إفراغ المسيحيين من مناطقهم التاريخية وفق "نظرية المؤامرة"
====================================لماذا تُرسل قوات البيشمركة إلى كوباني بينما مدن كردستان والمحيطة بها محتلة ومهددة من قبل داعش ؟؟؟أبرم شبيرا
بمباركة إقليمية وعالمية أرسلت القيادة الكردية قوات البيشمركه إلى مدينة كوباني (عين العرب) في شمال شرقي سوريا لمساند قوات الحماية الكردية في حربها ضد تنظيم داعش الأرهابي الذي يكاد يحتل المدينة برمتها في الوقت الذي هناك مدن وقصبات في سهل نينوى متاخمة لحدود إقليم كردستان العراق وبعضها كان تحت هيمنة وسيطرة قوات البيشمركة تركتها هذه القوات وهُجر سكانها إلى المناطق الشمالية نحو العراء وعلى طريق هجرة وطنهم التاريخي إلى الخارج... سؤال محير والإجابة عليه أكثر حيرة... يترك البيشمركة أراضيه في العراق محتلة من قبل تنظيم إرهابي مهدد لوجود الكورد في الأقليم ويتجحفل مع قوات الحماية الكردية في سورياً لمحاربة داعش، ومن المعروف عن قوات البيشمركة بأنها أكثر القوات العراقية المنظمة والمدربة والمجربة في الوقت الذي نرى بأنها تتجنب مواجهة داعش مواجهة فاعلة وجدية، وهو الأمر الذي زاد من حيرة هذا التصرف والإجابة على التساؤل المطروح.
من المؤكد بأن هناك غايات من وراء هذه الخطة تصب بالدرجة الأولى في مصلحة اللاعبين الأساسيين في هذه الزوبعة يطمحون من وراءها أهداف إستراتيجية، وهي أهداف وسياسات نجهلها ونحن في موقع بعيد عن مراكز ومصادر صنع القرار السياسي والعسكري لهذه العملية العسكرية. ولكن إنطلاقاً من نظرتنا للأمور الحالية والمفجعة التي ألمت بشعبنا المسيحي "الكلداني السرياني الآِشوري" في العراق يستوجب علينا أن ننظر إلى هذه العملية العسكرية برمتها، أي من حيث ترك البيشمركة لقوات داعش أن تحتل البيت وتذهب لمحاربتها خارج البيت، من منطلق لم يترك لنا خيار غير أن ننظر أليها من زاوية "نظرية المؤامرة" الهادفة إلى تهجير المسيحيين من مناطقهم خاصة في سهل نينوى المتنازع عليها مع العرب والحكومة العراقية ومنع داعش من أحتلال مدن كردية (صافية من دون أقليات) في سوريا تشكل في المنظور البعيد جزء من كردستان الكبرى.
وفق سياق هذه الخطة يتبادر إلى ذهني تاريخ أكثر من قرن، عندما رسمت الدولة العثمانية إستراتيجيتها في بناء أمبراطورية جديدة، خاصة بعد إنحسار نفوذها في الغرب وتحرر بلدان البلقان وتوجهها نحو الشرق لبناء أمبراطوريتها الطورانية بقيادة حزب الإتحاد والترقي التركي. كان وضع الكورد في الإراضي العثمانية بالنسبة للأتراك مسألة يسهل إستيعابهم ضمن عملية التتريك لكونهم مسلمين ودمجهم في الإمبراطورية الطورانية بينما كان وضع المسيحيين معقداً ويصعب إستيعابهم في هذه الإمبراطورية لكونهم مسيحيين. زد على ذلك كون المسيحيون مختلفون عنهم حضارياً وثقافياً ولغوياً وحتى نفسياً. لذا لم يكن أمام الأتراك غير معالجة وضع المسيحيين إما بذبحهم أو تهجيرهم، وهذا ما تم فعلاً وبمساعدة فعالة من الكورد الذين أسكنوهم في مناطق المسيحيين بعد تهجيرهم منها.
واليوم يأتي داعش ليعيد التاريخ ويطبق نفس السياسية الهمجية تجاه المسيحيين، والكورد يقفون متفرجين بعد أن هرب قواتهم وتركوا الساحة لقوات داعش لتفرغ هذه المناطق من سكانها المسيحيين ويلجأوا إلى مناطق في أقليم كردستان أكثر أمناً ولكن ليست إلا أماكن للإستقرار المؤقت فإما ستفتح لهم أبواب الهجرة إلى الخارج أو سيتوفر لهم الأمان للعودة إلى مناطقهم الأصلية وهو أمر أصبح صعب التصديق بعد أن أصبح وجود داعش في هذه المناطق أمراً واقعيا ويتطلبه جهود كبيرة جداً وفترة زمنية طويلة لتصحيح الوضع والعودة إلى حالته السابقة وهو الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تسريع وتيرة الهجرة إلى الخارج وبالتالي خلو مناطق المسيحيين منهم أو إقتصارها على بضعة بيوت يصبح وضعهم كنقطة بحر بين المحتلين الجدد.
فلو وضعنا سيناريو لعملية إفراغ المسيحيين من مناطقهم وفق نظرية المؤامرة، فبإختصار سيكون كالآتي:
• بقاء أحتلال داعش لمناطق المسيحيين لسنوات عديدة وعدم الجدية في مواجهتها لطردها منها كما يحدث حاليا. فعوضاً أن ترسل القيادة الكردية البيشمركة لتحرير هذه المناطق نرى بأنها ترسل هذه القوات إلى الخارج.
• بقاء المسيحيين في مناطق أقليم كردستان العراق كلاجئين وبحالة مزرية وكـ منطقة "ترانزيت" للهجرة إلى المحطة الأخيرة في الخارج... (دفعت مردي ... كما يقول المثل الكوردي)
• بعد سنوات طويلة، قدرها الأمريكان، بثلاث سنوات لتحرير مناطق المسيحيين من داعش سوف يتطلبها سنوات عديدة أخرى لأعادة تعميرها وتأهيلها للسكن فيها، فخلال هذه السنوات الطويلة سيزداد فقدان المسيحيين لأي أمل للعودة إلى مناطقهم والعيش فيها مرة أخرى والنزعات الإسلامية المتطرفة تحوم حلولهم وتنبعث من المناطق المجاورة لهم.
• بعد تحرير مناطق المسيحيين من داعش سيخلق حالة من الفراغ في هذه المناطق وطبقاً لقانون الدفع والجذب سوف ينزح إليها غيرهم خاصة الكورد لملئ هذا الفراغ وهي بأصل مناطق تطمح إليها القيادة الكردية لضمها إلى كردستان العراق ويصبح حالها كحال مناطق حكاري وماردين ووان وأورمي وغيرها وبالتالي تكتمل مؤامرة التجاوزات على أراض المسيحيين ويصبح وضع المتجاوزبين وضعاً "قانونياً" بسبب عدم عودة سكانها الأصليين إليها، حجة أستخدمت سابقاً للإستلاء على أراضي المسيحيين في الإقليم.
• البيشمركة يذهب إلى كوباني لمحاربة داعش ومنعها من السيطرة عليها لأنها مدينة كردية صرفه وجزء من الطموح الكردي لدولة كردستان الكبرى، بينما مناطق المسيحيين في العراق ليست كردية صرفة ولكن اللعاب الكردي يسيل لبلعها وضمها إلى دولة كردستان الكبرى، فالواجب الرفاقي يقضي على القيادة الكردية أن تشكر داعش لأنها تقوم بهذه المهمة نيابة عنها.
• هناك أفكار وطروحات تطرح أيضا وفق نظرية الموامرة والتي تقول بأن بعض الدول الغربية ترغب وتعمل على تهجير المسيحيين من مناطقهم إلى هذه الدول على أساس كون المسيحيين أناس مسالمين وأكفاء يستفاد منهم لدمجهم في مجتمعات هذه الدول وهي مسألة ليست بتلك الصعوبة لأنهم دينهم هو نفس دين شعوب هذه الدول. هكذا يظهر ووفق هذه النظرية بأن رياحها وعواصفها تهب على شعبنا المسيحين من جميع الجهات وتضعه في زوبعة أو دوامة يصعب جداً الإنفلات منها.
أنه من حق الجميع الذين نصبوا خيامهم في المهجر، وأنا واحد منهم، أن نصف مثل هذه التفسير بأنه تشاؤمي جداً، ولكن من يعرف الظروف المميتة المحيطة بشعبنا في وطنه سوف يرى بأنه ليس هنا نقطة أو حالة بسيطة تجعلنا أن نتفائل وأن نكون متفائلين وفق المنظور الحالي للوضع القائم. حقاً أنه لأمر مؤسف جداً أن يقسو علينا الدهر في هذا الزمان الغدار وتفرض الظروف المأساوية والسونامية علينا أن نلجأ إلى نظرية المؤامرة في تفسير وإستنتاج الوضع المأساوي الذي يعيشه شعبنا في وطنه التاريخي لأنه لم يبقى أمامنا أي حيلة أو ملجأ نلجأ إليه في تفسير الأمور بما يخدم مصلحة شعبنا في العراق ويضعنا في موقف أكثر تفائلاً بالمستقبل الغامض.
يقول ربنا يسوع المسيح عليه المجد:
"تعالوا إليً يا جميع المتعبين والرازحين تحت الأحمال الثقيلة، وأنا أريحكم"
(متى: 11-28)