المحرر موضوع: القضية في شعر فوزي الأتروشي تحولات الشاعر عبر ثلاثة مستويات  (زيارة 1131 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أدب

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 308
    • مشاهدة الملف الشخصي

القضية في شعر فوزي الأتروشي
تحولات الشاعر عبر ثلاثة مستويات

عدي العبادي

ارتبط الأدب والفن بكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية على اساس ان الأدب والفن إنتاج فكري أنساني خالص فالأديب والفنان واحد من الناس يعيش معهم ويشاركهم في فرحم وحزنهم ويجري عليه ما يجري عليهم ويظهر لنا هذا من خلال المنتج الأدبي والفني والأديب والفنان يختلف عن غيره من الناس بطريقة التفكير والرؤية و الإحساس والمشاعر.
فهو كائن شفاف ذو حسية عالية ويعتبر صوت الناس والمعبر عن مشاعرهم فهو ينظر لكل شيء في محيطه بطريقة خاصة أو يحس بما حوله بخاصية ثم يترجمه الى عمل إبداعي ولهذا كثير من الإعمال الفنية والأدبية كانت عبارة عن أحاسيس او تعبير عن حالة مر بها المبدع او حدث مهم اثر في المجتمع فصوره الأديب على شكل عمل مثل لوحة الفنان الايطالي الشهير دافنشي العشاء الأخير صور فيها دافنشي الخيانة الدينية التي قام بها يهودا الذي كان احد حواريي المسيح لكنه خان و باع المسيح (ع) وهناك إعمال فنية وأدبية تحدث عن هموم الناس فظهرت مسرحيات وقصص وروايات ولوحات تتحدث عن كوارث و نكبات مرت بها البشرية بتاريخها الطويل كما ظهر ادب الحرب الذي تناول مجموعة من المعارك وكان للشعر حضورا مميزا على اعتبار انه اكثر من باقي الفنون التصاقا في المجتمع فقصيدة الشاعرة نازك الملائكة النهر العاشق تجسيد لحادثة غرق بغداد بفيضان دجلة الشهير الذي اغرق بغداد كلها عام 1954، وشعر بدر شاكر السياب ولوركا ومحمد الماغوط شعر يحمل الكثير من القضايا وهموم الناس والشعر الفلسطيني ذو نبرة جهادية ودعوة للمقاومة بسبب احتلال بلدهم وفي شعر فوزي الاتروشي تتضح القضية ليس من خلال نصوص فقط بل حتى من تفكيره فهو يقول في احد مقالاته الأدبية معرفا الشعر .. (الشعر ليس نظماً ولا هو مجرد كلام مقفى وموزون، وليس قصة مدائحية على باب الحاكم او شعاراً مناسباتياً سرعان ما ينطفئ لهيبه ليستحيل إلى رماد.انه في الأساس رغبة تمرد على السائد المألوف وأداة تحفيز نحو الأجمل والأنقى، وتأهيل للمتلقي لمقاومة القبح من حوله والطموح اللامتناهي للخير والحق والجمال في تعريف لوظيفة الشعر قاله اليونانيون منذ أقدم الأزمان. وهو شاعر يصادق ضميره الحي ومشاعره وأحاسيسه ولا يجامل خارجها اياً كان, ويكتب للالم والجراح الغائرة والمعاناة المستديمة للمواطن العراقي لا تشفياً ولا انتقاماً من جهة، او تقرباً من جهة أخرى, بل يكتب وبالأحرى ينزف على الورق لوقف أنين الجراح وإعادة الدموع الى المآقي املاًفي رسم بسمة وفتح كوّة أمل وإشعال شمعة فرح لنا جميعاً,,
مفاهيم جميلة
من هذه المفاهيم الجميلة التي طرحها الشاعر الاستاذ فوزي الاتروشي في مقاله .. عرفنا كيف انه يعتبر الشعر ثورة ولا يكون في خانة النظام العروضي القافية والوزن فقط بل هو اكبر من هذا كله و لم يعبر الاتروشي في كتابته فقط بل ترجم أفكاره على شكل نصوص شعرية جميلة تتسم بالشفافية
صباغون شحاذون
يتامى
في بطونهم غصة ندامى
يظلوا يتمنون أو تبني لهم وطنأ
يمنحهم كسرة خبز
وشيا من الحرية والسلامة
*****************
صباغون شحاذون
يفترشون ارصفة الشوارع
ينهمرون قبل المصلين
على مداخل الجوامع
لعلهم يتهأون بأيد
تبعد فأل الشر عنهم
وتنبؤهم بحسن طالع
صباغون ولدوا وعاشوا
على الطرقات
لم يتعلموا سوى
فن تلميع احذية الآخرين
برع الشاعر في التعبير عن الطبقة الكادحة الفقيرة واستطاع الحديث ليس عن همومهم فقط بل حتى أحلامهم التي يحلمون بها وهذا يدل على قدرته في التعبير وعلى شعوره اتجاه هذه الطبقة المسكينة التي يعد الحديث والدفاع عنها قضية سامية فهم طبقة بسيطة تعيش ظروف صعبة بسبب من سرق حقوقهم لا يجودون ما يسد جوعهم وقد أبدع الشاعر حين ربط بين حلمهم بالخبز والوطن أي المسكن والأمان ولكنه خلق مشاكسة شعرية جميلة حين رفع من سقف مطالبهم فبعد الخبز و الوطن يحلمون الفقراء بشيء من الحرية والسلامة ثم عرف أماكن تواجدهم واي مقصد يتجهون اليه وشرح في نصه جزء مهم من حياة الفقراء الذين يهرعون للجوامع في الصباح ليس للصلاة بل من اجل ان يتصدق عليهم المصلين ومفهوم الفقر كما جاء في الموسوعة المعرفية على أنه حالة من الحرمان المادي الذي يترجم بانخفاض استهلاك الغذاء، كما ونوعا، وتدني الوضع الصحي والمستوى التعليمي والوضع السكني، والحرمان من السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى، وفقدان الضمانات لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة وغيرها. وللحرمان المادي انعكاسات تتمثل بأوجه أخرى للفقر كعدم الشعور بالأمان ضعف القدرة على اتخاذ القرارات وممارسة حرية الاختيار ومواجهة الصدمات الخارجية والداخلية. وبمفهوم مبسط للفقر يعتبر الفرد أو الأسرة يعيش ضمن إطار الفقر إذا كان الدخل المتأتي له غير كافٍ للحصول على أدنى مستوى من الضروريات للمحافظة على نشاطات حياته وحيويتها. للفقر العديد من التعريفات تبعث من منطلقات إيديولوجية واقتصادية وثقافية, وهو بشكل عام لا يمثل ظاهرة في المجتمع بل يترجم خلال ما في تنظيم هذا المجتمع. والفقر ليس صفة بل هو حالة يمر بهاالفرد تبعا لمعايير محددة, وقد اختصر الشاعر فوزي الاتروشي كل هذه المفاهيم في نصه وحدد أهم النقاط التي يتمركز عليها معنى الفقر وما هي أحلام وطموحات الفقراء فكانت قراءة لحياتهم جيدة ومنطقية مقنعة في أسلوب شعري نثري وذو رسالة حقيقية وقد أخذت قضية الطبقة الفقيرة أخذت حيزا كبيرا في الأدب والشعر وظهر شعراء اختصوا في الكتابة عن الفقراء مثل الشاعر المصري الشعبي أحمد فؤاد نجم.. ذلك الشاعر الذي كان نجما لامعا في عالم الأدب الشعبي العربي، واحتل بعد ذلك مكان الصدارة في قلوب الفقراء ولكن يظل الباب مفتوحا في هذه القضية المهمة التي كتبت عنها الشاعر فوزي الاتروشي ولم تكن هذه المسألة الوحيدة بل كان يتنوع بطرحه حيث كتب عدت نصوص في السياسة وهو رجل سياسة كما هو شاعر يقول في احد نصوصه
وطني الذي أرهقته
البنادق والخناجر
تفتحت على جبينه اليوم
حقول وبيادر
وكلما قرأ المصلون سورة الأنفال
تذكروا المدائن
التي صارت مقابر
وطني اليوم محمل بنبض عاشق
وصلاة قديس
وصحوة ثائر
وطني دمرته الحرائق والخرائب
لكنه اقسم ان لا يهاجر
هرع الكثيرون الى البوابات
حاملين حقائبهم
لكنه وطير الخجل الذي بين اثوابه
بقى عالقأ بالأرض لا سافر
وطني الذي أثخنته
الجراح والحروب
وسدت عليه المنافذ والدروب
وصف الشاعر حالة وطنه العراق وما جرى عليه وكما هو معروف إن الشاعر وثيقة تاريخية لنقله للإحداث والتاريخ بطريقة فنية وقد عرفنا الكثير من تاريخ الأمم السابقة واهم الاحداث التي جرت في حقب زمنية من خلال شعرائهم وأدبائهم وليس الشعراء فقط بل حتى الروائيون الذين يؤرخون بكتابتهم إحداث ووقائع المعيشة كما نقل الروائي المصري نجيب محفوظ حياة الحواري المصرية في معظم رواياته وقد استطاع الاتروشي ان ينقل لنا صورة حية عن ما مر بهالعراق الذي عاش سنين طوال من الدمار والحروب والخراب والموت المجاني وحصار تسبب بهدم البنية التحتية ليس للبلد فقط بل حتى الإنسان العراقي ومع كل هذا بث الشاعر روح التحدي في وطنه والعزم حين قال انه لم يهزم وظل ثابتا في الأرض وهذه الضربة الشعرية اي التصاق الوطن في الأرض وجملة لم ويسافر تعد العمود الفقري للمادة الأدبية المطروحة واذا فككنا النص نجد عمق في الشرح حيث نكتسف من مطالعتنا صور عدة ضمن سياق واحد فقد اعتبر الشاعر وطنه يحمل نبض عاشق وهذه الرؤيا الشعرية تعود للذات الشاعرة في داخله وان هناك نظرة جمالية .
نساء بلادي حوامل
أرامل ثكالى
خبزهن اليومي دم الدموع
وفي عتمة الليل
ابتهال لله تعالى
اذا شكون ضرين لكي يكن
كما قال في قوانين الرجال
عبرة لمن اعتبر
يهبن الحياة نصفها ولكن
في ملذات الحياة ما لهن اثر
أسماؤهن في ملفات الشرطة تمحى
وتحت خيمة الزواج
يبقين ضميرأ مستتر
واذا متن لا تقم على
قبورهن شاهدة
فحتى القبور لا تحفظ
غير اسماء الذكر
بين يدي وحوش كاسرة
وان حلمت يخرج
الجنين من صلبهن
غوص عميق في المعنى ووصل للقضية وترجمتها بطريقة النص هذا ما فعله الشاعر فوزي الاتروشي في حديث عن نساء العراق الأرامل بسبب الحروب المتتالية والإرهاب الذي خطف زهرة شباب الوطن فكان الشاعر بالفعل صوت معبر بإحساس عال ولم يتحدث عنهن فقط بل طور الفكرة حتى يصل بنا إلى فضاء أوسع وان تغيبهن يظهر من قوله يبقين ضميرأ مستتر والدلالة في الوصف عن الظلم الذي يقع على ألمرأة الشرقية وبالخصوص المطلقات والأرامل . حمل نص الاتروشي مجموعة كبيرة من الأطروحات حول موضوع في غاية الأهمية والشعرية بارزه فيه بدقة الوصف حتى جعل المتلقي يعيش مع الصورة كاملة ومع ان الحديث عن الأرامل والمطلقات لكن القضية تأخذ جوانب أخرى حين جسد بمقولة قال فيه ان قوانين الرجال تعني تسلط رجال العائلة على أراملهم فكان بالفعل إحاطة كاملة من كل الجوانب ولم يستثني أي شيء
قتلوك وما عرفوا
ان الجرح المحفور بقلبك
يصبح منجم بارود ينفجر كالبركان
قتلوك وما عرفوا
ان الشهداء وان ماتوا
يبقى حيأ فيهم حلم الانسان
قتلوك وما عرفوا
ان الوطن المتوزع فيك
سيجعل لك مقبرة الاحزان
وبأن خرائطهم
ووجوههم المزروعة
ستصير
هباء منثورأ
وستدخل أرشيف النسيان
قتلوك وما عرفوا
ان الجسد المقتول جواز سفر
بأن جراح القلب ينابيع
وسماوات حبلى
تهب الدنيا حبأ ومطر
استهلال جيد في المطلع الذي يقول فيه قتلوك وما عرفوا يتضح منه حجم الشخصية التي قتلوها وثم تعريج على ما سيظهر من مميزات الشهيد فجسده جواز سفر الى الحرية التي يتمتع بها شعبه بفضل تضحيته والجرح المحفور في قلبه يصبح منجم بارود ينفجر كالبركان انه تحدي كبير يطرحه الشاعر معرفا من خلاله مدى أهمية التضحية من اجل الهدف النبيل الوطن وحرية الآخرين انها قضية كبيرة وتسويق لمشروع نضالي يقول الاتروشي في ختام نصه الذي كان مستهله قتلوك وما عرفوا
فقأ عينيك وما عرفوا
إن العين المفقوءة عند مجي الليل قمر
لتكن أنت المتقول
لتكن أنت المدفون بهذي الأرض
فهي البقعة من زمن
لم ينبت داخلها
للقمح حقول
حتى يقول الشاعر في نصه
حرام ان يبقى
عنق الوطن الغالي مغلول
اختمرت الفكرة كاملة في أذهاننا من خلال ثلاثة محاور الأول ان هناك شخص مهم قتلوه ولم يعرفوا حجمه الحقيقي والثاني تحول جسد الشهيد الى كوكب وعينه قمر إما المحور الثالث التضحية من اجل الوطن والقيم النبيلة مع ترسيخ للجمال الروحي للعمل النضالي وخلد بقصيدته الحدث مع جوانب إبداع كصفه لعنق الوطن المغلول والقيمة الفنية هنا ان الطواغيت عند الشاعر تمثل حبل المشنقة .. ان الذات الشاعرة عند كاتبنا متنوعة في الوصف إبراز الزوايا المظلمة مما يدل على شفافيته في الكتابة والوصول لأخر نقطة ممكنة في الموضوع مستخدما كل قدراته مع جودة اللغة يقول في نص ثاني حمل عنوان ( يا وطني )
يا حلم اليتامى والجياع
حلم من ماتوا وما لا قوا المطر
يا حلم أطفال تساءلوا وأوغلوا في السؤال
متى القمح
تحتج على وجه المغول والتتر
يا حلم من استشهدوا
وفي بطونهم رمل وحصو وحجر
ولون بارود الرصاصات التي
باسم السلام تشترى
وباسمه تباع حتى للذي به كفر
أي ضمير العالمي
بداية البحث
تتحول القضية في شعر الاتروشي الى جانب جديد ومهم وواسع النطاق ففي بداية البحث عن القضية في شعره وجدناه يتكلم عن الفقراء والشحاذين الطبقة المحرومة التي سلب حقها وكان يدافع بصدق عنها وجعلنا معهم بالصورة ثم وجدناه يتناول قضية وطنه وما يجري فيه من أزمات ونكبات ولكنه زرع الأمل واعتبر ان وطنه اكبر من كل التحديات وانه سينهض ويولد من جديد وفي محور تكلم عن الشهيد الذي عذب من اجل ان يعيش الناس اما الان كتب عن قضية اكبر اتساعا واهمية فهو ينفتح على كل العالم حين يروي عن الفقراء وعن الذين يموتون وفي بطونهم الرمل والحجارة بينما تعيش امم في الرفاهية والترف كما يصف قتلهم المجاني برصاصات بيعت تحت اسم السلام ان الاشتباك مع القضية والتعبير عنها عند الشاعر فوزي الاتروشي يأخذ إبعادا كثيرة فهو يحللها ويصوغها بطريقته الخاصة ويترجمها شعرا ذو أطروحات عدة على نسق واحد كما ان القضية عنده لا تحصر في مجال او خانة أي انه لا يتكلم عن بلاده او صديق بل يخوض في كل شيء وفي معاينة سريعة لقصيدته التي عنونها يا وطني لمسنا حجم الالم الذي ينطلق منه فهو يقول فيها
يا وطني بيادر القمح لأسراب الجراد
ووجهك البري حقل من الجراح
من حنين وداد
لون عينيك أراه قائمأ يعلن للذين نسميه الضمير العالمي
يوم حداد
يربط هنا بين وطنه وجراحه والصمت العالمي انها إشارة جميلة منه ان لون عيون الوطن يوم حداد على الضمير العالمي أنها ضربة شعرية وثورة داخلية اتجاه التخاذل كلنا نملك الإحساس ونعرف ما يجري ولكن لا نملك الموهبة التي تعطينا القدرة على الكتابة وإيصال ما نشعر به والسبب إننا لسنا شعراء.