المحرر موضوع: الكود الجديد في أعمال برهان الخطيب  (زيارة 914 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. صالح الرزوق

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 1
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي


الكود الجديد في أعمال برهان الخطيب

د. صالح الرزوق

على الرغم من ان كتابات برهان الخطيب حازت على اهتمام غير قليل في الصحافة والنقد الأدبي في الفترة بين ١٩٧٠-١٩٨٥ الا ان هناك بعض النقاط التي تفرضها مستجدات في كتابته هو يقسميها بالكود الجديد.
لا اعلم بالضبط ماذا يعني بالكود. لقد تكلم عنه بارت في اسطوريات ولكن لا رواياته ولا المقابلات والمقالات التي تنسب له تحمل شيئا من مفهوم بارت عن البنية.
برهان الخطيب توليفة تتازر فيها الواقعية والكلاسيكية. وفنون عديدة منها الموسيقا والمقالة والتحليل السياسي. واخيرا المسرح. بسبب غلبة الحوار على ابسرد.
وهذه هي الحالة المتميزة لروايته الحكاية من الداخل. وفيها توسيع لملابسات احداث روايته المبكرة ضباب في الظهيرة. حيث ان نفس الشخصيات تسجل حضورا او عودة على مسرح الرواية. ولكن المونولوج وتيار الشعور يتحول الى سيرورة تذكر وبشكل حوارات متبادلة بين بطل الرواية وهو الكاتب نفسه واصدقاء اليوم والأمس.
ما هو الكود الجديد إذا؟!!.
هل هو رسم شخصيات على حافة الانهيار حسب منطق الوضع الوجودي الذي خلق فراغا ثلاثي الابعاد على مستوى السياسة والفكر والواقع.
ام انه يدل على بنية روائية ذات شكل مختلف مع نفسه. او بتعبير اخر شكل انقلابي بفاجئ القارئ بقدر ما يبدل من قناعات فن الرواية.
***
ان الاجابة بحد ذاتها ملتبسة لاننا لسنا حيال عمل تراكمي. فانا لا اود هنا ان أبني على ما سبق. ولكن ان أبدأ مثل برهان الخطيب من نقطة اعادة النظر بالماضي.
فمعظم اعماله الجديدة هي شذرات من اعمال سابقة. توجد تقاطعات في الاحداث. وتناص يعيد للأذهان فكرة مرسيا الياد عن العود الابدي. او منطق الدائرة. حيث ان الأسلوب يضطر دائما لتكون نهايته عند نقطة البداية في الموضوع.
و للتوضيح. ليالي الأنس هي اعادة كتابة لشقة في شارع ابي نواس. واخبار اخر العشاق هي توسيع للشارع الجديد. والحكاية من الداخل هي اعادة لملابسات الجنائن المغلقة وهكذا ...
ان تصفح اعمال برهان الخطيب الاخيرة، وتصفح يعني، القراءة صفحة صفحة، وسطرا سطرا، بنية البحث عن علامات متميزة، او عن توقيع الكاتب ورسالته (بلغة دريدا)، يؤكد انه يكتب يستعمل لغة عربية ولكن بتراكيب لغات غريبة.
فالعلاقة بين المفردات مسكونة بنوع من القفز فوق البنية. او قانون الأدب الذهني. بمعنى انه لا يلتزم بالشكل التقليدي للغة.
حتى المحدثون في الستينات ومن اهم ابطالهم غادة السمان ومحمود جنداري لا يضحون بأسماء الوصل ولا بنحو المفردات.
فالجملة لا تبدل من العلاقة بين الفعل والفاعل ولا تغير من مكان اشارات التنقيط او حركات الإعراب من اجل تشكيل جو ايقاع يصبح جزءا لا يتجزأ من الأسلوب.
قد تجد ذلك عند الكلاسيكيبن الجدد أمثال احمد شوقي وخليل مطران الذين عربوا مسرحيات شكسبير. ولكن حتى في هذه الحالة نحن امام منطق المرايا الفنية. حيث من المفترض ان يكون الاسقاط ضمن جو الحالة. يعني ضرورة نقل شعرية دراما شكسبير من غير التضحية بمناخ حساسيتها.
و لم تجد هذه المتلازمات أذنا صاغية عند الجيل اللاحق الذي نقل نيرودا وغوتة وبودلير وغيرهم. فقد التزمت الترجمة بالتراكيب والصور ولم تلتزم بروح موسيقا النص. علاقة ترتيب المفردات في الفراغ الألسني.
***
لقد اصبح ترتيب المفردات وحركة الجملة على المحور الافقي من اهم علامات اسلوب برهان الخطيب. وتفرع عن ذلك اهمال بعض حركات الاعراب لتكون الجمل متوازنة. ومتلاحقة. بطول وحجم واحد. وبإيقاع لا يختلف عن القافية والروي الا بالنذر اليسير.
فهل هو يحاول ان يصعد النثر ليكون محل الشعر. هل يريد كتابة رواية شعرية تتأمل الأيقاع المضطرم للنفس التي لا تجد بديلا عن مواجهة الذات (بمطلق المعنى) والماضي (بما ينطوي عليه من عظات وعبر محددة وخاصة)..
و ليكون اللام مفهوما لا بد من بعض الأمثلة.
فيما يتعلق بترتيب المفردات يستفيد النص من كل قدرات اللغة العربية على التسامح والتفاعل. من حذف وتورية وتقديم وتأخير. من ذلك قوله:
بعد فترة زوجها يعود.
حاجبها يرتفع تنبهه.
تسلم على خلدون جواري تخرق صمتها.
لغزها مصنوع والعتب مرفوع لمن يريد الأنس ويأبى فيه الضلوع.
لذلك سر.. استمر قد نقف عليه.
فرز الحقيقية عن وهم برواية لها ترتيب، معه الروائي في جدل غريب مريب.
المرور إلى مصادر المياه الطاقة والمعرفة.
لا شك ان لدى برهان الخطيب تفسير معقول. ولا شك ان لديه حكمة ذات مغزى. فهو خير من يعرف اسرار كتابة رواية مشوقة تلهب العاطفة وتحرض الذهن على التفكير. وروايته شقة في شا ع ابي نواس تعيد للأذهان أسرار وخبايا القاهرة الجديدة لشاغل الدنيا ومالإ الناس، نجيب محفوظ.
و نفس الشيء ينسحب على روايته (على تخوم الألفين). التي اعتقد انها (هوى وكبرياء) عراقية. تلتزم بكل مقاييس النص وتضيف له شيئا من الواقع النفسي المدمر الموشك على اشهار أزمته في مجال الروح.
و كانه يضع فن الادب على المحك. فهذه الرواية هي أدب بجدارة. وليست خيالا فنيا. انها محاولة مع سيرة تحتاج للتصعيد والشرح.
لماذا يريد كاتب سياسي أصلا لا يرى من الواقع غير الازمات والفتن وان كان يحاول تجميلها بقليل من الحب والغرام والعواطف أن يضع الأسلوب عند هذا المفصل الشكلاني.
هل هو تحت تأثير الغربة. حيث انها لم تعد مجرد انفصال عن المكان ولكنها ايضا محاولة للبحث عن ملجأ في الذهن الحاضن.
ام انه يحاول ان يعيد فن الرواية إلى لحظة البدايات. عندما كانت من غير هوية. وتعتمد على نشاط التعريب والاقتباس. وفي الذهن فرنسيس المراش وجماعته.
من غير المجدي أن نضع الأسئلة فوق التطبيق العملي.
و لكن هذه الظاهرة التي تحولت الى قانون في رواياته بعد عام ٢٠٠٥، لا يمكن ان تمر مرور الكرام.
و هذه الأمثلة الأضافية تقرب الصورة للأذهان.
يقول:
ذلك القمر الفتان المحرض على فلتان، يطرحني تحت سماء باهرة لا أنام، صريع هواجس ورؤى وأحلام.
لو حذفنا حرف " القافية" تصبح الجملة:
ذلك القمر الفتان المحرض على الشرود، يطرحني تحت سماء باهرة لا اغلق عيني أمامها، وأغرق في هواجس ورؤى وتخيلات.
و بمقارنة بسيطة مع أية فقرة من رواية لكاتب غربي، ستلاحظ التطابق، الى درجة التماهي
مثلا ورد في فن الهوى وهو نص دراما شعرية لأوفيد ما يلي:
حين غفاسر قواه، خصلة شعره الذهبية، / منحتها خصم أبيها عربون هواها. ص ٥٢ ترجمة الدكتور ثروت عكاشة. الهيئة المصرية العامة للكتاب. ١٩٧٩.
و بالمثل ورد في مكبث لشكسبير وهو نص غني عن التعريف ما يلي:
إنه يجرأ على الكثير،/ وهو إلى معدن ذهنه المقدام/ يتمتع بحكمة ترشد شجاعته/ إلى الفعل بأمان... إلخ... ص ١١٠. ترجمة جبرا ابراهيم جبرا. سلسلة من المسرح العالمي، الكويت. ١٩٨٠.
يتبادر لذهني أن برهان الخطيب يدعونا للعودة الى فجر الرواية. قبل أن تتبلور ويصبح لها قالب ومعايير. وحينما كنا نقتبس عن الغرب ونستعير منهم الأدوات.
ما اشبه اليوم بالأمس.
انها حكمة مشهورة ولربما يريد تدويرها وتذكيرنا بها.
***
لا اتردد لحظة في القول ان برهان الخطيب يحاول اعادة الاعتبار للفكرة في الرواية على حساب الحبكة. وهذا مبرر بضوء مغامرات سابقة منها اعمال حركة الرواية الجديدة في فرنسا.
و منها مغامرة الكاتبة الكندية ان كارسون anne carson التي تكتب الرواية بترتيبات شعرية. بمعنى انها حاولت ترتيب تفاصيل العمل الروائي بذهنية شاعر.
و لكنه اختلف حتى عن هؤلاء بنقطتين: أنه لم يهمل المضمون النفسي للشخصيات وانما اكد عليه. وانه لم يهتم بفكرة الشعرية نفسها وانما بقشور قانون الشعرية. وفي المقدمة الموسيقا. او التوارزي والترادف في الاصوات. كأنك امام كفتي ميزان.
البنية في كفة. والاسلوب في الكفة الثانية. وارجو الانتباه ان البنية هي كتلة لها حجم والاسلوب هو شكل هذه الكتلة.
***
ولكن تبقى المشكلة الاساسية كانني اعيد كتابة اعماله من خارجها.
يعني اتكلم من وراء مقاصد الكاتب وعمله. فهو لا يهدف لتوصيل الرسالة التي اعمل على تفكيكها وشرحها.
ولي بهذا الهصوص تعلق.
ليس من الضروري ان يتفاهم الكاتب مع قارئه. كذلك ليس من المؤكد ان تصل فكرة الكاتب للقارئ. واحيانا يمكن ان يحصل العكس. ان تكون الاسار والاشارات الجانبية اقوى وتهدم روية الكاتب.
واقوى دليل على ذلك سياسة من يمشي في نومه. انه لا يدرك انه يمشي ويعتقد انه في السرير يغط بالنوم البريء والوديع.
في مثل هذه الاعراض (ولها علاقة يتناذرات لا أعرفها شخصيا ولكنها تعكس اللاشعور) انت تستدل على اليء ليس بذاته وانما من اثاره. من المتبقي الذي يتحول نع الزمن لقرائن.
وهنا يبدأ سيناريو الفرق بين القول والفعل. النظري والعملياتي.
فكل روايات برهان الخطيب الاخيرة تحمل اراء عن فن الرواية وفلسفتها ومعاني الأدب وفحواه والمغدى مته. واجد انها أراء تلعب على طرفين.
تحليل بالايحاء. او تفسير ذاتي لبعض اعماله.
واراء عامة تعكس رويته ومفاهيمة وطريقته في قراءة الظاهرة الآدبية.