تاريخ الكنيسة الاشورية جزء من تاريخ شعبنا وليس ؟
اخيقر يوخنا يسود الاعتقاد بان شعبنا اعتنق الديانة المسيحية منذ القرون الاولى لانتشار المسيحية في بلادنا
ومن خلال المسيرة المؤلمة لشعبنا وعبر قرون طويلة عانى شعبنا شتى انواع الاضطهادات بسبب ديانته المسيحية مما اوصل الامر الى ان ينسحب الكثير من ابناء الشعوب الاخرى الذين كانوا ضمن كنيسة المشرق ولم يبقى فيها تقريبا الا ابناء شعبنا والذي بحكم تدخل الكنائس الاجنبية في شوون شعبنا انقسم او توزع ايضا بين العديد من الكنائس .
كما ان القسم الاعظم من ابناء شعبنا المؤمنيين باسمهم القومي الاشوري بقى ضمن الكنيسة الام فيما توزع قسم منهم على الكنائس الاخرى مع احتفاظهم باسمهم القومي كما نجد ذلك في الاشوريين المنتمين الى الكنيسة الكلدانية والانجيلية .وغيرها
وحسب قناعتي فان قرار قداسة الببطريرك مار دنخا بتسيمة كنيستنا باسم الكنيسة الاشورية في منتصف العقد السابع من القرن الماضي كان قرارا صاءبا وصحيحيا وتاريخيا ليزيد من تلاحم وتماسك ابناء اشور بكنيستهم وقوميتهم وقد نال ذلك القرار استحسان ورضاء العديد من ابناء شعبنا حيث انه طالما لم يبقى ضمن اعضاء كنيستنا غير المؤمنيين باشوريتهم فما المانع في اضفاء الاسم القومي للكنيسة ؟
وبذلك غدا الاشوري مفتخرا بقوميته وكنيسته معا باعتبار ان كنيسته هي لجزء من تاريخه الديني .
وفي هذة الايام اصبحنا نقرا اراء لبعض الكتاب من ابناء شعبنا بما يفهم منها بان اسمنا القومي الاشوري ليس له امتداد تاريخي ليتجاوز عهد تسمية الكنيسة بالاسم الاشوري
في محاولة يفهم منها بان اسمنا القومي غير موجود حتى لحظة تبني كنيستنا باسمنا الاشوري ؟
وتلك الاراء تدعو حقا الى التعجب والاستغراب من محاولات لا يفهم منها الا انها تصب في خانة الطعن بتاريخ شعبنا ومن دون اي مبرر . كما ان ظروف شعبنا الماساوية لا تسمح بالتطرق الى ما نختلف عليه بقدر ما يلزم الامر منا جميعا ان نقوي ما نتفق عليه
ولذلك نود ان نقولها بالحرف الواحد ان كل تلك المحاولات القائمة على استعارة عبارات من هذا الكتاب او ذلك لتكون اداة تنسف كل تاريخ كنيستنا وشعبنا حسب اعتقاد اصحابها - فان تلك المحاولات لن تستطيع ان تمس من صلابة ايمان شعبنا باسمة القومي واسم كنيسته بل تزيده اصرارا وقوة وفخرا في تمسكه بتاريخة وتراثه القومي .
فكما هو معروفا فان الشعوب التي تعتنق اي ديانه فانها لا تتخلى عن اسمها القومي بينما قد تضيف اسمها القومي الى كنائسها كمصدر فخر واعتزاز
فشعبنا الاشوري له تاريخ طويل يمتد لقرون قبل المسيحية وسواء تسمت كنائسنا باسمنا القومي او لا فان تاريخ كنائسنا ليس الا جزء من تاريخ شعبنا
وان ايه محاولة لتقزيم شان او تاريخ شعبنا لن تلاقى ايه نجاح حيث يمكننا التاكيد وبثقة بتواصل اسمنا القومي عبر العصور وان كنيستنا بتبنيها للاسم القومي عززت هذا الاعتقاد كما ان تاريخ قومنا لا يتم حسابه من يوم تسمي الكنيسة به حيث ان المسيرة التاريخية لشعبنا تثبت وبجلاء بان اسمنا القومي كان قبل كنيستنا وسيبقى حتى اذا تغير اسم كنيستنا الى اسماء اخرى .
اما هل استعمل الاسم الاشوري كاسم لكنيستنا ومتى تم ذلك سابقا ؟
فانني وجدت جوابا في كتاب تاريخ الكنيسة الشرقية من تاليف عزيز سوريال عطية وترجمة اسحاق عبيد 2005
وهنا اترك القارئ مع ما جاء في الكتاب المذكور
حيث ننقل من الجزء الثالث : الكنيسة النسطورية
اشتقت الكنيسة النسطورية او الكنيسة السريانية الشرقية اسمها في العصور الوسطى من شخص نسطور الذي كان اسقفا لمدينة القسطنطينية سنة 428 م ولم تظهر الكنيسة السريانية الشرقية على الساحة الا بعد ادانة الاسقف نسطور في القرن الخامس وعندها عرف السريان المشرقيون باسم اصحاب مذهب الطبيعتين او النساطرة
وكان الاساقفة الاول لهذة الكنيسة من اصول يهودية اي من اولئك اليهود الكبار الذين اعتنقوا الديانة المسيحية على انه مع مرور الوقت انتشار المبادئ المسيحية بين الامميين والاجناس الاحرى اصبح لهؤلاء المسيحين الجدد الكلمة العليا في شؤون هذة الكنيسة وعلى هذا فان الجماعات التي اعتنقت المسيحية من رومان وبيزنطيين في تلك المناطق اخذت تتخلى عن التقليد القديم وراحت تختار لها اساقفة من بينها مما ادى الى القطيعة بين الشرق والغرب وكان من نتائج هذة القطيعة ان وقع الاختيار على مدينة انطاكية كمقر للاسقفية حيث اخذ البيزنطيون يحررون انفسهم من النفوذ اليهودي تميهدا لترسيخ قواعد كنيسة يونانية خالصة
وهكذا ظهرت على المسرح نزعات مشرقية واخرى غربية
ومنذ البداية لم يكن هناك اتفاق بين اليونانيين والسريان مما ادى الى ظهور اسقفيتين في انطاكية واحدة لكل طائفة منهما ثم انقسم السريان بدورهم الى شيعتين واحدة بمسمى الكنيسة السريانية الغربية واخرى بمسمى الكنيسة السريانية المشرقية التي تضم سكان شرقي الاناضول وكردستان ومناطق بلاد ما بين النهرين العليا وفارس وفي حين ان الطائفة الاولى اعتنقت مذهب الطبيعة الواحدة التي عرفت فيما بعد باسم الكنيسة اليعقوبية اتجهت الطائفة الثانية الى مذهب الطبيعتين او النسطورية وذلك في مجمع افيسوس الاول سنة 431م
واتخذت لنفسها اسم الكنيسة الاشورية بدلا من السريانية وبخلاف الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية التي تبنت اللسان اليوناني في قداساتها عمد الاشوريون النسطوريون الى استخدام لهجة ارامية سوريانية مع الاصرار على قداساتهم بهذة اللهجة ولقد افلت هؤلاء الاشوريون من السيطرة اليونانية والتحرشات البيزنطية بفضل تواجدهم على مسافة بعيدة على اطراف الامبراطورية الفارسية العدو التقليدي للامبراطورية البيزنطية
ومن تلك البقاع انتشر الاشوريون شرقا لنشر دعوتهم بدلا من التوجه قبالة الغرب
وكان الاشوريون يتمسكون بالقواعد الرهبانية التي تخص على التقشف الشديد كما انهم كانوا شديدي التمسك باهداب مذهبهم ونشر تعاليمه
وان جل معلوماتنا عن الكنيسة النسطورية مستقى من كتابات ثانوية وليس من مصادر موثوق بها ولا بد لنا ان ناخذ في الاعتبار ايضا ان اغلب ما كتب عن هذة الكنيسة قد جاء باقلام كاثوليكية او بروستاتينية وهي اقلام كتاب ينظرون الى هذة الكنيسة على انها مخالفة منشقة ومتخلفة ومن سؤ الحظ ايضا ان محاولات الاصلاح للاحذ بيد هذة الكنيسة من عثرتها قد تمثلت في محاولات لتحويل هؤلاء النساطرة عن مذهبهم الى الكاثوليكية او البروستاتينية
وبشكل عام فان الكتاب الاجانب حول هذا الموضوع لم يبدو شيئا من التعاطف او التفهم لمشاعر ابناء الطائفة
وينبغى ملاحظة انه من الصعب ان نفصل بين الكنيسة النسطورية وبين شقيقتها الكنيسة السريانية اليعقوبية في القرون المبكرة فلقد مرت كلتا الكنيستين بالظروف والمنغصات نفسها ولذا فان تاريخهما المبكر كان متطابقا تماما في القرون الاربعة الاولى فلقد كانت الطائفتان تستخدمان القداسات نفسها والطقوس الكنسية الاخرى باللغة السريانية نفسها دون تمايز ولكن عندما ازدادت عزلة النساطرة في السنوات اللاحقة توارى تاريخهم خلف ضبابية كثيفة واختفت سجلاتهم ومحفوظاتهم حتى اصبحوا في طي النسيان
واخيرا وبمحض الصدفة قدر للبعثات التبشيرية الوافدة من الغرب الى مناطق النساطرة ان تكتشف اشياءا هامة عن هذا التاريخ البائد ويربط الاشوريون تاسيس كنيستهم السريانية بعصر الرسل من تلاميذ المسيح كما ان النساطرة يعتقدون انه بعد استشهاد القديس توما نقلت عظامه الى بلاد ما بين النهرين حيث ووريت في تراب الارض الاشورية
وان ما تتضمنه هذة الروايات يعكس كيف ان جذور المسيحية الاشورية جذور عميقة وضاربة في القدم
ومن جانب اخر لما كان الاشوريون جنسا ساميا يتكلمون الارامية فان الحواجز العرقية واللغوية لم تكن موجودة بينهم وبين اخوانهم المسيحين المقيمين في القدس يضاف الى هذا ان الديانات الشرقية مثل الزرادشتية والتي امتزجت بالثرائية في القرن الاول قبل الميلاد قد رسخت في صمائر هؤلاء القوم بعض المفاهيم التي جاءت ضمن مفاهيم المسيحية
فالاله مثرا الذي تمكن من مغالبة الشر ثم صعد الى السماء وكذا سيرة مردوك الاله البابلي الذي اغتيل ظلما ثم بعث من الموت تماثلان قصته صلب وقيامة المسيح من الاموات كما ان قصة الميلاد المعجز للمسيح من العذراء مريم لها ما يماثلها من ماثورات العبادات في بلاد ما بين النهرين العريقة يضاف الى ذلك ان الكهنة المثرائيين كانوا يمارسون طقوسا شبيهة بطقوس العماد والتطهر كما انهم كانوا كانوا يقدمون الخبز المقدس والماء والنبيذ لاتباع عقيدتهم
وقد وجد الاشوريون ان تعاليم المسيح تتوافق مع كثير من تعاليم المثرائية وبسبب هذا التشابه الكبير بين تعاليم المثرائية والتعاليم المسيحية فان واحدا من كبار اباء الكنيسة هو ترتوليان وهو من الضروري ان يتعرض للمثرائية ويصفها بانها مسخ شيطاني للايمان الحقيقي قصد به ان يضل البشر ويوقعهم في الضلال
ونظر بما اتت به المسيحية من تعاليم للانعتاق والتحرر فاننا ندرك ان هذة الرسالة الجديدة قد اعطت الامل لتلك الشعوب المستبعدة لتتطلع الى الاب السماوي للخلاص ولعل في هذا الامل العظيم ما يفسر كيف ان المسيحية قد وجدت طريقها الى قلوب شعب الرها
الاصول التاريخية :ان الاصول التاريخية للكنيسة السريانية المشرقية او الاشورية ثم النسطورية فيما بعد مليئة بالاثارة بطريقة مقاربة للاساطير التي حيكت حولها وهذة الاصول كثيرة ومتنوعة ونجدها في كتابات الاباء الباكرين لهذة الكنيسة والواقع ان العقود الزمنية الطويلة التي تفصل بين كل من تاتيان ورابيولا قد شهدت اساقفة بارزين وقديسين في مدينة الرها
فلقد كانت مدارس نصبين والرها قلاعا للرواد في مجال الكتابات الدينية وقواعد الايمان
ويعتبر مجمع افيسوس سنة 431 م هذا علامة على انقسام الصف بين الشرق والغرب وبين السريان واليونان البيزنطيين او بين اصحاب مذهب الطبيعة الواحدة واصحاب مذهب الطبيعتين حتى ذلك التاريخ 431 م
ومن بين الاسماء البارزة في تلك الحقبة المظلمة من التاريح نجد كلا من بردازيان وتاتيان اللذين عاشا في زمن سابق لانعقاد مجمع نيقيا سنة 325م
وكان تاتيان الذي كان معاصرا لبردازيان والذي ترك كتابات هامة في الادب السرياني الديني كما اتهم مثله بالهرطقة وقد ولد تاتيان لاسرة اشورية وثنية ثم سافر الى روما في تاريح لاحق لسنة 150 م وهناك اعتنق المسيحية قبل حلول سنة 165 م وقد تلقى تاتيان تعليمه على يد جستين الشهيد ويبدو انه قد خلفه كمعلم ومدافع عن المبادئ المسيحية
على ان شهرة تاتيان الحقيقية ترتبط باسهاماته في الادب السرياني الديني وحاصة في كتابه بعنوان التناغم - دياطسرون - وكذلك وضع كتابا عن حياة المسيح استقى مادته كم الاناجيل الاربعة ليجعل من روايته قصة متكاملة منسجمة في مفرداتها
وان كتاب التناغم اصبح المصدر القانوني الاساسي لمقاربة الكتاب المقدس في الكنائس السريانية على ان الاسقف بالوت لم يكن مرتاحا لكتاب التناغم ولذا فانه قدم نسخة جديدة بالسريانية لكل من الاناجيل الاربعة على حده ولكن الناس لم يقبلوا على هذة النسخ وظلوا يستخدمون كتاب تاتيان وظل الامر كذلك حتى جاء الاسقف رابيولا في اوائل القرن الخامس ليضع الصيغة النهائية للعهد الحديد بالسريانية وذلك فيما علاف باسم بيشيتا اي النص الميسر للعهد الجديد بالسريانية المبسطة
ويطل الاسقف رابيولا الرهاوي 421-435 م كاحد الاعمدة السريانية الهامة في الدفاع عن الارثوذكسية السريانية فالى جانب نسخته للاناجيل الاربعة بدلا من نسخة تاتيان قام رابيولا بدور ايجابي في تدبير امور الكنيسة وقد كان الرجل متمسكا بالمبادئ الارثوذكسية ولذا فانه كان مناهضا للنسطورية ويدعمها طيلة حياته
وان رابيولا رغم انه كان زعيما للكنيسة السريانية الشرقية الاانه مع هذا كان يعبر عن المبادئ الارثوذكسية للسريان الغربين مع جرعة من الفلسفة اليونانية القديمة ولقد شهد رابيولا اثناء حياته البذور الاولى للشقاق بين السريان المشرقيين والسريان الغربين وان كان الصدع المعلن قد وضح في عهد ايباس خليفته غير الارثوذكسي
وهنا يجب ان نتذكر ان مدينة الرها في المشرق كانت تمثل مركزا هاما للعلم واللاهوت مثلها في ذلك مثل الاسكندرية وروما والقسطنطينية وانطاكيه وعندما وقعت مدينة نصيبيبن في قبضة الفرس سنة 363 م هاجر علماؤها الى مدينة الرها وكان من بين هؤلاء الفارين القديس افرايم السرياني حوالي 306-373 م وهو المكنى بلقب الكبير او العظيم بسبب تقواه وورعه وعلمه وتمسكه بالمبادئ الارثوذكسية وغزارة انتاجه بالسريانية وقد ولد افرايم في مدينة نصبين لاسرة يظن انها اعتنقت المسيحية وبعدها دخل افرايم السلك الرهباني وقيل انه شارك في مجمع نيقيا المسكوني مع ابيه الروحي يعقوب اسقف نصيبين وقد كان افرايم عدوا لدودا للمبادئ للمبادئ الاريوسيه التي كان يحاربها في الرها واماكن اخرى
ويمكن القول بان افرايم يمثل الاب الحقيقي للادب السرياني
وقد جاء ظهور نسطور اسقف القسطنطينية على مسرح الاحداث ليفرق بين السريان المشرقيين والسريان الغربيين وكان نسطور في الاصل راهبا من انطاكية وقد تتلمذ على يد تيودور من مصيصه وكان صاحب موهبه في الوعظ الى جانب حلاوة صوته في تلاوة القداسات ولقد وقع اختيار الامبراطور ثيودوسيوس الثاني على نسطور ليشغل كرسي الاسقفية في القسطنطينية
بدا نسطور مهمته في العاصمة البيزنطية في حماس زائد وراح يطهر المدينة من الهراطقة غير مدرك ما كان مقدرا له بان يصبح هو فيما بعد اكبر الهراطقة في عصره
ولقد ظهرت على الساحه من جديد مسالة طبيعه المسيح وهي القضية التي كانت قد تفجرت في القرن الخامس عندما اعلن احد الكهنة في القسطنطنيه واسمه انسطاسيوس والذي كان نسطور قد اصطحبه معه من انطاكية اعتراضه على وصف العذراء مريم بصفه والدة الاله
theotokos
ولقد انزعج اليونانيون من هذا الكاهن وارائه عن السيدة العذراء ولكن نسطور وقف الى جواره يدافع عنه وفي دفاعه راح نسطور يفصل
في هذا الامر ليميز بين المسيح المولود من العذراء مريم كبشر وبين المسيح بوصفه كلمة الله الحالة فيه كانسان وقد انتهى به هذا الى القول بوجود طبيعتين للمسيح الاولى بشرية كاملة فيما خلا الخطيئة كابن للعذراء مريم والثانية لاهوتية وهي كلمة الله الحالة فيه وهكذا ظهرت فكرة الطبيعتين المنفصلتين للمسيح في غير اختلاط او تمازج
في ذلك الوقت كان يراس الكنيسة الاسكندرية قلعة الارثوذكسية البطريرك كيرلس الذي كان متبحرا في علوم اللاهوت وليس له ند في العالم المسيحي في هذا المجال وسرعان ما انعقدت مجامع دينية في كل من الاسكندرية وروما لدحض الافكار المهرطقة التي نادى بها نسطور مع قرار بخلعه عن كرسي اسقفية القسطنطينية وذلك سنة 430 م
بعد ذلك سارع الامبراطور البيزنطي بالدعوة الى عقد مجمع مسكوني في بلدة افيسوس املا في الوصول الى حل يرضي جميع الاطراف وفي سنة 431م اجتمع مائه وثمان وتسعون اسقفا تحت رئاسة البطريرك الاسكندري كيرلس وكان جل الحضور من الاسكندرية وروما والقدس وسالونيكا وافيسوس ووصل نسطور على راس سته عشرة من الاساقفة ومعهم حرس خاص من المسلحين تحت امرة مبعوث امبراطوري اسمه كانديديان
اما يوحنا الانطاكي واساقفته فقد تعثرت رحلتهم في الطريق فارسل مبعوثا خاصا برسالة الى كيرلس بان يمضي في اعمال المجمع دون انتظار وصول الوفد الانطاكي وكان كيرلس على علم بالتعاطف الشخصي بين يوحنا الانطاكي ونسطور ولذا فانه بادر بعقد جلسات المجمع دون ان ينتظر وصول الوفد الانطاكي وذلك لكي يجنبه الجرح عندما يواجه صديقه القديم نسطور على ان نسطور امتنع عن حضور جلسات المجمع ولذا فقد تمت ادانته في غيابه مع اتخاذ قرار بحرمانه وخلعه من كرسي القسطنطينية واثناء ذلك قام نسطور بجمع ثلاثة واربعين من الاساقفة المناصرين له في مجمع عقده في محل اقامته في بلدة افيسوس ايضا واصدر قرارا بادانه كيرلس والاساقفة المجتمعين معه مع انزال قرار بالحرمان عليه
وصل يوحنا الانطاكي ليجد ان الامورقد ازدادت تعقيدا في افيسوس غير انه في نهاية الامر قرر الوقوف الى جانب كيرلس السكندري
حاول الامبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الثاني وشقيقته الاميرة بولكيريا تهدئة الحواطر بين الفريقين المتشاحنين ولكن دون جدوى وامام هذا وجد الامبراطور نفسه مضطرا الى ان يقر قرارات مجمع افيسوس رياسة كيرلس السكندري ثم سمح لكيرلس بالعودة الى الاسكندرية
اما نسطور فقد صدر قرار بنفيه الى الواحات الليبية كما تم تعيين اسقف جديد للقسطنطنية هو ماكسيميان 431-434 وقد قاسى نسطور الاهوال في منفاه فلقد وقع في ايدي البدو البلاعمه في جنوب الواحات الليبية ثم نقل فيما بعد الى بلدة بانسوبولس يرجح انها بلدة اخميم في صعيد مصر تحت رقابة حاكم المنطقة البيزنطي ولقد وضع نسطور كتابا يدافع فيه عن نفسه تحت عنوان سوق هيراقليدس تحت اسم مستعار تحاشيا للمزيد من التعذيب وتوفي نسطور عشية انعقاد مجمع خلقيدونيه 451م ودفن في بقعة مجهوله وبعدها صار اسم نسطور مقترنا بمذهب الطبيعتين لشخص المسيح ثم خرجت من تحت عبائته الكنيسة النسطورية التي لم يكن له يد في تاسيسها وان كانت تؤمن بمبادئه التي ادانها مجمع افيسوس سنة 431م
وفي الرها كانت الطائفة السريانية مقسمة بالتساوي بين النساطرة والمنافرة والمعروف انه في اعقاب موت ايباس سنة 457 م كانت اليد العليا في الرها من نصيب المنافرة وذلك في عهد خليفته المدعو نونوس اما النساطرة فكان يتزعمهم بار شاوما الذي كان قد ادين في مجمع افيسوس الثاني 449م والذي وضع فيما بعد باسم مجمع اللصوص
بعد هذا هرب نونوس الى نصبيبن في بلاد فارس فيما وراء حدود الامبراطورية الرومانية ويعد هذا التاريخ علامة فاصلة في ترسيم الحدود التي باتت تفصل بين السريان المنافرة والسريان النساطرة
في حين بات المنافرة يتطلعون الى انطاكية الواقعة داخل الامبراطورية راح النساطرة يتباعدون في مناطق كردستان وبلاد ما بين النهرين العليا الواقعة تحت نفوذ الامبراطورية الفارسية
وفي نهاية المطاف انطفات جذوة العلم في الرها عندما امر الامبراطور زينون 474-491 م باغلاق مدرسة الرها وطرد النساطرة من مملكته وجاء المجمع المسكوني الخامس في القسطنطينية 553م ليصدق على قرار زينون هذا مع ادانه شخص وكتابات ثيودور من مصيصة الداعية الاصلي للمبادئ النسطورية وبهذا دفعت بالخروج على القانون مما ادى في نهاية الامر الى تدهور احوال الرها واختفاء العلماء النساطرة من هذة المنطقة
النساطرة في بلاد فارس :عند هذا المنعطف من التاريخ تتضح الامور وتبرز الفواصل بين المنافرة او اليعاقبة وبين النساطرة او السريان المشرقيين حين القت السلطات الفارسية القبض على احد الاساقفة اليعاقبة واسمه بابواي لانه ضبط متلبسا بالمراسلة سرا مع الامبراطور زينون يشكو اليه بانه واقع تحت وطاة حكم لا يخاف الله ويقصد بطبيعة الحال الملك الساساني فيروز ولقد عوقب الاسقف بابواي على هذا المسلك بالاعدام صلبا
وفي سنة 484 م انعقد مجمع في بيت لافات جند يشابور اشاد المشاركون فيه وهم من النساطرة برياسة بار شاوما بذكرى ثيودور من مصيصة وافكاره مع ادانه لمن يخالفونه في الراي اي المنافرة والارثوذكس اليونان الذين كانوا جميعا تحت الحكم البيزنطي
ويذكر ان هذا المجمع قد اقر زواج الكهنة بل والاساقفة ايضا وقد قام الاسقف بار شاوما بالزواج من احدى الراهبات
واصيبت الكنيسة النسطورية بالاضطراب والفوضى في عهود خلفاء اكاكيوس لمدة تقارب الخمسين عاما وقد بدات هذة الفوضى ببطريرك وصف بانه امي ويدعي باباني الثاني 497-502م وخلفه عدد من البطاركة الذين راحوا ينزلون لعنة الحرمان اخدهم ضد الاخر ورغم كل هذة الفوضى والقلاقل فان الكنيسة النسطورية نجحت في الاستقلال بكيانها في ظل الملوك الفرس عن التبعية للسريان الغربيين وذلك عندما اتخذ بابوني لنفسه لقب بطريرك المشرق سنة 498 م رافعا بذلك منزله كرسيه الى النديه مع كرسي كل من انطاكية والاسكندرية وروما
وكذلك حلت مدرسة نصبين محل مدرسة الرها القديمة واخذت تتلمس طريها تحت اشراف معلم يدعى نرسيس الذي يضعه النساطرة بلقب قيثارة الروح القدس والعالم الجليل في حين يشير اليه المنافرة بعبارة نرسيس الابرصي
وقد لاحظ الاستاذ لابور ان مطرانية نصبيبن قد شهدت مولد اول جامعة لاهوتية في العالم المسيحي وهي ظاهرة اثارت اعجاب ودهشة الامبراطور جستنيان نفسه
ومع نهايات القرن السادس كانت مبادى الكنيسة النسطورية قد تبلورت في صيعتها النهائية ويصبح مار باباي الممثل الرسمي لها وقد لقب بلقب الكبير او العظيم تمييزا له غن سمية البطريرك باباي الثاني وكان لاهوتيا مميزا وله كتاب بعنوان الاتحاد ال1ي عرض فيه الصيغة النهائية للمذهب النسطوري متضمنة عقيدة النساطرة عن طبيعة المسيح منذ مولده حتى عيد الغطاس وهو يجري كالاتي :
( واحد هو المسيح ابن الله الذي يعبده الجميع بطبيعته فهو في لاهوته مولود من الاب قبل كل الدهور وفي ناسوته ولد من مريم مع اكتمال الوقت في جسد موحد والوهيته ليست من طبيعة الام وليس ناسوته من طبيعة الاب لان كلا من الطبيعتين محفوظ في اقنومة نفسه في شخص واحد وبنوة واحدة )حتى يومنا هذا لا يستخدم النساطرة مصطلح والدة الاله ( يالداث الاها ) بالنسبة للسيدة مريم العذراء وانما يستخدمون بدلا منه مصطلح حاملة المسيح ( يالداث مشيخه )
التحول الى المذهب الكاثوليكي :وكانت حياتهم الدينية اقرب الى الشكليات في اغضا تقدير وصارت قياداتهم قبلية الطابع ترتكز على العشائر التي يتم اختيارالجاثليق منها ليتولى رعايتهم الدينية الى جانب القضاء بينهم في المسائل الدنيوية ايضا وبهذ تحولت البطريركية النسطورية الى موسسة وراثية ولما كان البطاركة يراعون قاعدة التبتب فانهم بعد وفاتهم كانوا يورثون الكرسي البطريركي لاحد ابناء اخوانهم فالذي حدث ان ال العرش البطريركي وفقا لهذا العرف الى صبية صغار كانوا واقعين تحت تاثير امهاتهم او اخوانهم الاكبر سنا ومع مرور الوقت انتقل هذا التقليد الوراثي الى زمرة الاساقفة ايضا
على انه في القرن الخامس عشر اخذت بعض العائلات النسطورية تحتج على هذا التقليد وثابر هؤلاء للبحث عن وسيلة احلاى تنقذ سمعة البطريركية والاسقفية وعلى ذلك فانه عندما توفى البطريرك شمعون بار سنة 1551 قرر عدد من الاساقفة بتاييد من زعماء الشعب انتخاب بطريرك جديد بدلا من اخ البطريرك المتوفي والمدعو شمعون دنحا الاان الاغلبية كانت لصالح شخص اخر وهو الراهب يوحنا سولاقا من ابناء دير هرمزد وهكذا وقع الشقاق داخل الكنيسة النسطورية في التاريخ الحديث
في تلك الحقبة كان الارساليون الفرنسيسكان قد بدوا يتقاطرون على النساطرة عن طريق بيت المقدس وقد نجحوا في اقناع يوحنا سولاقا بالتحول الى المذهب الكاثوليكي ليضمن تاييد البابوية له في الاختفاظ بالعرش البطريركي النسطوري وقد قبل سولاقا هذا العرض فاصطحبه هؤلاء الفرنسيسكان الى مدينة القدس حيث قام المسؤول الكاثوليكي المشرف على ضريح القبر المقدس بتزويد ه برسائل اللا البابا الروماني وبعدها توجه سولاقا الى روما حيث استقبله البابا يوليوس الثالث 1550-1555 م بالترحاب وقام بسيامته بطريركا بعد اعلانه الاعتراف بالمذهب الكاثوليكي
ولما عاد سولاقا الى بلاده مرتديا الطيلسان الروماني الذي انعم به عليه البابا قوبل بمعارضة شديدة من جانب الرعية النسطورية وهب منافس له يقاومه فحرض عليه الوالي التركي في ديار بكر الذي قبض عليه والقى به في السجن حيث تم اغتياله وكانت اخر واقعة يعترف فيها زعماء النساطرة بالتبعية لروما كانت سنة 1670 م على يد مار شمعون الثاني عشر وبعد ذلك التاريخ غاد خلفاء سولاقا الى مذهبهم النسطوري اللهم الا في استثناء واحد وقع سنة 1770 م
ويلاحظ ان ها التقارب بين البطاركة النساطرة وكنيسة روما لم يؤثر في طقوس كثيرا في طقوس الشعب النسطوري وتقاليده حتى في المراحل الاولى من هذا الاتحاد بين الكنيستين
ولكن البطاركة ظلوا يتمسحون بالطيلسان الروماني وبدءا بشمعون دنحا صاحب السمعة السيئة ومرورا بكل من الياس السادس 1607 والياس السابع 1657 تباعا
والغريب ان منافسي هؤلاء البطاركة كانوا هم ايضا غلى استعداد لاعلان تبعيتهم للكرسي الروماني مقابل ضمانهم للعرش البطريركي النسطوري
ولعل الامر الاشد غرابة هو ان البابوية الرومانية انعمت بالطيلسان الكاثوليكي لكل من الفريقين المتناحرين وبذلك صار للنساطرة بطريركان في ان واحد احدهما في مدينة الموصل والاخر في مدينة اورميا وهما الياس وشمعون اذ اعترفت روما بالاثنين بصفة رسمية
وفي منتصف القرن الثامن عشر قام احد كبار الاساقفة من ديار بكر واسمه يوسف بالتمرد على السلسة الثانية الخاضعة لروما والعجيب ان البابوية اعترفت بهذا التمرد ايضا وارسلت اليه بالطيلسان الروماني المعهود
واستمر الامر كلك حتى سنة 1826 م عندما ادرك البابوات ان الامور قد ازدادت تعقيدا بين النساطرة فاسقطت اعترافها بسلسلة يوسف من البطاركة لتختفى بعد هذا التاريخ
من هذا العرض يتضح لنا ذاك التناقض العجيب في سلسلة بطاركة واباء الكنيسة الكلدانية التي كانت في اتحاد مع روما في الموصل فلقد انبثقت هذة الكنيسة اصلا من الكنيسة المشرقية في فارس التي كانت بمثابة قلعة النسطورية المناهضة للغرب ومذاهبه المختلفة ثم اذ بها تتمسح باعتاب البابوية الرومانية على ان ورثه البطريرك سولاقا الذين كانوا من انصار الاتحاد مع روما سابقا انقلبوا على هذة البدعة وراحوا يقاومون هذة التبعية حفاظا على التراث النسطوري العريق ويقيم انصار هذة الجماعة اليوم في الولايات الامريكية ويلاحظ ان التيار الموالي لروما كان الاقوى سياسيا خاصة عندما اصدر الباب العالي التركي فرمانا يعترف بهم ) انتهى الاقتباس
وبامكان القارئ الاطلاع على بقية المقال حيث هناك معلومات مهمة