المحرر موضوع: وانطلق التحوّل: انتفاضة البابا على خطى المسيح الثائر  (زيارة 1792 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
وانطلق التحوّل: انتفاضة البابا على خطى المسيح الثائر

الأب نويل فرمان السناطي*

أطلق البابا فرنسيس، مؤخرا، موعظة مدوية، تناولت النص الانجيلي حول حدث تطهير يسوع للهيكل من المتاجرين به، مع إبداء قداسته مشاعر الحنان نحو طيبة المؤمنين، ونياتهم الحسنة... وهل ستبقى نيات أو حتى حسنات، بعد موعظته الحبرية؟
لم أبحث عن النص الأصلي للحديث، في الخبر الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يحمل آثار الترجمة، ولم أرجع إلى تاريخ النص ومكانه، وهل الوقت يسمح بكل هذا، أمام اليقين أن الكلمات تحمل نبرة الرجل، ولم تعد تفاجئنا، أمترجمة كانت أو أصلية! هذه بعض أضواء خجولة على موعظة من مواعظ العصر.

حديث بنبرة المشاركة الوجدانية   
لم يتحدث الواعظ بالمبادئ والارشادات، بل تكلم بطريقة المشاركة الوجدانية من القلب للقلب، طريقة تعتمد شواهد من خبرة الحياة وبأمثلة حية.
البابا هو فرنسيس الأول، وهل جاء فرنسيس مماثل من قبله في عصورنا المنظورة! ولكنه في الأقل، كما يبدو، يفتتح عهدًا بابويًا يرجع إلى زمن بطرس، زمن معفـّر بتراب أقدام المسيح، وما أحدثه سوطه في الهيكل من عجيج غبار.   
تحدث حبرنا بأنفاس محبة نحو الشعب المؤمن، متفهمًا طيبته معجبا بورعه. لكنه في الوقت عينه يطلق الصدمة، أمام ما وصفه، بضمير الجمع بـ "عاداتنا غير الكهنوتية في الهيكل" إذ قال:   
"أنا أفكر بالصدمة التي يمكن أن نثيرها عند الشعب بمواقفنا -بعاداتنا غير الكهنوتية في الهيكل: صدمة التجارة، صدمة الدنيويات ... حتى اليوم كم مرة نرى عند مدخل الكنائس قائمة أسعار المعمودية، وصلاة البركة، وتقدمة القداس. "ويشعر الشعب بالصدمة".
وتحدث مار فرنسيس بالامثال، كسيده المسيح، مستشهدًا، ويا له من شاهد، بمثل حي في بدء حياته الكهنوتية، ليروي لنا على طريقة كاتب سيناريو:
كنت مع مجموعة من الجامعيين عندما قرر خطيبان الزواج. فذهبا إلى الرعية، لكنهما أرادا أن يحتفلا بزواجهما بقداس، فقال لهما المسؤول في الرعية:
"لا، لا، لا يمكنكما"!   
- "ولكن لماذا لا يمكننا إقامة القداس؟ فالمجلس الكنسي يوصي بالاحتفال دائما بالزواج في إطار القداس ...! "   
-" لا، لا يمكن، لأنه لا يمكن أكثر من عشرين دقيقة!
- "لكن لماذا؟"
- 'لأنه هنالك أدوارًا أخرى "
- " لكننا نريد القداس! "
–' فتدفعان ثمن دورين! ".
ولكي يتزوجا في إطار القداس دفعا ثمن دورين. هذه هي خطيئة الصدمة.
وأزعم كمترجم أن النص المترجم يقصد في عبارة الدورين ما معناه: إن الوقت من بعدكما محجوز لنشاط ليتورجيي آخر، إلا إذا كنتما تدفعان ثمن نشاطين ليتورجيين.
بعد هذه القصة، أشار الأب الأقدس، إلى مسؤولية المتسببين في الشكوك بقوله الذهبي:
عندما يصبح أولئك الذين في الهيكل – أكانوا كهنة أو علمانيين أو موظفين وهم مسؤولون عن إدارة شؤون الهيكل – عندما يصبحون رجال أعمال فإنهم يسبّبون الصدمة للناس. ونحن مسؤولون عما يجري. والعلمانيون أيضا. كلنا نتحمل المسؤولية. لأنني –كمؤمن علماني- إذا رأيت أن هذا ما يجري في رعيتي، يجب أن يكون لدي الشجاعة لأقف بوجه الكاهن.
ونوّه البابا اليسوعي بتسامح الناس لطيبتهم، بأن "شعب الله يغفر لكهنته، عندما يكون لديهم ضعف، أو يقعون في الخطيئة"، على أنه استطرد قائلا: " لكن هنالك شيئان لا يمكن لشعب الله أن يغفرهما: كاهن متعلق بالمال وكاهن يسيء معاملة الناس". معيدًا الاشارة إلى الصدمة بقوله: "عندما يصبح الهيكل، بيت الله، بيتاً للأعمال، كما حصل مع الخطيبين، فقد تم استئجار الكنيسة ". ويستند البابا فيما ذهب إليه، إلى مبدأ يسوع في غضبته وغيرته على بيت الله، وهو قول المسيح: لا يمكن أن تخدم ربّين "فإما أن تعبد الله أو تعبد المال ". ومن ثم، يستنتج السبب الذي من أجله "يسوع يمسك السوط ليطهر الهيكل."

البابا المدهش، هل من مزيد؟
البابا فرنسيس الاول، إذا كان في كل يوم يدهش العالم، لسنا نعرف، بعد موعظة تجار الهيكل، ان كان في جعبته المزيد. ولا بد وأنه سيكون المزيد على المستوى العالمي.
ولكن على مستوى الكنيسة هل من مزيد؟ سيكون حتما المزيد، بعد ما نحن أمامه من منعطف مفصلي تاريخي تحولي، تمثل في صيحته بألا يتم تدنيس الهيكل بالتجارة.
أجل لم يعد ثمة في هذا الشأن، لون آخر ما بين اللونين، الاسود والابيض. ولم يعد ثمة مماطلة او تجاهل، ولا صرف نظر أو تماهل، لا أمامنا كقسس ولا أمام المؤمنين قبلهم.
ولا يتردد البابا في كل هذا، مما سيجرّ من مردودات إجراءات كهذه، من شأنها وهي تقصد أن تعيد الكنيسة إلى أزمان البشرى الأولى، أن تغدو كنيسة فقيرة ببنيانها، بائعة للوحاتها، وأعمالها الفنية، موزعة على الفقراء هداياها، فقيرة بخدامها، وأن هذه الكنيسة في هذا التنظيف الجذري المتحرّر من ماديات كانت تستند على تخريجات وتبريرات، ها قد فقدت أي مسوّغ لها ضمن منظور البابا، لتكون كنيسة بشرى، كنيسة اشعاع وجذب إيماني الى البشرى السارة.
لم يعد ثمة، على ضوء أقوال البابا، من خيار أمام الكهنة ولا أمام المؤمنين، سوى خطوات عملية، لا تحتمل غير التطبيق، ليس لأنها جاءت من فوق، من أعلى هرم للكنيسة الكاثوليكية، بل ايضًا لأنها تستوحي أقوال المسيح وأعماله، التي حجبت جوانبَ منها، تراكماتٌ زمنية غلفتها القوانين الوضعية.
لم استعجل الكتابة، لادّعائية شخصية، معاذ الله أو أني أقل من غيري اشتهاء أو استحياءًا تجاه المال. ذلك أنه لم لم يعد ثمة مجال لتبرير أو دفاع عن النفس، ولست سوى واحد من كثيرين، لا يتبرر الواحد فيهم أكثر من غيره. فالكنيسة الجامعة اليوم، أمام حبرها الاعظم، مقصودة بغربها قبل شرقها.
لقد كتبت مرة في موقع مار أدي البطريركي، مقالا بعنوان:
استجابة لمقترح سابق لغبطة بطريرك الكلدان: شهادة عن الادارة المالية للخورنات اللاتينية
(http://saint-adday.com/permalink/5591.html
قصدت به المقارنة بين خبرة كنيسة وأخرى. وأقرّ اليوم، على ضوء الصدمة، بأن المقال ذاك، كتب بنوع من الاشادة، بل بالدعوة التي التناغم في خبرة السياقات بين الكنائس الشقيقة المتنعمة بالشركة العقائدية التامة. وأقرّ أن المرء آنذاك كان يستند من حيث لا يدري على تحصيل حاصل في جوانب أداريه عدة، في كنيستنا بغربها وشرقها، أخذت قوالب من القوالب التي لبست مع الوقت شرعنتها وشموليتها.
وها هي تلك السياقات الأدرية المقولبة مع الزمن، إذا وضعت تحت المجهر البابوي، في ضوء موعظة تطهير الهيكل، تجد، ويا للمفاجأة، من يزعزعها من جذورها... ومن سيكون ذلك سوى المدهش كل يوم، الجالس على كرسي بطرس. وعليه وجب الاذعان اليوم ان ذلك المقال بات في العديد من فقراته، يتحرّج من كلماته.
وبعد، يبقى التحدّي كل التحدّي هو أننا أمام مدرسة لاهوت حديثة في عصرها، وتحتاج الى الالمام بأبجديتها، هي مدرسة لاهوت متفرّد لعصرنا، مدرسة ترفض التنظيرات التوفيقية، لتشكل لاهوت فقر أنجيلي بحقيقته العارية، لاهوت فقر علماؤه البؤساء ورسوله المعاصر فرنسيس الأول، بابا الفقراء.

  *راعي كنيسة سانت فاميي للكنديين الفرنسيين، وكاهن خورنة مريم العذراء للكلدان، كالغري