المحرر موضوع: المجتمع العراقي المتحلل .. أسباب وحلول  (زيارة 594 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل shareef

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 22
    • مشاهدة الملف الشخصي
المجتمع العراقي المتحلل .. أسباب وحلول
بدأ المجتمع العراقي يعاني من الإنهيار الأخلاقي بشكل واضح وجلي منذ تولي نظام البعث الحكم في العراق في نهاية ستينات القرن الماضي ، فانتشرت ظاهرة الرشوة في المجتمع ، وبدأت هذه الظاهرة تشتدّ مع دخول العراق في حرب الخليج الأولى ، فالجندي يرشي الضابط كي يمنحه إجازة أو لينقله إلى موقع أقل خطورة .. وإلخ. وكانت الناس تبرر ذلك كون رواتب الموظفين لم تكن مجزية آنذاك ، لأن ثروة العراق كانت تُهدر لحساب حزب البعث وتُهَرَّب من قبل عائلة صدام خارج العراق. وتوقع كثيرون بأن هذه الظاهرة ستنتهي بعد سقوط نظام البعث ، بعد تحسّن رواتب الموظفين بما يتناسب ومتطلبات المعيشة ، لكن الذي حدث هو عكس التوقعات المنطقية ، فتضاعفت الرشاوي بنفس نسب ازدياد الرواتب ، فالموظف الذي كان يرضى بألف دينار لتمشية معاملة معينة أصبح لا يرضى بخمسة وعشرين ألف .. وهكذا.
وسرى هذا الإنفلات على العديد من مفاصل الدولة. فالطالب ينجح بدون حق والموظف يأخذ حقوقاً كاملة من دون دوام والجندي لايداوم ولا يطيع الضابط .. وإلخ. ولم تظهِر هذه الحالات نتائجها بشكل جلي حتى تعرضت البلاد لهجمة  "داعش" ، فانسحب الضابط والجندي من موقعه من دون قتال ، تاركاً الأرض ومن عليها لقمة سائغة لهؤلاء مما أدّى إلى خسائر بشرية ومادية هائلة للمواطنين يصعب تقديرها ، والذي أدّى أيضاً الى إنهيار القوات المسلحة ، ما جعل هذا التنظيم ينتشر في الجسد العراقي كانتشار النار في الهشيم. كل ذلك حدث والقادة السياسيين منشغلين بسرقة الأموال والتشبث بالكراسي ، وهذا ما دعى الحكومة إلى أن تطلق الإستغاثة وتطلب العون من المجتمع الدولي لإنقاذ البلاد من السقوط بيد هؤلاء.
فحالة المجتمع العراقي اليوم تحت حكم رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادى لا يمكن أن توصَف بأقل من كارثة. ليس بسبب هذا الرجل الذي لم يمض على تكليفه سوى بضعة أشهر ، وإنما بسبب ما أوردتُه أعلاه من انهيار أخلاقي وانفلات ضبطي في المجتمع العراقي ترجع أسبابه إلى أربعة عقود مضت ، وقد تسلّمه هذا الرجل تركة ثقيلة ليس من السهل حملها ، وأشك أنه سيستطيع تجاوز هذه التحديات الخطيرة في البلاد ضمن المعطيات الحاضرة أليوم : فالنزاعات الطائفية الداخلية من جهة وسرقة المال العام المنفلت من جهة أخرى ، ما أدّى إلى إنعدام ثقة المواطن بالفئة الحاكمة من وزراء ومدراء عامّين ومحافظين وأعضاء برلمان وغيرهم.

كيفية الخروج من الأزمة الأخلاقية
إن أهم ما يجب عمله لأجل إخراج المجتمع العراقي من أزمته الأخلاقية هو:
1- تعديل الدستور بما يضمن إزالة المحاصصة الطائفية ورفع أية صلة له بالمعتقد الديني ، وتأسيس فكرة "الدين لله والوطن للجميع". وتغيير أسلوب التمثيل النيابي للشعب، وإزالة ما يسمى بالكوتا. فقد يختار مجموعة من مواطنين (شيعة أو سنة مثلاً) شخصاً مسيحياً مخلصاً مثلاً لتمثيلهم في البرلمان ، أو قد يتم اختيار شخصاً صابئياً أو يزيدياً كفوءاً لرئاسة الوزراء. ولكن كيف سيتم تعديل الدستور بهذا الشكل المطلوب وهنالك في مواقع صنع القرار من مجلس النواب والوزراء من تتعارض مصالحهم معه ؟!
2- تغيير جذري وكامل لمناهج الدراسة بمراحلها الأربعة ، الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية والجامعية ، بما يضمن إزالة أية نصوص أو إيماءآت ذات علاقة بالمعتقد الديني المناوئ للآخر من قريب أو بعيد، وإلغاء دروس التربية الدينية المحرِّضة على كراهية الغير نهائيا وبأشكالها المختلفة. ولكن كيف سيتم تغيير المناهج الدراسية بالشكل المطلوب وهنالك في مواقع صنع القرار من تتعارض أهدافه الأساسية ومن ثم مستقبله السياسي نتيجة ذلك!
3- إزالة الصفة الطائفية من كافة التعاملات الوطنية . ولكن كيف ستزال الصفة الطائفية وهنالك مرجعيات دينية متحكِّمة في مواقع صنع القرار ، والتي وجدت أصلاً من خلال الصفة الطائفية!
4- إحلال العدالة الإجتماعية وإزالة المحسوبية والمنسوبية في كافة مفاصل الدولة ، وإصدار التعليمات اللازمة لتحقيق ذلك. لكن المجتمع العراقي هو مجتمع مبني أصلاً وخلال أكثر من قرن من الزمن على المحسوبيات والمنسوبيات ، وكل مسؤول يأتي الى موقعه مع أقاربه أو أصدقائه .
5- إزالة الفساد الإداري في كافة مفاصل الدول بشكل تام ، وفرض نظام مراقبة صارم لتحقيق ذلك. ولكن كيف سيتم ذلك في دولة بمفاصلها المتهرئة وبسيطرة طائفية ، القيام بقطع موارد الملايين من الناس من المال الحرام الذي اعتادوا عليه والذي يعادل أضعاف مرتباتهم الشهرية ، من الرشاوي والعمولات!

 
فحسبما أوردته أعلاه ، يتضح استحالة بناء المجتمع العراقي بشكل سليم ضمن ما ذُكر من معطيات ثابتة لاتقبل الشك والتي يعرُفها يقيناً كل عراقي. فبالرغم من إيرادات الدولة الهائلة خلال الـ11 الماضية ، لا يزال العراق غير قادر على الإيفاء بإلتزاماته الأساسية تجاه مواطنيه ، وتزداد هذه الحالة سوءاً مع مرور الزمن، وتذهب معظم  واردات الدولة  الضخمة في جيوب اللصوص من أصحاب اتخاذ القرار ، وما تبقى يحترق وتحترق معه الآلاف من أبناء الشعب الأبرياء.
دعنا نكون صادقين مع أنفسنا أولاً قبل أن نكون كذلك مع الغير ؛ فالطفل الصغير يحتاج إلى أبويه ومعلميه كي يزاول حياته الإعتيادية بشكل سليم وذلك لافتقاره المعلوماتية والقدرة التي تمكِّنه من ذلك ذاتياً. وحالة الشعب العراقي أليوم لا تختلف نهائياً عن الطفل الصغير ؛ فمعظم المفكرين العراقيين وأصحاب الإمكانات الذهنية والتخصصية المؤهلين للمشاركة في إدارة حكومة صحيّة هم اليوم خارج العراق لأسباب شتى لا مجال للخوض بها هنا. والشخصيات التي تحكم العراق أليوم والتي أوتي بها من العراقيين المُبْعَدين من نظام صدّام الذين كانوا في الخارج ، هم الوحيدين الذين وُجدوا من قبل قوى التحالف الدولي لسد الفراغ وإحلال حكومة عراقية بديلة لحكومة صدام. ولو تفحصنا أغلب شخصيات هؤلاء، لوجدنا بأن النصب والإحتيال والنفعة الذاتية يغلب عليهم ، وسجل تاريخهم يكفي لإثبات ذلك ، وهم دائموا الإنشغال بسرقة مال الشعب العراقي وتهريبه خارج العراق تاركين حاجات الشعب الذي انتخبهم، خاصة وأن لمعظمهم جنسيات دول أجنبية تقيم عوائلهم فيها.
الحلُ قاسي ، ولا أظن بأن له بديل 
كي يصبح العراق بلداً سوياً كبقية بلدان العالم الحر ، يعيش فيه المواطن بأمان ويأخذ حقوق المواطنة من دون أي شكل من أشكال التمييز ، واستناداً إلى ما جاء في التحليل أعلاه ، أرى بأن هنالك حلٌ واحدٌ فقط ، وهو أن يؤتى بـ "هيئة حُكُم" متخصصة من خارج العراق يطلق عليها دولياً تسمية "حكومة انتداب" ، ذو معرفة وخبرة في السياسة والإقتصاد تديره إدارة ديمقراطية ، مع قوة عسكرية دفاعية وجهاز شرطة ، تُدفع لها أجورها كمن يستأجر طبيباً لعلاجه أو مهندساً للبناء أو غير ذلك من الشؤؤون التخصصية.
فقد أثبت واقع الحال الملموس ومنذ أكثر من نصف قرن (أقول نصف قرن إن لم يكن أكثر من ذلك) بأن موارد العراق لا يستفيد منها أبناء شعبه نهائياً، لكنها كانت تذهب في جيوب من سعى لهدم العراق بمستوى بنية تحتية وفوقية ، وكذلك في هدم الإنسان العراقي وتجريده من المعرفة والثقافة والقيم الإنسانية. وهكذا ، مهما سيُدفع لـ"هيئة الحُكم" المقتَرَحة هذه من مبالغ فإنها سوف لن تعادل أكثر من نسبة ضئيلة جداً مما تسرَقه الفئة الحاكمة وتهدره أليوم في مجالات شتى ، مع هدر الدم العراقي وهدر الطاقات المتنوعة في الإقتتال السياسي والطائفي.

كيفية الإتيان بـ "هيئة الحكم" أو "حكومة الإنتداب" المقترحة
أرى بأن يتم ذلك من خلال قيام ثلاث منظمات شعبية أو أكثر بتقديم طلب إلى الهيئة العامة لللأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لتزويد العراق بالكوادر الكفوءة لإدارة الدولة العراقية ، بعد تقديم هذه المنظمات الوثائق التي تثبت سرقة الفئة الحاكمة المليارات من الدولارات وإضاعتها وإهمال حاجات المواطنين الأساسية. ومن ثم سيتطلب الأمر إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يعلِن بأن "الحكومة العراقية الحالية قد حجبت أموال العراق عن مواطنيه وأنها غير قادرة على إدارة شؤون البلاد".
وسأفترض مبدئياً بأن يكون شكل "حكومة الإنتداب" كالتالي ، يمكن تطويره من قبل مختصّي دستور لاحقاً :
1- "مشرف وزارة عام" لكل وزارة يتمتع بصلاحيات وزير.
2- "مشرف مديرية عام" لكل مديرية من كل وزارة يتمتع بصلاحيات مدير عام.
3- "لجنة متابعة" في كل وزارة مؤلفة من مزيج من عدد من العراقيين التكنوقراط ومختصين دوليين.
4- "هيئة استشارية عليا" للنظر في تقارير "لجان المتابعة" مؤلفة من مزيج من التكنوقراط العراقيين من ذوي الكفاءة المهنية المقيمين داخل العراق أو خارجه ، وكذلك من مختصين دوليين في "مكتب إشراف عام" لمراقبة ومتابعة أعمال كل مشرف عام وزارة ومشرف عام مديرية.

تعليمات
يتطلب فرض عقوبات صارمة ورادعة لكل موظف حكومي يقوم بعمل يدخل ضمن باب الفساد الإداري.