المحرر موضوع: سنجار F.M  (زيارة 1146 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عمار نعمة جابر

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 5
    • مشاهدة الملف الشخصي
سنجار F.M
« في: 12:26 25/12/2014 »

سنجار F.M

عمار نعمة جابر
________________________________________________________
- سنجار : جبل في شمال العراق ، يقال ان سفينة نوح ارتطمت بقمته اثناء الطوفان ..
- كنو : اسم آيزيدي جاء من اللغة الاكدية القديمة ، ويعني بالاكدية لحم الضحية ..
      - علامة (*)تعني اقتباسات من الكتاب المقدس للديانة الآيزيدية ( الجلوة ) بنسخته العربية .
- يفضل أن يكون القاء الحوار الذي بين قوسين [ --] بالغة الكردية الآيزيدية .
__________________
( كنو  .. طفل في العاشرة من العمر ، هرب بعد أن هجم الملثمون على قريته القريبة من الجبل ، أثناء سيطرة الملثمون على مدينة الموصل .. كنو وحيدا على سفح جبل سنجار .. يتقدم حثيثا كي يصل هاربا الى قمة جبل سنجار .. الشمس تبدأ بالمغيب ..  )
( يدخل كنو من يمين المسرح .. يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )

كنو               : ( مرتجفا )   أنا خائف .. لا ادري اين أذهب .. لقد بدأت الشمس بالمغيب ، وسينزل الليل بعد قليل .. يا الهي ماذا سأفعل ؟ .. أنا خائف .. منذ ساعات وانا ابحث عن الجميع .. لم الحق بهم .. أنا وحدي في هذا المكان .. لا ادري اين أنا الآن .. ( ينظر يمينا وشمالا ) ربما .. ربما اقتربت اكثر من قمة جبل سنجار .. ولكن أين الجميع .. قالوا إنهم سيحتمون بالجبل عندما لاحقتهم سيارات الملثمين .. ( يتحرك ) اين ذهبوا ؟.. ساعات وانا امشي لم اجدهم .. ( ينادي بصوت عال ) أنا هنا .. انا كنو ساعدوني .. هل يسمعني أحد ؟ .. أين أنتم ؟ ..
( يخرج من يسار المسرح .. نسمع صوت اطلاق نار كثيف .. مع صراخ )
( يدخل كنو من يمين المسرح .. بعد أن تقدم نحو قمة الجبل .. يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )
كنو             : ( ينصت لصوت الرصاص ، والصراخ .. يتوجه نحو نور الشمس قائلا : "هنيئا للروح الواقفة والصامدة أمام ربها " ثم يرتل صلواته بصوت عال على ارواح القتلى ): "أيها الموجود قبل كل الخلائق ، الملك طاووس ، الذي ارسل عبطاووس الى هذا العالم لكي يميز ويفهم لشعبه الخاص وينجيه من الضلال والوهم"* آمين ..( يتوقف عن الصلاة .. ثم يتحرك .. يحدق في البعيد .. وهو يحدث نفسه ) لقد أعدموا مجموعة أخرى .. الملثمون يقتلوننا مع كل وقت للصلاة ( يتحرك يمينا وشمالا ) هل أنا تائه ؟.. نعم أنا تائه بالتأكيد .. لكن! ..  أهل قريتنا قد خرجوا كلهم .. عشرات  الالاف ، وهم مسرعين .. هاربين من هجوم الملثمين على مدينتنا .. هربنا أنا وامي واخوتي مع من هربوا .. كنت اركض خلف أمي .. خلف اخوتي .. وفجأة غابوا جميعا عن عيني .. اختفوا وسط الالاف التي تهرول .. تهرول بعيدا عن سيارات الملثمين ذات الدفع الرباعي .. كيف سأجدهم الآن وقد بدأ الليل ينزل على سنجار .. وأنا وحدي .. [ يا طاووس أنا خائف .. أنا كنو خائف ، سيدي طاووس هل سأكون ضحية لهذا الموت .. لا أريد أن أموت  اريد أمي .. اين امي .. لا ادري ماذا سيحدث لي وانا هنا وحدي ].. ( يبحث في جيوبه يجد جهاز راديو صغير .. يحاول تشغيله .. نستمع اليه كيف يبدل بين القنوات المشوشة ) أين ذهبت أصواتكم! ( يستمر بالبحث في قنوات الراديو .. ثم يغلقه ويعيده الى جيبه .. ثم يتحرك ) ..  أمي كانت تقول لي دائما أنها اعترضت أن يكون اسمي كنو ، تقول أنه يعني بلغة القدماء : لحم الضحية .. قالت : أخاف عليه أن يصبح أضحية لحروب هذه الارض التي لا تنتهي ابدا .. لكن أبي اراد أن اكون كنو .. كان يحب ذلك الاسم كثيرا .. ( يتحرك .. يبدأ في التحديق بساعته اليدوية بشكل متواصل وهو يتحدث  )  كنت خلف اخوتي حين شدني مشهد لرجل قد خرمت وجهه رصاصة كبيرة فهشمت جزءا كبيرا منه .. بقيت احدق في عينه الوحيدة التي بقيت سالمة .. كانت مفتوحة تحدق بي ( يحدق في ساعته اليدوية ).. راودني شعور انني اعرف هذا الرجل .. ربما كنت قد رأيته في أحد الشوارع ، حيث كنت العب مع اصدقائي .. او ربما هو يشبه رجلا ما فقط .. أو قد يكون كل الموتى متشابهون بعيونهم المفتوحة ..لا أدري .. فأنا لم اشاهد أحدهم يموت .. ولا حتى بعيون مغلقة .. ( يتحرك .. يحاول أن يسحب عينيه عن ساعته اليدوية ) اعتقدت لوهلة انه كان ينظر لي .. لماذا ينظر لي أنا ؟ ( يتحدث مع ساعته اليدوية ) ابتعد .. ابتعد عني ..( يحاول أن يبعد يده )  ابعد عينيك .. ماذا تريد مني .. اتركني وشأني ( اخيرا يفلت نفسه عن النظر الى ساعته اليدوية .. يتحرك بعيدا ) ..  قد أكون أشبه احد اولاده .. أولاده الذين ربما قد ماتوا قبله ، أو سيموتون بعده عند طريق هروبهم الى جبل سنجار ..( لحظة ) ولكن حينما استفقت من مشهد عين المقتول .. حاولت أن الحق بأمي واخوتي .. ( يهرول الى الجانب الآخر ) لكنني ما رأيتهم بعد ذلك ، لقد ذابوا كالجليد وسط الناس .. صرخت بأعلى صوتي .. لكن الجميع كانوا أيضا يصرخون .. بكيت بأعلى صوتي .. لكن الجميع كانوا يبكون بصوت عال أيضا .. ركضت بكل قوتي ( يتحرك بشكل اسرع ).. لسوء حظي ، الجميع ايضا كانوا يركضون .. يركضون .. يركضون على وجوههم هاربين .. كيف يمكنهم ان يروني أو يشعروا بي وبصراخي وبكائي .. الجميع يقوم بما اقوم به ..
( يخرج مهرولا من يسار المسرح .. نسمع صوت اطلاق نار كثيف .. مع أصوات صراخ )
( يدخل كنو من يمين المسرح ..وقد قطع مسافة اخرى نحو قمة الجبل .. يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )
كنو             : ( ينصت لصوت الرصاص ،  والصراخ .. يتوجه نحو نور الشمس قائلا : "هنيئا للروح الواقفة والصامدة أمام ربها " ثم يرتل صلواته بصوت عال على ارواح القتلى )" حاضر أنا سريعا ، للذين يثقون بي ويدعونني حين الحاجة ما يخلو عني مكان من الأمكنة ، مشترك أنا لجميع الوقائع التي يسميها الخارجون شرورا لأنها ليست مصنوعة حسب مرادهم"* آمين ..    ( يتحرك يمينا ويسارا ) [يا الهي .. لقد نزل مطر الرصاص مرة اخرى على اجساد ابناء قريتي مع صلوات الملثمين الجديدة ] .. ( يتحرك ) ماذا سأفعل ؟ منذ الصباح وحتى هذا الوقت وأنا ابحث عن أمي واخوتي .. ولكن لا فائدة .. أين يمكنني ان اجدهم الآن ؟ .. لقد غربت الشمس كيف يمكنني البحث عنهم الآن .. لقد اصبحت بعيدا عن  الجميع ، ما كان يجدر بي أن أبتعد كثيرا .. ( يتحرك ) لكني كنت خائفا منهم .. نعم .. فعندما تعبت من الجري السريع خلف امي ، جلست على حافة الطريق لأستريح .. اجر انفاسي لاهثا .. ( يفتح حقيبة صغيرة معه وينظر فيها ) بحثت في حقيبتي عن قطعة قماش لأمسح وجهي من العرق الذي تصبب على عينيَّ .. فجأة .. لم اشعر بنفسي الا وسيارات الملثمين تقترب مني ( يبقى محدقا وسط الحقيبة .. التي يتصارع معها ليخلص نفسه منها دون فائدة ) .. لقد رأيتهم .. كانت عينا احدهم ترقبني .. رأيت عينيه .. أنا متأكد أنني رأيت عينيه .. كانت مختلفة عن عيوننا .. كانت تشبه عيون ذئب متوحش .. ( كأن الحقيبة تحاول افتراسه ) شعرت انه يريد أن ينقض عليّ .. ارتجفت حينها كل أوصالي .. اطلقت قدماي للجري بأقصى سرعة ( يحاول التخلص من الحقيبة ..دون فائدة ) .. لا اذكر في أي اتجاه ركضت .. لا أذكر ..  بقيت اركض وانا انادي باسم العظيم طاووس ان ينقذني.. أن يدفعهم بعيدا عني .. أن يدفع عيونهم بعيدا عني .. دعوت طاووس بصوت عال قائلا :         ( يتوسل الى طاووس ) ابعد عيونهم عني يا سيدي طاووس ، اشغلهم بأحد غيري ، اجعل احدهم يتحرك ليكون بيني وبينهم .. كي لا يمكنهم رؤيتي وأنا اهرب .. حتى لو أنهم سيقومون بقتله .. دعهم يقتلونه هو ، وأنا أبقى حياً .. المهم ان أبقى حياً ! ( يفلت نفسه .. ثم يهرول هاربا من مكانه ثم ينهار) ما كان يجب ان أدعو بهذا الدعاء لطاووس .. كيف فعلت ذلك ؟ ..         ( يتحدث مع الملك طاووس كأنه أمامه ) [ لماذا استجبت لدعائي يا طاووس ؟ ].. لماذا وضعت بيني وبين الملثمين عوائل بأكملها .. نساء ، أطفال ، شيوخ .. لتأكلهم أسلحة الملثمين وتمزق اجسادهم ؟ .. كيف فعلت ذلك .. اليس في قلبك رحمة بهم .. لماذا تسمع كلامي الغبي ؟.. كان يمكنك ان تجعلهم يكتفون بقتلي أنا وينتهي الامر ..    ( يتحرك .. ثم يتحدث مع نفسه ) لقد رأيتهم يتساقطون كالفراشات المحترقة .. حين كنت التفت في كل مرة .. كنت أرى جسدا تقطعه رصاصات الملثمين الكبيرة .. قطعة قطعة .. كان فحيح الموت يجعلني اركض .. أركض بكل ما في قدميَّ من قوة .. اجري .. اجري .. لساعات ..
( يخرج مهرولا من يسار المسرح .. نسمع صوت اطلاق نار كثيف .. مع صراخ )
( يدخل كنو من يمين المسرح .. وقد قطع مسافة اخرى نحو قمة جبل سنجار ..  يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )
كنو             : ( ينصت لصوت الرصاص ، والصراخ .. يتوجه نحو نور الشمس قائلا : "هنيئا للروح الواقفة والصامدة أمام ربها" ، ثم يرتل صلواته بصوت عال على ارواح القتلى ) "آخذ وأعطي ، اغني وافقر ، اسعد واشقي ، حسب الظروف والاوقات ، أجلب الاوجاع والاسقام على الذين يضادونني"* آمين .. ( يتحرك .. يخرج كتابا مقدسا صغيرا من حقيبته ..ثم يتحدث مع  الكتاب بحرقة) إذن  لماذا تركتهم يفعلون بنا ذلك يا طاووس .. لماذا ؟ الا تسمع أيها الملك كيف تقطع رصاصات الملثمين مجموعة أخرى منا !..  أمي كانت تقول دائما أنك راعي الجميع .. وانك كنت معنا في كل ما مررنا به .. كيف تركتهم يفعلون ذلك بنا .. أيها الملك .. اذا كنت لا تحمي محبيك واتباعك أي عمل نافع يمكن أن تقوم به ها .. أي عمل تقوم به ؟..( يحرك الكتاب بقوة ) هل تسمعني انت الآن ، أم أنني أصبحت بعيدا عن أذنيك ؟ أخبرني بماذا تفكر الآن في أمري ، وأمر من هربوا لائذين بجبال الارض كي يهربوا من أقداركم ؟.. [ كيف فعلت ذلك بأمي المسكينة ؟ .. لقد فقدت أحد صغارها .. فقدتني .. أنت تطعنها في قلبها ] .. لماذا لا اسمع صوتك يتألم صارخا على جبل سنجار ( يضع الكتاب على اذنيه كي يسمع ) لا اسمع نشيج بكائك .. ولا صراخك .. كما هو صراخ الامهات ، وصراخ الاطفال .. هناك في قمة جبل سنجار ؟.. كيف تبقى صامتا اخرس وانت ترى ما يحدث لنا .. الست ممتدا على كل السماوات والارض .. كما تقول أمي عنك .. ( يقرب الكتاب المقدس الى شفتيه .. يقبله .. ثم يشمه ) لقد كانت أمي تحبك اشد الحب ..آه يا أمي .. ( يتحدث مع الكتاب )  أما أنت فلست قادرا الآن على جلب كوب ماء لي كي أشرب ، لأطفئ نيران قلبي الملتهبة .. أو حتى توفير غطاء الف به جسدي على جبل سنجار كي الجم هذا الارتجاف في أوصالي ( يحاول أن يبعد الكتاب عنه ) ابتعد عني .. لا تلتصق بعينيّ ولا بوجهي .. أشك أنك تراني أو تسمعني .. أو تراهم وتسمعهم ؟ ( يفلت من الكتاب المقدس  ) يبدو لي انك صرت تشبه كثيرا  اله الملثمين .. الذي أعطاهم سيارات للدفع الرباعي ، واسلحة كبيرة لها صوت يرعب قلبي .. كي يكبرونه مع كل رصاصة تنخر رأس انسان .. هل انتم متشابهون .. متفقون .. متناقضون .. ماذا انتم ؟ هل اتفقتم على قتل أهل قريتي .. وابعادي عن أمي وأخوتي ؟ .. ايتها الالهة.. أين صرير أقلامكم لتكتب غير هذا القدر لعبيدكم  .. أين أنتم ؟ ( يبحث في جيوبه يستخرج جهاز الراديو الصغير .. يشغله .. نستمع اليه كيف يبدل بين القنوات المشوشة ) أين ذهبت أصواتكم! ( يستمر بالبحث في قنوات الراديو .. ثم يغلقه ويعيده الى جيبه .. )
( يخرج مسرعا من يسار المسرح .. نسمع صوت اطلاق نار كثيف .. مع صراخ )
( يدخل كنو من يمين المسرح .. بعد ان مشى مسافة نحو القمة .. يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )
كنو             : ( ينصت لصوت الرصاص ، و الصراخ .. يتوجه نحو نور الشمس قائلا : "هنيئا للروح الواقفة والصامدة أمام ربها " ثم يرتل صلواته بصوت عال على ارواح القتلى )" الخزائن والدفائن المدفونة تحت قلب الارض معلومة ، اظهر معجزاتي وعجائبي للذين يقبلونها ، ويطلبون مني بحينها"* آمين .. آمين .. ( يتحرك  ) مع كل صلاة جديدة للملثمين ، تموت مجموعة أخرى من أهلي .. ( يتحرك باحثا في الارض عن شيء )  أما أنا فلست سوى طفل لم يتجاوز العاشرة .. هل ترى ذلك يا طاووس العظيم ؟ ..         ( ينادي ) هل تسمعون جميعا يا آلهة العالم كلامي .. وحيدا وقد حلَّ الليل .. أنا لا اعرف انتماءاتكم  .. ولا اديانكم .. ولا تعاليم سماواتكم .. ( يبحث بحركة سريعة ) يا طاووس .. وانت يا اله الملثمين .. وانت يا رب صديقي المسيحي .. اريد أن اعود لأمي .. اريد ان ارى اخوتي مرة اخرى .. لا يهمني من من عبيدكم تحبون او من من عبيدكم تكرهون .. من يحبكم ومن يكرهكم .. ( يتوقف عن البحث ) انا أعرف شيئا واحدا .. أنني احب امي واخوتي .. ( يقف ) لا تصمتوا كالموتى .. اريد أن اعود لأمي .. ( يتحرك ) [ جبل سنجار مخيف .. والليل مخيف ايضا .. وانا وحدي .. وحدي .. أنا خائف ] .. ( يتكور على نفسه .. ثم يسمع صوت اطلاق نار بعيد .. ينهض ) اسمع صوت الرصاص خارج مواعيد صلاة الملثمين .. عجبا .. ربما اعدموا مجموعة اخرى من الناس ، اعدموهم كنافلة للتقرب أكثر لرضى ربهم .. وجبة أخرى من أبناء قريتي .. يتقربون بدمائهم لمن يعبدون .. لا عجب .. فهذا بالضبط ما قالته لي أمي حين سألتها يوما عن مشهد قتل رأيته في إحدى نشرات الاخبار : ( يجلس على الارض متخيلا انه أمام التلفاز ، وهو يتحدث لأمه )  أمي لماذا يقتلون هذا الرجل المعصوب العينين في التلفاز .. ماذا فعل ؟ ( يفتح الحقيبة ويخرج منها شالاً لامه يلفه حول عنقه ) قالت دون أن تنظر الى صورة الرجل المقتول في التلفاز : ( مقلدا صوت أمه ) لم يفعل اي شيء سيء .. إذن لماذا يفعلون ذلك به .. هل سينفعهم قتله في شيء ؟ .. نعم يا بني ، يقولون انهم يتقربون به لمن يعبدون .. إذن لماذا يخلق معبودهم بشرا ليقتلهم بشر آخرين يا أمي .. أمي .. هل تعرفين الاجابة .. ارجوك اجيبيني .. لا تصمتي .. لماذا تخلقنا السماء ، ثم تقتلنا مخلوقات السماء ؟ .. ( يبحث في المكان يمينا وشمالا ) ما هدف هذا التكرار المرير ؟ .. ماذا فعلت لكي  لا ابيت هذه الليلة ، مثل كل ليلة بين اخوتي في بيتنا  .. ترتب أغطيتي يد أمي الحانية ..( ينام على ارض المسرح ، مسبلا يديه وقدميه )  هل يتقربون بذلك لأحد .. هل الالهة بكل اشكالها والوانها واذواقها يحبون أن يروا الاطفال مثلي بهذا الحال .. !
( يقف فجأة ثم يخرج من يسار المسرح ..نسمع صوت اطلاق نار كثيف .. مع صراخ )
( يدخل كنو من يمين المسرح .. بعد أن اقترب اكثر نحو قمة جبل سنجار .. يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )
كنو             : ( ينصت لصوت الرصاص ، والصراخ .. يتوجه نحو نور الشمس قائلا : "هنيئا للروح الواقفة والصامدة أمام ربها" ثم يرتل صلواته بصوت عال على ارواح القتلى )"ثلاثة اشياء ضدي ، وثلاثة اسماء ابغضها ، الذين يحفظون اسراري ينالون مواعيدي ، جميع الذين يحتملون المصائب بسببي لا بد أن اكافئهم بأحد العوالم"* ( يصرخ ) آمين .. آمين .. آمين ( ثم ينهار )  آه .. ماذا يحدث .. لا أريد مكافآت الالهة .. اريد أمي .. متى سأجد أمي مرة اخرى .. أم انها النهاية .. أنا خائف .. الليل حالك .. لكني يجب أن استمر في السير نحو قمة جبل سنجار .. ربما اجدهم على قمة الجبل ينتظرونني  .. ( يتحرك ) كل الاضواء خافتة لا أراها من بعيد .. ( يتحرك .. ثم يخرج مرآة صغيرة من الحقيبة ويحدق فيها  ) أنا وحدي على جبل سنجار .. لا تريد السماء أن تكلمني ، ولا يرضى جبل سنجار أن أصل بسرعة الى قمته كي أجد أمي وأخوتي .. ( يتحرك .. وهو يحدق في المرآة بشدة  ) أذكر أنني حين سألت أبي قبل أن يُقتل في انفجار سيارة ملغمة في الموصل : أبي ما معنى اسم سنجار قال لي : ( يرتل بصوت أبيه الرخيم وهو يحدق في المرآة ) يقولون أن سفينة نوح ارتطمت بقمته حين كانت تتلقفها الامواج العظيمة .. حينها ارتجفت قلوب الجميع على سطح السفينة .. كما ترتجف قلوب الفارّين اليوم .. عرفوا أنه جبل له قرار آخر .. سمعوا صوت صرير خشب سفينتهم وهو يصارع صخور جبل سنجار ، شعروا بالجبل وهو يحاول أن يقطع سفينة نوح الى نصفين .. خافت ارواحهم من سنجار فركعوا على ركبهم يتوسلون ( يركع على ركبتيه ) كان أبي يؤكد لي أنهم حينها توسلوا بالجبل أن لا يقتلهم .. فله سنُّ حادة في اعلاه .. كادت أن تجور عليهم .. سنُّ جار .. ويقتل النبي نوح ومن معه .. وكل الحيوانات التي كانت تركب معه .. وحينما احس نوح واصحابه أن الجبل سيقتلهم ، فكروا أن يطلبوا من الاطفال أن تتوسل الى الله ، لطهارتهم ، وبراءتهم ، وبياض ارواحهم الرقيقة ، حينها فقط تركهم جبل سنجار .. ( يفلت من المرآة .. ويعود لنبرة صوته ) فكرت حينها أنه جبل مجرم وقاتل ، حاول أن يقتل من بقي على هذه الارض من بشر وحيوانات .. كنت أكره جبل سنجار .. اعتبرته عدوا لأمي واخوتي .. وعدوّا لقطتي الجميلة وطيور الكناري التي يحتفظ بها جارنا في قفص كبير .. على الرغم من أنه تركهم يذهبون بسلام من أجل توسلات الاطفال فقط ، فهل يا سنجار ستنقذ امي واخوتي من أجل توسلاتي  ( يتحرك ) لكن ما حدث اليوم أمامي جعلني أفكر : تراك لماذا لم تهشم سفينة نوح ، أيها الجبل وتنثر حطامها على طول بحار العالم ؟( يركل الارض بقدميه بقوة ) .. [ لماذا فرضت علينا أقداراً أخرى لنعش كل هذه الالام .. ونذرف كل هذه الدموع ؟ .. لماذا لم تنه الحكاية قبل أن تبدأ .. ويغرق كل الاخوة وهم اخوة .. قبل أن يصبحوا أعداء ، يأكل بعضهم بعضا ؟ ] .. يبدو لي أن غاية السفينة أن تبحر لتنقذ الضحية كي يفتك بها القاتل ، ويفترس الأخ اخيه ، والذي انقذته السفينة ذاتها .. كي تمهد لسجل حافل  بالحروب والدماء .. والفراق والدموع .. ( ينادي ) نحن الاطفال هنا يا جبل سنجار ، هل تسمعنا ونحن نتوسل ..
( يخرج بتثاقل من يسار المسرح .. نسمع صوت اطلاق نار كثيف .. مع صراخ )
( يدخل كنو من يمين المسرح .. يقترب اكثر فاكثر من قمة جبل سنجار ..يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )
كنو             : ( ينصت لصوت الرصاص ، والصراخ .. يتوجه نحو نور الشمس قائلا : "هنيئا للروح الواقفة والصامدة أمام ربها " ثم يرتل صلواته بصوت عال على ارواح القتلى )"ما اسمح لأحد بأن يسكن بهذا العالم الادنى ، أكثر من الزمن الذي هو محدود مني ، واذا شئت ارسلته تكرارا ثانيا وثالثا الى هذا العالم أو غيره"* آمـ .. ين .. يا ..الهي .. وجبة موت اخرى .. ( يتحرك )  أمي .. اخوتي .. أين أنتم ؟  مضى كل هذا الوقت وانا وحدي ، أنا محتاج لكم كي تدفعون عني ما في هذا الليل من خوف وظلام ، وتظمّوني اليكم بعيدا عن هذا الجبل الصخري الصامت ، [ أنا أريد أن اعود الى البيت ، لقد طردني الملثمون عن بيتي وابعدوني عن اهلي واصدقائي .. لم اقترف بحقهم أي ذنب ] .. ( يبحث في جيوبه فيستخرج جهاز الراديو ويقوم بتشغيله .. نستمع اليه كيف يبدل بين القنوات المشوشة ) أين ذهبت أصواتكم! ( يستمر بالبحث في قنوات الراديو .. نسمع من الراديو رجل يتحدث بصوت خشن قائلا : هنا سنجار ) نعم .. نعم نطقت اخيرا .. تحدث ماذا عن سنجار .. ماذا يحدث فيها ؟ قل أي شيء ... ( يسكت الصوت .. تعود القناة لصوت التشويش فقط  .. يبحث في القنوات ولا يسمع سوى التشويش .. يعيد الراديو الى جيبة .. ثم يتحرك .. ينتبه ) ترى هل تطلبون مني أن أعتنق دينكم ! .. أنا لا أعرف حتى ماذا تعني كلمة دين .. او لماذا صنعها ورتبها بشر أمثالكم بمثل هذه القسوة ، أو لماذا قد تحبها السماء ، وتحبكم .. ( لحظة ) هل تحبها وهي بهذه القسوة وبكل هذا الحزن ! .. أنا حتى لا اعرف ما يربط بيني وبين دين أمي ، او دين أبي .. هي عندي ، ليست أكثر من حكايات اسمعها من امي ، او من أبي .. تشبه كثيرا ما اشاهده من رسوم متحركة في التلفاز .. ( يخرج قلم الوان من حقيبته ، ثم يبدأ بالرسم على الارض ) [ سادتي ديني لازال لعب فقط .. فأنا طفل في العاشرة فقط ..  لعب هي حياتي وضحكات لكرة تركض امامي ، او انشودة حب ].. لم أدرك ابدا الفرق بين طاووس ورب الملثمين ورب صديقي المسيحي ..( يرسم قوس قزح على الارض ) أوليس كلهم آباء كبار يسكنون في السماء .. لكي يعطوا أهل الارض المطر والفرح وقوس قزح .. ( يحاول الامساك بفراشات متخيلا انها تطير في الهواء ) .. أنا لم ارهم ابدا ولم أسمع كلامهم ، ولكنني تحسست زرقة السماء ، وارتفاع الجبال ، وقوة الريح فشعرت بهم وبوجودهم ، فكلمت طاووس ودعوته صادقا .. أن يأخذ أبي الى أجمل الاماكن في الفردوس ، بعيدا عن ارواح من قتلوه ومزقوا جسده .. أمي تقول أن ابيك سيأخذه طاووس الى الجنة .. وقنوات الملثمين أيضا تقول أن ارواح الذين يفجرون انفسهم وسط النساء والرجال والاطفال ، هم ايضا سيأكلون افضل الوجبات في الجنة ! .. ( يبحث في حقيبته ) أ يعقل أن كليهما في الجنة ! القاتل والمقتول في الجنة .. كيف يمكنني ان استوعب هذه الاديان .. لكنني تقبلت الامر .. ثم أنني لا أعتقد أن أبي سيكون مرتاحا في الجنة مع قاتليه .. مع من ضغط الزرّ ليقتله هو واصدقاءه في الموصل .. ارجوك يا طاووس .. [ لا تعذب ابي في الجنة بأن يبدأ صباحه بالنظر في وجوههم .. وينام تحت نعيم الجنة واشكال قاتليه امامه تضحك منه ].. لا تعذب أبي بالطريقة نفسها التي تعذبنا بها على هذه الارض .. لا تعذب أبي بعذاباتنا نفسها ..حيث نصبح ونمسي على أشكالهم القاتلة ، دعه يتنعم بسلام سيدي طاووس ( يتحرك .. لحظة صمت .. )
( يخرج من يسار المسرح .. نسمع صوت اطلاق نار كثيف .. مع  صراخ )
( يدخل كنو من يمين المسرح .. وصل اخيرا الى قمة جبل سنجار .. يقف وحيدا على القمة  .. يتحرك حتى يقف في منتصف المسرح )
كنو             : ( ينصت لصوت الرصاص ، واصوات الصراخ .. يتوجه نحو نور الشمس قائلا : "هنيئا للروح الواقفة والصامدة أمام ربها " ثم يرتل صلواته بصوت عال على ارواح القتلى )"الحق والباطل معلوم ، وهما مشهوران من وقوعهما بالاختبار والتجربة"* آمين .. آمين .. أمين .. آمين ( يصاب بهيستريا مع تكرار كلمة آمين .. ثم يتوقف ) .. لا زال الملثمون يقتلوننا مع كل صلاة ، يطاردون حتى مواشينا ليأكلوها ، وطيورنا يطلقون النار عليها ، لانهم لا يحبون اجنحتها .. ويقبضون على اطفال احياءنا لانهم يكرهون لعب الاطفال .... ها أنا ذا على قمة سنجار ، وصلت اليها .. لكنني لا أرى احداً من أهل قريتي ( ينظر يمينا وشمالا ) أين هم ؟ ( يتحدث مع الملك طاووس )  [ لا تنساني هنا وحيدا .. أرجعني لأمي ، اشتقت اليها ]، أنا أخاف أن يكون الملثمون قد لحقوا بها ، والقوا القبض عليها وعلى اخوتي  .. يا الهي .. لا .. ماذا سيفعلون بها وبإخوتي اذا القوا القبض عليهم ! ( يتحرك ) لا .. لا اريد أن يبيعوا أمي في اسواق الموصل واسواق تلعفر .. كما فعلوا بخالتي وبناتها .. كانت أمي تبكي ، ( يجلس على الارض .. وهو يولول ، ويلطم على وجهه ، وعلى قدميه ) تبكي عليهن بحرقة .. وبألم .. كانت الاسئلة تأكل روحها ، تردد طوال الوقت : ( ينعى مقلدا أمه ) ماذا فعلوا بأختي وبناتها العذراوات .. واويلاه .. هل قتلوهن ، أم اغتصبوهن بوحشية .. واويلاه .. أم باع الملثمون كل واحدة على رجل ، وتاهت أختي عن بناتها .. واويلاه .. ( يتحرك .. يعود لنبرته ، ثم يتحدث بغضب ) يا الهي .. هل باعوا أمي هي الاخرى .. وقبلها قتلوا أبي .. هل باعوا أخوتي .. بعد أن شردوني ضائعا في جبل سنجار .. أريد أمي .. أين اخوتي .. ألا يكفيكم أنكم أخذتم أبي وما عادت الينا منه سوى قطع من اللحم المشوي المتفحم .. (  يتوسل  ) سيدي طاووس لا تجعلهم يبيعون أمي واخوتي في اسواق الموصل او في اسواق تلعفر .. لا تجعلهم عبيدا لغيرك ( يخرج من حقيبته عباءة ثم يأتزر بها على خصره ) .. كانت أمي تحبك وتقول دائما : لا تنسوا أبدا أن طاووس الملائكة هو الوحيد الذي نجح في اختبار الاله الاعظم ، حين طلب منهم جميعا السجود للطين ،  هو الوحيد الذي رفض السجود لغير مصدر الكمال ، ما رضي السجود للطين الخاطئ المتناقض في وجوده ، وفي حبه ، وفي انتمائه .. بقي مخلصا يقف وحيدا بين جموع الساجدين .. ( يتحرك ) ارجوك سيدي طاووس لا تجعل امي تسجد لأبناء الطين الآثمين .. طهرها من رجس السجود للقتلة والمغتصبين .. ( يسمع صوت طائرة مروحية .. تقترب ) أنا اسمع صوت الهليكوبتر .. ( يصيح ) هيه .. أنا هنا .. انقذوني .. أنا كنو .. ارجوكم تعالوا الى هنا ( يرتفع صوت الطائرة المروحية .. وتسلط ضوئها على جسد كنو ) [نعم .. نعم .. أنا هنا .. هل ترونني .. انقذوني ارجوكم ].. ( يسقط عليه من الاعلى صندوق صغير .. ثم تبتعد الطائرة .. ينادي بصوت عال ) أين تذهبون .. خذوني معكم .. لا اريد أن ابقى هنا .. هيه .. اين تذهبون .. انقذوني ارجوكم .. احملوني معكم بعيدا عن هنا .. ارجوكم .. لا .. لا ( ينهار على الارض ) لا تتركوني وحيدا على الجبل .. ارجعوا .. ارجعوا .. ( لحظة .. ينظر باتجاه الصندوق الصغير .. يزحف اليه .. ثم يقوم بفتحه .. ينظر بداخله ، ثم يبدأ بإخراج محتوياته ) هذه خارطة فيها مرسومة كل مدن الارض ( لحظة ) .. وهذه بوصلة ! .. ( يبحث ) وهذا جواز سفر !( لحظة ) وهذه ورقة رسمية فيها توصية بأن يتم الاهتمام بصاحب الورقة ، بتوقيع من السلطات العليا .. (يقف كنو .. وينظر بجميع الاتجاهات ) هل تريدون مني أن أهاجر عن سنجار .. ولكن أمي واخوتي هناك بأيدي الملثمين .. لا أقدر أن اكون بعيدا عنهم .. لا أعتقد أنني أريد الآن الخارطة التي تبعدني عن بيتي وبيوت اصحابي .. أنا لن أستخدم بعد اليوم سوى بوصلة تشير الى أمي .. لا أريد أن أحمل جوازا من أجل السفر خارج قدري .. ووصيتكم ما كانت لتنفعني حين تجوب بروحي بعيدا عن مواء قطتي الجميلة .. ( يتحرك ) سيأتي الفجر بعد ساعات .. وسأعود .. سأعود .. ( صوت اطلاق نار ) [ وجبة اخرى من القتلى في قريتي .. هي في هذا الاتجاه  ].. نعم اسمع صوت الرصاص من هنا ، في ذاك الاتجاه .. ( يبحث في جيوبه يستخرج جهاز الراديو يقوم بتشغيله .. نسمع صوت نفس الرجل بصوته الخشن قائلا : ساعات قليلة وسنقيم صلاة الفجر .. ثم يسكت ويبدأ صوت التشويش .. ينادي كنو ) أنا سأعود الى قريتي .. سأكون في وجبة القتلى القادمة عند الفجر معكم .. اقف لأموت بينكم .. لا استطيع أن اكون بعيدا عن أمي .. وعن أخوتي .. وعن قطتي .. ( يخرج مهرولا)
-   ستار –
                                                      الناصرية 1/ 12 / 2014