المحرر موضوع: هوى غير طبيعي الحكاية من الداخل4  (زيارة 1192 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل برهان الخطيب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 40
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي

هوى غير طبيعي
 الحكاية من الداخل4


برهان الخطيب

 
الصبي متمدد على بطنه في ساحة بيت الجد العتيد، يتطلع إلى قعر البئر البعيد، وجهه مهتز هناك بطيئا لا يحيد، يبحث عن رأي سديد، يكشف ما تحت الماء والعقارب والقاع الوصيد، أبعد من مسارب ومنابع تمتص صيحة صداها لا تعيد.. في الكبر إذ يلتفت إلى صباه الجميل، تجره الذكرى إلى ما وراء تفاصيل، إلى ما يفسر صورة لا  أسطورة، إلى ذات في صيرورة، ظل يلازم إرادة شمّاء، إلى متداخل في عدة أسماء، المغيِّر المتغير، المسيطر المتحكم، قدر، قوة خفية، لهما وجود لا نراه، لهما ظل من ظلنا أبعد من منتهاه، أو الغياب التيّاه، بقدر ما نمنح من تقدير واعتبار وانتباه. 
 
 في انتظار نهاية دوام الطلاب، عند المقهى المقابل للثانوية، يلوم مالك زميله جوقي على كذبه. يرد القصير المتحفز دائما لعراك: لا بد من الكذب في السياسة أو لا أحد يتبعك. الصبي صامت، يسمعهما، يفكر في نقاشات أبيه وعمه..
_  يعني يس يم في وإلى عالم كذب؟
المسلول يصدَّق أنه في لجنة ثورية، يمسك شاربا لم ينبت، ينفخ صدرا لا يرتفع:
_  والكتمان ضروري بالعمل السري، أنا عضو بلجنة ثورية فعلا.. أخفيت عنكم.
 يلتفت مالك الحزين أو الحائر إليه:
_  يعني قريبا حضرتك من قادة العراق!
يلومه جوقي: كبيرة علينا؟ نحن فعلا من قادة العراق الخفي الجديد!
ينصحهم الصبي ملتحفا حكمة أبيه: التعملق كمصدَّق بالسياسة يكسر الرقبة، يتحرر العراق من الرجعية بمظاهراتنا يركبه جيش، تكتيك غاندي أقوى..
الرفقة تسأل بصوت واحد: وما هو كتكوت غاندي؟!
يحار كيف ينقل إليهم رأي كُبَرة، أخيرا: الحذر يغلب القدر.. يقول فاهم.
 
 آخر ساعة من دوام طلبة الثانوية، نظرات صاحب المقهى مترصدة، تبدد شحنتهم العاطفية وارد، كذلك التي قيل عنها فيهم ثورية. أخيرا تظهر القرود الضخام مشوربة الأنوف خارج القضبان، تلتقي الأعين تطلب التبيان، شررها يشعل المظاهرة في لحظة من الزمان، تشبّ تدبّ حريقا يخلب العيان، تظهر عربة الطابوق الصغيرة في الساحة الدائرية تملأ المكان، يقال لبناء بيت يقام هناك.. و..
 يتضح أخيرا تلك فرية، من لجنة تنسيق سرية، م خ ركن فيها، يؤكد رافد ذلك بعد نصف قرن من العرفان، بعد كلام وسرحان مع فلان وعلان..
تفرغ الحمولة المزدوجة، تناقلها الأيدي في دقائق، الذكريات تعود حاضرا مع كشف سرها، سيارة الشرطة تحضر لتفريق المظاهرة بعد فوات أوان، المطر الحجري ينهمر، سلاحا ماضيا لعطشى حرية، لا يروّي الأرض طبعا ولا يروّيهم يتضح لاحقا.
يجري الصبي إلى ومن المقهى جالبا الماء، يغسلون جروح شرطة، يُنقلون إلى المستشفى بسيارتهم، غيرهم ينجو، يثوب لرشده، يشغّل الهراوة على المتظاهرين، تتفرق معركة الأخ مع أخيه، يكفر الصبي بثوريته، قبل ترقيته من ابو جلمبو إلى ميرابو فيها..
 
  تفتح المتوسطة أبوابها، عيون تراقب الثوار الصغار الأربعة، كذلك غيرهم، في الفرص يتكلمون مع الصبي المشورب عن السويس والنفط وطوابع يحصل عليها بالمراسلة، بشراء من بغداد، ألبومها بعد اكتناز يعطيه لخاله، يتضح لاستمالة نجم وسيم في سماء المسيب المليئة بقهر، مساء آخر ونجوم الليل تظهر.. في فراغ السطح أسئلة أكبر.. لا عجب لو نظروا إليه كبيرهم، تحتدم القراءة والاستماع للراديو، لعمه، لأبيه، لأمه.. لخاله، مزيد من معرفة واحترام لياقة وواجب، في الأقل ضرورة مرافقة لبدلة أو سترة جديدة يخيطها له ابن عم أبيه بين سنة وأخرى، في دكانه المجاور للفرات، أناقة الفكر متصلة بالمظهر حتما..
 كل يوم يلتهم كتابا، خطة ناجعة لتوسيع حدود الذات، يأتي على معظم خزين مكتبة البيت، فالمكتبة العامة، شاربه يكثف، بالعطلات يسافر إلى المسيب لزيارة بيتيْ جديه، يتكلم خاله عن تنظيم مظاهرة سلمية في البلدة تستبق عنفية وشك اندلاع، عسى بالتغيير يُمسك المصير، تتاح مقاربة البنات والمنكر يباح..
_  مصر تسيطر على قناة السويس علينا السيطرة على نفطنا.
ينتهره خاله: برهوم حاكيني.. تريد أن تكون بطلا.. والله ابتلينا بالجهلة!
 
يوم اجتماع البستان قرب نادي الموظفين، ظله قرب خاله، كيانه قرب م خ وقريبيه، بيض الوجوه، لكنتهم محببة. يقول خاله عنهم بعد حين:
_  يختلطون بأقاربهم هنا يخفون كونهم سوريين أرسلتهم جهة لتحريك شارعنا، نمشي مع حلوين لا بأس.. لا نقلبها.. فاحذر. بلغتَ؟ نزل الماء؟ تركب الصغير تكن رجلا.
يؤنب الصبي خاله: نفكر بالجمهورية وأنت تفكر بما لك دائما أنت عكس المطلوب!
يضحك الخال تحت النجوم الوفيرة فوق سطح بيت الجد الغارق في ظلام أغبش :
_ ابن أختي ما العمل والبنات حبيسات بيوتهن واحدتهن تقول لها سلام عليكم تحبل.. مَن نرقع.. الحائط؟.. المطلوب إثباته ما دائما صحيح.
_  العب رياضة مثلي اقرأ كثّر السباحة.
_  تكذب عليَّ. ما ينفع. البطة تسبح. جنس بني آدم سرسري لازم يلوص.. بس يمكن أنت تختلف.. رومانتيزي شايف حضرتك.
ويضحك الخال وحده عاليا في ظلام يخفي الوجوه والأفكار وأوساخ المدينة!
يعود يقول.. لا تصدق كلامي ابن أختي.. أختبر ميولك أنا.
 
في السفرة التالية يكشف قرندل للصبي أثناء دورهما بلعب الطاولي في المقهى:
_  خالك مع الأسف ليس مع الوطنيين، مناصر لنوري السعيد زلمة الإنكليز، لذلك تعرقلت مظاهرتنا، اعتقلوا الأسمر، أخوي الصغير صديقك، م خ هرب، غيره، أنا مبتعد، واسمك أبعدوه، لا زلتَ نونو، لا تهتم، ندري أنت مختلف عن خالك مدافع العرش، يقول الملك من عشيرته، التغيير سلمي أحسن تحت مظلته، بينما لا علاقة للهاشمية قرية جدك بعائلة الملك الهاشمية، والسلمي غير ممكن بعد قتل سجناء..
لا ينقل الصبي كلمة في أي من الاتجاهين، بداية لا يصدق تماما ما يسمعه، و.. تعود نفس الكلمات بعد خمسين عاما، بلقاء في دولة أوربية، تبعد آلاف كيلومترات عن المسيب، على لسان الرجل الثالث، عالم الغيب، يعرفه حسنا، وقت يصيب مرض الشك الجميع، قرندل ذاك، الشهم، يمتدحه أمام الصديق المشترك: ابن الأخت صادق يختلف عن خاله تماما.
ويبقى رافد يحجب الأهم من المهم، يرسم قوسا كبيرا بأنملته في المطعم:
_  في الشيب يمتد خيط غير مرئي من الرأس إلى تحت، من أوربا إلى صبا في الوطن، إلى الشام، إلى انكلترا، إلى موسكو، فالعراق، من خفايا حكاية غريبة.
_  ضمنا ما يحجبه حضرتك.. اسم م خ الحقيقي؟
_  منصبه كبير من زمان.. لا يحسن زجه في أمسيتنا لا يحبذ هو ذلك.
 
 رافد مع اطلاعه الواسع لم تُتح له معرفة اسم م خ كاملا على الأرجح ولا كل تفاصيل الحكاية. رئيس أقوى مخابرات يعلم الكثير لكن ليس كل شيء. إنما لرواية حديثة مستمدة من حكاية غير عابرة، حكاية رافد وغيره من محترفي السياسة منذ الخمسينات، الحاسم لا إثارة الاهتمام بالغريب والتافه والعجيب، بل.. بالسامي والجميل النبيل، الأندر الأجدى الأنفس. يضبط متطلَّب الفن الرواية تزداد قيمتها، خاصة في عالم يعاني نقصا من المعاني والمعالي، من عدم ظهور خاف مطلوب، يربط أجزاء يباعدها تعسف وخطوب، لكيان واحد مرغوب. أو تتفرع رواية وأخرى، بتأثير ما يُصنع بأهواء من موجود ناقص، بخيال وجهد تُفكك خيوط متشابكة عن أوهام وأكاذيب، في واقع شبه مغلق.
كآثاري أمام آنية قديمة محطمة يجمع الصبي الذي يكبر ولا يكبر، في حذر، كسرات واقع يندثر، حكاية قديمة متجددة، عهد يمضي يشكّل لحظة راهنة.. للحظة تالية.. حب المعرفة كما الوهم قد يقتل.. إذا لم ينتبه مهووس لخطورة منحدرات على جانبيه.
 
في ساحة المدرسة المتوسطة فتى وسيم يبادله النظر، يسبي كاتب المدرسة وغيره، في دلال يتباهى بين الأقران بقدرته على صفع الموظف دون خوف عقاب.
_  ويمكنكم صفعه لو تركتموه يحبكم.. انتقاما في الأقل من إدارة تركبكم.
ذلك من أعاجيب يستهجنها يتبيَّن ما وراءها في كبر، على مستوى عال يبطل العجب، جوقي يتحدى المتهتك المنتهك: تكذب أو أرنا مؤخرتك نصدقك.
يتملاه المثلي مكابرا، خداه أحمران، بشرته صافية، عيناه لامعتان متواثبتان:
_  اذهب واصفعه قل له أنا أرسلتك لا يرد عليك.. أو أبو الخمسة هذا لك.
ويستدير. ذلك الكاتب المسكين يتضح واقعا في هوى غير طبيعي لا يرى من العالم غير هواه، أسيره يسقط. يتدلل الغاوي أمام المسلول: وأعطيك أنت بوسة لو تترك القطيع وتطيع..
تشتت يكاد يُفشل المظاهرة الحقيقية، خُلية وخلية، تنقسم واقعين متجاورين. الشخص الرصين المعبأ بأسرار، رافد، المنافس الحقيقي على قيادة التلاميذ، يتأكد بطريقة ما إن الصبي المشورب لولب، محور، يسيطر بصرامة على المثلي، يسحب منه قدرة شد انتباه وجذب، يكسب آخرين.
من هو رافد بالضبط؟ ماذا يريد من مهتم بالثرى والثريا، يقترب يبتعد عنه بندول ساعة، يجذب جوقي وبقية الخلية إليه، أبو الشوارب لا ينجذب، يعرف عن رافد تأخره في دروسه، نيته ترك المدرسة، علاقاته عديدة مغلفة في المدينة، يمتاز بذلك على غيره، والصبي عليه بشطارة الدروس وقوة الحجة في نقاش، رغم ذلك يسحب رافد منه مجموعته يتركه وحيدا..
الصبي يثير الصف بجُمل وطنية.. حتى بدرس الإنكليزية.
لا يحتمل أستاذها رده على سؤال عن الفرق بين rob   والأخرى steal  حين يضعهما الصبي في جملتين تبيَّن فرق نهب عن سرق، اللص يسرق ليأكل، الغرب ينهب نفطنا. النهب أكبر. يجن المدرس، يصفعه، يرد الصبي المشورب مسيطرا على انفعاله:
_  شكرا للوسام أستاذ!
يطرده المدرس من الصف إلى المدير، والمدير:
_  ليس كل ما تفكر فيه يمكن قوله ابني. لا تأتي إلى المدرسة يومين، قل لوالدك أن لا يراجعني بهذا الموضوع، ولا يكتب رسالة إلى بلاط الملك المفدى، الحل هنا.. عند الإدارة.
 
تبدأ مشاكل له مع إدارة المدرسة، مع ظله، أعمق..
غياب الصبي عن مدرسته يطول، يُصاب بحمى، يعود أخيرا إليها، يستقبله التلاميذ بطلا، للفت الأنظار ثمن، يبتعد إلى صفه مسرعا، يتطلع رافد إليه في إعجاب.. في حسد..
 غريب استبدالهم ذلك المدرس خريج لندن بآخر، لقبه الوكيل، و حصة الإنكليزي يبدأها بالسؤال السابق، عن الفرق بين   rob والأخرى steal   يهيمن الصمت على تلاميذ الفصل، المسلول يسعل، جوقي يتململ، يلتفت الوكيل مبتسما للصبي، يكرر السؤال، يوجهه إليه، أبو الشوارب في قمة إحراج، الرد على الصفعة أو استقبال جديدة؟ مرة أخرى أمام مقولة شيخ زبير: أن يكون أو لا يكون، و يكرر الجواب بهدوء وإصرار منتظرا الطرد، لكن الوكيل يبتسم عريضا في حماس:
_  أحسنت أبا البراهين.. تفضل أجلس.
ذلك الأستاذ  يتبدى قمة في الوطنية، يستحوذ على حب معظم التلاميذ.
 
الامتحانات على الأبواب، النتيجة حسنة كالعادة، العطلة تبدأ، ثم في منتصفها..
 على سطح بيت الجد في المسيب توقظه أخته فجرا:
_  لك اقعد.. الثورة بدأت.. الثورة نجحت.. صرنا جمهورية.. تهانينا!
يهب من الفراش، البيغ بانغ يبدأ توا، يجري في الفضاء.. كوكبا لا يؤسر على مدار.
 
 أشهر العطلة الصيفية سريعة، يعود التلاميذ إلى صفوفهم رافلين بمشاعر جديدة.  الوكيل يختفي. مدرس الإنكليزية القديم يعاد للمدرسة، ينفرد مع الصبي المشورب بغرفة الإدارة، يكلمه كصديق كبير لصغير.. معتذرا حزينا:
_  اضطررت لصفعك عزيزي، أنا ماركسي في الحقيقة، لكني كنت خائفا، حمدا يتعدل الوضع بالجمهورية. المهم، قريبا تمثل أنت مدرستنا بمباراة الخطابة فهمت؟
_  نعم أستاذ.
_  أريد منك بختام كلمتك هز حبل عاليا، أعطيك إياه، تخفيه بالمنصة تحت يدك، ثم ترميه على الجمهور.. لتذكيره بضرورة سحل الخونة أعداء الثورة.
 يؤدي الصبي المهمة كارها، غير مدرك مكيدة فيها، تأليب جماعة على أخرى، يُمنح الجائزة الثالثة، الثانية لأخته، الأولى لفتاة أيضا. ذلك المدرس يهدي كتاب (ما هي الماركسية) اليوم التالي له هامسا: أنا شيوعي أيضا. يُنقل إلى الوزارة مديرا عاما، ثم ينقلب قوميا  مع الانقلاب الربيعي الجديد أول 1963 ويُرفّعوه.
 
واحد من جماعة رافد يتمتم للصبي في ساحة المدرسة أثناء الفرصة:
_  أعطني وعد رجل.. أن يبقى ما أقوله بيننا.. لو ما توافق عليه.
_  تبادل الأسرار معرفة، يوسع العقل، يشرح الصدر، لكن.. أوعدك.
_  أنت خوش عنصر، انضم لحزبنا خادم الشعب. عمك وعمتك معنا من زمان.
لا يعلم حينه إن بعض الصور تُستنسخ، تُغيَّر تفاصيل فيها فتبدو خاصة.. بمن يختارهم قَدر لمهام غامضة. لاحقا، تجميع صورة عن حياة غائبة قد يكشف معاني خفية، حاضرة، سعتها لا بما كسبت من مال، عمارة كبيرة، صغيرة، بل بمعناها.
المعنى، عن وجود ملموس أو محسوس، يرتهن الحركة.. ميكانيكية أو إبداعية.
 
 وللحركة دافع، في رواية، في واقع، في إنسان أو أمة. عندك إمكانية الفعل تتحرك إلى بغيتك، تنقصك ترد تلقائيا في الاتجاه المضاد. عقل الشَبِع يحرك لإشباع العقل، لإبداع، يخون يخسر. عقل الجائع يحرك لحفظ الذات، يخون يدوم، بذلك يتحدد..  من أين وإلى أين.
 
الصبي وخاله يجريان من مقهى إلى مقهى، صباح لا يمحى من ذاكرتهما، منتصف تموز 1958 التلفزيون هنا هناك قد يظهر صورة، صوت المذيع باق وراء نمش رمادي أصم. مساءً تهرع قطع عسكرية من حامية المسيب إلى العاصمة، تدعم الثورة، الصبي شبه تائه في الشوارع الضاجة، م خ ليس في أي مكان. والخال مهموما:
_  كما توقعت، صديقنا م خ وأخوه وابن خالته ليسوا عراقيين، مرسلين من جارتنا سوريا لطبخ ثورة للعراق على غرار مصر، شبّت انتهى دورهم، انسحاب لبلدهم.. في رقبتهم دم عائلة ملكنا كما في رقبة البلاشفة وخادعيهم الأجانب دم القيصر وأهله.. كذلك دم ملك فرنسا في رقبة الأجانب، كل الملوك، هكذا هو الأجنبي يُقيم يُقعد يكسب ليتقاتل غيره إلى جهنم!
_  تدري الكثير خالي فلماذا لا تفرح بالثورة!
_  اشتغل معي ابن أختي في بدالتنا تفهم.. انقلاب الدنيا مستمر بحسبان.. تهدأ بعد أجيال.
 
في الكتب القديمة لمكتبة البيت أيضا كلام عن مؤامرة عالمية، يساهم هو فيها بتأجيج مظاهرة ولا يعلم؟! لا يفهم كل شيء، ما يحدث أكبر من تفاصيل متفاعلة في عقل مراهق منفعل بتغير العالم سريعا بجهد مجموعة متناثرة مُحكمَة من البشر.. سماها م خ  طليعية.. الآن يختفي.. بدر أفل.. أو تخطيط إلى أجل!..
في السنين التالية تتعدد الطلائع، تكبر، تصغر، تتقاتل، تتراكم وقائع، حقائق، مظاهرة ما قبل الثورة في الذاكرة نجمة فجر، تظهر تختفي ناعمة ساطعة، سطوع أول قبلة، كذلك خشنة، فجة، كصفعة مدرس، تمسحها ظهيرة استثنائية، ككل ظلام سابق في نهار لاحق، بلفحة نهد عارم.. على وجهه الصارم..
 هتافات تأييد بعيدة، أهل المحلة يجرون، لفرجة، لمساهمة، لصياح، تنتبه الجارة لغياب أهله، تدخل ساحة بيته شبه المظلمة بغطاء الجنفاص، لبؤة هائجة تنوي افتراسه، تدفعه بخشونة تنزوي في الحمام الصغير، يتبعها في هدوء خائفا، تغرقه وراء الباب بين نهديها وشفتيها، يختلط عليه من أين تبدأ الثورة وإلى أين تمضي ويمضي.
 
  إنما.. مهلا.. مهلا.. ستوب!.. أيها الكاتب الكبير.. ماذا تسرد! عيب عليك..
أصلا.. مَن قال لك حق أن تكون بطل رواية؟! من قال عندك مفتاح العودة إلى ذلك الماضي الخطر حتى اليوم، العطر في ذاكرتك بين صحو ونوم.. أوكي.. تجديد ممكن.. تجديف نو!..
ماضي الأبطال يصنع أرشيف أممهم، هل تضع ماضيك هنا وليد مستقبل لغته الرمز نهايته دخان.. في لفائف سيجار.. حاضنة لعابر الأشواق إلى الآفاق.. لمن؟!
البطل الحقيقي هو المؤثر في الأحداث، هو رافد حتى الآن، سلبي، إيجابي، مزيج منهما، غير مهم. هو الاتساق، المرحلة تحدد المجرى، كصخور نهر دفّاق.
 أو أنت تهدم السدود.. ليكون السرد فسيحا صادقا يتجاوز الحدود.
هنا صراع بين رواية ولا رواية، بين فن وواقع، بين محافظة و تحرر.