المحرر موضوع: عذراً... تلك هي الشهادة الأمينة!!  (زيارة 1057 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 241
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عذراً... تلك هي الشهادة الأمينة!!
المونسنيور بيوس قاشا
   في البدء
دلائل عديدة تشير إلى الآتي إلينا، بعد داعش، والمجتمع الدولي، أمام ما    حصل وما يحصل، من المؤكد أنه يخطط لمرحلة ما بعد داعش. فبعد الربيع العربي المزيّف والداعش الإرهابي، ماذا سيحصل لنا؟، وما هو الخفي الذي لم
يُعلَن حتى اليوم، بل حتى الساعة؟، وماذا بعد تهجير المسيحيين والمكونات الإيزيدية والشبكية وأخرى؟، ماذا بعد سلب ونهب بيوتنا، ومساكننا وأمتعتنا،  وطردنا من مساكن قضينا فيها مسيرة أيامنا، وفيها زرعنا أمل أجيالنا وأملنا، وكان جيراننا أول الفائزين بالحواسمية ، وأقرباء إنسانيتنا، ومَن كان يدّعي يوماً، أنهم حماتنا بعروبتهم الأصولية أو بأخرى، لأنهم أول جار، وأصبحنا أمام مستقبل مجهول كُتب لنا، فكنا حروفه وعلينا تطبيقه... إنه شريعة، وأية شريعة، إرهابية بالحق والحقيقة، بالكلمة والواقع، وهذا سرد قليل من حيوانية الإرهاب، وشريعة الغاب، وأمطار الربيع العربي المزيفة.

  شهود وأصلاء
نعم، نحن مسيحيين ولكننا لسنا مسيحيين من أجل ذواتنا بل من أجل العالم، فالنور ليس نوراً لذاته كما لم يكن المسيح لذاته. لقد كان واضحاً في كلامه "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم وعلّموهم" (متى 19:28) فأنتم شهود لي، شهود الحق وليس الخضوع والخنوع أمام قياصرة المال وبائعي الملكوت من أجل التكفير في ولاية، وإمارة مليئة  بشهوة القتل والانتقام، شهود للملكوت،  وليس لكلمات خاوية ولملوك مزيفين، شهود حتى الشهادة... هذا هو دورنا، فلماذا نخاف ساعة الموت، ولكن أو ليس من أجل تلك الساعة، ساعة الحقيقة مدعوون!، نعم ساعة المحبة والحقيقة ما هي إلا ساعة الموت ، بل ساعة الخلاص ، ومن اجلها جاء ربنا (يو27:12)  ولِمَ التعجب، ألم يلبس إلهنا ضعفنا وحمل الصليب ؟، ألم يتجلى في هشاشة سر الغفران؟.
نعم، قلتها وقالوها وكتبها التاريخ ، ويدركها الأعداء قبل آل البيت إنّ المسيحيين أصلاء، نعم أصلاء ونسيج في الأصالة، ولا يجب أن يُنظَر إليهم بقصر النظر بل بحقيقة وأصالة الوطن والمواطن، فهم شركاء لخيرات الوطن ومع جميع أبنائه، والحقيقة إنهم ليسوا أقليات ولا يجوز معاملتهم بهذه النعرة البائسة كما ليسوا من الجاليات أو طوائف فهم لم يأتوا استيراداً عاماً أو خاصاً بل هم في ضمير الوطن وحقيقة الشعب، فلا يجوز الاعتداء عليهم أو طردهم وتكفيرهم، كما لا يجوز تسفيرهم وتهجيرهم وترحيلهم بل أن يكونوا وحدة واحدة، وبحرية القانون والأصالة أن يمارسوا إيمانهم لإنجيلهم وعباداتهم لمسيحيتهم. فالإيمان عقيدة يختارها الإنسان بهبة الحرية، إنها هبة من رب السماء وليس فضلاً أو مكرمةً من حكّام هذا الزمن البائس أو كبار الدنيا الزائلين وبتسلسل عناوينهم أو رؤساء المنابر وبأعدادهم الرقمية والمسؤولية.


   حالنا وزمننا...
حالنا يزداد سوءاً، وزمننا زمن الأزمات والهزيمة والفساد، ليس هزيمة الموصل وسهل نينوى، وليس فساد السرقة وما شاكلها فحسب بل هزيمة الأخلاق والصدق والحقيقة والثقافة والتاريخ والشجاعة، وفساد المصلحية والطائفية وعقودها وتبرئتها وأوراق المحسوبية وأسطر الكبرياء والأنانية لقتل الأبرياء وهم في دورهم ساكنين، وفي حالهم سالكين، وفي طريقهم سائرين، ولشهادتهم حاملين، ولقيم إنسانيتهم مبجّلين، ولكن صراع الحقيقة سيبقى شامخاً مهما اخترع الأشرار ما يسيئ إلى الآخرين وعقيدتهم ومسيرة إيمانهم وغيرة رسالتهم ووفاء عطائهم،من كسر الصلبان وتزييف الصور ونشرها وهدم الكنائس،  فبين الهزيمة والحقيقة صراع وأي صراع، صراع طائفي ومصالح تتآمر بعضها ضد بعض من أجل تسجيل الفساد آيةً، والكذب حقيقةً، ومن الزور شهادةَ حسنِ سيرةٍ وسلوكٍ، بمساحة عباءاتهم، وعلوّ أياديهم، يسيرون في أسواق المدينة ويتربّعون في ساحاتها ليعلنوا الزيف والكذب والمحسوبية والطائفية حقيقة للتجارة البخسة لتدمير الآخرين الأبرياء والمختلفين وهذا ما أوصلنا إلى حال لا نُحسَد عليه بل كله سوءاً، ويأتي السؤال: هل نبقى نطمطم على حقيقة مزيفة؟، وهل مَن يسأل ومَن يجيب؟، وهل سنشهد يوماً لأولئك المزورين والكذابين والفاسدين والمزيفين في أقفاص الاتهام وتُعلَن الحقيقة من على منارات الزمن، في الجوامع والمساجد ودور العبادة، عبر البلاد وعبر البحار والمحيطات والأوطان؟، أم أن كبير الدنيا _ وإنْ كان فاسداً _ يبقى صنماً معبوداً ومبجَّلاً وله يجب الانحناء، ولسلطته الخضوع والخنوع، وله يُنشَد "بالروح بالدم نفديك يا بيه"... فبئس الحال وبئس الزمان حيث الفاسدون يتسابقون في نهب حسابات الوطن في وضح النهار، باسم فقراء الدنيا،  وبائسي الحالة،  ومهجري الحروب، إنهم من المفلسين، والرب يسوع قال:"تعرفون الحق والحق يحرركم" ( يو32:8)، وهو الذي قال للخادم الذي لطمه أمام منبر قيافا:"لماذا تضربني، ألأني قلتُ الحقيقة؟" (يو22:18). فحقيقتنا إننا اصلاء الوطن وأبرياء المسيرة في عيش الإيمان بوفاء وحمل الرسالة بوداعة كي نكون أمناء... ليس إلا!.

   انتماؤنا وإيماننا
إن انتماءنا الديني انتماء إلى إيماننا بالمسيح ومسيرة تراثنا وحقيقة تأريخنا انتماء إلى عقائد عرفناها خلاصية لمسيرتنا ضد الخطيئة وشرائع مُنحت لنا من أمّنا الكنيسة انطلاقاً من حقيقة إنجيلنا، في عبادات ووصايا أُعطيت لنا عوناً كي يُكتب لنا الخلاص، بقيم وفضائل وأخلاق لجمال أجسادنا وحقيقة أفكارنا وبراءة أرواحنا، وهذا كله يتجسد في الإنسان الحامل أيضاً لحقيقة المحبة والسلام واحترام الآخر المخالف، لأن إيماننا يعلمنا أن إلهنا لا يحتاج إلى مَن يخدمه بل إلى مَن " يخدم الإنسان أخاه الإنسان" (متى28:20) ، وفي هذا كله بل في هذا فقط يكون قد خدم الله خير خدمة، وفي ذلك تكون الألفة هي أساس الانتماء في التعاون مع الشريك الآخر من أبناء الوطن الواحد وعلى قاعدة المساواة والاحترام المتبادل، ولكن المخيف حينما يصبح الانتماء الديني مكوناً أساسياً في الوطن فقد يصيبه الخلل آجلاً أم عاجلاً.


   خطابات وبيانات
ألا يكفي ما نسمعه من خطابات وبيانات وأحاديث عبر الهواء، فلا آذان صاغية ولا عيون رائية أمام صور كبار الدنيا والزمن. فاستعراض الضحكات والبسمات أمام الكاميرات ينقل لنا أخباراً مزيفة، وإن القرارات قد أينعت وأثمرت وحان قطافها، والحقيقة هي غير ذلك، فالحال لا زال في شرقنا مأسوياً ولا زلنا متألمين، وكلنا نفتش عن ملاذٍ آمن وعن بلدٍ يأوينا وعن قانون يحمينا، فقد اتُّهمنا بالكفر والتكفير، بعبادة الأصنام وتابعي النصرانية وعدم التوحيد، ليحلّلوا قتلنا، ويخلو شرقنا منا، فالشرق للعرب والإسلام والغرب للمسيحيين النصارى والكفار... إنه الإرهاب في حقيقته والإهانة بكبريائها، إنه فساد يضاف إلى فساد المال ألا وهو فساد في القيم والأخلاق، إنها الإهانة بضميرها وتهمة بعمق كنايتها، وأمام هذا كله نتساءل: هل نحن أبرياء من دماء أبنائنا؟، هل غسلنا أيدينا كما فعل بيلاطس؟ (متى 24:27)... أم ماذا!.
   
   مصالح وسلطة
من المؤسف أن تكون مصالح السلطة والاستعباد والبترول أهم من مصلحة الإنسان، كما من المؤسف أن يكون البترول العربي والإسلامي أغلى من الإنسان المسيحي أو المسلم المنفتح أو المكون الآخر، فخيرات بلادنا في خدمة إنساننا يجب أن تكون، وليس لمصلحة المحتل... وهذا ما يجب أن يكون. والعكس هو الإسلام العربي والأصولي والذي ينادي بثقافة وكراهية الآخر ونبذه فتكون خيرات البلاد لهم وليس لغيرهم لأنهم كفّار الدنيا. فعملية إدانة قتل المسيحيين والمكونات واضطهادهم عملية ضد الله وضد الإنسان وضد أديان السلام، فنحن اليوم لسنا بحاجة إلى فتاوى تكبر في نفوسنا وتخيفنا حتى من ظلّنا، فالأصولية لا زالت مسؤولة عن تعميم ثقافة البغض بين العديد من المذاهب الإسلامية والديانات الأخرى في غاية منهم لقتل الآخر البرئ، وهذا ما جعل الانقسامات والخلافات الدينية ما بين المسلمين أنفسهم تأخذ مسارها بين أبناء المنطقة إضافة إلى الخطاب الديني المتشدد الذي بدأ يأخذ مساحة أكبر من استحقاقه، كما تكاثرت الحركات الشاهدة والمؤيدة للعنف من أجل تحقيق أهدافها. إنهم يكفرون الأفراد والمجتمعات تتبنى الإرهاب سبيلاً وحيداً للوصول إلى ما يصبون إليه، فتخاف الصلبان وتكسرها، وتهدم الكنائس وتقتل المصلّين فيها، تسرق وتستولي على أموال المؤمنين كحالة كتبها الشرع وقرروها بالسيوف وقطع الأعناق ولم يبقَ شيء إلا أن يقال للخالق (سبحانه وتعالى، عذراً وسماحةً) "عليك أن لا تخلق مَن هم كفرة ونصارى ومشركين"... ليس إلا!.

  مصيره ومصيرنا
سبق ربّنا وأعلمنا أن مصيرنا لن يكون أفضل من مصيره "سيخرجونكم من المجامع وستأتي ساعة يظن فيها كل مَن يقتلكم أنه يقرّب قرباناً لله" (يو 2:16)، وهذا ما تحقق في المسيح، وهاهو يتجسد في مسيرة حياتنا، إنها حقيقة شهد لها المسيح ليعلّمنا أن نشهد بدورنا للحقيقة ولا نخفي في أعماقنا وما يجعلنا أن ندمّر ونقطع مسيرة الأبرياء أو نشكّ بمسيرتهم غيرةً وحسداً وكبرياءً ، وهم أمام ربهم يرزَقون. فالمسيح حَمَلُ الحقيقة، والحقيقة اليوم حَمَلُ الإيمان، والإيمان قاعدة مسيحيتنا، ولنا الثقة أن المسيح فادينا. مهما كانت الحقيقة مزيفة في أفكار الطائفيين والمَصلحين في المحسوبية والمنصوبية والكُرسَوية، فالمسيح يبقى اللاهوت الناصع في القيامة المجيدة، وهكذا أبطال الإيمان يموتون وهم يشهدون ضد الحقيقة المزيفة التي يتغنى بها المتربعون على سلطان الزمان ولكن ليس ذلك نهاية المسيرة، فالمسيرة الحقيقية للابطال هي الشهادة لقيامتهم على مثال قائد المئة الذي أعلن "بالحقيقة كان هذا ابن الله" (مر39:15). فالقيامة آتية لا ريب فيها، وقول الحقيقة ، كما يقول المهاتما غاندي ، في وجه الاقوياء ، أمر لابدّ منه وقد أتت الساعة، فاليوم نحياها عبر آلامنا وشهادتنا لحقيقتها أمام قيافا الدنيا (يو22:18) وحنّان الزمن (يو24:18) وبيلاطس الفاسد ، وهيرودس المراوغ... إنهم ثعالب... ليس إلا!.

  حبنا وسلاحنا
سلاح الحب هو ينير هويتنا، نعم اخترنا هويتنا ونتألم كما تألم تائهاً وأن نُذبَح كما ذُبح وأن نُصلَب ونموت كما صُلب هو فنستحق حينها أن ندعى مسيحيين ليس حروفاً على ورق بل شهادة للهوية. فالهوية ليست شهادة نحملها بل نحملها من الغائب إلى الحاضر، من المسيح الذي اعتمذنا باسمه إلى مسيرة حياتنا التي نحياها في أعمارنا، وإذا صعدنا إلى السماء وجدناه وحتى إلى الجحيم فهو هناك. نعم، لقد دخل المسيح جحيم بشرنا فأنار ظلمته وحسب التلميذ أن يكون مثل معلّمه (متى 25:10)، فعواصف الشتاء لا يقبلها إلا الغفران وربيع الحريات لا يدخله إلا الأحرار والأحرار هم الذين يشهدون للحقيقة وليس لمصلحة الطائفية والمحسوبية والمعرفية وإنْ كانوا أقوياء بظهرانيهم، فالظلم اليوم يغطي سماء وجودنا ولا زلنا نتنفس وننام في حين يذهب المعلّم ليصلّي فقد قال لتلاميذه:"أمكثوا ههنا" (متى 38:26)، وبين هنا وهناك يجب أن نصير حيث سجد المسيح ونصب لنا صليبه جسراً تعبر المحبة فوق وادي الموت الذي ابتلعنا بعولمة فاسدة، فالبابا بندكتس السادس عشر قال:"أترك الصليب لأعانق المصلوب"... هذا هو سبيل الحقيقة في عالم الدنيا المزيف، فالمأساة يومية وعلينا أن نعيد قراءة هذه المأساة بمقياس مسيرتنا، فلا يجوز أن نحب مصالحنا كي ندفنَ أبرياء الإيمان، ونفضّل أفكارنا من أجل مصالح مزيّفة، كي يقال عنا ما هو في الكذب والنفاق ، هو الحقيقة ، بئس مثل هذه الشهادة ،إنها إرهاب الثرثرة كما يقول البابا فرنسيس ( سانت مرتا 23 اذار 2015) ، بل علينا ان نشهد وبصوت السماء ، ما أجمل حقيقة الحياة ، كما علينا أن نحلّ محلّ القيرواني في حمل ثقل الصليب، ولنعلم جيداً أن كنائسنا لا تُعرَف بصلبانها بل بحياة سيدها في مؤمنيها، بمصلوبها، فالصليب بحمله يرسم لنا لوحة الفداء والمصلوب بموته يُتِمُّ لنا مخطط الله الآب في سر التجسد والفداء،  فلنكن صوت الحقيقة في زمن الهزيمة والفساد، تلك هي الشهادة الأمينة ، نعم وآمين.