المحرر موضوع: الموروث العمراني (دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن) في ستة عشر جزء - الجزء الأول  (زيارة 1026 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاشم عبود الموسوي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 84
    • مشاهدة الملف الشخصي
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


الجزء 1 من 16

مفهوم الموروث العمراني :-

     التراث المعماري والعمراني هو كل ما شيده الأجداد من الحضارة في المدن وخارجها وتختلف هذه العمائر بالنسبة لقدمها، والعهود التاريخية التي تنتمي اليها, والفنون والمواد المستخدمة في بنائها, وتبعاً لحالتها من حيث القوة والضعف, والظروف التي المت بها وما تم فيها من اعمال تجديد وتعديل وتغيير المعالم, الريحاوي (1993). وان يجمع بين اعطافه القيم الروحية والجمالية بالاضافة الى كونه تسجيلاً لثقافة ذلك المجتمع وملامحه الانسانية عبر العصور, الجادرجى (1987), ووقوفه في مواجهة التغيير المستمر, التوني (1992). وقد أمكن تسجيل تاريخ الحضارات وتاريخ الشعوب من العمائر التي بنتها وخلفتها من تراث معماري والتي أوضحها "فان لون" في موسوعته "تاريخ الحضارة البشرية" حين أوضح ان تاريخ الشعوب وحياة مجتمعاتها منقوش على حوائط آثارها المعمارية, كما وصف الفيلسوف "ابن خلدون" العمارة الاسلامية بأنها طبائع العمران البشري الذي هو أحسن الوجوه وأوثقها، وعلى صفحاته يقرأ على صفحاتها تاريخ الشعوب, عبد الجواد (1989).
     ويتباين التراث المعماري من المباني والمنشآت والعناصر القديمة التي انتهت وظائفها وبقت أسطحها وعناصرها المادية وما تحتويه من فراغات, الى العمائر التي لا زالت تؤدي وظائف وتحوي أنشطة معاصرة وتلعب دورها دونما تغيير يذكر (كدور العبادة مثلاً) أو توائمت مع الاحتياجات الجديدة للجماعة, واستوعبت الوظائف الجديدة كالمتاحف والملتقيات الثقافية والمكتبات وغيرها, ويشكل التراث المعماري والعمراني احد أهم ركائز الطابع المعماري والعمراني لبيئة الانسان, وحجر الزاوية في ثقافة المجتمعات وتمايزها وهويتها, والتعبير المادي عنها في آن واحد. ويبرز التراث المعماري كمرجع واطار حاكم يضم الثوابت البصرية والتشكيلية التي تمكن من الحفاظ على طابع المناطق والاقاليم ومعمارها من خلال "الاستمرارية" المفتقدة في حركة الحدائة وتوابعها. والمحافظة الواعية على التراث هي فعل مزدوج تتضمن, بالاضافة الى صيانة المخزون التراثي وحمايته, الاستفادة القصوى من ذلك المخزون وتوظيفه كأداة فعالة في التطوير والابداع العمراني, ومن ثم دعم الحركة الثقافية (المحلية والقومية) وبحيث يوفر التراث القواعد للانطلاق والابتكار والاضافة الخلاقة.
     وهكذا فالتراث المعماري والعمراني هو تسجيل لمنهج مجتمعي متميز, التوني (1992).
ولذلك لم يعد الاهتمام بالتراث المعماري والعمراني قاصراً على أصحابه فقط, بل غدت رسالة انسانية, لذا يمكن القول بأن التراث المعماري والعمراني هو مورد حضاري عالمي تتعاون الشعوب جميعها في الحفاظ عليه ودراسته حتى تحفظ خزانتها البشرية من الاهمال او الاندثار.
الموروث العمراني كمورد :-
     ظهرت العديد من الاتجاهات العالمية لحماية المناطق ذات القيمة التراثية, واتخذت أشكالاً عديدة لأسس الحفاظ والتنمية المتواصلة ضمن مشروعات اليونسكو في العديد من دول العالم بدءاً بالاتفاقية الخاصة بحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي في نوفمبر 1972, ومروراً بمجموعة العمل (الانسان والمحيط الحيوي 194), ثم الشبكة الدولية للمحميات الحيوية 1976, وبعدها مؤتمر مينسك / روسيا البيضاء لمحميات المحيط الحيوي 1983, والمؤتمر لدولي للمتنزهات الطبيعية في كاراكاس / فنزويلا- فبراير 1992, ثم اتفاقية التنوع البيولوجي في مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو / يونيو 1992, وأخيراً مؤتمر أشبيلية- اسبانيا- مارس 1995, والتي أكدت جميعها ان التكامل والاتزان بين أهداف الحفاظ والتنمية هو أساس التعامل مع النطاقات ذات القيمة التراثية.
     ولقد أدى تزايد الاهتمام بصيانة المواقع التراثية والحفاظ على ايجابيات المخزون الطبيعي والثقافي العالمي منذ مطلع الستينات الى استحداث الاطر والآليات التنظيمية والتطبيقية التي تعبر الفجوة بين المفاهيم والادبيات العالمية لصياغة وتنمية مواقع التراث, وبين تطبيقها وتحديات الواقع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وتحول الفكر العالمي من قضية صيانة مواقع المناطق ذات القيمة التراثية الى قضية أكثر واقعية وهي ادارة تلك المواقع بهدف الصيانة والتنمية المجتمعية المتواصلة معاً وفي آن واحد.

الخلفية التاريخية:

أن مفهوم إنقاذ وإحياء الموروث العمراني هو عملية مستمرة بعيدة المدى لإعادة تكوين مناطق حضرية متكاملة ومترابطة على أساس خطط شاملة ومتناسقة وخطط اقليمية ملائمة. ويتضمن جميع جوانب البيئة الحضرية والمجتمع. اذ يتضمن تطوير وتحسين الإسكان، والمواصلات وشبكة المرافق والخدمات العامة وتوفر الفعاليات الاجتماعية وتوفير الفضاءات المفتوحة مع مراعاة الاستغلال الأمثل للموارد وتقليص او الغاء العوامل الضارة للبيئة.
     وهو بصورة عامة يعتبر كعملية تكييف الهيكل الحضري للمدن ومكوناته بشكل مستمر للمتطلبات الحديثة للأفراد والمجتمع، وهو يعتمد دائماً في فترة محدودة من الزمن على الامكانيات الاقتصادية والاجتماعية والفنية.
     هو نوع من انواع التغيير (بأسلوب التعويض) للعلاقة الفضائية التي تحكم الشكل الفيزياوي للنسج البنائي في جزء معين منه.
     صيغ مصطلح التجديد الحضري لأول مرة من قبل الاقتصادي الامريكي ( Miles Colean ) عام 1950م وهو يغطي معان عديدة ومتنوعة وفقاً للتوجه التخطيطي وطبيعة المعضلات التي يعالجها.
     عرف ( Grebler ) التجديد الحضري بأنه :- "جهد أو محاولة مدروسة بعناية فائقة لتغيير البيئة الحضرية من خلال تعديل منسق ذا مقياس كبير لمناطق موجودة في المدينة لتوفير المتطلبات الراهنة والمستقبلية للحياة الحضرية، ويحدث مثل هذا التجديد عادة في مركز المدينة أو قريباً منه.
     يعتبر اسلوب تحليل الكلفة – المنفعة ( Cost-Benefit ) من أهم الاساليب المستخدمة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتجديد, حيث ان اتخاذ القرار بالتجديد والسياسة المتبعة تعتمد على ما اذا كان مجموع الفوائد يتجاوز مجموع الكلف التي يستدعيها, الا ان هناك صعوبات كبيرة تواجه تطبيق هذا الاسلوب في برامج اعادة التطوير بصورة خاصة, أهمها :-
-   وجود عدد من العوامل غير المرئية التي يصعب او يتعذر قياسها لانها متغيرات لا تظهر في أي سوق.
-   عادة ما يكون المدى الزمني لمشاريع اعادة التطوير من الطول بحيث ان موازنات الكلف – المنافع في النهاية يمكن ان تختلف جذرياً عن تلك التي تم تخمينها عند اتخاذ قرارات الاستثمار.
-   وجود احتمالية عدم التوقيع الكفوء للموارد من الناحية الاجتماعية.
( Chapin ) عرف التجديد الحضري بانه عملية تغيير الهياكل العمرانية (Physical Structure ) والتي اصبحت لا تنسجم مع متطلبات المدينة في الوقت الحاضر خصوصاً بعد ان تغيرت المدينة استجابة الى ضغط التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
( William Wheaton ) يعرف عملية التجديد الحضري بأنها البرنامج الذي يهدف الى ازالة الاحياء المتخلفة من ناحية, والعمل على تحسين مستوى العيش في المدينة القديمة وذلك عن طريق استبدال تلك المناطق المتخلفة ببيئة صحية تتوفر فيها جميع الخدمات لضرورية من ناحية اخرى.
( Parry Lewis ) عرف التجديد الحضري بعملية التهديم الواسعة الشاملة للملكيات القديمة بطريقة تؤدي الى ازالة منطقة كبيرة من المباني وتسمح بتخطيط وتشييد المباني الحديثة والطرق والفضاءات.
     اذن عملية التجديد الحضري هي عملية واسعة النطاق وتهدف الى خلق بيئة حضرية تتكامل فيها الهياكل العمرانية مع الوسط الاجتماعي والاقتصادي محققة بذلك بيئة تتلائم مع مستوى العيش الانساني.
العناصر الأساسية لعملية التجديد الحضري :-
1-   الواقعية : ان برنامج التجديد الحضري يجب ان تتميز بالواقعية التي تأخذ بنظر الاعتبار البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, عند شروعها في عملية التجديد الحضري.
2-   يجب ان تخطط برامج التجديد الحضري وفق السقف الزمني ذو الأجل الطويل وذلك لان احتمال فشل رنامج لتجديد ذي الأمد القصير وارد جداً.
3-   قبل البدء ببرنامج التجديد الحضري بشكل عملي يجب تصنيف البرامج داخلياً حسب أهميتها مع مراعاة حجم السكان في تلك المنطقة المراد قيام المشروع فيها ومقدار كلفته الكلية.
4-   ضرورة تحديد الأهداف التي تسعى من أجلها برامج التجديد الحضري قبل البدء بعملية التجديد.
5-   يجب ان تقوم برامج التجديد الحضري على ضوء الدراسات التقييمية المرتبطة بشكل عضوي مع السياسة العامة للدولة.