المحرر موضوع: دوافع العنف الاجتماعي في السينما الغربية .. فيلم "السقوط " أنموذجاً ! (1 ــ 3 )  (زيارة 1040 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف أبو الفوز

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 676
    • مشاهدة الملف الشخصي
دوافع العنف الاجتماعي في السينما الغربية .. فيلم "السقوط " أنموذجاً !
 (1 ــ 3 )



يوسف أبو الفوز
القواميس القانونية تتفق على تعريف العنف كونه استخدام القوَّة الجسديَّة استخدامًا غير مشروع أو مطابق للقانون بهدف الاعتداء أو التدمير أو التخريب أو الإساءة، فكيف تعاملت السينما الغربية مع موضوعة العنف؟ دعونا من افلام الويسترن و"رنكو" الذي لا يخطيء الهدف ولا ينتهي رصاص مسدسه، وافلام الاكشن والحركة، التي يبرع فيها البطل في كل شيء، في التعامل مع أجمل النساء وأستخدام كل الاسلحة وقيادة كل انواع وسائط المواصلات، من الدراجة النارية مرورا بالطائرة وحتى الغواصة ،خصوصا الافلام التي تحاول ان تصدر لنا صورة الامريكي المنقذ، الذي يحاربه كل العالم لكنه دوما المنتصر، على غرار سلسة افلام "رامبو" وما شابه. دعونا نتوقف عند مجموعة من الافلام الجادة، التي حاولت الاقتراب من فهم اسباب جنوح الانسان نحو العنف، وتحديد تلك الاسباب. أن مختلف مدارس علم الاجتماع والفلسفة، منذ القدم تتفق على كون العنف هو التعسف في استعمال القوة، والافراط فيها، وفي العصر الحديث ارتبط ذلك بشكلين بارزين هما الحرب والسلوك العدواني مع الاخرين. فهل يولد الانسان عنيفا؟ وما الذي يدفعه لاستخدام العنف والافراط في استخدام القوة ؟! ان العنف الاجتماعي هو احد الثيمات التي عالجتها السينما الغربية والاوربية كرد فعل لاستلاب الانسان وسط حالة الضياع التي يعيشها بما في ذلك تفكك العلاقات الاسرية تحت تأثير العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع، فالعلاقات الاقتصادية والحقوقية والاخلاقية والدينية تترك بصمتها على طابع العلاقات في العائلة . ان افلاما عديدة، تحاول ان تعرض لنا، كيف ان الانسان، المسالم، الهاديء، المحب للحياة، قد يجد نفسه، عرضة لعوامل مختلفة تضغط عليه، لتغير من سلوكه تماما ! فما هي هذه العوامل ؟ وكيف تكون النتائج ؟!
المخرج الفرنسي روبرت انريكو(1931ـ 2001) قدم لنا فيلم "البندقية القديمة" من انتاج عام 1975، وهو احد روائع السينما الفرنسية، حيث حصد في حينه جائزة سيزار، لافضل فيلم وافضل ممثل، اضافة الى جوائز وترشيحات اخرى، ومستندا في بعض من وقائع الفيلم، الى القصة الحقيقية التي تعرضت لها قرية فرنسية خلال فترة الاحتلال النازي لفرنسا،   حيث رأينا في الفيلم كيف عرض الممثل فيليب نواريه (1930ـ 2006) تحولات بطل الفيلم "جوليان جانديو"، الطبيب المسالم، الذي يعيش في مدينة مونتوبان، جنوب فرنسا، وخلال فترة انسحاب القوات الألمانية الفاشية عام 1944 من فرنسا، وخوفا من بطش الجيش الالماني، اتفق مع صديق له ليرافق عائلته للاقامة في الريف، حيث يوجد منزل للعائلة عند القلعة القديمة، وحين يلحق بهم في عطلة نهاية الاسبوع، يجد ان الالمان احتلوا القرية وجمعوا سكانها في الكنيسة وقتلوهم بالرصاص، ببرودة دم ووحشية ، يعكسها الفيلم بمشاهد معبرة، وداخل ممرات القلعة يجد جثة ابنته قتيلة، وأيضا يجد زوجته، التي ادت دورها  فاتنة السينما الفرنسية رومي شنايدر (1938 ــ 1982)، قد احرقت بسادية بقاذف اللهب النازي الشهير. فيقرر الانتقام، وببندقية صيد قديمة، تعود لوالده، يبدأ باصطياد الجنود الالمان واحدا بعد الاخر، وينجح في حرق الضابط الفاشي بقاذف اللهب ذاته، وحين يصل رجال المقاومة الفرنسية للقرية يكون قد اباد المجموعة كلها ليمنعوه من الانتحار كرد فعل للوحشية التي تعامل بها مع الجنود الالمان. هذا الفيلم يريد أن يقول لنا ان سلوك بطل الفيلم ، كان عملا بطوليا، وعنفا مشروعا، كما تشير كتب القانون، وجاء كرد فعل لقوى احتلال اعتدت على عائلة وقرية البطل، فهو سلوك مشروع لحماية بيته ضد الغزاة والمحتلين.

ويكاد الامر يتشابه مع ما جرى في فيلم "كلاب القش" من انتاج عام 1971 للمخرج الامريكي سام بيكنبا (1925 ــ 1984 ) المعروف باخراجه لافلام الويسترن والعنف حتى نال لقب " سام الدامي"، حيث نتابع معلم الرياضيات الامريكي المسالم، الشاب ديفيد سومنر، لعب دوره الممثل العبقري داستن هوفمان ( مواليد 1937) ،حين يأتي للعيش مع زوجته الشابة الجميلة أيمي في مسقط راسها في قرية في بريطانيا، ولعبت دور الزوجة الممثلة البريطانية سوزان جورج (مواليد 1950) التي لم تكن معروفة كثيرا ايامها، لحد ان هوفمان اعترض في البداية لاسناد البطولة النسائية لها. في القرية المنعزلة لم يعجب الامر صديق أيمي السابق تشارلي فينر، لعب دوره الفنان الايراندي ديل هيني (مواليد 1938) فيقرر واصحابه مضايقة ديفيد الزوج الغريب عن قريتهم. يحدث ان الزوج ديفيد يستأجر بعض الرجال لاجراء اصلاحات في المزرعة المنعزلة، ولسوء حظه كان من ضمنهم تشارلي فينر. كان ديفيد مسالما جدا، لا يغتاظ من سلوك البعض ولا حتى من نظراتهم وتحرشهم بزوجته، وكان مسالما حتى مع خداعهم له وابعاده عن بيته. لم يدر ان  ان ذلك تم لينفرد تشارلي بزوجته ويمارس معها الجنس برضاها، ولكن الامر تطور وبالضد من رغبة تشارلي والزوجة ، وتحت تهديد السلاح، تم اغتصاب الزوجة من قبل الاخرين. لم يكن ديفيد راض عن عمل الرجال في المزرعة فصرفهم، دون أن يعلم بمحنة زوجته، ولم يتفهم ارتباكها حين التقت بمغتصبيها في قداس الكنيسة، وقرارها المفاجيء بالمغادرة بشكل مبكر. وفي طريق العودة،وفي الضباب الكثيف، دهس ديفيد بسيارته مخبول القرية جون نيلس، الذي لعب دوره الفنان بيتر أرني (1920 ــ 1983) فحمله لبيته، واتصل بحانة القرية ليخبر عن الحادث ووجود المخبول معه. لم يكن ديفيد يعلم ان مكالمته هذه ستغير كل حياته، فبعض رجال القرية، منهم الرجال الذين استغنى عن عملهم، وسكير القرية، كانوا مجتمعين في الحانة، ينتظرون نتيجة البحث للعثور على المخبول، لانه وعن طريق الخطأ خنق طفلة مراهقة، وهرب، فجمع والدها بعض رجال القرية للانتقام لأبنته. كانت مكالمة ديفيد اشعارا لهم للتوجه لمنزله ومحاصرته للمطالبة بتسليم المخبول. يرفض ديفيد بأصرار تسليمه لهم لأنه يعرفه انهم سيضربونه حتى الموت ويخبر زوجته بذلك، وحين حاول شرطي القرية التدخل قتل بالخطأ برصاص احد رجال القرية، ففهم ديفيد ان عليه الدفاع عن بيته والفتى المخبول الذي احتمى عنده، فيستيقط فيه الجانب المخفي من شخصيته. يمر ثلثا وقت الفيلم  تقريبا ـ  الفيلم مدته 113 دقيقة ـ والمتفرج يشعر بالاستياء من برودة ولا مبالاة واستسلام ديفيد  لما يدور حوله، وفجأة ينهض الجانب الوحشي في شخصيته والذي طالما قمعه. فيتصدى للرجال المهاجمين بعنف ووحشية لم يصدقها هو في نفسه. كان هناك الكثير من العنف والدم في الفيلم الذي جعله محل انتقاد