المحرر موضوع: قراءة في المشهد الشعري الكردي – نصوص- عدي العبادي  (زيارة 1385 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أدب

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 308
    • مشاهدة الملف الشخصي

قراءة في المشهد الشعري الكردي – نصوص- عدي العبادي

تختلف الرؤى من شاعر لشاعر، كما تختلف الايدولوجيات والمفاهيم والأفكار والقناعات من شخص لآخر، وقد تجد شاعرين من نفس الجيل ولهما نفس التجربة، ولكن لكل واحد منهما نظرة خاصة بالحياة والحب، بل حتى بالوطن نفسه، وهذا لا يعود للذات الشاعرة التي يملكها المبدع، بل حسب ما يصل له من قناعات شخصية، فبشار والمعري شاعران من نفس العصر، وكانا أعميين، لكن بشارا كان متفائلا، إما أبا العلاء المعري فمتشائم وكئيب ونجد أن للشعراء الكرد وجهات نظر تختلف، فكل مبدع منهم يترجم الحياة والحب حسب نظرة شخصية خاصة به قد لا تنتمي بجذورها لتجربة غيره من الشعراء، فالشاعرة لازو تجد ان الموت قريب والسماء قريبة ولكنها لا تجد حبيبها الوطن والذي تشير إليه بطريقة الترميز حين تقول في أحد نصوصها
لماذا الموت قريب؟
لماذا السماء قريبة؟
لماذا أنت بعيد؟
جُرحنا ولمع دمنا
ذبُل عشقنا وارتدينا السواد
تشردنا في المساءات
وكنا نردد معاً:
الوطن لهم.. والوطن لهم
ليس بالضرورة أن نعيش تجربة الشاعرة كي نشعر بروعة ما كتبت أو نشاركها همومها، كل ما يعنينا كمتلقين هو ما يطرح الصورة الإبداعية التي يحملها كل النص، فالمبدع وحده يتفرد بحسن الوصف وسعة الخيال، ومع ان لازو وصفت حزنها بدقة وجمالية وهي تعبر عن وطنها وما جرى فيه من نكبات أعطت دلالات عدة على مرحلة زمنية مر بها العراق، وستظل هذه الصورة الشعرية خالدة، وقد وثّق الكثير من الشعراء العرب والكرد الزمن المظلم الذي مر به العراق بسبب حكم الطاغية الذي خرب البلاد كلها، والشعر حاله حال كل الفنون التي يعبر بها المبدع عما في دواخله أو ما يحيط به، ولكن كما قلت فقد تختلف الرؤى، فلو أخذنا تجربة لشاعرة كردية ثانية وهي زاوين شالي، وهي من نفس جيل الشاعرة، أي الثمانينيات، ومن نفس بلدتها السليمانية سنجد اختلافاً شاسعاً بالطرح مع ان الشاعرتين ذات تجربة متقاربة ولكن كل شاعرة تكلمت بشكل مختلف وأعطت مفهوماً مغايراً.
تقول الشاعرة زاوين شالي:
أشك في بياض الثلج
رقة الماء
زرقة الموج
والرسائل البيض للرياح
أعلم.. سيأتي يوم
يصبح فيه اليمين يسارا
واليسار يميناً
الأبيض أسود.. العلو إنخفاضا
سيأتي يوم أيها الحبيب
تنعكس فيه الأشياء جميعها
سيصبح البكاء ضحكا.. الضحك بكاء
أنت ستصبح «أنا»
سأعود «أنا» لذاتي
ليس هناك تعريف محدد أو متفق عليه للجمال أو كيفية تعريفه، فلكل مبدع إحساس يتفرد به عن غيره، فالشاعرة زاوين شالي تختلف مع الشاعرة لازوفي تصوير الحياة والمستقبل، وتعتقد إن الأيام القادمة ستكون أجمل مما فات وأن هناك املاً وتغييراً سيحدث وقد برعت في الوصف بطريقة حداثوية معتمدة على الضربة الشعرية وبين حزن لازو وسعادة وأمل زاوين شالي نتناول تجربة ثالثة للشاعر الكردي ئاوات حسن أمين الذي يعبر عن مفهومه للحياة في أحد نصوصه الجميلة يقول فيه:
العصافير أسراره …
لا أعرف لم لا يفهمونني
الشوارع تنصت إلي
الأشجار تمسح دموعي
العصافير تصون أسراري
ولكن الأقربين مني , هنا ..
لا يفهمونني !
يعتقد الشاعر آوات حسن أمين أن ليس هناك صعوبة في الحياة أو التعامل معها ولكن المشكلة أن الحياة نفسها لم تفهمه وهذا كبرياء الشعراء الذي يجعلهم يعتقدون أن الحياة هي فهم واحترام أطروحاتهم وقد حمل نص الشاعر الكثير من الصور مع الحفاظ على وحدة البنية الداخلية، والشعر الكردي مثل الشعر الأوربي يعتمد على الصورة، عكس الشعر العربي الذي يكون فيه جانب من السرد، كما ان الشعر الكردي اشبه بقصيدة النثر وقصيدة النثر كما تقول سوزان برنار أنَّ قصيدة النثر هي: (قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور… خلق حرّاً) وقصيدة الشاعر آوات حسن أمين من جنس النثر تحمل الكثير من المشاكسة، فهو يقول: (الشوارع تنصت إلي) وهذه الدلالة السيميائية فالشوارع عند آوات حسن تملك صفة الإصغاء وتجيد الاستماع والأشجار تمسح دموعه وهذه الدلالة السيميائية الثانية فالأشجار خرجت من حيز كينونتها كنبات لتواسي الشاعر، ويعود سبب توظيف الشاعر للشجر انه يعيش في مدينة كلها أشجار، أما الشوارع فالمدلول السيميائي هو ان آوات حسن أمين تربطه علاقة روحية بالطرقات، فالسيميائية التداولية بتصورها الشمولي والدينامي للعلامة، لما ينتجه المبدع. ان الشعر عبارة عن إرهاصات، اما داخلية يعيشها الشاعر او خارجية، وتحيط بعالمه الخارجي يترجمها على شكل نثر فالشاعر الكردي شيركو بيكه س لا يتحدث عن نفسه بل عن الذين من حوله ويصف ألمهم في واحدة من روائعه حيث يقول:
أنا لا أقْدُرُ أنْ
أُكلّم أحزانكُم ْ
هَمْسا ً …
فَدوي ّ ُ وأنينُ الدّور ِ والزّمان ْ
قد أثقلا أسماعَكُمْ
تــُرى …
كيف تًسْمَعُونَني ؟ !
إذا أنا
لم أصْرُخْ مِلْ ءَ فَمي
يحاول الشاعر شيركو بيكه س خلق ثورة وهو يتحاور مع مجموعة يخاطبهم ويشير إليهم ويطلب منهم الحرية بالصراخ وهذا التعبير والترميز يعني الحرية التي طالما طالب بها الشعب الكردي الذي تحمل الكثير من الظلم والاضطهاد على مر عصوره ولم يحدد الشاعر من هم الذين خاطبهم كي يخلق عند المتلقي تساؤلات وتكون هناك علاقة مفتوحة بين النص والمتلقي الذي ينتهي اليهالخطاب الشعري، كل مشروع شعري او غير شعري، كالقصة والرواية والرسم فكل الفنون يشتغل فيه المبدع على منظومة الذائقة العامة التي تكون له الحكم ولهذا يقال ان المتلقي مبدع حين يختار ما يقرأ اما الناقد فتكون مهمته ترجمة المطروح وتبييناً لجوانب الجمال والضعف، يقول رائد الحداثة في مصر الدكتور والناقد الكبير جابر عصفور ان الناقد حين يكتب عن عمل فهو يخلق لنا عملاً ثانياً أي يكون عملاً مستقلاً في ذاته. وكما قلت ان الشاعر قد يتحدث عن نفسه او عن واقعه الخارجي الذي يحيط به ونحن كل ما يعنينا الجوانب الإبداعية فكما تحدث الشاعر الكردي شيركو بيكه س عن الآخرين وطلب منهم البوح بحزنهم تتحدث الشاعرة الكردية شرين ك عن نفسها وتخاطب حبيباً أو شخصاً ما ابتكرته من بنات أفكارها وجعلته بطل نصها حين تقول:
ها هو ذا المشهدُ
لختامه يميل
لم يتبق إلا بضعة سجال
ُفتات كلمات
نُتف إبتسامات
غداً ترحل
أم أرحل أنا
وما الفرق؟
سأغدو بذاكرتك شبحاً
طيف خيالك
ثم أسطورة ماضيك
لكني
لست من ماضيك راحلة
سأمكث تحت قبتها الهنية
لتسمع صوتي
همسي
يلومك أبداً
أنت لم تحبني بما يكفي!
ان جمالية نص الشاعرة شيرين ك تكمن بدقة الوصف وروعة المباشرة، فالمباشرة تنقسم لقسمين، إما واضحة تكون أشبه بالخواطر أو غير مباشرة.. الضربة الفنية التي لا يستطيع ان يكتبها غير المبدع الذي يتميز عن الإنسان العادي، ومباشرة الضربة التي اشتغلت عليها شرين ك هي الواقعية السحرية التي كتبها كتاب الرواية، وقد عرف هذا الفن في الخمسينيات واشتهرت بهأمريكا اللاتينية، وهذا الفن الراقي يتحدث عن الواقع بطريقة سحرية، أي يخلق لغة ثانية، وهناك لون من الحزن والشجن في النص وحديث عن الرحيل مع وجود دلالة لغوية..ان الشعر الكردي يعتمد على الصورة، وأغلب ما وصل لنا من الأدب الكردي القديم هو الشعر وأغلبه وجداني او يحمل هموم الأكراد، وهذه الشفافية سببها الظلم الذي عاشه الأكراد ومع ان الشاعرة شرين ك تحدثت عن نفسها وما تعانيه من ألم وغيره يطل علينا الشاعر الكردي مؤيد الطيب بنص يتحدث فيه عن الحاكم الطاغية الذي يحكم شعبه بالنار والحديد يقول فيه:
تهيجت كلاب السلطان المسعورة
يسكبون الدماء في الأزقة
قالوا:
العجائز الشمطاوات
تنخرن جسدك
وترعشن اوصالك
قالوا:
مهما أظلمت ليلة السلطان
فنارك ستظل نيرة,
ولن تفر مشاعلك وقناديلك
قالوا:
غدوت مدينة كبيرة
لكني !مهما عبرت الشهور والسنين
وكبرت…
وظل الشعر الصوت العالي المسموع، وقد كان للشعر الفضل الكبير في معرفة التاريخ القديم فكان الشعراء لا يتركون شاردة او واردة، وأول ما وصلنا من التاريخ القديم هو شعر مثل ملحمة كلكامش الشهيرة وهي قصيدة موزونة، ومن خلال ما طرح عرفنا أن مؤيد الطيب يتكلم عن الحاكم وكلابه وقد رمز للقتل والتشرد والشاعر في كل نظام يكون حالة خاصة متفردة فهو صوت الشعب وينقل همومهم وأكثر الشعراء يكرهون السلطة والســــــلطان وقد استطاع مؤيد الطيب ان يرسم لنا فكرة انطـــــــباعية عن واقع تعيشه كثير من الأمم، واختزل الطيب الكثير بكلام من خلال الانزياح الذي رسمه، وهذا الانزياح يجعل النص مفتوحاً أكثر عــــــــند الذائقة العامة وقد عرفنا من كل ما طـــــرح مدى الاختلاف بين النظرة والمفهوم عند الشعــراء الكرد ولكن في النهاية نقول إن كل ما طرح كان جميلاً وإبداعاً حقيقياً خلقه نخبة من المبدعين.
تختلف الرؤى من شاعر لشاعر، كما تختلف الايدولوجيات والمفاهيم والأفكار والقناعات من شخص لآخر، وقد تجد شاعرين من نفس الجيل ولهما نفس التجربة، ولكن لكل واحد منهما نظرة خاصة بالحياة والحب، بل حتى بالوطن نفسه، وهذا لا يعود للذات الشاعرة التي يملكها المبدع، بل حسب ما يصل له من قناعات شخصية، فبشار والمعري شاعران من نفس العصر، وكانا أعميين، لكن بشارا كان متفائلا، إما أبا العلاء المعري فمتشائم وكئيب ونجد أن للشعراء الكرد وجهات نظر تختلف، فكل مبدع منهم يترجم الحياة والحب حسب نظرة شخصية خاصة به قد لا تنتمي بجذورها لتجربة غيره من الشعراء، فالشاعرة لازو تجد ان الموت قريب والسماء قريبة ولكنها لا تجد حبيبها الوطن والذي تشير إليه بطريقة الترميز حين تقول في أحد نصوصها
لماذا الموت قريب؟
لماذا السماء قريبة؟
لماذا أنت بعيد؟
جُرحنا ولمع دمنا
ذبُل عشقنا وارتدينا السواد
تشردنا في المساءات
وكنا نردد معاً:
الوطن لهم.. والوطن لهم
ليس بالضرورة أن نعيش تجربة الشاعرة كي نشعر بروعة ما كتبت أو نشاركها همومها، كل ما يعنينا كمتلقين هو ما يطرح الصورة الإبداعية التي يحملها كل النص، فالمبدع وحده يتفرد بحسن الوصف وسعة الخيال، ومع ان لازو وصفت حزنها بدقة وجمالية وهي تعبر عن وطنها وما جرى فيه من نكبات أعطت دلالات عدة على مرحلة زمنية مر بها العراق، وستظل هذه الصورة الشعرية خالدة، وقد وثّق الكثير من الشعراء العرب والكرد الزمن المظلم الذي مر به العراق بسبب حكم الطاغية الذي خرب البلاد كلها، والشعر حاله حال كل الفنون التي يعبر بها المبدع عما في دواخله أو ما يحيط به، ولكن كما قلت فقد تختلف الرؤى، فلو أخذنا تجربة لشاعرة كردية ثانية وهي زاوين شالي، وهي من نفس جيل الشاعرة، أي الثمانينيات، ومن نفس بلدتها السليمانية سنجد اختلافاً شاسعاً بالطرح مع ان الشاعرتين ذات تجربة متقاربة ولكن كل شاعرة تكلمت بشكل مختلف وأعطت مفهوماً مغايراً.
تقول الشاعرة زاوين شالي:
أشك في بياض الثلج
رقة الماء
زرقة الموج
والرسائل البيض للرياح
أعلم.. سيأتي يوم
يصبح فيه اليمين يسارا
واليسار يميناً
الأبيض أسود.. العلو إنخفاضا
سيأتي يوم أيها الحبيب
تنعكس فيه الأشياء جميعها
سيصبح البكاء ضحكا.. الضحك بكاء
أنت ستصبح «أنا»
سأعود «أنا» لذاتي
ليس هناك تعريف محدد أو متفق عليه للجمال أو كيفية تعريفه، فلكل مبدع إحساس يتفرد به عن غيره، فالشاعرة زاوين شالي تختلف مع الشاعرة لازوفي تصوير الحياة والمستقبل، وتعتقد إن الأيام القادمة ستكون أجمل مما فات وأن هناك املاً وتغييراً سيحدث وقد برعت في الوصف بطريقة حداثوية معتمدة على الضربة الشعرية وبين حزن لازو وسعادة وأمل زاوين شالي نتناول تجربة ثالثة للشاعر الكردي ئاوات حسن أمين الذي يعبر عن مفهومه للحياة في أحد نصوصه الجميلة يقول فيه:
العصافير أسراره …
لا أعرف لم لا يفهمونني
الشوارع تنصت إلي
الأشجار تمسح دموعي
العصافير تصون أسراري
ولكن الأقربين مني , هنا ..
لا يفهمونني !
يعتقد الشاعر آوات حسن أمين أن ليس هناك صعوبة في الحياة أو التعامل معها ولكن المشكلة أن الحياة نفسها لم تفهمه وهذا كبرياء الشعراء الذي يجعلهم يعتقدون أن الحياة هي فهم واحترام أطروحاتهم وقد حمل نص الشاعر الكثير من الصور مع الحفاظ على وحدة البنية الداخلية، والشعر الكردي مثل الشعر الأوربي يعتمد على الصورة، عكس الشعر العربي الذي يكون فيه جانب من السرد، كما ان الشعر الكردي اشبه بقصيدة النثر وقصيدة النثر كما تقول سوزان برنار أنَّ قصيدة النثر هي: (قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور… خلق حرّاً) وقصيدة الشاعر آوات حسن أمين من جنس النثر تحمل الكثير من المشاكسة، فهو يقول: (الشوارع تنصت إلي) وهذه الدلالة السيميائية فالشوارع عند آوات حسن تملك صفة الإصغاء وتجيد الاستماع والأشجار تمسح دموعه وهذه الدلالة السيميائية الثانية فالأشجار خرجت من حيز كينونتها كنبات لتواسي الشاعر، ويعود سبب توظيف الشاعر للشجر انه يعيش في مدينة كلها أشجار، أما الشوارع فالمدلول السيميائي هو ان آوات حسن أمين تربطه علاقة روحية بالطرقات، فالسيميائية التداولية بتصورها الشمولي والدينامي للعلامة، لما ينتجه المبدع. ان الشعر عبارة عن إرهاصات، اما داخلية يعيشها الشاعر او خارجية، وتحيط بعالمه الخارجي يترجمها على شكل نثر فالشاعر الكردي شيركو بيكه س لا يتحدث عن نفسه بل عن الذين من حوله ويصف ألمهم في واحدة من روائعه حيث يقول:
أنا لا أقْدُرُ أنْ
أُكلّم أحزانكُم ْ
هَمْسا ً …
فَدوي ّ ُ وأنينُ الدّور ِ والزّمان ْ
قد أثقلا أسماعَكُمْ
تــُرى …
كيف تًسْمَعُونَني ؟ !
إذا أنا
لم أصْرُخْ مِلْ ءَ فَمي
يحاول الشاعر شيركو بيكه س خلق ثورة وهو يتحاور مع مجموعة يخاطبهم ويشير إليهم ويطلب منهم الحرية بالصراخ وهذا التعبير والترميز يعني الحرية التي طالما طالب بها الشعب الكردي الذي تحمل الكثير من الظلم والاضطهاد على مر عصوره ولم يحدد الشاعر من هم الذين خاطبهم كي يخلق عند المتلقي تساؤلات وتكون هناك علاقة مفتوحة بين النص والمتلقي الذي ينتهي اليهالخطاب الشعري، كل مشروع شعري او غير شعري، كالقصة والرواية والرسم فكل الفنون يشتغل فيه المبدع على منظومة الذائقة العامة التي تكون له الحكم ولهذا يقال ان المتلقي مبدع حين يختار ما يقرأ اما الناقد فتكون مهمته ترجمة المطروح وتبييناً لجوانب الجمال والضعف، يقول رائد الحداثة في مصر الدكتور والناقد الكبير جابر عصفور ان الناقد حين يكتب عن عمل فهو يخلق لنا عملاً ثانياً أي يكون عملاً مستقلاً في ذاته. وكما قلت ان الشاعر قد يتحدث عن نفسه او عن واقعه الخارجي الذي يحيط به ونحن كل ما يعنينا الجوانب الإبداعية فكما تحدث الشاعر الكردي شيركو بيكه س عن الآخرين وطلب منهم البوح بحزنهم تتحدث الشاعرة الكردية شرين ك عن نفسها وتخاطب حبيباً أو شخصاً ما ابتكرته من بنات أفكارها وجعلته بطل نصها حين تقول:
ها هو ذا المشهدُ
لختامه يميل
لم يتبق إلا بضعة سجال
ُفتات كلمات
نُتف إبتسامات
غداً ترحل
أم أرحل أنا
وما الفرق؟
سأغدو بذاكرتك شبحاً
طيف خيالك
ثم أسطورة ماضيك
لكني
لست من ماضيك راحلة
سأمكث تحت قبتها الهنية
لتسمع صوتي
همسي
يلومك أبداً
أنت لم تحبني بما يكفي!
ان جمالية نص الشاعرة شيرين ك تكمن بدقة الوصف وروعة المباشرة، فالمباشرة تنقسم لقسمين، إما واضحة تكون أشبه بالخواطر أو غير مباشرة.. الضربة الفنية التي لا يستطيع ان يكتبها غير المبدع الذي يتميز عن الإنسان العادي، ومباشرة الضربة التي اشتغلت عليها شرين ك هي الواقعية السحرية التي كتبها كتاب الرواية، وقد عرف هذا الفن في الخمسينيات واشتهرت بهأمريكا اللاتينية، وهذا الفن الراقي يتحدث عن الواقع بطريقة سحرية، أي يخلق لغة ثانية، وهناك لون من الحزن والشجن في النص وحديث عن الرحيل مع وجود دلالة لغوية..ان الشعر الكردي يعتمد على الصورة، وأغلب ما وصل لنا من الأدب الكردي القديم هو الشعر وأغلبه وجداني او يحمل هموم الأكراد، وهذه الشفافية سببها الظلم الذي عاشه الأكراد ومع ان الشاعرة شرين ك تحدثت عن نفسها وما تعانيه من ألم وغيره يطل علينا الشاعر الكردي مؤيد الطيب بنص يتحدث فيه عن الحاكم الطاغية الذي يحكم شعبه بالنار والحديد يقول فيه:
تهيجت كلاب السلطان المسعورة
يسكبون الدماء في الأزقة
قالوا:
العجائز الشمطاوات
تنخرن جسدك
وترعشن اوصالك
قالوا:
مهما أظلمت ليلة السلطان
فنارك ستظل نيرة,
ولن تفر مشاعلك وقناديلك
قالوا:
غدوت مدينة كبيرة
لكني !مهما عبرت الشهور والسنين
وكبرت…
وظل الشعر الصوت العالي المسموع، وقد كان للشعر الفضل الكبير في معرفة التاريخ القديم فكان الشعراء لا يتركون شاردة او واردة، وأول ما وصلنا من التاريخ القديم هو شعر مثل ملحمة كلكامش الشهيرة وهي قصيدة موزونة، ومن خلال ما طرح عرفنا أن مؤيد الطيب يتكلم عن الحاكم وكلابه وقد رمز للقتل والتشرد والشاعر في كل نظام يكون حالة خاصة متفردة فهو صوت الشعب وينقل همومهم وأكثر الشعراء يكرهون السلطة والســــــلطان وقد استطاع مؤيد الطيب ان يرسم لنا فكرة انطـــــــباعية عن واقع تعيشه كثير من الأمم، واختزل الطيب الكثير بكلام من خلال الانزياح الذي رسمه، وهذا الانزياح يجعل النص مفتوحاً أكثر عــــــــند الذائقة العامة وقد عرفنا من كل ما طـــــرح مدى الاختلاف بين النظرة والمفهوم عند الشعــراء الكرد ولكن في النهاية نقول إن كل ما طرح كان جميلاً وإبداعاً حقيقياً خلقه نخبة من المبدعين.