المحرر موضوع: بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد المفكر الاسلامي الكبير اطلالة على: المشروع الاسلامي للشهيد الصدر الاول  (زيارة 1618 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل اعلام وزارة العمل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 168
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد المفكر الاسلامي الكبير اطلالة على: المشروع الاسلامي للشهيد الصدر الاول
أمير البصري
المشروع الحضاري (الفكري والسياسي والاجتماعي) الذي تبناه وطرحه اية الله العظمى و المرجع الاسلامي الكبير السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) تقع علينا مسؤولية تجليته وتظهيره لفهمه بعمق اولا ولحاجتنا الماسة والضرورية و للامانة العلمية من هذا المشروع في مواجهة التحديات الفكرية والثقافية والسياسية الآنية التي نعيشها. ان أية حركة في التاريخ لا يمكن ان تدرك وتفهم خارج اطارها التاريخي وخارج الظروف والتحديات والشروط الموضوعية التي تحيط بها، تؤثر فيها وتتأثر بها سلبا او ايجابا.
فما هي الظروف والشروط الموضوعية والتحديات التي اطلقت او انطلق منها مشروع السيد الشهيد؟ ثمة آنذاك ثلاثة تحديات واجهها سيدنا الشهيد كانت تواجه الاسلام والمسلمين عامة وتواجه العراق بخاصة كدولة ونظام حكم منذ الخمسينات وحتى استشهاده رضوان الله عليه في نيسان\ابريل 1980. واجهها ونازلها السيد الشهيد كأعظم ما تكون المواجهة والمنازلة. كانت نتيجة المواجهة والاستجابة لهذه التحديات ان قدم سيدنا الشهيد اطروحة حضارية متكاملة للاسلام على المستوى الفكري والثقافي وعلى المستوى الانساني والاخلاقي وعلى المستوى السياسي و الاجتماعي في الصراع مع النظام الطاغوتي. التحدي الاول: يتعلق بسيادة المفاهيم والعقائد الجاهلية للحضارة المادية التي تستبعد الدين وقدرته على قيادة الحياة و الحكم والسياسة فضلاعن الحادها بوجود .الخالق سبحانه التحدي الثاني: يتعلق بسيادة التخلف والجهل والتقاليد والشكليات في واقعنا السياسي والاجتماعي والديني والعلمي... التخلف في اساليب التعبير والحياة والدراسة والعلاقات. التحدي الثالث: يتمثل بتسلط نظام شمولي قمعي في العراق منذ عام 1968 هو نظام البعث – صدام حسين.-
امام التحدي الاول الفكري والثقافي الحضاري الغربي للاسلام. اصدر سيدنا الشهيد في اوائل (الستينات) (فلسفتنا) عالج فيه نظرية المعرفة في المنطق الارسطي والاسلامي التاريخي والفلسفي الوضعي الغربي، واثبت وجود الخالق سبحانه في ضوء اي من منطلقات المنطق الثلاثة هذه. ولم يكتف السيد الشهيد بذلك فحسب وانما واجه الفكر الغربي بوجهه الجديد الذي تزعزعت فيه ثقته بالمنطق الارسطي الذي يؤمن بالاوليات العقلية كأساس والتي لا تحتاج الى برهان كالجزء اصغر من الكل ولكل معلول عله وسبب و1+1=2...الخ وذلك بعد تأثره بالنظرية النسبية عند انشتاين، وكان برتراند راسل الفيلسوف الانجليزي كبير منظري هذا الاتجاه الذي ذهب الى ان العادة والتكرار هي التي توحي لنا بوجود سبب وعله لكل حادث و هكذا في البديهات الاخرى. واجه السيد الشهيد بسفره العظيم (الاسس المنطقية للاستقراء) هذا الفكر، وعالج نظرية الاحتمالات – رياضيا – واثبت بفرضيات الاستقراء والاحتمال وجود الخالق سبحانه، فحتى لو لم نؤمن بالمنطق الارسطي والفرضيات والبديهات الاولية العقلية، واعتمدنا الاحتمالات والاستقراءات جميعا بالفرضيات والمعالجات الرياضية لنظرية خلق الموجودات فستنتهي بنا هذه الاحتمالات رياضيا للاذعان بوجود الخالق سبحانه. وهذا السفر العظيم (الاسس المنطقية للاستقراء) فتح نادر وعملاق في مواجهة واسقاط الفكر الالحادي الغربي، يحتاج الى دراسات توضيحية وترجمات للغات الحية ليؤتي أكله العظيم. وفي سياق التحدي نفسه اصدر كتاب (اقتصادنا) في الاجابة على تساؤل كان قائما وكبيرا ان الاسلام ليس فيه مذهب اقتصادي خاص به كالاقتصاد الرأسمالي او الاقتصاد الاشتراكي.. فكان كتاب (اقتصادنا) اول واخر محاولة حتى هذا التاريخ لاكتشاف المذهب الاقتصادي في الاسلام.. نعم كل ما كتب سابقا ولاحقا كان في علم الاقتصاد او في القوانين المالية واخلاقيات التعامل المالي في الاسلام ولم تصل هذه المحاولات جميعا لحد اكتشاف الاسس والقواعد العامة والاتجاهات الرئيسية للنشاط الاقتصادي والمالي في المجتمع والدولة الاسلامية، واوضح السيد الشهيد الميزات والايجابيات لهذا المذهب الاقتصادي على الاقتصادين الاشتراكي والرأسمالي فضلا عن عيوبهما وسلبياتهما. وكلما استدعت الحاجة لابراز فكر ومعالجة الاسلام لموضوع ما كان السيد الشهيد ينبري لاجابة علمية حضارية كما فعل في (البنك اللاربوي في الاسلام) عندما بعثت دولة الكويت تسأله عن ذلك. فكان الرائد الاول في هذا الموضوع وكما فعل .رضوان الله عليه في ديباجة ومقدمة قوانين دستور جمهورية ايران الاسلامية وفي مجال التفسير طرح السيد الصدر التفسير الموضوعي للقران الكريم وهو منهج علمي استقرائي جديد ينطلق من الحاجات الموضوعية للحياة وكما طرح نظريته في المنهج التاريخي وهي نظرية (السنن الالهية) الواردة في القران الكريم (ولن تجد لسنة الله تبديلا) (ولن تجد لسنة الله تحويلا). وان هذه السنن التاريخية الالهية تعمل كما يعمل القانون الطبيعي.. وتحتاج الى تقنين .واكتشاف وفي مجال المجتمع وحراكه والعلاقات الاجتماعية المختلفة كانت له نظريته في الاجتماع الانساني والعلاقات الانسانية التي لم تر النور لان ظروف قهر النظام منع كتاب (مجتمعنا) من الصدور كما صرح وذكروا عنه رحمه الله ان الخطوط الرئيسية للكتاب كانت مكتملة في ذهنه. وبكلمة واحدة كان طروحات السيد الشهيد الفكرية والعلمية وفي المجالات كافة:الفلسفة والاقتصاد والتاريخ والتفسير والاجتماع وعلوم الشريعة كالاصول والفقه تمثل مدرسة متكاملة طرحت الاسلام طرحا حضاريا متكاملا يعالج كل .القضايا
التحدي الثاني: كان في سيادة انواع من الجهل والتقاليد والشكليات والتي تحولت مع مرور الزمن الى معوقات في عمليات التغيير المطلوبة في مشروعه الحضاري. فعندما طرح (فلسفتنا) و(اقتصادنا) فقد احدث دويا في اجواء الحوزة الدينية في النجف الاشرف التي لم تعتد ان يكتب او يدرس عالم دين الا في مجال الفقه والاصول فقط ومقدمات في المنطق واللغة تعين الطالب على موضوع استنباط الحكم الشرعي كهدف اساس يقتصر طالب الحوزة عليه.
وحتى في مجال الفقه والاصول عمل على تطوير مناهج البحث والدراسة فيهما فكتب (معالم في الاصول) باجزائه الثلاثة لاعانة الطالب في رحلة السطوح بالاعتماد على كتاب علمي منهجي حديث في الاصول بدلا من الكتب التقليدية التي تكتنفها صعوبات في الاسلوب والمصطلحات. وفي الفقه كتب رسالته العملية في العبادات (الفتاوى الواضحة) فكانت بحق نقلة نوعية في اسلوب الرسالة العملية التقليدي الذي كان معتمدا ولما يزل لدى غالبية المراجع الاخرين على اسلوب قديم يعتمد التبويب القديم و على مصطلحات علمية وفقهية تربك في الغالب المقلد (بتشديد اللام و كسرها) في فهم المسألة الفقهية فكانت (الفتاوى الواضحة) بحق واضحة للمكلف وتعتمد تبويبا موضوعيا وسلسا ووجد المسلم المكلف ولاول مرة رسالة عملية باسلوب مختلف وحديث ومفهوم. وكان يتطلع الى موضوع اصلاح الحوزة ليس في مجال مناهج البحث والدراسة فحسب وانما كان يرى ثمة للحوزة دور رسالي الهي يجب ان تضطلع به في مجال تبليغ رسالة الاسلام الانسانية.. الامر الذي يتطلب اصلاحا في بنيتها كمؤسسة لا ينبغي ان تنحصر في المجال العلمي الفقهي فحسب بل تعنى بجوانب الحياة العديدة الاجتماعية والسياسية وغيرها.
التحدي الثالث: او فلنقل الظرف الموضوعي التاريخي، الذي وجد فيه السيد الشهيد الامة عليه في العراق وغيره من بلدان العالم الاسلامي وهو رزوحها تحت نير انظمة دكتاتورية وعميلة للاستعمار، وفي ظل تخلف في بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبخاصة نظام بعث – صدام حسين الذي كان يجثم على صدور العراقيين قاتلا فيهم كل امكانيات التطور والتنمية، غالقا عليهم كل منافذ الوعي والحرية والحياة الكريمة. ولانه رضوان الله عليه كان يحمل ويختزن قدرات وصفات القائد الحركي الفعلي ليس على المستوى النظري الذي قدم فيه اطروحة التغيير الشاملة لنواحي الحياة بمشروعه الحضاري التغييري – كما اسلفنا – والتي لا يمكن ان تشرع في تحققها الفعلي على الارض، ان لم يصاحبها شرط العمل الميداني السياسي الحركي، الذي لم يتوان السيد الشهيد عن خوضه وقيادته في غمار الامواج العارمة التي كانت تضطرب فيها ساحة العراق و المنطقة وضمن الشروط الموضوعية المحيطة بها. فكانت البداية في تحركه السياسي بعد موجة الوعي التي بثتها اشعاعات الافكار التي طرحها في كتاباته ومؤلفاته ولقاءاته حيث كانت الحاجة الموضوعية ضمن ظروف الكبت القاهرة التي فرضها النظام العراقي آنذاك لبناء الجماعة الاولى المؤمنة بعملية التغيير بناءا عقائديا وسياسيا وفكريا وتنظيميا محكما.. وقد اثبتت التجارب التاريخية لعمليات الثورة والتغيير ان قيادة اي عمليات تغيير ما لم يصاحبها التكوين المحكم العقائدي والفكري والسياسي والتنظيمي للجماعة الاولى المؤمنة تكون غالبا عرضة لاحتمالات الاختراق والتزييف والانحراف والسرقة للثورات. ولذلك وجدنا السيد الصدر يقود ويساهم مساهمة اساسية وفعالة (مع ثلة من العلماء و الواعين) في تأسيس وبناء افكار والنظام الداخلي لعمل (حزب الدعوة الاسلامية)،وأشرف حتى بعد خروجه التنظيمي منه على توجيهه وسلامته الفكرية و مواقفه السياسية. هذا الحزب الذي سيكون له دور فاعل وكبير في مواجهة النظام وتقويضه طوال اربعة عقود حتى الاطاحة به، وسيكون ايضا له دور لكوادر اخرين في عمليات التغيير في اقطار العالم الاسلامي الاخرى. ثم ينطلق رضوان الله تعالى عليه بعيد تأسيس هذا الحزب والتنظيم الذي اطلقه في الامة كونه يمثل احدى ركائز عملية التغيير، انطلق في الدائرة الاكبر لقيادة الامة جميعا الروحية والفكرية السياسية بوصفه عالما دينيا ومرجعا اسلاميا وبخاصة في ايامه المباركة الاخيرة بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران ويقود المعارضة الثورية الاسلامية بذاته وبنفسه في مواجهة اعتى نظام طاغوتي في المنطقة، ورغم عدم توفر اية امكانيات لنجاحها الاني، وليكون استشهاده الرمز الكبير والفاعل لحركة الامة والشعب العراقي في رفض هذا النظام. ولاكتمال صورة المشروع الحضاري الحركي الذي قاده السيد الشهيد الصدر لا بد من احتساب احد اهم شروط نجاح المشروع، وهو ما تمتلكه وتختزنه شخصية القائد من اخلاقيات وخصائص ومميزات ومصداقية حيث تكاد تجمع انطباعات كل من التقاه ولو لفترة قصيرة وكذلك انطباعات اساتذته وتلاميذه بالاضافة الى اعلميته الفكرية الفذة – و تؤكد على شخصية روحية شفافة ذات عاطفة انسانية جياشة بحب الناس، واخلاقيات غاية في السمو والانسانية، وزهد وتقشف في العيش، وشجاعة في اتخاذ المواقف والقرارات.. وباختصار يؤكد كل من التقاه انه ليذكر باخلاق الانبياء والائمة عليهم السلام.
بعد هذه الجولة السريعة في فهم المشروع الاسلامي الحضاري الذي طرحه السيد الشهيد وقاده ودافع عنه حتى الشهادة نستطيع ان نحدد ملامح هذا المشروع وخصائصه ومسؤوليتنا ازاءه بالنقاط التالية:
1: انه مشروع حضاري انساني استيعابي متكامل يتناول فهم ومعالجة كل قضايا الانسان على مستوى الاعتقاد والعبادة والاخلاق والاجتماع والاقتصاد والتاريخ... ومن هنا فان أي اجتزاء لنظريات الاسلام وفهمه وطرحه مجتزئا يعد خللا كبيرا في النظرية، كما يحاول اليوم البعض حصر قضية الاسلام في قضية عقائدية معينة او ان يحصر قضية الايمان باحدى الشعائر والشكليات الطقسية.
2: انه مشروع انساني – اخلاقي يحاول استيعاب الانسان ليس بمصداقية عقائده وافكاره فحسب وانما باخلاقياته ورحمته بالناس كذلك وحبه لهم واحترامه للانسان بالانفتاح عليه بالحوار الانساني الاخلاقي غير مستهين بمشاعره باحثا عن المشتركات والاساسيات المتفق عليها وصولا للحقائق، خلافا لما نشاهده اليوم من البعض من تطاول ومهاترات واساليب لا اخلاقية في النقاش والحوار فاقدا بذلك احد اهم بل اعظم ركائز اعمدة الاسلام وهي الاخلاق فما فائدة دين بلا اخلاق...!؟ 3: انه مشروع علمي منطقي يحاول فهم الاخر والمعتقدات على ضوء الواقع والظروف والشروط الموضوعية وبالتالي هو لا يتحايل ويقتنص على الاخرين... العيوب والخلل وانما يدرس ويحقق معتقدات وفرضيات الاخرين في ضوء الواقع والشروط والظروف الموضوعية التي انتجتها. وبذلك يؤكد مصداقيته وصدقه عند الاخرين حتى نقل عن بعض الشيوعيين العراقيين انهم فهموا الماركسية من كتابات الشهيد الصدر. 4: ولكونه مشروعا علميا فانه ينتج عنه انه مشروع منفتح فكريا وسياسيا واجتماعيا ولا يضيق ذرعا بأي من الاخرين المختلفين معه فكريا وعقائديا وسياسيا واجتماعيا.. وهو انفتاح حضاري انساني اخلاقي علمي غير مفتعل و منطلق من المشترك الانساني. وثمة أدلة عديدة في حراك السيد الشهيد السياسي والاجتماعي والفكري وانفتاحه على الاخر تؤكد ذلك. 5: انه مشروع تجديدي متطور لم يقف عند شكل واحد في اسلوب العمل السياسي والمواجهة وفكريا لم يقف في معالجته لنظرية المعرفة عند المنطق الارسطي وتجاوزه الى نظرية الاستقراء والاحتمالات عند برتراند راسل. 6: انه مشروع حركي عملي ومن هنا كانت تتمثل وتنعكس خطورته على الطغاة وعلى المشروع الاستعماري فلم تكن اطروحاته في التغيير نظرية وفكرية فحسب بل كانت له مناهجه في عمليات التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي – وبذلك كان يتوسل بأي من الاساليب التنظيمية والمرجعية والجماهيرية وغيرها لتحقيق اهداف الاسلام في مشروعه.