الحنين الى شاطرلو
من دفاتر طفولتي -1 -
لطيف نعمان
----------------------الى صديقتي الدكتوره انتصار مزهر الشاوي
ابان الستينات في مدينة كركوك لم تكن هناك أبسط وسائل تسليه أو لهو للاطفال ، ولما كنا صغارا نفتقر الى اهم حلقه مهمه نقضي خلالها بعض المتعه كنا نلتجأ الى المشاكسه والعبث ونثير الفوضى في البيت والمدرسه والمحله..
في يوم صيفي وفي منطقة شاطرلو مرقت عربة في الشارع العام يجرها حصانين ..أغرتني ان اهرول واتبعها واجلس على الانبوب الرابط بين اطاراتها واختفي تحت مظلتها . كيف لا وان هذا الانبوب كان يخلو من الاسلاك الشائكه التي توضع في الغالب لتحاشي جلوس الاطفال في هذا المكان المغري لهم..
المهم جلست في هذا المكان وأنا أشعر بسعادة عارمه كنت أشم رائحة روث الحصانين وكلي قناعة ان صاحب العربه لم ينتبه لي ، ولم تمض العربه سوى بضع أمتار واذا بسوط السائق يأتيني على وجهي بدلا من أن يصوب الى الحصان محدثا صوتا فيييييييييييييف شعرت خلالها بحرقه وألم شديدين ..تكوّرت في مكاني ، واذا بضربة أخرى ، وثالثه ، أما الرابعه فكانت القاضيه حيث جاءت على اذني اليسرى، فأسقطتني على الارض وصرت أتدحرج وأفرك براحة يداي الصغيرتين آثار الضربات المبرحه ، وكنت محظوظا لأني نجوت من السيارات التي أعقبت تلك العربه ، ومن يومها تعلمت الدرس وكنت كلما أشاهد هذه العربات التي تجرها الفرس أتذكر لسعات الضربات وحرقتها ، والعن طفولتي ..
ما دعاني الى تذكر هذه الحادثه مشاهدتي لأطفالنا اليوم لعبهم الالكترونيه الحديثه والمتطوره والتي تستجيب لمخيلتهم لمجرد لمس شاشاتها الملساء بأصابعهم الصغيرة ، وانا أقول مع نفسي ترى لوكانت هذه التكنولوجيا متوفرة في زماننا هل كنا نعبث ونشاكس ونملأ الدنيا فوضى وضجيج؟؟
اليوم برغم وجع الضربات المتلاحقه جراء ذلك السوط اللعين أحن الى طفولتي ، والى كركوك ومحلاتها وأزقتها ، شاطرلو - القلعه -عرفه - حديقة مستر تيسو- امام قاسم - قوريه - والمحطه ، دور السينمات الشتويه والصيفيه ، سينما العلمين ، الخيام ، الحمراء،سوق القيصريه ،والى مدرستي الابتدائه والثانويه ، و..و..و..أحلم أن تعود تلك الايام برغم حرماننا من كل وسائل اللهو واللعب ..
* * * *
- 2 -
النوم فوق اسطح بيوت الطين في عنكاوا
--------------------------------------
للنوم فوق السطوح في ليالي الصيف ايام زمان نكهة غارقة في العذوبه وتكمن حلاوتها في بساطتها وبساطة الناس ..واسطح بيوت الطين كانت تفوق حلاوتها كل شيء .. كما انها تحمل في جنباتها مفارقات رائعه لاسيما للمتزوجين الجدد حيث لاتخلو من الحراجه احيانا لاسيما في الليالي المقمره حيث لم تكن (الكله الناموسيه) تفي بالغرض المطلوب !!..
أما مفارقات الضحك فحدثوا ولا حرج لاسيما عندما كنا نسمع اصوات الغازات التي تنبعث من مؤخرات الشيوخ والعجائز ممن لم يتمكنوا السيطره على انفسهم ، ويكون موضوعهم حديث الساعه في صباح اليوم التالي بين الصبيه وهم يذكرون أم فلان ، وأبو فلان كيف كانوا يعزفون السمفونيات و يملئون الدنيا ضحكات ومزاح ..
بداية الستينات سافرنا من كركوك الى قرية عنكاوا لقضاء العطله الصيفيه ، وكانت أغلب بيوتاتها مبنيه من الطين ..
اعتاد الناس ان يسمعوا اصوات صياح الديكه بعد الثانيه عشر ليلا حيث كانت جميع البيوت تربي الدواجن والماشيه في المنطقه ، أردت في احدى تلكم الليالي أن اربك الساعه البايولوجيه للديكه عندما راهنت أصدقائي بأني أستطيع أن أجعلهم يصيحوا قبل أوانهم ..
كنا فوق السطح وكانت الساعه تشير الى العاشره مساء عندما قلدت صياح الديك حيث استجابت كل الديكه لهذا الصوت وصارت تصيح قبل أوانها الا ديك واحد وهو ديك جارنا القريب الذي كان يرقبني وكشف اللعبه حيث اصر أن لاينظم الى قافلة اقرانه الديكه في الصياح ..
في اليوم التالي ومرة اخرى في العاشره مساء حاولت ولكن هذه المره غطيت رأسي تحت شرشف النوم ولم تنطلي عليه اللعبه .. وفي اليوم الثالث نفس الشيء ..
اردت أن ارد اعتباري ازاء خيبة الامل جراء ذلك الديك اللعين ..رحت الى الجيران قلت لهم تبيعون هذا الديك ؟..قالوا بلي - تمت الصفقه وأشتريت الديك وذبحته واكلناه معا في جلسة سمر ملؤها الضحكات .. وبذلك شعرت بنشوة النصر تجاه ذلك الديك ..
عنكاوا9/11/2014