المحرر موضوع: بين الدين والسياسة، فوائد ومزالق  (زيارة 1047 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 426
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بين الدين والسياسة، فوائد ومزالق
لويس إقليمس

تُثار بين فترة وأخرى، مسألة صحّة تعاطي رجال الدّين للسياسة وانعكاس ذلك على مؤسساتهم وأتباعهم وعلى غيرهم، سواءً في حدود المجتمع والبيئة أو بتجاوزهم لتلك الحدود. فالدّين كما نفهمُه في تربيتنا البيتية والمجتمعية في الشرق، أخلاقٌ ونصحٌ وتسامي عن الرذيلة ودعوة للصلاح. فيما السياسة حياة يومية شاملة بكلّ همومها، وما عليها من تحوّطات الوقوع في مزالق الفساد والخوف بالإيغال قد يجرّ إلى اضطراب في العلاقة بين الدين والسياسة، وبمعنى آخر بين الدّين والدولة. ودليلُنا، ما يشهده العراق ومنطقتنا من احتقان طائفي وأعمال عنف وتجاوزات واعتداءات باسم الدّين التي تسعى فئاتٌ لتسخيره لمصالح فئوية وطائفية، وربما لمصالح شخصية، في الكثير من الأحيان.

عمومًا، يجدر ألاّ يتقاطع الدين مع السياسة، عندما يكون التعامل بين الاثنين في حدود المعقول وضمن آليات صائبة للتفاهم والتوافق وعدم الانجرار إلى الماورائيات غير مأمونة النتائج. فالاثنان مهمّان في حياة الفرد والمجتمع، ومن دون تفاعلهما الإيجابيّ لا تستقيم الحياة، شرط احترام كلّ منهما لمفهوم الآخر. وأي تجاوز، قد يخلق مشاكل عدّة، حينما يستمكن أحدهما من الآخر، وتجفّف المنابع السليمة لكلٍّ منهما. لذا، يكون الفصل بينهما في حكم البلاد، خيرَ قرارٍ لضمان العيش الآمن في دولة مدنية تعطي لكلّ ذي حقِّ حقّه ولا تتقاطع فيها قيمُ الدّين مع السياسة. 

قيم الدّين والسياسة في المنطقة

الحديث عن الدّين والسياسة، ذو همومٍ وشجون. قد ينفع الاستنجاد بهما معًا، في ظروف محدّدة تحتّمها الحاجة، بشرط توافقهما على مشروع مقبول ومنهجِ معلومٍ، هدفُه خدمةَ المجتمع حصرًا واجتياز مرحلة حرجة تتطلّبُ تعزيز أواصر اللحمة في صفوف المجتمع غير المتجانس، من دون انحيازٍ لفئة دون أخرى أو إساءةٍ لفاعليّة كلٍّ منهما في السياق المرسوم لكلٍّ منهما.
إنَّ المأساة الحقيقية تكمن، عندما يتمّ تسيس الدّين لصالح فئة أو طائفة أو لمنفعة ضيّقة. حينها، تعمل فئة متنفذة على كمّ الأفواه وغلق كلّ منازل الحرية الفكرية والدينية المختلفة عنها والدّوس على كرامة الوطن والمواطن بحجج واهية تدّعي استيحاءَها من لدن ما تسمّيه بالشرع الدّينيّ، والدّين منها براء! هنا يكمن الخلل وتفسد العلاقة بين الاثنين، حين تصعد على الساحة أحزابٌ دينيّة بحتة، لا تخدم بقدر ما تهدّم وتدمّر وتفسد العلائق بين أبناء الوطن والدّين الواحد. وما يزيد في الطّين بلّة، قيام هذه الأحزاب، المغلَّفة بمظاهر مدنية خاوية، بتسخير جهد الدولة وثرواتها لصالح المذهب والطائفة التي تنتمي إليها حصرًا، في حقيقة لا تخلو من عناصر تهميشية لبقية أبناء الوطن الذين يضطرّون للخضوع، للأغلبية المتنفذة.
إنَّ الغاية الأساسية من الدّين، هي لتمجيد الله ومحبة القريب، واللجوء إلى راحة الفكر وصفاء القلب، والسير في طريق الفضيلة دون المساس بحقوق الغير. فيما الخلط غير الصائب بين السياسة والدّين، سيكون وبالاً على القائمين عليها والمقصودين بها على السواء، لأنّها ستخرج عن المسار المرسوم لها والتي تتلخص بتوجيه المجتمع باتجاه منهج السلم الأهليّ، وخلق سبلٍ سليمة للتعايش بين المختلفين دينيا وعرقيا ولغويا. هذا سرُّ وجود السياسة الأخلاقية المقبولة، عندما يكمن في تلبية متطلبات الحياة اليومية للبشر إداريًا وخدميًا. بمعنى آخر، عندما توجّه هذه الجهود كلُّها من أجل خلق أرضيّة صحيحة لـ "مدينة فاضلة"، أي دولة تنعم بمؤسسات قادرة على خدمة البشر بأفضل السبل. ويمكن الاستفادة من فلسفة افلاطون في تصوير مثل هذه المدينة المرغوبة أو الدولة المثالية وتقدير حاجاتها ورسم بياناتها الناجحة لتلبية هذه المتطلبات، قدر المستطاع.
 قد تنجح عمليات امتزاج الدّين بالسياسة أحيانًا في دولٍ أو لدى شعوبٍ واعية ومتحضّرة، لفترة مرحلية. ولكنّها لا ولنْ يمكن أَنْ يُكتب لها النجاح المتواصل على طول الخطّ، لأنّ المزالق كثيرة والطموحات مفتوحة والانحيازات قائمة. فمَن يتسلّق السياسة على حساب الدّين، لا بدّ أن تظهر طموحاتُه الضيّقة ويتبيّن على حقيقته بسبب قصر نظرِه ووهن طبيعته البشرية وعدم استيعابه ماهيّةَ المفهومَين على طول الخطّ. فالدّين لا يمكن أن يكون يومًا أداة طيّعة بيد السياسة والساسة. إذ لكلّ منهما دورُه وأسبابُه ونتائجُه. "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه"! كلام خاطبَ به السيد المسيح مَن أرادَ من اليهود المرائين تجربتَه ليشوا به إلى رؤسائهم الخاضعين للقيصر الروماني. فجاءَ كلامُه سيفًا قاطعًا دقَّ خاصرتَهم، فيما استطاعَ ردّ سيفِهم إلى نحره. في هذه الواقعة، لم يمنع أن يعطي المسيحُ رأيَه في الأحداث، وأن يتدخل في كشف زيف الزعماء الدنيويّين والدينيّين معًا. فقد حمل السوط بيديه وراح يطرد الباعة والتجار من الهيكل. وهذه بحدّ ذاتها، حركةٌ لا تخلو من تدخّلٍ في شؤون الحياة العامّة، وفي جزء من السياسة وإدارة المجتمع الذي عاش في وسطه.
في المجتمعات العربية، اقترن الدّين بالسياسة وعُدّت الحياة وحُكمُ العباد دينًا ودنيا معًا. وهذا ما جعل مجتمعاتِه عرضةً للمدّ والجزر. إن الخلط بين السياسة والدّين، هو من أكثر الأسباب التي خلقتْ إشكاليات مستعصية داخل المجتمع الواحد. فعندما يُساء استخدام الدّين ووسائله ويخفقُ بوضعِه ضمن الإطار الذي وُجد من أجله، حينئذٍ يفقد سرَّ وجودِه، ويتحوّل إلى أداة سيّئة الاستخدام بصيغة حكمٍ ثيوقراطيّ، يسعى إليه بعض رجالِ دينٍ وسياسة، بحجة خوف الله وتطبيق شريعته التي تُفسّر وفق مقاسات هذه الفئات الحاكمة أو الساعية إلى الحكم على السواء.
 لقد أثبتت التجارب، أنَّ هذا الأسلوب فيه الكثير من الأشواك التي تزرع بذور شقاقٍ ونزعات للسيطرة غير المأمونة على العباد ومؤسساتهم الدينية ورجالاتها. ولنا في تخطّي الغرب (فرنسا على سبيل المثال في عام 1905) لهذا المنزلق ووضع حدّ لتدخلات الكنيسة في السياسة، خير مثالٍ على نقل المسؤولية المدنية إلى روّادها. ولكنّ هذا لم يمنع مثلاً، أن تبقى عيون الكنيسة ساهرة على تصرفات وقرارات رجال السياسة وإبداء الرأي والنصح حين الضرورة.
هناك مسافات بين الدّين والسياسة، قد تقصر وتطول. كما أنّ مسيرة الاثنين، لا تبدو خالية من منازعات، لاسيّما عندما تتقاطع المصالح وتتنافر الأفكار وتختلف الرؤى. وهذا ما يجرّ رعاة الاثنين لكشف المستور على الساحة والتصرّف إزاءَه بأدواتٍ وطرقٍ شتّى، قد تنغّص بعضُها سيرَ الحياة وتخلق إشكاليات قد لا تُحمد عقباها. لذا، حينما يُراد ضربُ الدّين ورجالِه في مرحلة ما، يجري تصويب الساسة ضدّه، بهدف الانتقاص من أهميته وفاعليّته والحدّ من تأثيراته وتدخلاته. والعكس صحيحٌ. فرجالُ الدّين وأدواتُهم، غالبًا ما يستخدمون الدينَ ومفرداته ضدّ السياسيّين لإنهاء سطوتهم على الناس أو للتشكيك بمبادئهم لإسقاطهم عن كراسيهم، ومن ثمّ السطو على الحكم. هذا ما نشهدُه منذ القدم ولغاية الساعة.

بين الإيمان والسياسة، رجالُها

إنّ انخراط بعض رجال الدّين في معمعة السياسة وفي سبر أغوار دهاليزها، قد يكون فيه شيءٌ من الضرورة في حقبٍ معيّنة وظروفٍ قاهرة تقتضيها مسيرة حياة الشعوب المقهورة. وهذا بطبيعة الحال، لا ينبغي أن يكون على حساب الإيمان ومبادئ الدّين، التي يحملُها هذا أو ذاك، من الذين تظهر لديهم بوادر وإمكانيات ذاتية، تتيح لهم التعريف والمدافعة لصالح الجماعة التي ينتمون إليها.
إن بروز اتجاهات متنافرة في الوسط الديني في بلادنا، سجّلت ملاحظات حول سلوكيات أو مبادرات لبعض رجاله في اتجاهين متقابلين، سلبًا وإيجابًا على السواء. فالموضوع إذن، عراقيّ صرف، أكثر منه خارجٌ عن الأسوار. وسوف لن نتطرّق إلى التوجهات الدينية لطوائف أخرى من التي أتى بها التغيير في العراق بعد 2003. فقد حسمت الأحزاب الدينية الإسلامية أمرَها، وتحققت من أنّ برامجَها غير قابلة للتحقيق في مجتمع متنوع الأديان والأعراق والمذاهب، وقوى وطنية وليبرالية تأبى الانسياق وراء مجاهيل الظلمات التي حاولت جهاتٌ داخلية وخارجية، إقحام العراق فيها.
    بالأمس واليوم، كانت هناك ملاحظات سُجلت على عدد من الشخصيات الدينية، سابقًا وحديثًا، تطرّقت لتدخلات هؤلاء أو ما شابهها في شؤون الدولة، هذه المؤسسة المدنية المبنيّة على أساس السياسة والحكم. ولنا في الأسقف الأرثوذكسي الراحل مكاريوس نموذجاً، وهو الذي تولّى الدفاع عن طائفته في قبرص بعد الاجتياح التركيّ المدعوم من الغرب. وهو يأتي في مقدّمة القادة المسيحيّين والوطنيّين، الذين كرّسوا حياتَهم للدفاع عن مصالح شعبهم وكنيستهم ووطنهم. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي كانت تُوجّه لمكاريوس الذي تولّى رئاسة كنيسته في قبرص في 1950، وعمرُه 37 عامًا، إلاّ أنّه أثبتَ جدارتَه في الوقت الذي كانت كنيستُه مهدّدة، من قبل الغربيين وجيرانهم الأتراك المختلفين معهم في الديّن وطبيعة المجتمع. ونتيجة لشعوره الوطنيّ، بسبب ما كان يُحاك ضدّ بلده من مؤامرات تهدف لتقسيم الجزيرة، لعب الأسقف مكاريوس دوراً هاماً في الحركة السياسية التي كانت تدعو لضمّ قبرص إلى اليونان، الوطن الأمّ. وتمثّلت أولى أولوياته، بتنظيم استفتاء في 1950، وفيه عبّر القبارصة اليونانيون عن رغبتهم بتحقيق الوحدة مع اليونان بنسبة 96 %.
ونتيجة لذاك الإجراء الذي عدّته بريطانيا، عملاً استفزازيًا ضدّ مصالحها في الجزيرة، عملت على نفيه إلى جُزُر السيشيل في 1956. ثمّ اضطرّت لإطلاق سراحه في العام التالي. إلاّ أنّ الشعب القبرصيّ ظلّ متمسكًا به، فانتخبُه أوّلَ رئيسٍ للبلاد، بعد نيل قبرص استقلالها في 13 كانون أول 1959. لكنّ بريطانيا لم تنسَ له فعلتَه، فأعدّت له انقلابًا في حزيران 1974، ما اضطرّهُ لمغادرة البلاد، وإتاحة الفرصة للقوات التركية بغزو قبرص وإحكام قبضتها على جزئها الشمالي. إلاّ أن مكاريوس، تمكّن من العودة مجدداً إلى الجزيرة ليكون رئيساً لفترة ثانية قصيرة استمرت حتى وفاته في 1977.
 سقتُ هذا النموذج الحديث في الحياة السياسية ما بعد الحربين الكبيرتين، للإشارة إلى الأحداث المتسارعة في المنطقة التي كانت دخلت مرحلةَ التغييرات الجديدة التي أقرّتها الدول الاستعمارية الكبرى من حيث لا تدري شعوبُها.
إصلاح المؤسسات

يبدو أنّ الإصلاح ضروريٌّ بين حينٍ وآخر، بعد الترهّل والإرباك الذي قد يصيب المؤسسات الدينية، لاسيّما حينما تختلط الأوراق بين السياسة والدّين والمجتمع والمادّة. فالسياسة أحيانًا كثيرة، قد تنام وتصحو لتجد نفسَها أسيرةَ هوسِ الدكتاتورية. ومثلُها الدّين، لو سار على نمطية ممارسات شيّخَها الدهرُ، فلن تصحو منها إلاّ لتجد نفسَها في طوق الانسلاخ عن المجتمع والجماعة المتفاعلة مع الأحداث المتسارعة. وهذا ما لا يرغبُه العقلاءُ والمنفتحون، ببقاء المؤسسة الدينية، أسيرةَ الانطواء والانغلاق، كما هي حال أنصار أديانٍ في المنطقة يريدون العودة بالزمن إلى عصور الجهل والانعزالية، في ظاهرة غريبة متناقضة تتمثل باستخدامهم لأحدث التقنيات والوسائل التي يأتي بها غرماؤُهم المتطوّرون، فيما الفكر والتنوير والانفتاح يبقونها عناصرَ مكبوتة ومعتقلة في دهاليز الظلمات.
لقد تعاطى المسيح نفسُه في شؤون السياسة، كما رأينا حينما طرد الباعة من الهيكل واتّهمهم بتحويل بيت أبيه السماوي إلى مغارةِ لصوصٍ، من دون أن يميل إلى هذه الجماعة أو تلك، ومن دون أن يهادنَ أية جهة كانت. فجاء ردّه رادعًا اجتماعيًا، ضدّ كلِّ مَن يريد الإيقاع بين الدّين والمجتمع. وتلك كانت إشارة، لغرس مفهوم جديد للعلاقة بين السلطة المدنية والدّينية، حيث أدركَ العقلاءُ سريعًا صلاحية شعار: "الدّين لله والوطن للجميع"، تمامًا كما أدركَها السياسيون ورجال الدين اليهود آنذاك. لأنها حقًا، مثّلتْ رسالة واضحة ساقها المسيح لأبناء عصره وللأجيال المتلاحقة. ولنا في القديس أوغسطينوس (بين القرنين 4-5م)، خيرَ مثالٍ لشخصية كنسيّة لاهوتية تستند الكنيسة على تعاليمه، حين انتقد السلطة الرومانية، بسبب ما امتازت به من حبٍّ للذات وانعزالية عليها وتفكّك في سلوكها.
لم تعد المؤسسة الكنسية حجرًا مصفوفًا ولا مرمرًا لامعًا يتصدّر باحتُها أو حلاّنًا يغطّي جدرانَها الخارجية. هي أبعد من ذلك وأرفع من كلّ هذا وذاك بكثير. هي تلك النفحة المجرَّدة عن كلّ طمعٍ أو منفعة ضيّقة. هي حركة روح إيمانية تنبض بالأفعال قبل الأقوال وتسعى لتحقيق الملكوت على الأرض. هي انجذاب لقيم هذا الملكوت الذي وعدَ به المسيح. قوّتُها وفاعليتُها لا تأتي منفردةً بالانكفاء على الذات والانعزال عن محيطها الاجتماعيّ والسياسيّ. بل هذه كلُّها تحتّمها ضرورات العصر المتسارعة كالبرق والتسونامي. فهي إن لم تتجنّبْ مآسيَه وتتخذ التدابير اللازمة، سوف لن تصمد. وعليها أن تثبت وقوفَها على الصخرة- المسيح، كي لا تقوى أبوابُ الجحيم عليها. إنَّ صمودها وتفاعلها مع المؤسسات الوطنية والقومية، كفيلٌ بتحقيق سدّ منيعٍ للتيارات الجارفة والمخاطر المحدقة بها. وهي من دون هذا التفاعل والتنسيق والتعاون، لن تستطيع مقاومة مكايد المتربصين المتراكمة، وما اكثرَها! كما أنّ اعتمادَها على دور واضح وفاعلٍ للنخب المثقفة والواعية والحريصة على مصلحتها ومستقبل أبنائها ومصيرهم، سوف يزيد من رصيدها في أوساط المجتمع والدولة.

خاتمة

إنّه لمن الحكمة، أن يعي المؤمنُ والإنسان الاعتيادي دورَه وسطَ مجتمعه. فالسياسة والدّين، عنصران مهمّان في حياة الاثنين كما أسلفنا، ولا ينبغي الخلطُ بينهما في الحقل والموضع الذي ينبغي أن يكون أيٌّ منهما فيه. من هنا، لرجل الدّين أن ينصح رعيتَه بمنح كلٍّ من المفهومين ما يستحقّانه ومتى وكيف يستحقّان. وهذا ينطبق على رجل الدّين أيضا، حين يعي أنّ السياسة والدّين لا بدّ من تلاقيهما لخدمة المجتمع. فالمجتمع الذي يغيب عنه الإيمان وتبتعد السلوكيات الدينية المعتدلة، لن يتمكن من عيش حياة حرّة كريمة أرادها له الخالق.
من هنا، ليس المطلوب إذابة الدّين أو الإيمان الشخصيّ بالسياسة، تمامًا كما لا ينبغي استبدال قدرة الله وأحكامه بقدرات بشرية تسعى للحديث والحكم باسمه. ذلك لأنّ السياسة لا يمكن أن تنقلب دينًا للبشر أو تصبحَ عقيدةً عقيمة للدولة، خارجًا عن الأحكام الدينية وتعاليم السماء. ففي مثل هذه الحالة، "ستصبح السياسة أسطورة، إن لم تكن خرافة". ولهذه الأسباب، جاءت فكرةُ اللاهوت السياسيّ المعاصر، كي يفتح الأذهان لحقيقة الخطأ بخصخصة الدّين ووضعه معلَّقًا على شمّاعة لا فائدة منها. فبهذه الفكرة الناضجة، تصبح السياسة موضع رصدٍ ومراقبة من جانب المؤمن والمتديّن الباحث عن حياة اجتماعية سويّة تنتصر للحق والمساواة وتشجب كلَّ ما هو سيّء ومنافٍ للأخلاق ممّا يظهر في أشكال الكذب والدّهاء التي يمكن أن تشوّه السياسة والإيمان.     


لويس إقليمس
بغداد، في 10 آذار 2015