المحرر موضوع: قطرات من الدم أختلطت مع حفنات من الحنطه !!!  (زيارة 1396 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لطيف نعمان سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 692
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

قطرات من الدم اختلطت مع حفنات من الحنطة
الى صديقى الطيب الاديب الدكتور نصرت مردان


لطيف نعمان سياوش
قصه 

نام الجميع . الام العجوز ، الزوجة ، الاطفال الخمسة ، الآ ، حمه الذي تمدد مضطجعا على سريره الخشبي القديم فوق سطح الدار وهو يقول في نفسه :
كانى بليالى الصيف هذه فاقت ليالى الشتاء بطولها ..
امعن النظر الى حلكة السماء الصافية المليئة بالنجوم المتباينة في لألأتها .. تاملها جيدا ، وبدا يوصل خطوطا وهمية بين النجوم ، ويرسم منها اشكالا هندسية مختلفة ..
تذكر منذ طفولته وهو مولع برسم المثلثات ، و المستطيلات ، و المربعات في مواسم الصيف عندما كانوا ينامون فوق سطح الدار ، ويجعل من هذه النجوم رؤوسا للمثلثات ، وزوايا المربعات و غيرها ..

تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل لازال يتصارع مع خصمه العنيد الذي يداهمه عادة في ساعات الليل العميقة .
هذه الليله بالذات تغلب عليه ، حيث ظل ممددا فاتحا عينيه ، غارقا في تاملاته بين النجوم الممتدة في العمق اللامتناهى .
لف سيكارة ، واشعلها ، واخذ نفسا منها ونفث دخانها الذي ابتعد ببطئ عن وجه ، نظر الى الدخان ، احولت عينيه برهة ..
ظل يسطر (الدالغات) واحدة تلو الاخرى ، ضحك ضحكة مريرة وهو يلعن السنين ، وكبر العمر ، و آلام الفقرات المزمنه التى جعلته يعجز عن الاستمرار في عمله (الحماله) ..
تذكر قبل ثلاثين عاما عندما افرغ شاحنة كاملة من الجلود المدبوغة قرب نفق الشورجة ببغداد الى الطابق الخامس من عمارة ( البهبهانى) عند مدخل السوق . عندها انبهر التاجر صاحب المحل بقوته وصبره و تحمله فكافاه مبلغ دينار واحد اضافة لاجره المقرر قائلا له بصوته الاجش بعد ان عطس عطسته المثيرة للضحك :
والله ياحمه اليوم تحديت حتى ( جوخه) في عملك هذا. و جوخه حمال معروف في سوق الشورجه يعرفه جميع التجار ، يتمتع بقوة غير اعتياديه  ، وقيافة عالية ، وهو من الاكراد الفيلين  من مندلي ، لم يكن له منافس في عمله ، وكان التجار في السوق يتهافتون لتشغيله في افراغ بضاعتهم . ولعل اهم ما كان يمتاز به عندما كان يحمل قاصه نقود ثقيلة جدا لوحده وعلى ظهره يصعد بها الى الطابق الثالث ، أو الرابع ، أوالخامس من عمارة بهبهانى ، حيث كان يخصص له عامل فقط ليمسح براحة يده  قدمات الدرج امامه قدمه قدمه ليزيل الحصو الناعم ، لان جوخه يصعد حافيا فأى جسم لو داس عليه وهو يحمل هذا الثقل يخترق قدمه .. ظل حمه يتصفح ذكريات ايام العز وهو يقول مع ذاته :
ايييييه زمان ، وقتها كنت بطلا لا اعرف للتعب معنى ، احمل كيسآ تلو الاخر زنة 100 كغم (ابو القلم الاحمر) ، واضعه على كتفي و اسير به مسافة طويلة في ازقة السوق الضيقه بين المتبضعين وأنا اصيح بأعلى صوتي بين حشود المتبضعين : بالك بالك  بالك ، او اصعد عدة طوابق ، اوانزل به الى السراديب و دهاليزها ، حيث كان المصعد في الغالب عاطل لايعمل .. ..
ما عادت عافيتى تعيننى بشىء.. لقد هرمت قبل اوانى ، بعد ستين عاما من الكد ، و الشقاء ماعدت قادرا على توفير لقمة العيش لاطفالى .. يالها من حصيلة بائسة و مرة ..

بينما هو غارق في هذه التأملات قطع صفنته صوت طائر ليلى مزق به سكون الليل ..
تذكر هناك امر هام ينتظره .. لابد ان يفعل شيئأ من اجل توفير ما يمكن توفيره من القوت لنهار اليوم ..
ان الاسره ماعادت تملك حتى من الخبز اليابس شيئآ !! لقد نفذ كل شىء ، حتى بعض الطحين الذي كان في الكيس قرب التنور قد نفذ ، حيث كانت عائشة قد خبزت منه بعض الارغفه بالامس بالكاد كفتهم لفطورهم ، و غذائهم ..             
فكر حمه بوسيلة لتوفير ما يمكن توفيره ..
يبيع حاجة من حاجيات البيت ليشتري بثمنها ما يسد الرمق ؟ . تصفح  مابقى من سكرابات في البيت عرضها عدت مرات على (الدلالين) ، رفضوا شرائها ، انها لا تساوي شيئآ .. اذن ما العمل ؟ ..
يقرض مالا ؟ .. ما عاد احد من معارفه يقرضه ، او يثق به ؟ ..
يشحذ ؟!! هو امر صعب ..
يسرق ؟ .. واللهى فكرة ، لكن تردد وهو يفكر بالحلال و الحرام .. وماذا لو امسكوه بالجرم المشهود ؟ كيف سيواجه الناس ؟ الجيران ؟ الاقارب ؟ الاصدقاء ؟ لم يفعلها من قبل .. لكن مع كل ذلك قرر ان ينفذ ذلك ..                                         

الوقت ظهرا .. حرارة الصيف اجبرت الناس ان يحتموا في بيوتهم .. انها فرصة مؤاتيه .. حمل حمه كيس الطحين الفارغ ، و طواه عدة طيات غير منتظمة ، و دسه بين حزامه العريض وسرواله .. نهض وهو يقول : ياخودا ..
سار في طريق معبد يتمتم مع نفسه كلمات مسموعة بوضوح : ياالهي ادعوك ان تعيننى في سرقة بعض حفنات من الحنطة .. ثم انتبه الى نفسه و ادرك بانه يتخبط .. اي هذيان هذا ؟ ان الله ينهى الافعال الشريرة .. .. ضحك لغبائه  استمر يضحك  و ارتفع صوته ، ولكن ادرك بانه منذ برهه يتحدث مع ذاته ، ويضحك .. التفت عن يمينه ، وشماله يخشى ان يكون احد ما يراقبه . فاذا براكب دراجة هوائيه يسير بجواره وهو يقول :
(لا تأبه ايها العم ، أنا مثلك  غالبا ما اتحدث مع نفسي) .. بادله الضحك ، واستأنف المسير ، وكان هدفه قريب ..

ساحة واسعة تطرزها بيادر من الحنطه و الشعير .. الطيور المختلفه التى تلتقط حبات الحنطه و الشعير تطمئن النفس ..
من بعيد صوت اغنية (سه حه ره) للمرحوم سيوه اشعرته بدفئ كردستان ، وعذوبتها رغم كل شئ .. قبل ان ينفذ خطته حمه راح يجوب المكان ذهابا و ايابا و يتلفت ذات اليمين و الشمال الى ان قرر ان ياخذ من بيدر الحنطه قبالة احد الدور السكنيه .
بعد ان اطمأن من خلو المكان اتجه نحو هدفه .. اخرج كيسه من حزامه بسرعه ظل يرقب ، ثم انحنى لتعبئة الكيس بحفنات من الحنطة بسرعة  و ارتباك شديدين ظل يعبأ الكيس لكن راسه مرفوع الى الاعلى ينظر في جميع الاتجاهات .. 
شعر بصعوبة مهمته و قباحتها .. اسرع في تعبئة الكيس ..
و خزته شوكة حادة تحت ظفره ا
آلمته ايما الم .. اخرجها فورا باسنانه .. تدفق الدم منها ، واختلط مع حفنات الحنطه ..

لمحته صاحبة الدار من السطح وهي تفرش غسيلها ، وكانت قد خرجت لتوها من الحمام ..ارادت ان تعينه في مهمته وهي التي كانت قد قررت بالامس ان تمنح  كمية من هذه الحنطة للفقراء . فكانت مناسبة رائعه لها ..
صاحت بفرح نحو حمه : مهلا كاكه مهلا .. و ادارت ظهرها وهي تتناول اخر قطعة من  ثيابها ارتدتها في الطريق عند نزولها من الدرج ..
اما حمه ماان سمع صوت تللك السيده ظن انا تنوي مناداة احد ما للامساك به . فترك كل شئ و هرب مرتعبا ..
وصلت صاحبة الدار الى المكان ..
لم تر اثرا لشئ سوى بعض الاكسسوارات البسيطه : كلاش ممزق ، علبة تبغ حديد ، غطاء راس ، و كيس فيه حفنات من الحنطه و عليه اثار نقاط من الدم ..