اعظم حدث تاريخي عرفته البشرية على الأطلاق
اتذكر حين كنت طالباً وحين كان التعليم تعليماً في العراق اذ كان تربية وتثقيف وتعليم، أذكر جيداً ان احد المدرسين نوهنا الى عدم اطلاق صفة المطلق على ايّ موصوف لأنه ليس ثمة حالة مطلقة في كل الدنيا تستحق ذلك الوصف وان اطلقت هكذا فتظل مجازية وليست كما تعني. وثم كانت دراستي في مجال العلوم التطبيقية وكنا نتحقق من بعض النظريات العلمية في المختبر وكانت النتائج دوماً تأتي بنسبة اقل من المعادلة المراد تحقيقها لتؤكد مقولة مدرسي. وما ينطبق على العلوم ينطبق على الأحوال والأحداث وعلى الحياة اليومية ومن خبرتي ان الأنسان مهما حاول انجاز شغله بالتمام والكمال والمطلق فان ذلك هو مستحيل ولكن لن اقول " اطلاقاً " عملاً بوصية مدرسي الذي اود ان اذكره هنا بالخير وان غادر ديارنا فالف رحمة على روحه النهرينية.
في التاريخ العالمي ثمة احداث تمثل اما الخير واما الشر وقعت وهزت اركان الدنيا ولكن اصبحت احداثا تاريخية لا تذكر الا في ذكراها الخمسين والمائة والخمسمائة والالف وهلم جرا، منها ميلاد او وفاة فيلسوف او ذكرى بداية او انتهاء حرب مؤثرة او كونية وحتى حدث الحادي عشر من ايلول الذي جلجل العالم المتحضر، وهو من جانب الشر، فأنه بعد سنين سيكون مجرد ذكرى لأبشع عمل شيطاني ضد المدنية . وماذا اقول عن وحشية داعش فهي الأخرى ستبقى مجرد ذكرى عن جرائم وصلت قاب قوسين من الشر المطلق.
لكن ثمة حدث من جانب الخير وقريباً سوف نحتفل بذكرى حلوله سنوياً وهو حقاً حدث تاريخي وهو الأهم اطلاقاً ، ما كان قبله آخر ولن ياتي آخر مثل أهميته.، بالتأكيد مثل هذا الحدث لا بد ان يكون له مزايا خاصة او مزايا ليست من هذا العالم او ان مزاياه هي من هذا العالم وعالم الأرواح وهذا حقاً ينطبق على ميلاد يسوع المسيح فهو ولد من العذاراء مريم بحلول الروح القدس عليها. لم يسبق ان ولد شخص أخر بهذه الطريقة ولن يولد آخر . ليس هذا الذي اكتبه بدعة او خرافة او مجرد عاطفة لأني مسيحي وأتباهى بمسيحيتي، فان كان هكذا وكانت المسيحية بدعة وخرافة وسكان الأرض على مدى الفين من الأعوام يعيشون هذه الخدعة ، لكان هذال الحدث مجرد وهم لاحقيقة له . لكن كل الحقائق تثبت ان الميلاد قد حدث كما هو مكتوب. وهنا نأتي على قانون هام من قوانين الرياضيات ف ( س ) ان كان يساوي (ص ) فيعامل معاملة " ص " والبقية يطول شرحه .. ,أكتفي بهذا لأن المثقفين يعرفون ويعترفون بهذه النظرية الأساسية والتي منها مبدأ الحاسوب ( الكومبيوتر) والمعروف ب بينري كود Binary code . ان لم تكن المسيحية بدعة فهي حقيقة وهكذا فأن اهم ركائزها وهي قصة ميلاد المسيح فهي ايضاً صحيحة، حيث ورد في انجيل متي : " وكانت امه مريم مخطوبة ليوسف وقبل ان يجتمعا معاً وجِدتْ حبلى من الروح القدس" متي 1-18 . ولذا فأن حدث الميلاد هو حقاً اهم حدث على الأطلاق لانه يربط عالم الروح بعالم العالم الذي نعيشه وهو ما يطلق عليه في المسيحية ب سر التجسد.
زيادة حول الموضوع لمن يساوره شك في حقيقة ميلاد المسيح كما ذكرنا، نقول دعنا نناقشه من نظرة بقية الأديان السماوية. الأسلام يعترف صراحة بهذه الحقيقة من ان مريم العذراء في كونها حملت بأبنها من دون ان يمسها شخص بشري كما جاء في آية آل عمران: "قالت : ربِ انى يكون لي ولداً ولم بشر. قال: الله يخلق ما يشاء اذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون... ". وهناك ايات اخرى تؤكد ان الولادة حدثت بقدرة الروح القدس. اما عن اليهودية فحدث ولاحرج حيث ان العهد القديم والذي هو النسخة المسيحية للتواراة، فها هم انبياء العهد القديم وجلهم يهود يتبارون في تنبأ وقوع هذا الحدث التاريخي الذي لا مثيل له. ولكن لا أحد يفصح عن هذا الموضوع اكثر من النبي اشعيا المحسوب على الشعب اليهودي : " ها ان العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل " اشعيا 14:7 .
فأذن الميلاد حسب ناموس الأرض هو غير طبيعي ولذا فهو لا يتبع قوانين الأرض و لا يخضع لقانون المطلق الذي ظل عالقاً في ذهني منذ زمن الدارسة المتوسطة. انه اهم حدث على الأطلاق عرفته البشرية وكل عام في مثل هذا الوقت تكتب وتدون الاف المولفة من المقالات بهذه المناسبة العجيبة في الجرائد والمجلات والأنترت ومع هذا يظل امهر الكتاب قاصرين في سبر اغوار هذا الحدث العظيم ، قيل القليل وبقي الكثير ليكتب عن ميلاد المسيح الأله المتجسد. هذا الميلاد الذي ربط السماء بالأرض وعقد الصلح بينها وصار مثالاً للمحبة ورمزاً السلام.
كل عام في ذكرى ميلاد الطفل الذي كان مَهدَهُ مذود وسجد له الملوك والرعاة، تمتلئ الكنائس بالمؤمنين به للتسبيح بأسمه القدوس وتنشغل الدنيا والأسواق والأعمال لأعداد ما يبيغه عامة الناس لهذه المناسبة من هدايا وحفلات وزينة ومأكولات وملابس جديدة والخ.
في البلد الذي اعيش فيه ارى ان ثمة محاولات لن تكون موفقة للتقليل من اهمية هذاالحدث العظيم وعام بعد عام تصدر قرارات على نطاق المدن او الولاية وحتى الدولة ، بعدم السماح في وضع مغارة بيت لحم في المحلات العامة او اجازة المغارة لكن بدون الطفل يسوع وهكذا ايضاً بالنسبة لشجرة الميلاد والأكتفاء بشجرة من دون نجمة المجوس، كما نسمع طلبات لحذف التهنئة المعتادة " ميري كريسمس " Merry Christmas، ولا ادري ان كان قريباً سوف يكون من يطالب بحذف عطلة الميلاد في المدارس الرسمية لهذا الوطن وكل هذا يقوم به الغير المؤمنين بهذا لطفل العجيب الذي اتى بهذا الحدث الفريد وأصبح تاريخ العالم يقترن بمولده وهوالذي احب العالم وفدى بجسده كل خطايا العالم ومنها حسد الحساد.
الحسد خطئية خطيرة وفي عرف المسيحية تحسب مميتة تؤدي الى التهلكة. وهي خطيئة عادة ما تحدث بين الأقرباء وأبناء المذاهب المختلفة في الدين الواحد وهنا ورد ذكرها في مجال الغيرة / الحسد بين ابناء الديانات السماوية. الأمر يحتاج الى مقال خاص، ولكن في الختام لنرجع الى موضوع التقليل من اهمية الميلاد الذي المسه في هذا الوطن، وبكل اسف اقول ان مثل هذه القرارات لا يجب تصدر اولاً وان كانت بأسم الديمقراطية والمدنية والعدالة الدينية. اكتب تحت ضغط المشاعر لأقول ان هذا الوطن المبارك الذي هو الأقوى في العالم ان لم يرجع الى ايمان مؤسيسه بهذا الطفل العجيب وعيده المجيد ، فان مصيره يبقى من غير بركات هذا العيد المعروف عنه انه يجلب الهدايا والبركات للمحتفلين به من كل ابناء الأنسانية.
حنا شمعون / شيكاغو