المحرر موضوع: عنكاوا في جنايات الدولة الإسلامية  (زيارة 2145 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جلال مرقس عبدوكا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 156
    • مشاهدة الملف الشخصي
     
 
عنكاوا في جنايات الدولة الإسلامية


جلال مرقس

 قصة قصيرة

ليس غريبا أن تُلَبَّس عنكاوا تهمة الإرهاب لمخالفتها - مع سبق الإصرار والترصد- شريعة الدولة العالمية بإقامة كيان يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها بسبب تملك البلدة سلاحا فتاكا يهدد مستقبل كيانها كدولة نامية . كانت الأنظار موجهة اليها من كل المعنيين ، إذ كيف سُمِحَ لها أن تبني ترسانتها من سلاح (السماح) الذي يفوق خطورة على أفتك سلاح صنعته ماكنة الحرب العالمية في كل العصور والدول .!

بعد أن إشتدت سواعد محاربي البلدة المزودين بأنواع البنادق المرسومة على أوراق المزارع المحيطة حول الكنائس ، خشيت الدولة أن يمتد نفوذها وسحر إنفرادها بالبقاء ضمن دائرة محاطة بمقاتلين يحملون الأعلام السود إرتأت الدولة الإسلامية أن تعالج الأمر بإحدى الطرقتين ، ولمحكمة الجنايات الخيار أيهما تتبنى .

أن التهمة هي من العيار الثقيل تستوجب البت بها لدى هذه المحكمة ، وجرت مراسيم المرافعة بغياب المتهم وبحظور الوكيل المعين من قبل الدولة ، وبدأ المدعي العام  بقراءة لائحة الإتهام على مسمع القاضي الشرعي الذي تتبارز علامات الإنزعاج على أساريره بروزا
: إمّا أن تتخلى عنكاوا من مخزونها الاستراتيجي من سلاحها الإلحادي وتتبنى مرونة أكثر في شطف ترسبات الإيمان كي تستنير بالفكر الأحادي ، وهو ما تتمناه دولتنا ، أو ، وهو ما لا خيار غيره ، أن تسقط تحت حرابنا وتتحول ساحاتها الى مستنقعات دم .

نادى القاضي بإحضار الشهود وخلت الجلسة منهم ، نودي على محامي الدفاع عن المتهم ، حضر ملتحٍ كثَّ الشعر حليقَ الشارب تهتز الأرض تحت قدميه وهو يعربد بأنه سيكون في خدمة المحكمة لإحقاق الحق ، ولمّا سأله القاضي عن معلوماته بخصوص هذه البلدة التي يصفونها – بالجمال والوديعة –
وبعد البسملة وذكر بعض الأيات التي تخدم موضوع المحكمة قال :
: شيخنا المحترم ، الذي رايته بأم عيني والله شاهد على ما أقول ، أن عنكاوا كعين ماء نقية وكالخرفان ناسها وديعة .

   أسكته القاضي بكلام بذيء .
: يا أحمق ، لا أريد مقال أنشائي تمدح به عدوك ، هات ما عندك مما تخدمنا .
: شيخنا القدير ، لا أراني أجافي الحقيقة وهي ساطعة . لم أسمع طيلة فترة زيارتي السرية لها صوت إطلاقة طائشة إلآ ومصدرها بعض الحانات وروادها هم من الزوار.   للمرة الثانية أسكته كي تنحى شهادته منحً آخر .

: شيخنا العزيز ، إيماني برسولي وبما أقسمت به يشدني حرصي أن أُسَمِّع مقامكم ما أعرفه بحقيقته ، الطبائع تجري منها الطيبة حيثما وأينما تذهب ، ولمستها نتيجة مصاحبتي لشرائح متباينة في الجنس والعمر والمذهب ، ما أن يبدأ شجار كلامي بين أثنين حتى ينتهي بالمصافحة والقبلات إيذانا بالمصالحة ، ولم ألتمس الخشونة في إستخدام القول أو فرض الرأي قسرا وأن الحوار الإيجابي هو سيد الموقف .
  ولثالث مرة يسكته قائلا .

: يبدو أنك تشكل خطورة على مجريات المحكمة ، شهادتك تهين مقامنا وبت أخطر علينا ممن أَوكلناك عنهم ، للمرة الأخيرة أُحذرك ، إمّا عليك الإلتزام بما هو مقبول وتكف عن الهذيان ، أو الى غسيل عسير في دماغك .
: شيخنا الموقر ، في الحقيقة أن معلوماتي وما لدى من خزين جم عن هذه البلدة سيوفر لمحكمتكم الموقرة فرصة ثمينة للبت في نوعية القرار الذي ستتخذونه بحقها ، لذا أرجو منحي وقتا آخر للحديث وسيكون الأخير .

  بعد أن أمهله القاضي وقتا أخيرا مع تذكيره بشهادة ترضيه وترضى به المحكمة .
: شيخنا ، البلدة باتت المأوى الآمن حتى لأبناء جلدتنا وعمومتنا وهم من ظهر أشرافنا وأجدادنا ، وقد راق لهم الإستمتاع بمرح مع ساكنيها وهو نسيج تجانس مع بعضه البعض ، بحيث بات من العسر فرز من هم أقاربنا ومن هم الأعداء ، إنها تتشبث بسلاحها السحري النفاذ في وجدان زائريها واللاجئين اليها ، وكلما مارسنا حقنا في تربية جيل في محيط ما باتت أعمالنا هذه مبررا مريحا للّجوء اليها عن طيب خاطر ، وكأننا نُجَسِّد ونُظَخِّم حجمها دون إدراك ، وبات أمر بلدنا كالنفاخة بيد الأطفال تبرز دمامل هنا وهناك ، الأمر يحتاج الى دراسة قَيِّمَةٍ كي نمسح من ذاكرتنا ما رسخت في أذهاننا عن طيبتهم ووداعتهم .
    بدت البشاشة تلوح في عيني القاضي وهو يهز رأسه بالرضى لما سمع ، ويحثه نحو المزيد ، وتابع المدعي العام بقوله مستفسرا .

: ماذا يعني التنافس في حجم وعدد الكنائس المقامة أو التي ستُنشأ لاحقا وهي بلدة صغيرة على حد علمنا.! هل في النية جعلها مركز تجمع المسيحيين من جميع أنحاء الدولة الإسلامية ، وهل لنا دور في تكوين هذا التجمع .؟
 
: وما أدرانا أن أولاد عمومتنا النازحين اليها لن يتلقنوا خصالهم ، مع تزايد عدد اللاجئين اليها وغالبيتهم من كوادر وخبرات علمية وإدارية ، لا نستبعد تثبيت كيان مستقل لها كصفة إدارية ، وهذه الفكرة مدعومة محليا ودوليا ، الحذر الحذر من تعاظم شأنها كي لا يستفحل أمر العلاج . لمجموعتنا دراسات وبحوث مقرونة بأدلة وموثوقة ببراهين سنقدما لقضائكم الموقر ، أرجو تأجيل الجلسة الى وقت آخر ليتسنى لنا تنقيحها وتقديمها لمقام محكمتكم الموقرة .

  يأمر القاضي بتأجيل المرافعة الى ( 1/ 4 / 2015 ) .

   هنا عقد قران لعرسان ، وهنا إحتفالية الخطوبة لساكني البلدة أو القادمين اليها ، وفي  قاعات عديدة ندوات ومحاضرات في مواضيع شتى ، تتسابق الجماهير لحجز معقد في الكافتريات والمطاعم والأندية للإستمتاع لفترة ما ذاقوا مثلها في مدنهم منذ عهد مضى . كل ما شاهدوه في البلدة يبعث الأمن والإطمئنان بحيث خلت آمالهم أن يروا لدى عودتهم الى منازلهم أفضل وأحسن مما شاهدوه من نقاء جوهر أهلها ومسامحتهم للبعض مهما اشتد بينهم الخصام . لا سيطرات وهمية لا حواجز كونكريتية لا إستجواب لمن يسهر الى أوقات متأخرة من الليل دون ارتكاب مخالفة ، من كانت ترتدي البرقع أكتفت بغطاء خفيف فوق قمة رأسها تتنزه لوحدها أو مع زميلاتها في شوارع نظيفة ومتنزهات أنيقة دون أن تُسَمَّع كلمة نابية تخدش الحياء ، أطفال ظيوف البلدة تصاحبوا مع زملائهم تلاميذ مدارسهم من مختلف المدن ويتزاورون فيما بينهم ، هذا هو النسيج الحقيقي المطلوب أن يسود البلد .

أُرفق هذا التقرير الذي قدمه موفد إستخبارات الدولة الإسلامية الى عنكاوا يُستدلى بها المدعي العام أثناء قراءة مطالعته في الجلسة القادمة واعتُبِرَت من الوثائق الهامة والرسمية .
 
   في الجلسة الثانية للمرافعة ، القاعة محددة بنوعية وعدد الحضور ، الكل ينتظر دخول القاضي ، وما أن دخل وقف برهة يتطلع نحو الجمهور وكأنه يستنبط دواخلهم كمن يشم رائحة العرق من أجسادهم . تحدث مشيرا الى المحامي بعد جلوسه أن يكون بكامل إستعداده لتنوير المحكمة بما توصل اليه من إجتهادات . بعد البسملة وتلاوة بعض النصوص المباركة إستجمع المحامي طاقته المشحونة لإبهار القاضي بمدى الجهد الذي بذله في خدمة القضية .

: شيخنا المبجل ، لن أنحاز عن حقيقة كجمالية ربيعي ولاية الموصل ولن أدع الشك يخرم مصداقية ثقتكم باختياركم لنا موكلا عن البلدة .

سوف لن تصدقوا أن سحر إيمان أهل البلدة تقوَّى إثر نزوح الألآف من مختلف الملل والأقوام اليها وخاصة أبناء جلدتنا من الوسط والجنوب ، قبل ذلك كادت الكنيستان الوحيدتان آنذاك تخلو من المؤمنين عدا أيام الأعياد ويوم الأحد ، ولمّا ازدادت عدد الكنائس الى ثلاثة أضعاف كلها تراها مكتظة وعلى مدار أيام الأسبوع حتى باتت تستقطب إهتمام وإنتباه جماعتنا ويُخشى أن يعكس مردودها سلبا على توجهاتنا لو تماطلنا في إيجاد حل في زرع فتيل الإنشقاق بين هذه الجموع المتباينة في الدين والمذهب والإنتماء ، لا أغالي إذا قلت أن ما تسمى بحكومة الإقليم سائرة في قطار البلدة الى حيث توجهها .
إن كنا لا ندري أن ثقل مسؤوليها يوازي ثقل أو يفوق على وزن أي مسؤول رفيع في عموم الشمال فتلك مصيبة تقع آثامها على عناصرنا المندسة هناك ، وإن كنا ندري أن لرجل الدين فيها له أفضل مقام لدى السلطات المحلية وحضوره في أي مجلس ومجتمع يحظ بنصيب وافر من الترحيب يفتقر اليه آخرون من أديان أخرى فتلك صاعقة تهز أركان مؤسساتنا .

قُطِع الحديث بطلب من المدعي العام .

: أَنتقلُ بك الى السكنة الأصليين القاطنين منذ أجيال عدة في هذه القرية الصغيرة وتعد الآن مركز نشر الحضارة ، ما سبب  نزوحهم منها الى الخارج بينما النازحون اليها يشعرون بأمان كما ذكرت .؟

: لنعد قليلا الى فترة حربنا مع إيران . أعطت هذه البلدة العشرات من الشهداء وهم غير مقتنعين بها لأنها لا تمس خطورة تواجدهم ، وزجوا بها رغما عنهم ، فأمطرت الخطورة عليهم لأن المسؤولين آنذاك لم ينتبهوا الى فناء المكون وخلو البلد منهم وكانوا حريصين على بقائهم في الوطن .

: وفق المعلومات التي تردنا أن إقتصاد ساكنها من كل الأجناس والأديان يساوي أضعاف بقية سكان البلد ، كيف تفسر ذلك .؟
: لست مبالغا لو قلت أن أكثر الشركات العاملة في أربيل تتواجد هناك وأعدادها في تزايد مستمر كل يوم ، ويُعتبر هذا مردودا إقتصاديا يدعم الأسرة ، وما إنتعاش التسوق إلآّ دليل على قوة القدرة الشرائية لديهم .
 
: نَوِّرنا عن تاريخ البلدة قبل الإحتلال الأمريكي الكافر لوطننا .

: على وجه التحديد وقبل عقدين من الزمن كانت قرية لا تتعدى حدودها عن كيلومترين طولاً وعرضاُ وتعداد نفوسها لم يكن يتجاوز بضعة ألف فقط ، فمع إتساع رقعتها الجغرافية ألهمت رجالها وقاطنيها إيلاء المزيد من الإهتمام والرعاية في إبرازها كمدينة حضارية تضاهي أرقى مدن العراق قاطبة . بل آلت أن تصبح محور إستقطاب المسيحين في ولاياتنا العربية من سوريا والعراق .

   كان القاضي منشغلا في مطالعة ما قُدِّمت له من وثائق ومستمسكات والسكوت يخيم أجواء القاعة .
: طرحت أفكارا نثق بصدقيتها وربما تفيدنا ببعض الشيء ، لكن ما لمسته أنك متعاطف مع سكانها عندما تصفهم بالوداعة ونقاء النفس ، هل حقا نحن نحارب الشخص أم ما يحمله من فكر وعقيدة هدامة .؟  نتمنى أن ننزع عفن تفكيرهم وإبقاء طيبة أخلاقهم .

: تمنيت ما تتمناه حضرتكم لو كان بالإمكان تصريف مجرى إيمانهم ، وليس هذا بالعمل الهين حاليا .
أخذ الحوار الخافت يجري بين رئيس وأعضاء المحكمة إيذانا بإصدار قرار الحكم وبعد برهة أعلن القاضي ما يلى .

: من خلال توجهاتنا كدولة إسلامية ترعى رعاياها ، لابد من إشعار المواطنين أن لا مكان لمخرب يفترش تراب وطننا ولا لمسيء يرتوي من نهرينا أو يستنشق عبق أجوائنا ، أنذرناهم وأمثالهم أن طريق الأمان والسلام لا يمر إلاّ عبر مسالكنا تحديدا ، ولما باتت البلدة مركز إشعاع القلق لدولتنا ، وحرصا منا على سلامة ساكنيها قررنا إيصال إجراء تحذيري مبدئي وستعقبه أخرى صارمة لو شهرت سحرها بوجه دولتنا الفتية ، ومن الله التوفيق .

الخميس 16/ 4 / 2015 
   
   وهكذا نفذ الإنذار بانفجار وسط البلدة يوم الجمعة (17/4/2015)


غير متصل Naseer Boya

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 320
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عاشت ايدك استاذ جلال على هذه القصه الرائعة وهذا السرد والذي يجعل القارئ ان يستنبط الكثير من الحقائق في كل جملة و في كل سطر وبصراحة انا اعدت قرائتها مرتين للتعمق في مضمون هذه القصةوالتي هي الحقيقة كلهاو ليس بها شيء من الخيال...تحياتنا لك الرب يباركك استاذي ويطول عمرك والى المزيد من العطاء..
نصير بهنام عليبك
النمسا

غير متصل جلال مرقس عبدوكا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 156
    • مشاهدة الملف الشخصي
السيد نصير عليبك المحترم
تحيةوتقدير
أشكر مشاعرك وتقييمك للقصة التي هي من صلب حقيقة البلدة على مدي عدة عقود .

ملاحظة/ أعتذر من القراء المحترمين بوجود أخطاء مطبعية في القصة .
1-جاء في فقرة -أن تعالج بإحدى (الطرقتين) والصواب هو (الطريقتين).
2- كما جاء- في أي مجلس ومجتمع (يحظ) والصواب هو (يحظى).
3- في ذيل القرار ثُبَّت تاريخ (الخميس 16/4/2015) والصحيح هو (الأربعاء 1/4/2015 )

أشكرك ثانية لأن بمداخلتك أفسحت المجال لي كي أُصحح هذه الأخطاء.
 
تحياتي لك ولأفراد أسرتك ، متمنيا لكم موفور الصحة والموفقية دائما.

غير متصل farhadhakeem

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 99
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حضرة الأستاذ القدير جلال مرقس..
لا أستطيع أن أعبر عن مدى أعجابي بالمقال غير أن أقول أنه رائع.. رائع.. رائع. روعة في الفكرة وأروع في المضمون والمعنى، الأخ نصير قرأه مرتين أما أنا فقرأته أكثر، وفي كل مرة أكتشف معان وأفكار رائعة بين السطور !! تحياتي

فرهاد عبد الأحد حكيم
عنكاوه
Farhad Hakeem

غير متصل جلال مرقس عبدوكا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 156
    • مشاهدة الملف الشخصي
عزيزي فرهاد
تحيةوسلام

 أشكرك على قراءتك لمأساة بلدتنا من خلال قصة ( عنكاوا في جنايات الدولة الإسلامية)
وأكرر شكري على الإيميل في مداخلتك لموضوع (من سيدفع فاتورة المالكي ) وما ذكرته هو الصواب.
لك ولكل أفراد أسرتك قبلاتي.
jalalmabdoka@yahoo.com