المحرر موضوع: سامي ياقو و( الشحاذون ) .. يستنجدون .. هل من يستجيب  (زيارة 2231 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Assure Samson

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 44
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

سامي ياقو و( الشحاذون ) .. يستنجدون .. هل من يستجيب


 قراءة ورأي بقلم: آشور سمسون ــ الدانمارك

لله يا محسنين .. لله يا شعبنا.. شعب الشحاذيين ... نريد ( كولختا ــ كناية متواضعة عن الأرض ) . بهذه الصرخة الآليمة التي يطلقها الفنان المسرحي الكبير سامي ياقو في رائعته الفنية الأخيرة ليستنجد بها الضمير الحي المتبقي لدى شعبنا، من قادة وزعماء ورعاة ومثقفين وفنانين وكتاب وأعلاميين وعامة الناس، تدور أحداث مسرحية ( الشحاذون ).   
ما يقارب ساعتين ونصف ينتشلنا الشحاذ ( جابــة / سامي ياقو ) وزملاءه الشحاذون ( مركو / عدنان نانو) (ونسطيتي / سمير يوئيل ) والمخرج التلفزيوني ( سيمون الأمريكي / رمسن كوركيس) من مشاغلنا اليومية الروتينية لينقلنا بأرادتنا الحرة الى غرفة التشريح السوسيولجي لمجتمعنا، ونحن طيل الوقت نضحك وأفواهنا تقهقه عاليا واعيننا تدمع من شدة الأنفعال والنشوة. ساعتين والنصف من المتعة بفن مسرحي رفيع، حيث الحركة المسرحية البسيطة دون تهريج أو ضجيج، حوار وسيناريو شعبي سلس يخاطب مشاعر الأنسان البسيط ويمسها ويحركها دون تخديش . كلمات معبرة أخترقت جدار وجداننا دون جواز مرور لتصل الى القلب وتنزفه بمرارة. 

ماذا تقول مسرحية الشحاذون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لست ناقدا أكاديميا، فقيها بمدارس الفنون المسرحية لكي أحلل المسرحية منهجيا، جل امكانيتي هي مساهمات متواضعة في التأليف المسرحي الشعبي، ولكن هنا أقدم قراءة شخصية كمتلقي ومشاهد للمسرحية وما يمكن أن يستنبط من المغزى والمعانى والعبر التي تحرك فينا ساكنا.
 
المسرحية نعتت شعبنا بشعب الشحاذيين، وهذا ما سوف يثير حفيظة بعض من فطاحل وأبواق التهريج المتوفرة في سوق (عكاظ) وبازارات شعبنا الكلامية إن كانت في الاعلام او السياسة اوالكنيسة او العمل المؤسساتي . ولكن وفقت المسرحية في أعطاء مغزى هذا النعت القاسي في نبرته ووقعه ولكنه شفاف في صورته وحاله ، فالمسرحية اعطت أبعاد متكاملة للهوية الشحاذية عندما أظهرت مبررات الشحاذة، حيث اغتصاب للأرض والتأريخ والقتل والتهجير. شعب شحاذ لأنه تحول من ان يكون صاحب للدار الى شعب مهجري يعيش نصفه او ثلثيه في بلاد الشتات. وكذلك أعطت المسرحية بعدا مجازيا أخر للشحاذة ، حيث طرحته نعتا للبساطة والفطرة والتواضع في حياة شعبنا الذي لم يطمع او يطمح يوما الا بالسلام في ارضه او ارض الله الواسعة.

عرضت المسرحية شخصية ( شمعون جبرايل الآشوري /  سيمون كابريل الأمريكي )، لتطرح من خلالها مباشرة قضية أستغلال معاناة شعبنا من أجل المتاجرة والربح المادي الشخصي او الجهوي. ولكن في آن الوقت يمكن ان يمتد الطرح أبعد من هذا، حيث يمكن ان يعمم نقدا لكل عمل أعلامي تكون غايته التلاعب ودغدغة العواطف بطرح شعارات سرابية رنانة تصل الى حد التخدير والهستيرية الأنفعالية وتنتهي بحالة العيش في غيبوبة كما حدث لسيمون الأمريكي.

طرحت المسرحية موضوع الطروحات الساذجة للفهم السياسي أو الأجتماعي اليومي الذي تلمسناه في تاريخنا القريب واحيانا حتى المعاصر، حيث نفهم السياسة، فن الممكنات بأنها مصالح سياسية مفروزة على أساس انتماءات دينية. وهذا التصور قد كلفنا تأريخيا الدماء والدموع والأرض والوجود، وانتهينا أن نكون شحاذيين في بلدان العالم الغربي الذي تصورناه عالم حليف بالأخوة المسيحانية، التي تجاوزها الغرب فهما وممارسة منذ زمن طويل.

أنتقد الشحاذون ظاهرة ممارسة التقاليد الموروثة بشكل روتيني جامد، حيث فقدت الكثير من جوهر اهدافها السامية والانسانية لتبقى مؤطرة في قوالب بالية البعض بقي يتباهى فقط بقدم أصولها وجذورها والبعض الأخر يتباهى فقط  بالالتزام بممارستها الببغائية ، دون ان يكلف الفرد او المؤسسة او المسؤول اوالراعي انفسهم مشاق الحوار بشكل حضاري وليس ( انقلابي تدميري )  من اجل التغيير والتطور، من اجل الأستحداث لما هو ملائم لمتطلبات العصر والتقدم. وفي ذات الوقت نرى المسرحية تكشف زيف التغيير في العادات والموروثات الشعبية بشكل تقليد سطحي وساذج لعادات الشعوب الأخرى دون هضم او فرز او تمحيص.

فن الغناء لم يسلم من مشرط تشريح الشحاذيين، حيث انتقدوا الفن الغناءي الهجين الذي يختار الطريق السهل والرخيص وذلك بأستنساخ فنون الشعوب الأخري بطريقة ( الفوتو كوبي ) بعد ان تتبل ببهارات تكنولوجيا الصوت والصورة و(الفيديو كليب ) الزاهي الألوان والمفعم بالشبيبة الفتية الراقصة مع الكهولة المغناوتية الرافضة لقانون الطبيعة والزمن.

الهوة السحيقة بين المهجر والوطن موضوع أساسي أخر في المسرحية، حيث رغم محاولة تبرير شرعية بعض من أسباب الهجرة بربطها بموضوع أغتصاب الأرض من الغرباء والظلم والقهر التي واجهت أصحاب الأرض الحقيقيين وأدت بهم الى الأغتراب، إلا ان المسرحية رفضت بألم  ظاهرة الأغتراب السلبي في المجتمعات الغربية وضياع الهوية والوجود والهدف والألتهاء بالمصالح الذاتية والفئوية الضيقة، وتناسي وجود شحاذي شعبنا الصغير المرتعد وسط  الغاب المرعب في الوطن.
الصرخة اليائسة التي أطلقها ( جابا ) بصيغة الأنتماء الى اللاشيء او الى اللانتماء، هي صرخة للضمير الحي في شعبنا للعودة الى الذات الى الوعي وأدراك الواقع . فمن يقول بأنه ينتمي الى أمة عظيمة في تأريخها وجذورها، عليه أن يعمق أنتماءه بالوعي والفكر والسلوك الواقعي. والا فسوف يبقى كسيمون الأمريكي، فارغا في فكره وطرحه، يعيش على ملأ الفراغ بالكلام والصراخ والهسترة.   

كيف نتلقى مسرحية الشحاذون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متلقي المسرحية طبيعيا وحتميا سوف يكونوا مختلفين في طريقة استيعاب وتقبل جوانب المسرحية المتعددة وكذلك يكونوا رد فعلهم متغايرا، رغم أنه قد ينتمون الى نفس الفئة او الشريحة في انتماءها المهني او الفكري او الجهوي، فليس بالضرورة أن يكون تقبل ورد فعل كل السياسيين هو واحد لطروحات هذه المسرحية ، وليس بالضرورة أن يكون كل رجل دين وبأختلاف انتماءاتهم الكنسية لهم نفس الأنفعال والأنشداد لهذه المسرحية، وهكذا هو الحال عند المثقف والفنان والمسرحي والأعلامي وغيره. وهذا يؤكد نجاح هذه المسرحية ومؤلفها في مهمته بطرح محاور متعددة للنقاش والحوار. 
 أن دور المسرح وخاصة في المجتمعات الديمقراطية المتحضرة هو ليس اعطاء الحلول الأحادية الجاهزة للتعقيدات الموجودة في المجتمع. ولكن أن يعكس الواقع ومفارقاته بشكل صور استعراضية حيادية او نقدية ساخرة او تراجيدية. ويترك للناس فرصة الحوار والمناقشة.

يمكنني أن أتكهن صورة استقبال هذه المسرحية من قبل فئات شعبنا المختلفة . أبدأ بفئة المتزمتين الأصوليين أن كانت انتماءاتهم دينية او قومية او مؤسساتية . فسوف تراهم ظاهريا يضحكون لكي يظهروا امام الأعيان بأنهم متحضرين وأصحاب لياقة في تقبل الأفكار النقدية في الفنون اوالمسرح ولا يريدوا ان ينعتوا بالتخلف والرجعية، ولكن سريا وفي مجالسهم المتزمتة المحصورة سوف يعدون صليبهم المعقوف لكي يصلبوا المسيح (الكاتب) من جديد او ينخروه قربانا على مذبح الإله آشور او مردوخ.

أما الفئة اليائسة والسوداوية الأنهزامية التي تبحث دائما عن الشرعية في اختيارها للمسلك  او الموقف السلبي المتفرج ، سوف تراها تختزل في فهمها للمواقف المطروحة في المسرحية وتركز فقط على ما يؤكد ويرسخ نظرياتها السلبية في انه لا امل لهذه الأمة في الوجود والبقاء، لذلك اختارت هذه المجموعة دائما الأنتماء الى شعب اللاشيء ( هجمندينايا ) فتراها تضحك عاليا عند المشاهد النقدية الساخرة للسلبيات في المجتمع، وتحفظ فقط هذه المشاهد عن ظهر قلب وتبقى ترددها في مجالسها الساخرة أو في نقاشاتها البيزنطية لأمور المجتمع.

بعض الفئات القيادية في المجتمع ان كانت كنائسية او سياسية او مؤسساتية، سوف تحاول ظاهريا ان تسجل اعجابها بهذا العمل، وتظهر تأييدها للأفكار النقدية الواردة في المسرحية، ولكن في آن الوقت تحاول بشكل أو بأخر، أن تقول أنها ليست المعنية بهذا النقد، لان مواقفها وافكارها تقدمية ومحصنة من ان يشار لها بالسلبية. وتؤكد بالتلميح اوالمباشر بأن هذه الأشارات النقدية هي حقيقة تنطبق على الخصوم من الحزب الفلاني والكنيسة الفلانية او القيادي الفلاني. والمعنى في قلب سامي ياقو. 

الفئة الواعية أن كانت قيادية كنائسية او سياسية اومؤسساتية او شخصيات مثقفة بمختلف تخصصاتها او ان تكون من عامة الشعب ، سوف تفهم المسرحية، على انها عمل فني جاد أستطاع الكاتب والممثلون ان يطرحوا قضية شعب يعاني من جملة اشكاليات، وتراها تتقبل بشكل ذاتي وايجابي للنقد، وتراها تضحك للموقف الساخر وفي آن الوقت تتألم  للموقف المؤلم وبدل أن تبقى اسيرة للعواطف والبكاء على الأطلال تراها تقوم بالحوار من أجل التشخيص ومحاولة أيجاد طرق للتغيير او التحديث .

ماذا قدمت ( الشحاذون)  فنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنيا أستطيع ان اقول بأن الفنان سامي ياقو كان موفقا في موضوع مسرحيته ومحاورها المتعددة، وحسب رأي الشخصي بعد عدة مسرحيات رائعة وأخص بالذكر مسرحية ( مملكة بدون ملك ) الجادة والهادفة في طرحها وموضوعها ، جاءت مجموعة من المسرحيات الممتعة التي امتعتنا بمواضيعها الطريفة والخفيفة، دون ان يخوض الكاتب في تعقيدات شائكة، ثم هذه المسرحية الرائعة  ( الشحاذون) التي هي برأي ايضا تنظم الى مجموعة المسرحيات الجادة في موضوعها وطرحها.
تمثيلا واخراجا ظهر الفنان سامي ياقو كعادته فنانا مبدعا وعلى مستوى عالي من الأحتراف والخبرة وترى بصمات عمله المتكامل في كل الصورة المسرحية من الوان وديكور ومكياج وملابس وحركة الشخصيات الأخرى في المسرحية. مثل سامي ياقو شخصية ( جابا ) رئيس الشحاذيين، رغم انه حاول ان يعطي الرئاسة الى ( مركو ــ  سكرتير حزب الشحاذيين ، الذي له صلات بشخصيات رفيعة (عائلية) معروفة في العمل الشحاذي السياسي في دول المهجر) . والفنان عدنان (مركو) في هذه المسرحية ظهر متألقا ومبدعا وطاقة مستقبلية أخرى في مسرح فرقة نيراري، حيث كانت تعابير ايماءاته وحركته ونبرات صوته على خشبة المسرح في غاية الأبداع والسلاسة والمتعة. وهكذا أجادت أيضا شخصيات نسطيتي ورجال الحكومة في اداء ادوارها بأتقان. الفنان رمسن ( سيمون الأمريكي) كان ايضا موفقا وظريفا في رسم شخصية الأنسان الزائف المتخفي وراء البهرجة الشكلية والضجيج الكلامي القادمة من بلاد ( ام الدنيا ) .
أفتقدنا في المسرحية شخصية شحاذة نسائية، لكانت قد اعطت للصورة المسرحية نكهة التكامل الأجتماعي من جهة وقدرة نسائية مسرحية ولا سيما ان فرقة نيراري معروفة بطاقاتها الفنية النسائية.

فرقة نيراري في زمن منح الأوسمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرقة نيراري للفن المسرحي والفنان القدير سامي ياقو قد اتحفونا ، ولمدة ما يقارب الاربعة عقود،  بالعديد من العروض المسرحية المبدعة والناجحة في مادتها الفنية والقدرة التمثيلية العالية ورسالة فنية جادة  وهادفة مطروحة بصيغة حيادية بعيدة عن التلون بصبغة او انتماء ضيق لفئة او جهة او مجموعة او كيان. يا ترى متى يكون يوم التقييم والتقدير لكل هذه الجهود.  أين هي مؤسساتنا الثقافية ، مسؤوليينا ذوي الأمكانيات، مؤسساتنا الأعلامية ذوي العلاقة بالفن والمسرح.  أطرح هذا السؤال وخاصة في هذا الزمن الذي بدأنا نحس بأهمية التقييم والتقدير للجهود الخيرة. اننا نعيش في زمن منح الأوسمة.  الا يستحق هذا الفنان ( الشحاذ ) الذي هو أحد رواد المسرح الآشوري الحديث وهذه الفرقة ، وساما معنويا، يكفي أنه خلال ما يقارب الأربعين عاما بنى هذا الرجل لنا مسرحا جادا نفتخر به امام الأمم والشعوب الأخرى.

 تعذرني ايها الصديق انني لا املك مقاما او قدرة يؤهلني لامنح وساما، لاني أكثر شحاذة منك. ولكني أستطيع أن أعدك بشيئين اولا ان قلمي وصوتي واقلام واصوات الكثير من شعبنا سوف تستمر بالكلام عن ابداعك وعن كل مبدعي امتنا. والشيئ الثاني اني اعدك بأن أشتري نسخة من مسرحيتك، وأن لا أجرم بعمل لي نسخة مجانية. وهذا هو ابسط ما يمكن ان يفعله ابناء شعبنا مقابل جهدكم العظيم. 
لله يا محسنيين .. لله يا شعبنا .. نريد بيتا صغيرا وارضا..
أيها الشعب ( شعب الشحاذيين ) أن سامي ياقو و( الشحاذون ) يستنجدون.. هل من يستجيب.  [/b] [/font] [/size]