المحرر موضوع: تاريخ الانقلابات في القيادة السياسية في استراليا (الجزء الأول)  (زيارة 1797 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تاريخ الانقلابات في القيادة السياسية في استراليا (الجزء الأول)
عماد هرمز


كلمة انقلاب قد تكون غير مستساغة أو مستحسنة أو غير معقولة عندما نذكرها في بلد مثل استراليا الذي يتمتع بحرية وديموقراطية إلى اقصى درجاتها. وعندما نذكر كلمة انقلاب يذهب ذهننا بعيدا، خصوصا نحن العراقيين، إلى الانقلابات الدموية التي حصلت في العراق منذ ثورة 14 تموز عام 1958 متناسين بأن الدولتان تختلفان من حيث بنيتها السياسية ونظامها الديمقراطي ومفهومها الفكري ونظرتها إلى الإنسانية. المعاناة التي ذاقها الشعب العراقي بعد وصول البعث إلى السلطة كانت معاناة قاسية لازال العراق يعاني من مخلفاتها الطائفية. وللأسف قلب النظام من الملكية إلى الجمهورية لم تجلب إلا الأسى للشعب العراقي. النظام الجمهوري كان من المفروض أن يجلب الديمقراطية إلى العراق. عبد الكريم قاسم هو الذي غير الملكية إلى الجمهورية لكن المؤسف هو أن الجمهورية كانت السبب الذي فيه فتحت باب جهنم على العراق بسبب ما حصل بعدها من انقلابات سياسية مؤذية من اغتيال عبد الكريم قاسم مرورا بعبد السلام عارف واخوه ثم اخرها الانقلاب الذي حصل في عام 1968 ليجلب إلى العراق البؤس والموت والطغيان على أيدي حكومة البعث ليتم اغتيال احمد حسن البكر على يد الدكتاتور صدام حسين الذي في النهاية تم طرحه في نفاية التاريخ على يد الأمريكان في انقلاب عسكري خارجي.
بالطبع أنا اتفق مع القارئ بأن الانقلاب في استراليا، إذا ما قارناه بالانقلابات المعروفة في الحكم، هو أمر غير وارد ولم نسمع به من قبل ولم يحصل في استراليا ولن يحصل في المستقبل نهائيا . وهذا بالتأكيد صحيح ودقيق ولا يمكن أن يحصل في بلد مثل استراليا، ليس لأنه غير وارد أو لا يمكن القيام به لكن السبب الرئيسي في عدم حدوثه هو عدم الحاجة إلى القيام به أو بتعبير اخر ليس ضروري ولا يتطلب حدوثه في استراليا. حيث أن استراليا من الدول التي تتمتع بنظام ديمقراطي كامل مع وجود القانون المتمثل بالدستور والتشريعات التي تحمي هذه الديمقراطية وكل الممارسات الديمقراطية وتكفل لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بضمنها المطالبة بإقصاء أي قائد من أي مركز وبموجب القوانين الأسترالية فأن كل شخص في استراليا، مهما كان مركزه، هو متساوي في نظر القانون تنطبق عليه كل القوانين وعليه فأن الساسة في استراليا ليسوا محصنين، كما هو الحال في الدول الأخرى، وبإمكان معاقبتهم أو الطلب منهم التنحي عن مركزهم إذا اقتضى الأمر. كل هذه الأمور تخضع للإجراءات القانونية المتفق عليها دستوريا وقانونيا وبصورة سلمية وديمقراطية وعليه يجب أن لا يكون هناك خلاف عليها ويسهل تطبيقها.
لكن نوع الانقلاب الذي نتحدث عنه في استراليا ليس انقلاب في السلطة أي قيام حزب معين بالانقلاب على السلطة التي يسيطر عليها حزب أو حكومة أخرى لكن ما نقصد به هو الانقلاب الداخلي أو الضمني في الحزب الواحد أي انقلاب مسؤول في حزب واحد على مسؤول أخر في نفس الحزب أو يمكن إطلاق عليه تسمية الانقلاب الهرمي أي طلب عضو في البرلمان في مستوى معين بالانقلاب على رئيسه أو مرؤوسه. مع ذلك لا يمكننا إلا أن نسمي الانقلاب على القادة السياسيين في استراليا سوى بالانقلاب حتى وإن كان محصورا في نطاق الحزب الواحد. وعليه وعلى اقل تقدير يمكن أن نطلق عليه بالانقلاب الداخلي. وسبب قولنا بأنه انقلاب لأنه يحصل عادة في الحزب الحاكم ونادرا ما يحصل في حكومة الظل وإن حصل في حكومة الظل فأنه مجرد تغيير في قيادة الحزب لتحسين وضع المعارضة سواء من شعبيتها أو برامجها الانتخابية وما شابه ذلك خصوصا في الفترات التي تسبق الأنتخابات.
تاريخ استراليا السياسي حافل بالانقلابات السياسية الداخلية. يعود تاريخها إلى عام 1971عندما قام نائب في حزب الأحرار بتحدي رئيسه على رئاسة الحكم. ففي عام 1971 احتفظ رئيس الوزراء وقتها جون كورتن بقيادة حزب الأحرار بعد أن تحداه زميله وليام مكماهون والذي نتج عن تساوي في الأصوات المطالبة بالتغيير وضد التغير. هذه النتيجة لم تعجب وقتها رئيس الوزراء جون كورتن حيث أنها لم تكن كافية له وترجمها رئيس الوزراء وقتها على أنها ثقة غير كافية بقيادته وعليه قدم استقالته من منصبه ليتولى المتحدي وليام مكماهون رئاسة الوزارة. الأنقلاب الثاني الذي حصل كان أيضا في صفوف حزب الاحرار. ففي عام 1981، أي بعد عشر سنوات، تحدى اندرو بيكوك وقتها رئيس الوزراء الليبرالي مالكوم فريزر على رئاسة الوزراء لكنه لم ينجح في انقلابه هذا. حيث كانت نتيجة الأقتراع بين أعضاء الحزب هو حصول مالكوم فريزر على 54 صوت لصالحه مقابل 27 صوت لصالح بيكوك. وفي عام 1982 حصلت أول حادثة لتغيير في قيادة حزب العمال عندما تحدى بيل هايدن وقتها بوب هوك الذي كان يقود حزب العمال في المعارضة. وبالفعل نجح بيل هايدن في انقلابه فحصل على 42 صوت مقابل 37 صوت لخصمه. لكن الذي حصل هو أنه في السنة التالية تقدم بيل هايدن باستقالته من منصب رئاسة الحزب ليعود بوك هوك إلى دفة حكم حزب العمال قبل شهر من الانتخابات الفيدرالية لعام 1983 والتي فاز وقتها حزب العمال فيها فأصبح بوب هوك في عام 1983 رئيسا لوزراء استراليا. استمر بوب هوك في منصبه لحين قيام النائب بول كيتنغ، الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخزانة، بتحدي بوب هوك مرتين. الأولى في شهر حزيران عام 1991 والتي فشل فيها حيث جاءت النتيجة لصالح بوب هوك 66 صوت مقابل 44 صوت. لكن بول كيتنغ لم يهدأ له بال، فعاود الكرة مرة أخرى بعد ستة أشهر من المحاولة الأولى لينتصر في شهر كانون الأول / ديسمبر على بوب هوك بفارق خمس أصوات فقط واستطاع أن ينتزع رئاسة الوزراء ويصبح رئيسا للوزراء عن حكومة حزب العمال.
الانقلاب التالي كان في صفوف حزب الاحرار، ففي شهر مايو/ أيار من عام 1989تنافس كل من اندرو بيكوك وجون هاورد على رئاسة حزب الأحرار لينتصر بيكوك بعد نيله 44 صوت مقابل 27 لصالح جون هاورد ويصبح قائد لحزب الاحرار للمرة الثانية. في نفس الفترة حصل انقلاب في صفوف حزب الوطنيين (الناشنال) ليحل جارلس بلانت مكان إيان سنكلير. ظل جون هاورد وزيرا للخزانة في حكومة فرايز من عام 1977 لغاية عام 1983. وأصبح رئيسا لحزب الأحرار من عام 1985 لغاية 1989 في حكومة الظل، حيث قاد هاورد وقتها حزبه في الانتخابات الفيدرالية التي جرت في عام 1987 ضد حكم بوب هوك. لكن حزب العمال فاز في الانتخابات واستطاع الاحتفاظ بالسلطة ويستمر بوب هوك في منصبه كرئيس للوزراء للفترة القادمة. في عام 1994 تنافس الكساندر داونر مع جون هاورد على رئاسة حزب الأحرار فكان الفوز من نصيب الكساندر داونر الذي غلب جون هاورد بفارق سبعة أصوات ، 43 صوت لصالح الكساندر داونر مقابل 36 صوت لصالح جون هاورد. لكن في عام 1995، تم إعادة انتخاب جون هاورد كرئيس لحزب الأحرار ليصبح رئيسا لحكومة الظل المعارضة. في عام 1996 قاد جون هاورد حزب الاحرار (أو الائتلاف، بعد التحالف مع حزب الوطنيين) ليفوز في انتخابات عام 1996 ضد حكومة بول كيتنغ بعد 13 عاما من سيطرة حزب العمال على الحكم ليصبح جون هاورد رئيسا لوزراء استراليا وينجح في الاحتفاظ بالسلطة وقيادة الأحرار في الانتخابات الفيدرالية المتوالية، انتخابات 1998، وانتخابات 2001، وانتخابات 2004. لحين خسارة حزب الأحرار الحكم في عام 2007 عندما استطاع حزب العمال بقيادة كيفن رد من الفوز في الانتخابات الفيدرالية بعد سيطرة حزب الأحرار على الحكم لمدة 11 سنة تحت قيادة جون هاورد الذي جاء بالمرتبة الثانية من حيث مدة بقاءه كرئيس وزراء لأستراليا بعد رئيس الوزراء روبرت منزي الذي كان رئيسا لوزراء استراليا لمدة 18 عاما وخمسة أشهر.
توالت المنافسات بين أعضاء حزب العمال لنيل قيادة الحزب في حكومة الظل بعد خسارة حزب العمال للحكومة في عام 1996 على أيدي جون هاو. فبعد خسارة حزب العمال في انتخابات عام 1996، قدم بول كيتنغ استقالته ليتم انتخاب النائب كيم بيزلي وبدون معارضة كقائد لحزب العمال ورئيس المعارضة البرلمانية ممثلا ُ عن حكومة العمال في حكومة الظل. كانت خسارة حزب العمال قاسية في عام 1996، حيث كان الفرق في المقاعد النيابة في البرلمان بين الحزبين كبيرا. حيث استطاع حزب الأحرار ان يتفوق على حزب العمال بفارق 45 مقعدا في البرلمان أي أن عدد نواب حزب العمال كان ضئيلا ُ في البرلمان. لكن كيم بيزلي استطاع في الانتخابات الفيدرالية في عام 1998 (أي بعد عامين من انتخابات عام 1996) أن يقلص من فارق المقاعد بينه وبين حزب الأحرار من 45 مقعدا إلى 13 مقعد فقط بسبب فقدان حزب الأحرار لشعبيته وسياسة بيزلي في العديد من القضايا السياسية. دخل كيم بيزلي في انتخابات عام 2001 ليقود حزب العمال وكان موفقه مشجعا ً لولا الأحداث العالمية التي اثرت على الوضع في استراليا منها احداث سبتمبر 2001 الإرهابية وأيضا ً موقف كيم بيزلي غير الحازم بشأن العبارة النرويجية (تيمبا) التي كانت تحمل لاجئين فرفض جون هاورد استقبالها في استراليا ووصول القضية إلى القضاء الأسترالي، فبحسب ما قيل وقتها بأن وقف بيزلي لم يكم مقنعا مما إثر على شعبيته فلم ينجح في الفوز بهذه الانتخابات ليحتفظ جون هاورد وحزب الأحرار بالحكومة للمرة الثالثة. بعد هذه الخسارة استقال كيم بيزلي ليخلفه سايمون كرين. لم يستطع سايمون كرين أن يرفع من شعبية حزب العمال وهكذا شهد حزب العمال تفرقة وتقاتل داخلي. في عام 2003، كان وقتها سايمون كرين هو يقود المعارضة فتحداه مارك لايثم مرتين الأول في شهر حزيران 2003 ولم تنجح والثانية في شهر ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، 2003، ولكن هذه المرة تمكن مارك لايثم من الغلبة على سايمون كرين ليقود حكومة الظل العمالية.
التتمة في العدد القادم.... نلقاكم في العدد القادم لنتحدث عن المزيد من الأنقلابات السياسية في قيادة الأحزاب.