المحرر موضوع: أنطي الخبز  (زيارة 2516 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عصام خبو بوزوة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 172
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أنطي الخبز
« في: 18:31 19/02/2007 »
أنطي الخبز

كثيرا ما يردد العراقيون كلمات أصبحت جزءا مهما من مورثهم الشعبي لأنها تأتي في ظرف أو موقف ما تصبح فيه نوعا ما قريبة من الحكمة أو المأثور من الأقوال التي تنطبع في ذاكرة الناس وتستمر معهم إلى الأجيال اللاحقة وهكذا نجد الكثير من تلك الأمثال تشجع الناس على التقيد بمضمونها لأنها تتجدد في إثبات صحة فرضيتها حتى مع تطور الزمن لذلك تجد المجتمع وخصوصا العراقي ملتزما والى حد بعيد بذلك الموروث الشعبي من الحكم والأمثال ويؤكد على كونها تشمل جميع مناحي الحياة فيقولون ((أبو المثل ما خله شي ما كاله ))ومن تلك الأمثال الواضحة في مضمونها مثل شعبي يردده العراقيون بمختلف لهجاتهم الا وهو (( أنطي الخبز لخبازته حتى لو أكلت نصه بالعافية ))أي أعطي العجين لمن تجيد صناعة الخبز حتى لو دفعت نصف الكمية ثمنا لذلك . ومن مدلولات المثل كلف المهمة لأناس يتدبرون أمرها ( لأهلها ) أو لمن هو قادر على انجازها حتى لو تقاسمت معه الثمار وكذلك يقصد بالمثل أيضا ضع الشخص المناسب في المكان المناسب مهما كان النجاح مكلفا فهو اقل كلفة من الفشل والهدر وضياع الموارد في يد مقصر أو مهمل .
ولو تفحصنا ظروفنا الراهنة الا يبدو العراق اليوم في أحوج أوقاته لمثل تلك الحكمة أو الأمثولة وتطبيقاتها في كل مكان ومضمار ليس في السياسة وحدها بل في الاقتصاد وجميع مناحي الحياة الأخرى لان جزءا مهما من مشاكلنا متأتية من عدم التزامنا بقاعدة الاستفادة القصوى من مواردنا البشرية والمادية  فالأمر بات متروكا للأحزاب ومساوماتها الطائفية والنتيجة أن بعض من يشغل المناصب السياسية والإدارية في البلد اخطر على المجتمع من حصاد سنة ارهابية كاملة لأنه يؤخر ولا يقدم في عملية تطوير المجتمع ويساهم في تفاقم الأزمات المتراكمة أصلا منذ عقود . لذا فالمطلوب منا كعراقيين اليوم ترديد هذا المثل على مسامع ساستنا الكبار بألف شكل وصورة جديدة وليس وفق سياق واحد كان نقول لهم .                               أعطي الموقع السياسي أو الإداري لمن يستحقه بالفعل ولمن هو قادر على تسيير أمور البلد وتحويل دائرته أو وزارته إلى خلية نحل تجمع العسل وتلدغ الأعداء مهما كان انتماء ذلك الشخص فهو مطلب الشعب دون استثناء حتى لو تطلب خبرة مستقدمة من الخارج يدفع لها أرقاما خيالية فالثمن ابخس من دفع القيمة كلها هباء أو استهتارا بموقع ما أو بعملية تنموية تخدم قضية البلد واستقراره .
أعطي مهمة البلد وتوحيده لشخص قادر على تجاوز كل مشاعره الطائفية ومصالحه الضيقة إلى إنسان يعي ثقل المسؤولية ويعترف بحقيقة الاختلاف في متطلبات المرحلة السياسية فلا ضير عنده من اقتباس مفاهيم علمانية وأساليب جديدة تختلف عن نهج الحزب الذي أوصله إلى السلطة لأنه بلغة السياسية سيد الوطن ولا يوجد حزب واحد على الإطلاق قادر على استيعاب بلد بأكمله أو شعب بتعداده حتى لو بلغ اقل رقم معروف .
أنطي الخبز أو عفوا – أعطي الغاز المصاحب للنفط المستخرج من آبارنا والمهدور في مجمعات التكرير والمصافي إلى شركات ومنتجين يمتلكون تقنيات السيطرة عليه واستغلاله ومن ثم الاستفادة منه حتى لو تطلب الأمر المشاركة في استثماره بدل أن يذهب سدى أو يحرق ليلوث البيئة وهكذا الحال أيضا بالنسبة لكل مواردنا الأخرى التي نعجز عن استغلالها ونقف أمامها محرومين من خيراتها الوافرة بدعوى الخوف من التفريط بها ووضعها تحت رحمة الدول الأجنبية والشركات الاحتكارية المتعددة الجنسيات متناسين بأن القواميس مزدحمة بأسماء عناصر كفؤة وأساليب استثمار خاصة . وطنية كانت أو مختلطة تمكن العراقيون من الاستفادة القصوى من مواردهم وتقليل الهدر والسرقة إلى أدنى المستويات الممكنة .
أعطي الدعم الحكومي إلى أية جهة جريئة قادرة على النزول إلى الشارع والتغلغل بين المواطنين من اجل زرع القيم الجديدة بين أبنائه . واقطعه عن العناوين التي تؤسس فقط كدعاية لتغطية نشاطات مجموعات من اللصوص والانتهازيين تحت مسميات جمعيات خيرية أو اجتماعية أو غير حكومية أو حتى تحت مسميات اللجان الحكومية .
أعطي دورا ومجالا رحبا لكل من يحاول أن يبدع في مجاله ويتفنن في السياسة وأطلق لسانك دفاعا عن كل من ظلم وحرم من فرصته واستحقاقه الكامل في امتلاك نقطة للانطلاق منها نحو المجتمع .
منذ الأزل برهنت الحياة للإنسان بأنها مجرد ركنان (( الأخذ والعطاء )) مستمران معا فإذا عرف الإنسان كيف يعطي ولمن هكذا أيضا ستكون حصته من الأخذ فلا يمكن أن نأخذ دائما ولا أن نعطي دائما ولكننا قادرون على خلق نوع من الموازنة بين الجانبان0

                                                   عصام سليمان – تلكيف .