيحيين المهجرين او الكثير منهم لعدم التعميم في الوضع الكارثي الذي هم عليه الان؟ انني لا يمكن ان اشكر دجلة والفرات اذا لم يتكرما علي بقطرة ماء عند عطشي, كما انني لا يمكن ان لا اشكر كل نهر او جدول في بلد اغترابي عندما يفيض علي سيلا من الماء عندما اطلب منه فقط قطرة تروي عطشي.
رغم الحالة الدونية الذمية التي يعيشها المسيحيون في العراق فان سبب عدم انقراضهم لحد الان يعود لطبيعة نظام الحكم في كلا حكومتي المركز والاقليم وبعض المصالح الاقليمية والدولية بعيدا عن الشعور بالمسؤولية تجاههم. حيث تعمل حكومة بغداد جاهدة على ابقاء المتبقي من اهل الذمة واهل الدونية لكي تديم تلون باقتها القبيحة ولكي تظهر وجود مساحة من التعددية والتسامح في الوسط الشيعي وقبولها للتنوع الاثني وتظهر للرأي العالمي بأنها حكومة مؤسسات وحقوق المواطن مقابل تشدد الوسط السني وتوجهه نحو القطبية وتنكيله بالمواطنين الذميين والدونيين وعدم تحمله وجود هذه الاقليات في وسطه. اما في الاقليم فان وضع المسيحيين افضل بكثير من اقرانهم في المركز وذلك لسبب واحد فقط وهو وجود حكومة قوية تمتلك مؤسسة امنية قوية و متشعبة تعمل بنظام الانظمة الشمولية وهي حالة صحية للعمل في محيط شعوب تتبنى صيغة التبعية الابوية. ان اي خلل في هذا النظام يعني مأساة وربما مذابح رهيبة سوف يتعرض لها مسيحيو الاقليم ربما تكون اسوأ من مجازر سيفو ايام السلطنة العثمانية او اسوأ مما تعرض له الايزيديون في الهجمة الاسلامية الاخيرة.
قرارات ليست في محلها
لقد كتب الكثيرون عن هذا الموضوع ورغم احترامي لموجبات البطريركية باصدار هكذا قرارات وفي العلن فانني اعتقد ان هذا القرار لم يكن في محله وكان يمكن ان يعالج بطرق اخرى وبموجب اتصالات ثنائية وعند عدم النجاح كان يمكن تشخيص سبب فشل كل حالة على حدى, الا اذا كانت الغاية منه صرف النظر او الهاء الناس عن الاهتمام اوالتركيز على حالة المسيحيين المهجرين واتهام الكثيرين لكلا من السلطة الدينية والاحزاب في التقصير في واجباتهم تجاه احتواء وقع الكارثة. ان هكذا عمل خبيث يمكن ان يقوم به السياسيون ولكن لا اعتقد ان السلطة الدينية تقصدت طرح موضوع الكهنة الخارجين عن القانون لكي تغطي على الواقع المرير الذي يعيشه المسيحيون. ان الكنيسة حسب معطيات الواقع لم تتقاعس في مجملها في القيام بمساعدة ابنائها من المهجرين على ما اعتقد وان جهودها في العموم كانت واضحة.
بما ان البطريركية الكلدانية قد اخذت على عاتقها تحمل الجزء الاكبر من ثقل المأساة ولعدم امتلاكها اعلام مهني محترف يقنع القاريء او المحلل بارتكازها على ثوابت مقنعة وقانونية في اتخاذ هكذا قرارات فانها سوف تبقى عرضة لنقد المحليين وتشكيك المتشككين وكذلك هجوم اعدائها.
هل للمسيحية وطن
عندما يقول المسيح :" انا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح ..." فانه يعني ما يُوَدُ ايصاله لاتباعه. ان مثل الراعي الصالح يمكن ان يُفسَر بحال الكنيسة في اي مكان. فالمسيح هو الراعي الصالح والخراف هي الرعية والكنيسة هي المرعى وبذلك يعمل الراعي الصالح على الحفاظ على رعيته وتوجيهها نحو المروج الخضراء وبذل نفسه بدلا عنها في اوقات الشدة. ان المنطقة التي يتواجد فيها المسيحيين في العراق خاصة والدول الاسلامية عامة هي ليست بالمرج الاخضر الصالح للرعي بل انها صحراء قاحلة مليئة بالوحوش والكواسر المفترسة وامام هكذا وضع يتبين الراعي الصالح الحريص على رعيته من غيره اما بتوجيه رعيته نحو المروج الخضراء الامينة وقيادة رعيته الى بر الامان باقل الخسائر أَو التعرض لما هو قادم وهو مخيف.